|
الإصلاح الإجتماعي ، فصل شطبه البعض من أديانهم خوفاً من الرأي العام
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2618 - 2009 / 4 / 16 - 03:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس من المستغرب هنا أن يقرع بابك ، أو يستوقفك بأدب جم في طريق عام ، أو يسألك من وقتك بضع دقائق في حديقة عامة ، واحد من المبشرين - أو أكثر - ليعرض عليك معتقده . هؤلاء المبشرين تجدهم في كل مكان تقريبا ، و من عقائد مختلفة ، و جنسيات متنوعة ، و لا ينحصر نشاطهم في منطقة معينة أو في شريحة محددة من المجتمع ، فيمتد نشاطهم للأقليات العرقية و الثقافية المكونة لنسيج المجتمع الروماني ، و كذلك للأقليات المهاجرة ، فكم من مرة أمطرت بمطبوعات بالعربية لأديان و طوائف عدة . النقاش مع المثقفين المنفتحين عقليا من هؤلاء المبشرين أعتبره متعة كبرى ، و لما لا ، ألسنا لليوم نشيد و نتيه فخراً بمجالس الخليفتين المأمون العباسي و المعز لدين الله الفاطمي ، التي كانت تضم أهل النحل و الملل المختلفة ، إسلامية و غير إسلامية ، ليتناقشوا في مسائل العقائد بحرية مطلقة و أمان تام ، و نعد ذلك مفخرة و نموذج للتسامح الإسلامي ؟؟؟ على إنني أختلف مع تلك المجالس في تجنبي النقاش في مسائل العقائد - ما أمكنني ذلك - إبتعادا عما يجلب الكراهية و البغضاء ، و بعدا عن الجدل العقيم ، فقط أسأل عنها ، لو كانت الطائفة أو الدين ، الذي يبشر به من أمامي ليس لي به سابق معرفة ، أو معرفتي به منحصرة في مصادر غير أصلية ، أو طلب المبشر أن أعرض عليه رأي الإسلام في مسألة معينة يدور حولها كلامه . تركيزي دائما في تلك المناقشات على المسائل الإجتماعية . عن دور الدين في تطوير المجتمعات و النهوض بها . لهذا كان سؤالي في أحد المرات مع بعض المبشرين الأمريكيين حول موقف كنيستهم من الأمريكيين الأفارقة في الماضي ، و كان الرد أن كنيستهم كان موقفها أبان فترة الفصل العنصري بين البيض و السود متماشيا مع مبدأ الفصل هذا ، و إنه بمجرد أن تم إقرار الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة ، في سيتينيات القرن العشرين ، فتحت أبوابها لهم . كان الرد عجيبا ، و الأعجب منه كان التبرير الذي ساقوه عندما أبديت إعتراضي على الموقف المخزي ، ذلك إنهم إستندوا على اللعنة المذكورة بحق حام في العهد القديم في سفر التكوين ، متجاهلين لما هو مذكور في كتابهم المقدس ، في الفصل الثاني عشر من سفر العدد عن العقاب الذي حل بواحدة من أفراد أسرة موسى - عليه السلام - لغضبها من زواجه بكوشية ، أي أفريقية ، و تجاهلهم لمبدأ رفض توارث الأبناء لخطايا الأباء المذكور في حزقيال الفصل الثامن عشر ، و نسيانهم لقصة تبشير فليبس أحد تلاميذ المسيح - عليه و على أمه السلام - لوزير ملكة الحبشة ، الواردة في العهد الجديد في سفر أعمال الرسل الفصل الثامن . فكان أن تم تحويل الدفة ، و محاولة رمي الخطأ على المجتمع ، بقولهم أن المجتمع كان في ذلك الوقت مشبع بالأفكار العنصرية الكريهة ، و كان على كنيستهم التماشي معه . إنه رد مماثل ، في جوهره ، لموقف مبشرين أخرين من كنيسة أخرى ، حين سألتهم عن موقف كنيستهم من الحرب في العراق ، هل كانت مع الحرب أم ضدها ؟ فكان ردهم أن كنيستهم إلتزمت الصمت ، و أخذت موقف الحياد ، لأن أعضائها كانوا منقسمين بين مؤيد و معارض للحرب . إنه موقف عجيب ، أن تكون المواقف التي تتخذها بعض المؤسسات الدينية نابع من الرغبة في التماشي مع المجتمع ، و محاولة إرضاء الأعضاء ، و ليس تطوير مجتمعاتها و النهوض بأعضائها فكريا ، و لو إستلزم ذلك المواجهة و خسارة بعض الأعضاء ، فالمهم ألا يخسر بقية الأعضاء أنفسهم . لا أريد أن يفهم من ذلك إنني أنقد كل الكنائس الأمريكية أو الغربية ، فالعديد منها وقف و يقف بصلابة مع السلام في الشرق الأوسط ، و العديد منها شارك في الكفاح من أجل إلغاء الرق و الفصل العنصري ، مثلما لا أوجه غضبي للمجتمع الأمريكي ، الذي خاض حرب أهلية مريرة من أجل إلغاء الرق ، و وقف أغلبه مع نضال الأمريكيين الأفارقة في الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي من أجل إلغاء التمييز العنصري في ولايات الجنوب الشرقي ، و إنتخب العام الماضي أول رئيس للولايات المتحدة نصفه أفريقي الأصل . إنما نقدي لطائفة من رجال الدين و مؤسساتهم ، الذين يظنون أن كسب الأتباع يكون بالسكوت على الأخطاء الإجتماعية مادامت شائعة و متقبلة من غالبية أعضاء مجتمعاتهم . و هذا النقد لا ينصب فقط على بعض الكنائس المسيحية ، لأن الكثير من رجال الدين المسلمين البارزين و كذلك الكثير من المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية و الأهلية ، ليسوا بعيدين عن مرمى هذا النقد لنفس السبب ، أي مجاراة مجتمعاتهم أو حكامهم في أخطائهم ، فهم قد سكتوا عن الرق في الجزيرة العربية خاصة في مملكة آل سعود ، و عن الرق في موريتانيا الذي لازال يمارس في الخفاء ، و عن فترات عودة الرق إلى السودان في عهد الرئيس السوداني عمر البشير ، فكانت منطقتنا أخر منطقة توصم بهذه الوصمة في العالم . كما سكت الكثير منهم على مساوئ حكم طالبان في أفغانستان في التسعينيات من القرن الماضي ، و على التطبيق التمييزي لأحكام الشريعة في السعودية ، و على التمييز السلبي الواقع بحق النساء و الأقليات في الكثير من المجتمعات الإسلامية لهذه اللحظة ، و الأهم على فساد معظم حكام المسلمين و إستبدادهم في الوقت الراهن ، و سكوتهم على هضم حقوق الفقراء و المستضعفين . لقد نجح الكثير من رجال الدين ، شرقا و غربا ، و شمالاً و جنوبا ، في تحويل الأديان إلى مسائل عقائدية و شرعية بحتة ، و تم إغفال الرسالة الإصلاحية الإجتماعية للأديان ، خوفا من إغضاب الرأي العام بمجتمعاتهم أو / و خوفا و تملق لحكامهم ، فالأسباب تختلف ، و النتيجة واحدة ، تأصيل الأخطاء .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطن علم أن الطريق لن يستكمل ، فقرر عدم السير فيه
-
العدالة ، و لو كانت دولية ، لا تتعارض مع الوطنية الحقة
-
التقليديون لا يدخلون التاريخ يا ساركوزي
-
إلى الولايات المتحدة : أفضل حافز لإيران رفع الغبن الديني في
...
-
ليست هذه هي قاهرتنا المفقودة ، و ليس هذا هو التنوع الثقافي
-
السادس من إبريل دخل التاريخ وتجاوزه التاريخ ، لنبدأ صفحة أخر
...
-
السادس من إبريل دخل التاريخ وتجاوزه التاريخ ، لنبدأ صفحة جدي
...
-
السادس من إبريل دخل التاريخ و تجاوزه التاريخ ، لنبدأ صفحة أخ
...
-
السلام لا يبنى على أنقاض حقوق الإنسان
-
نعم على الأمريكيين في مصر توخي الحذر ، و لكن من النظام الحاك
...
-
سنجعل مبارك يرتدي الجلباب الأزرق و يمسك بالنبوت و يرقص التحط
...
-
إستعادة أسماء القرى المصرية القديمة ، إستعادة لتاريخنا و هوي
...
-
إلى العقيد القذافي : إتحادنا الأفريقي هدفه الخير ، لا الإستق
...
-
مبارك هو الإرهابي الأول في مصر
-
إلى متى ستبقى الديمقراطية العراقية الحالية ؟ هذا هو السؤال
-
ثورات الطالبيين ، ثورات من أجل العدالة الإجتماعية
-
لننفتح على العالم بإتقان العربية الفصحى و الإنجليزية ، و لا
...
-
البقاء فوق الخراب ليس إنتصار
-
الإضرابات يجب أن تستمر ، إنها حرب إستنزاف نفسية
-
سلاح مبارك لحماس ، سلاح لقتل الديمقراطية الإسلامية و الديمقر
...
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
-
المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس
...
-
الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف
...
-
الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج
...
-
هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
-
اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة
...
-
خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض
...
-
تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل
...
-
“toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة
...
-
فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|