أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في نقد الأصولية















المزيد.....

في نقد الأصولية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2618 - 2009 / 4 / 16 - 11:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد يمكن تمييز الأصوليات بإرادة عودة كل منها إلى أصول مثالية مفترضة، أو بنزوع إلى عرض ذاتها ككل لا فجوات فيه، يؤخذ كما هو أو ينبذ جميعا. بيد أننا سنعرف الأصوليات هنا بموقف "المفاصلة" الذي تقفه من غيرها، أي القطيعة مع الخصم أو من يعتبر كذلك. تظهر الأصوليات نزوعا ثابتا إلى المخاصمة مع كل من لا يتفق معها بالكامل، مع ميل إلى نسبة الاختلاف عنها ومعها إلى مذهب كلي موحد مثلها. فالديمقراطية تبدو للأصولي الإسلامي دينا أو تأليها لرأي الأكثرية. وكانت تيارات الفكر الغربي المختلفة تبدو للشيوعي الستاليني مذاهب لا فروق بينها لفكر برجوازي رجعي واحد. وتبدو التيارات الإسلامية المتنوعة متماثلة في عين علمانويين (أصوليين علمانيين)، عرب وغير عرب. كما يبدو الإسرائيليون جميعا متماثلين في نظر القوموي أو الأصولي القومي العربي. ويجنح هؤلاء جميعا إلى إلحاق الطرف المعترض عليه بأشد تعبيراته تطرفا كي يسهل لهم رفضه، ويسوّغ موقف المفاصلة حياله.
وكان مفهوم المفاصلة تبلور في كتابات الأصولي المصري سيد قطب في سياق تجذر الخصومة بين الإسلاميين المصريين والدولة الناصرية، سياسيا وفكريا ونفسيا. فالمفهوم يستبطن قطيعة مطلقة بين الطرفين، انتهت بقطب كما هو معلوم إلى حبل المشنقة.
في جذر ما قد تناسب تسميتها "التفاصلية" أو نزعة التفاصل في شتى صورها نزوع ثابت نحو دمج البعدين المعرفي والسياسي، أو إلحاق السياسي بالمعرفي في نظمنا الفكرية. التفاصلية، تاليا، لا علمانية بالضرورة، حتى لو انتحلت الفكرة العلمانية. إن العلماني الذي تتعارض منطلقاته المعرفية تعارضا لا ريب فيه مع منطلقات الإسلامي، قد ينزع إلى تبني سياسة معادية للإسلامي كيفما كان هذا، وبصرف النظر عن مقتضيات الملاءمة السياسية ومردود ذلك على مستقبل العلمانية. والنزوع المحتمل هذا، وليس التعارض بحد ذاته، هو ما يجعل منه أصوليا، أو تفاصليا، أو "علمانيا مجاهدا". ولا ينبع التعادي بصورة محتومة من الفكرة العلمانية إلا حين تصاغ هذه بصورة مذهب مطلق، أي حين تكون عقيدة وسياسة، دينا ودولة. العلمانية المستنيرة أو الدستورية، إن صح التعبير، لا تتخلى عن منطلقاتها الفكرية التأسيسية، لكن يفترض المرء أنها لا تنخرط في مواجهات إلغائية تفاصلية، تضعف فرص العلمانية بالذات.
نقيض التفاصلية، ما يمكن أن نسميه "التواصلية"، ينزع بالعكس إلى إلحاق المعرفي بالاجتماعي والسياسي (أو النظري بالعملي)، فيجعل من التطلع المحمود نحو التسوية والتفاهم والتوفيق بين الناس ودعاة التيارات الفكرية والسياسية المختلفة مبدأ لشرعية المعرفة ذاتها. تخلط "التواصلية" بين مقتضيات الإجماع والتفاهم الاجتماعي من جهة، وبين مقتضيات المعرفة حيث لا إجماع ولا تفاهم من جهة ثانية. وبينما تجعل التفاصلية من مخاصمة المختلف وإقصائه مسألة مبدأ، فإن "التواصلية"، تجعل من التسوية مبدأ للعقل ذاته. الأولى تلغي السياسة. الثانية تلغي المعرفة.
ويتأدى الموقف الذي يلحق المعرفي بالسياسي إلى التوفيقية، فيما يفضي الموقف العقلي والعملي الذي يلحق السياسي بالمعرفي إلى الإقصائية. وفي تقابل التوفيقية والإقصائية يتجسد المأزق الفكري العربي اليوم. فأكثر النقد الموجه ضد التوفيقية ينطلق من مواقع إقصائية محتكرة للصواب، تنكر الحاجة إلى التفاهم والوئام الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتنا. وأكثر النقد الموجه ضد الإقصائية أو ضد الأصوليات التفاصلية يجعل من التوفيق والإجماع معيارا للمعرفة ذاتها.
المبدأ الذي يتعين إبرازه في هذا السياق هو أنه لا حجية للإجماع في مجال المعرفة، ويمكن أن يخطئ جميع الناس ويصيب شخص واحد كغاليليه. أما في مجال السياسة والعلاقات بين الناس وحياتهم الاجتماعية فأرجحية الإجماع أو خيار الأكثرية مسألة تعريف للسياسة الديمقراطية في الدولة القومية الحديثة. ويحصل أن يكون حتى هذا الإجماع مدانا من وجهة نظر أخلاقية أو إنسانية. معلوم أن النازيين استلموا السلطة في ألمانيا عام 1933 بحصيلة انتخابات حرة. معلوم أيضا أن سياسة الغزو الأميركي نالت على الدوام تأييدا شعبيا أميركيا واسعا، لم يفتر في أوقات لاحقة إلا بسبب الخسائر البشرية أو الأعباء المادية. لكننا لا نعرف معيارا لسلامة السياسات في ظل الدول القومية الحديثة غير استجابتها لتفضيلات الأكثرية الاجتماعية. وإن كانت نظرية الديمقراطية تركز أيضا على الاندماج الوطني أو بناء الإرادة العامة وعلى نشر التعليم والثقافة والفضيلة العامة، من أجل بناء رأي عام مستنير. غير أن هذا ليس موضوعنا.
ما نريده هو تقرير مبدأ استقلال المعرفة (أو العقيدة) والسياسة عن بعضهما. وغير خاف أن هذا هو أساس العلمانية. معيار السياسة هو مردودها من التفاهم والتوفيق والوئام والتسوية بين مصالح متعارضة. وهذا أشد إلحاحا في مجتمعاتنا المهددة بالتمزق والانقسام على نفسها. بالمقابل معيار المعرفة هو "مطابقة" الذهني للواقعي. وبقدر ما يتعلق الأمر هنا بالمذاهب ونظم الفكر الاجتماعية والسياسية فإنه ينضاف إلى معايير الحكم عليها الطرافة والابتكار وأصالة النظرة.
والتمييز بين المعرفي والسياسي يجعل التوفيقية بلا معنى، إذ يسند مطلب التوافق والوئام إلى السياسة ويحرر النظريات والمذاهب من عبء القيام بها، العبء الذي يفقدها اتساقها الذاتي. بعبارة أخرى، التوفيق بين الناس وليس بين الأفكار، بين المصالح الاجتماعية والقوى السياسية وليس بين المذاهب والنظريات الاجتماعية. التوفيق بين الماركسيين والقوميين مثلا، وليس بين الماركسية والقومية، وبين العلمانيين والإسلاميين وليس بين العلمانية والإسلام أو الإسلامية، وبين الليبراليين والاشتراكيين وليس بين الليبرالية والاشتراكية. التوفيق هذا يقصي الإقصائية دون المساس بتكامل واتساق شخصية نظم الفكر المعنية، ودون تنازل للمذهب التوفيقي.
والحال إن من الحيوي في مجتمعاتنا المعاصرة الجمع بين أقصى حد من الاعتدال السياسي، بالمعنى الأصيل للكلمة لا بالمعنى الإيديولوجي السلطوي (القرب أو البعد من الطرف الذي يوزع أحكام الاعتدال والتطرف) وأكبر قدر من الأصالة الفكرية. أي بين تفاعل اجتماعي وسياسي معافى ومتحرر ونشط، وبين نظم فكر واعتقاد طريفة ومتسقة ذاتيا ولا تشبه بعضها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في نقد الأصولية