أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - فتاوى تَعْظُم فيها الصغائر وتَصْغُر العظائم!















المزيد.....

فتاوى تَعْظُم فيها الصغائر وتَصْغُر العظائم!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2614 - 2009 / 4 / 12 - 10:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"المفتي"، تعريفاً، هو مختص بـ "الإفتاء"، يجيب دينياً (أي إسلامياً) عمَّا يشكل ويلتبس من أمور ومسائل في حياة الناس (الفرد أو الجماعة) المؤمنين، مبيِّناً لهم "الحُكْم الشرعي"؛ و"المفتي"، صفةً، هو، وبحسب ابن القيم، مُبْلِغٌ عن الله، وعن الرسول، أي أنَّ الرأي الذي يدلي به (أو الفتوى التي يُخْرجها) يجب، ولو من حيث النيَّة والقصد، أن يكون مِمَّا يُقرُّه الله ورسوله.

و"الفتوى"، مهما كانت منزلة مُخْرِجها، ودرجة أهليته؛ ولو كانت محل إجماع بين أهل الإفتاء، تظل رأياً لصاحبها، يصحُّ فيه قول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". و"الأجرأ على الإفتاء"، على ما قال الرسول، "أجرأ على النار"؛ فإذا أراد "المفتي" أن يقي نفسه عذاب النار فإنَّ عليه أن يزن كل كلمة يقولها في فتواه، وأن يجتهد في جعلها، على ما يُقدِّر في نهاية مطافه الطويل الشاق، مستوفيةً لشروط نيله الثواب، وإلاَّ وجب عليه أن يكون "مفتياً سلبياً"، أي أن يقول "لا أعلم"، فإنَّ "من قال لا أعلم فقد أفتى".

و"الفتوى"، في بعض من أهم معانيها الدينية الإسلامية، يجب أن تكون بِنْتاً للحياة، والعصر، والواقع، فأهميتها وشرعيتها تُسْتَمدَّان أيضاً من ظرفي الزمان والمكان، ومن الحياة الواقعية للناس، بما تخلقه لهم من مصالح واقعية حقيقية، وبما تولِّده فيهم، ولديهم، من احتياجات واقعية حقيقية، ومتغيِّرة، فالدين كلمَّا أجاب عن الأسئلة بما ينفع الناس، ويلبِّي احتياجاتهم، ويمكِّنهم من العيش بما يوافِق زمانهم ومكانهم، وبما يراعي اختلاف ظرفي الزمان والمكان، تأصَّل في نفوسهم أكثر، وعَظُم ظهوره في سلوكهم وتصرُّفهم.

لا بدَّ من قول ذلك؛ لأنَّ الناس في المجتمع المسلم في ميل متزايدٍ إلى طلب الفتاوى؛ وهذا الميل هو جزء من ميلهم الأوسع إلى أن يزنوا كل تصرُّف (فردي أو جماعي) بميزان الحلال والحرام، فتلوين كل منحى من مناحي حياة الأفراد والجماعات بلون الدين الإسلامي، والذي هو شمولي الطبيعة، هو ما يستبدُّ بتفكير كثير من الناس، أو أكثريتهم.

ومن هذه "الحاجة السلوكية ـ الدينية" التي في اشتداد وتعاظم، يَنْفُذ إلى عقول الناس كثيرٌ من المُغْرضين في "فتاواهم"، والمتَّجرين بها، والذين، عن وعيٍ أو عن جهلٍ، يريدون لفتاواهم أن تكون مُسيِّراً لكثيرٍ من المسلمين (والشباب منهم على وجه الخصوص) بما تشتهي مصالح وأهداف قوى تلبس لبوس الدين توصُّلاً إلى سَتْر عدائها للشعوب الإسلامية، بمصالحها وحاجاتها الواقعية الحقيقية غير الوهمية.

في فتاواهم تَصْغُر العظائم، وتَعْظُم الصغائر، فالأمور والمسائل التي تضرب جذورها عميقاً في المصالح والحاجات العامة والأساسية للمسلمين، أفراداً وجماعات، لا مكان لها في فتاواهم على فيضها وكثرتها وتكاثرها؛ فلم نسمع قط أنَّ أهل الإفتاء قد توفَّروا على إخراج فتوى يؤكِّدون فيها للعامة من المسلمين أنَّ الديمقراطية ليست من الكفر في شيء، إنْ لم تكن من الإيمان، وكأنَّ لهم مصلحة تقضي بالتصالح مع ذوي المصلحة في إبقاء شعوبنا ومجتمعاتنا بمنأى عن الديمقراطية بخيرها وشرِّها.

فتاواهم إنَّما هي لتعظيم الصغائر؛ وكيف لها أن تكون غير ذلك وأصحابها لا ينطقون إلاَّ عن هوى مصالح صغيرة لهم، تهوي بنا، إذا ما صدَّقناها، وأخذنا بها، إلى الدرك الأسفل من النار التي يُعدُّونها لنا بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية جُبِلَت على العداء لحقوقنا الديمقراطية، ولقضايانا ومصالحنا القومية؟!

إنَّ أحداً منهم لم يجرؤ على أن يفتي بما يسمح بتذليل العقبات من طريق قيام صحافة حرَّة في الدول العربية؛ ولكنه لم يخجل من أن يمتثل لمشيئة شياطين الاستبداد، وأن يصنع لهم فتوى يبيح لهم فيها "جلد الصحافي" الذي ينشر أخباراً غير صحيحة، أو تُشهِّر بوزراء ونوَّاب..

حتى تحرير المرأة، وتحرير العلاقة بين نصفي المجتمع، بما يرفع منسوب الحرية في المجتمع، ويزاوِج بين تديُّنه وتحضُّره، لم تشمله الفتاوى إلاَّ بما يؤدِّي إلى رفع منسوب الرذيلة، فالمرأة، بحسب "فتوى إرضاع الكبير"، ينبغي لها أن تُرْضِع زميلها في العمل (والذي تعمل معه في غرفة واحدة) خمس رضعات، فيصبح، بالتالي، محرَّماً عليها، فتكشف عن شعرها وتَخْلع الحجاب أمامه؛ وتتحوَّل "الخلوة"، بحسب تلك "الفتوى"، من "غير شرعية" إلى "شرعية". "الرذيلة"، بحسب "فتوى" الدكتور عزت عطية، رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، والذي أثبت أنَّه مُرْضِعة لفساد أخلاقي عظيم، إنَّما هي "الاختلاط" بين الجنسين في العمل؛ أمَّا "الفضيلة" فهي أن تكشف المرأة لزميلها (ولكثيرٍ من زملائها من ثمَّ) عن صدرها لترضعه خمس رضعات (لا أكثر ولا أقل)!

جمال البنا، الذي يوصف بأنَّه "مفكِّر إسلامي"، أراد أن يحل مشكلة "الطرف الثالث"، وهو إبليس، فالمرأة والرجل (من غير المتزوِّجين، أو من غير المحارم) ما أن ينفردا في خلوة حتى يصبح ثالثهما إبليس، فيزيِّن لهما الرذيلة وارتكاب الحرام. لقد حلَّها إذ حلَّل القبلات بين الجنسين في الأماكن العامة، أي على مرأى من الناس، ففي المكان العام يُحَلَّل ما يُحرَّم في الخلوة، التي هي أيضاً محرَّمة!

حتى "الشيخ" نزار قباني لم يجرؤ على قول ما قاله "المفكِّر الإسلامي" جمال البنا، فقصارى قوله كان "إذا ما اجتمع رجل وامرأة خرج الشيطان"!

أمَّا أعظمهم شأناً ومكانةً في دنيا الإفتاء إلا وهو مفتي مصر الدكتور علي جمعة، والذي لم يُفْتِ قط إلاَّ بما يقيم الدليل على أنَّه علينا، وليس مِنَّا، فلم يَجِد من أمرٍ يستحق أن يُخْرِج فيه فتوى سوى "بول الرسول"، ففتى بـ "التبرُّك ببول الرسول"، ضارباً صفحاً عن حقيقة أنَّ الرسول بشر، وعن الآية "قل إنَّما أنا بشر مثلكم".

هذا المفتي ختموا على فمه، فلم يرَ ما يستدعي أن يُخْرِج فتوى يُحرَّم فيها أن يشارِك أي مسلم في الحصار الإسرائيلي (والدولي) المضروب على المسلمين، وعلى أطفالهم على وجه الخصوص، في قطاع غزة، وكأنَّه فضَّل أن يرى في جوعهم، وتجويعهم، امتحاناً لصلابة وقوَّة إيمانهم!

وأحسب أنَّ وجود هذا المفتي، مع أمثاله وهُمْ كُثْر، يشدِّد الحاجة إلى "علمانية" من نمط آخر، أي إلى تخليص الدين، ورجاله ومؤسساته..، من قبضة الدولة، فخضوع الدولة للدين عندنا إنَّما يعدل قطرة في بحر خضوع الدين للدولة.

إننا في "عصر السرعة"؛ ولكننا لم نرَ من أثرٍ لهذه السمة لعصرنا إلاَّ في "الوجبات السريعة"، وفي "الفتاوى السريعة"، التي يطهونها لنا شيوخ الفضائيات في دقائق معدودات، لعلَّ المتضورين جوعاً إلى الفتاوى من أبناء مجتمعنا "يهتدون"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أصل الأنواع- في الكتَّاب!
- أوباما -يكتشف- تركيا!
- العرب.. أُمَّة عاطلة عن العمل!
- الموت والحياة!
- -الوسيط- ليبرمان يجب ألاَّ يفشل!
- كفاكم استئساداً على -المبادرة-!
- جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!
- غساسنة ومناذرة جاءوا إلى الدوحة!
- ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!
- -الاحترام-.. حلال على حكومة نتنياهو وحرام على الحكومة الفلسط ...
- أوباما ينفخ في -وول ستريت- ما يشبه -روحاً إسلامية-!
- التَّحدِّي اللغوي!
- -الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
- في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
- -أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
- شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
- على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
- وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
- -الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
- أزمة -مقالة الرأي-!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - فتاوى تَعْظُم فيها الصغائر وتَصْغُر العظائم!