أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا علي - ديوان عبد اللطيف أطيمش الجديد















المزيد.....

ديوان عبد اللطيف أطيمش الجديد


عبد الرضا علي

الحوار المتمدن-العدد: 2612 - 2009 / 4 / 10 - 09:06
المحور: الادب والفن
    


"توابيت عائمة"
انفعالات الذات وعلاقتها بالآخر

د. عبد الرضا عليّ*

(1)
علق اسمهُ في الذاكرةِ في بدايةِ ستينيّاتِ القرنِ الماضي عبر صوتهِ
الدافئ الرقيق الخجول، يوم كان يقدّمُ من إذاعةِ بغداد برنامجهُ الأسبوعي
(كتاب الأسبوع)، ثمَّ تأكَّد حضورهُ فيها يوم اطّلعنا على كتاب جليل كمال
الدين(طالب الدكتوراه في موسكو آنذاك) الموسوم ب(الشعر العربي و
روح العصر) الذي صدر في بيروت سنة 1964م، يستشهد برسالتهِ
الخطيّةِ عن الأدب الحديث في متن الكتاب بوصفها وثيقة مرجعيّة ًاعتمد
عليها المؤلّف.
إنّهُ الشاعرُ المبدعُ عبد اللطيف أطيمش(1) الذي صدرتْ لهُ هذهِ الأيام
(في لندن) مجموعتهُ الشعريّة الرابعة (توابيت عائمة.)**
ضمّتْ هذه المجموعةُ قصائدَ أوفتْ على العشرين َ، تنوّعتْ في مدلولات
نصوصها الفكريّة، وأخيلتها،وموسيقاها، وتميّزتْ في مستوياتِ نسجها
الأسلوبي( ونعني بها كلّ ما يقعُ تحت محوري الشكل والمضمون من عناصر
تكوين النصِّ.)
ففي الشكل لا تنبو مفردتهُ الشعريّة عمّا تريدُ البوحَ به، ولا يعتريها
غموضٌ معقّد ٌ، أو التواءٌ وتقعّرٌ في التكوين، إنّما تلتحمُ تلك الجملُ لتكوّن
لغة ً شعريّة ًترتبطُ صلاتُ فقراتها بعضها ببعض ٍ على نحو ٍ من تماسكٍ
في النسيج ،يشدُّ الفقرةَ بالفقرة تكويناً لبناءٍ عامٍ رصين.
وهذه القدرة في تماسك النسيج الشعريّ لم تكن لتجيء مصادفة ً، إنّما
كانت نتيجة ًلمهارة ٍاكتسبها الشاعرُ عبرَ تجارب طويلة في كتابة النصوص
الشعريّة.
وموضوعات قصائده،أو أفكار نصوصهِ تندرجُ في الأعمِّ الأشمل ِ تحت َ
محور انفعالات الذات الشاعرة في علاقتها بالآخر، سواء أكان رجلاً أم
أُنثى من خلل ثلاثين َسنة ً من الاغتراب عن الوطن، والأهل، والأحبّة،
وتضمّ حزمتها: التمنّي، والحبّ، والعتاب َ، والخوف َ، والحزن، والأسف
وما إلى ذلك من مدلولاتها الوجدانيّة على الصعيد الذاتي. وهي حزمة
جعلت عواطف نصوصها تثيرُ عواطف َمتلقيها، وتديمها مدّة ًليست
بالقصيرة ِزمنيّاً على حد ِّ زعمنا .




أمّا أخيلة تلك النصوص، فلاشكَّ أنّها دلّت على أنّ الشاعر كان متمكّناً
من كشف بعض الصلات الخفيّة بين الأشياء، واستحضار صورها في ذهن
القارئ ،وإنْ لم تكن بالصور التوليديّة التي تحمل ُقوة التخييل الخالقة .

(2)

عمد عبد اللطيف أطيمش في قصائد هذه المجموعة ِ إلى الإفادة ِ من
بعض المنجزات التراثيّة لشعر الشطرين، وما أفادته القصيدة الحديثة من
تقنية السرد الفنّي في الأداء دراميّاً ، كالتضمين المعنوي(أو ما اصطلح عليه
بالتناص) وقصيدة القناع،والمونولوج الدرامي، وفضاء الأمكنة، وما يمكنُ
تسميتهُ ب(الوثائقيّة)، وغيرها.
ففي مذبحة الطير التي يقولُ فيها:
يابسة ٌفي عشّها الخاوي،
قلوب الطيرْ
والريش ُ،
منفوش ٌ على الأشواك ْ
أجنحة ٌ تناثرت ْ،
فوق نسيج العوسج ِالبرّي ،
لم تعلق ْ بها الشباك ْ
تضمين ٌمعنويّ لقول امرئ ألقيس :
كأنّ قلوبَ الطير ِرطباً ويابساً لدى وُكرها العنابُ والحشفُ البالي
وقد وقف عند هذا البيت البلاغيّون القدامى كثيراً، وَ وسموهُ ب(التشبيه
المركّب) الذي يقومُ على تشبيهِ مركّبين ِ بمركّبين ِ لجعلِ الصورة ِ مكوّنة ًمن
عدّة ِعناصر متشابكة ٍ متماسكة ٍ.
وإذا كانت مذبحة ُالطير ِعند امرئ ألقيس قد تمّتْ بمخالب ِالعُقبان ِ،
ومناقيرها، فإنَّ مذبحة َالطير ِعندَ عبد اللطيف أطيمش قد تمّتْ بمخالب َ
آدميّة ٍقمعيّة ٍ حين َصفّت بعضاً من الشعراءِ، والمفكّرين َ، والكتّاب.
فالطيرُ كناية ٌعن كلِّ شاعر ٍ، أو مفكّر ٍ، أو كاتب ٍ مغدور، وهو ترميزٌ
شفاف ٌيزرعُ الأملَ انتظاراً لغدٍ أجمل:
لكنَّ خيطاً من دمٍ ،
ظلَّ طريّاً ،
سالَ بينَ العُشِّ واللحاءْ.
أما استخدامهُ لأسلوب القناع،فقد تجلّى في مرآة" العاشق بروفروك"
التي تتكئ خلفيتها على قصيدة ت.س. إليوت " أغنية العاشق بروفروك"
مع أنَّ عبد اللطيف صيَّر المرآة إبرة َالوخز ِالتي نبّهت بطل القصيدة من ذهولهِ،



وحرّضتهُ على رفضِ الانصياع ِللانكسار، وإبقاء جذوة ِ النار ِ متَّقدة ً، ومواجهة
حالة التردّي التي يعيشها:
ذاهل ٌ أنت َ ،
والعمر ُ منفرط ٌ ،
من أصابعِك َالعشر ِ،
لا تعرفُ اليوم َماذا جرى.
إنَّها دونك َ الآن ،
عاصفة ٌ.. ،
أنتَ منكسر ٌدون جذوتها ،
تتمنّى زمانك َ ،
لو يرجع القهقرى.

والقناعُ أسلوبٌ شعريّ يعمدُ فيه الشاعرُ إلى اختيار شخصيّة ٍتاريخيّة ٍ،
أو أسطوريّة، أو دراميّة، أو غيرها، ليختفي وراءها، و يضعها قناعاً له،
ويجعلها تتحدّثُ عن أفكاره ِ، أو همومه ِ، أو محنته ِ الكونيّة ِ. وهو أسلوبٌ
كانت ريادتهُ الأولى لأدونيس في " أغاني مهيار" بداءةً،ثمَّ تبعه ألبياتي،
وعبد الصبور، وخليل حاوي، وغيرهم.(2)
إنَّ عبد اللطيف تخفّى وراءَ المرآة ِليقول َ لبطل القصيدةِ الجريح ِ، أو
لذاتهِ الجريحة :
فالبراكين ُ،
قد خمدتْ فيك َ نيرانُها
والفحولة ُ لا تُشترى.
لهذا لا بدَّ من إقرار البطل بخمود الفحولة.

أمّا تقنية ُ "المونولوج الدرامي" أو ما اصطلح َ عليه ِ ب" المناجاة
النفسيّة ِ" فتمثّلها قصيدة " دُمية" التي يُحاور ُ فيها بطلُ القصيدة ذاتَه ُ
زاجراً إيّاها أنْ تكفَّ عن محاولة ِ الإمساك ِ بالحلم الضائع ِ، لأنّه قد غدا
قبض ريح:
دعها تلك َ الدمية َ،
لن تُمسكها... ،
لن يُمسكها أحد ٌ ،
حتّى الشيطان ْ
لا تسألها عمّا كان َ ،



وبعدك َ عمّن كان ْ
هي قبض ُ الريح ،ِ
وتلعب ُ فوق َ حبال ِ الريح ِ
وتعرف ُ كيف تميل ُ ،
بحيث ُ تميل ُ الريح ْ
إنَّ حوار النفس ِمع الذات ِ الشاعرة ِ في ما اصطلح َ عليه ِب" المونولوج الدرامي" يُعدّ ُ من الانجازات ِ الفاضلة ِ التي أفادتها القصيدة الحديثة من تقنيات
السرد ِ القصصيّ، لأنَّ المناجاة النفسيّة َ تُثيرُ في المتلقّي متعة َ كشف ِ الداخل ِ،
والوقوف على وعي الشخصيّة ِ، ولا وعيها في طيّات تلك المناجاة، التي تبتغيها
القراءة ُ الجادّة ُ للشعر.
كما أنَّ قصيدة" طائر في عربات الغجر" هي الأخرى من قصائد المناجاة ِ،
فبطلُها جوّابُ مناف ٍ، ينتقل ُمن منفى إلى آخر َ فلا يجد ُ غير َ مدن ٍ من حديد ٍ
لا شيء يربطها بالحضارات ِالإنسانيّة ِ، كما لايجدُ فيها غير قلوب ٍ قُدّت من
صخر ٍ قاس:
آه ٍ من سفر ِ القلب ِ ،
ما بين منفى ومنفى،
ومن ظلمة ِاللُّج في الليل ِ،
أين يمضي الزمانْ؟
وفي وطني،
يهرم ُالناسُ قبل الأوان ْ

(3)

اهتم الشعراءُ القدامى بفضاء ِالمكان ِ، سواء أكانوا قد وقفوا على أطلال ِ
الأحبّة ِحزانى باكين َ( كامرئ ألقيس وغيره من شعراء حقبة ما قبل الإسلام) أم
كانوا قد رحلوا إلى فضاءات ٍ معيّنة ٍ تخلُّصاً من هموم ٍ دفينة ٍ(كالبحتريّ في
زيارته ِلإيوان ِكسرى في الحقبة ِ العبّاسيّة) أم كانوا قد رثوا فضاءات ٍ كانت
أُمماً ( كأبي البقاء الرُندي في رثائه ِ الممالك العربيّة في الحقبة الأندلُسيّة.)
لكنَّ فضاء المكان في الشعر الحديث أضحى منجزاً جماليّاً من منجزات ِ القصيدة ِ
الجديدة ِ بعد لأي ٍ من محاولات ٍابتدأت بصبِّ كلِّ غضب الشعراء على الفضاءات
الكبرى بوصفها(كما توهّموا) فضاءات ٍ قتلت فيهم ما كانوا يحملون من براءات رسّختها قيمهم الاجتماعيّة الريفيّة، وانتهاءً بالعدول ِ عمّا فعلوه، حين راحوا
يتغنّون بها ثانية ً بوصفها مُدناً أعادت بناءهم من جديد، وأسهمت في تكوينهم
الثقافي والمعرفي والإبداعيّ.
أما فضاءات (توابيت عائمة) المكانيّة، فإنّها ركَّزتْ على الحنين ليس إلا،



ف(مدينة في الذاكرة) وهي أطول قصائد المجموعة تبتدئ بصوت بطلها
يناجي نفسه سائلاً:
تُرى هل تسمحُ الأيّامُ ،
قبل أُفول ِشمس ِالعمر ِ،
يوماً أنْ أعودَ لها ؟
وأطفئُ ذلكَ الوَلها ؟
وهذا السؤال في واقعهِ ضربٌ من التمنّي الذي تكتنفهُ صعوبة التحقيق،
لأنَّ البطلَ متردّدٌ في اتّخاذ قرارِ العودة ِ، مع أنّهُ عادَ بذاكرتهِ إلى طفولتهِ
فيها، مرتجعاً مغانيها، وشوارعها، ومطربيها، ومن رحل مثلُه ُعنها، لأنَّ
أعماقهُ، أو وعيه الداخليّ يكشف ُ عن ذلك التردّد ِبوضوح ٍلا لبس فيه إذ
يكتفي بالسلام ِعليها من منفاه، ولكن بعد موته وليس الآن:
أيا ابن مدينتي، إنْ متّ ُ،
بلّغها، وقل عنّي:
سلاماً،
من بعيد ِالدار ِعنها ،
ما سلاها ،
كان عاشقَها وباكيها.
وكما ألمعنا ففضاءات الأمكنة َ في هذه المجموعة ِفضاءات لحنين جارف
يستعيدُهُ الراوي/الشاعر بالارتجاع ِالفنّيّ (فلاش باكَ) من غير أنْ يُعنى
بجزئيّاتِ الفضاء، ودقائقه ِ، كما في" سجن خان الهنود" و"ساحة الأمير"
مع أنّ " سجن خان الهنود" لم تكن في وصف السجن كما يشي عنوانها،
إنّما كانت في وصف ِصمود ِسجين ٍ أبى الاعتراف على رفاقه، فتمّت تصفيتُهُ
تعذيباً:
علّمَ الدرسَ سجّانَهُ ،
كيف معنى الحياة ِ ،
وكيف يكون ُ الصمودْ ،
قطعوا لحمة َالشفتين ِ ،
وما عرفوا السرَّ...،
لكنَّ جرحاً نزفْ
مات مبتسم َ الوجه ِ ،
لكنّهُ ما اعترفْ
(4)
إنَّ شغفَ أطيمش بالجمل ِالشعريّة الواضحة، والصور غير المعقّدة في
في التراكيب، جعلاهُ ينحو في بعض ِقصائده ِ منحى الموثّق ِللأحداث ِوشخصيّاتها



سواءٌ أكانت تلك الشخصيّات قد ارتبطت بزمن الأحداثِ، أم لم ترتبط مباشرة ً كما
في" جودي " و " دورة الفصول " و "وصيّة لن يسمعَها أحد" و "رفاق المدرسة" و " توابيت عائمة " التي حملت ْ المجموعة ُ اسمَها.
والأخيرة ُ هي نصّ ٌ، وهي وثيقة ٌ في الوقت نفسه.
وتتأتّى وثائقيّتها من كونها حرصت على تقديم لوحة ٍ فنّيّة ٍ يكتنفها غموضٌ
شفّاف لأحداث ٍ واقعيّة تكرّر حدوثها في العراق كثيراً بعد 9/4/2003م، وكان
فضاؤها نهر دجلة تحديداً، ولم تتوقّفْ تلك الأحداث إلا بعد ثلاث سنوات من تاريخها الأسود. فقد كان الأبرياء يُقتلون، ويُمثّل بجثثهم،وتُحزّ ُ رؤوسهم، ثمَّ
يُلقون في نهر دجلة سائغ الشراب الذي عدّهُ أبو العلاء المعرّي خير ماء للشاربين
بقوله:
شرِبنا ماءَ دجلة َخير َماء ٍ وزرنا أشرفَ الشجر ِالنخيلا
ومن يقرأْ" توابيت عائمة " من غير العراقيين لا يستطيع فكّ أختامها إنْ
لم يكنْ قد تابع تلك الأحداث المرعبة المخيفة، وشاهد صورها الحيّة بنفسه:
إلى أين ذاهبة ٌ،
كلّ ُ هذي التوابيتِ،
عائمة ً فوق سطح ِالمياهْ؟
توابيت ُ مجهولة ٌ،
دون أسماءَ،
في رحلة ِالموت ِ،
لا من بواك ٍ...؟
وَ لا من وجوه ٍ مشيّعة ٍ،
أو دموع ِ صلاه.
إنَّ مثل َهذه النصوص التي تحرصُ على توظيف أحداث واقعيّة، وتقديمها
فنّيّاً هي أقربُ إلى الوثائقيّة منها إلى الابتكار، أو الابتداع، إذا ما أريد بها تصوير
الواقعة ليس غيرا، على ما في هذه التسمية ِ من تقاطع مع الشعر بوصفه ِحلم
المبدعين، ونبوءتهم في التغيير، وهي تذكّرنا بقصيدة محمّد عفيفي مطر"الموت
والدرويش " فقد كانت وثيقة ًهي الأخرى للقصفِ الهمجيّ الذي تعرّض له
ملجأ العامريّة في بغداد سنة 1991م ،وسقط من جرّائه المئات من الشهداء:
ومريمُ كانت اتّكأت تهزّ ُ النخل َ...
لا رطبٌ، ولا نجم ٌسوى الفولاذ
منصهراً يئزّ ُ يؤجّ ُ يهطلُ
والدخان ُمعارج الموتى وقافلة الحجيج
غير أنَّ غموض عفيفي لم يكن شفّافاً كما هو الحال في قصيدة"توابيت عائمة"



ويبدو أنّ مقولة( ييتس) التي استشهد بها عبد اللطيف في صدر مجموعته،
وحرص على إيرادها بلغة الكاتب، و وضع ترجمتها تحتها مباشرة تكشفُ لنا
أنَّ الشاعر كان عامداً، وعلى وعي ٍ بتوظيف بعض الأحداث، وجعلها نصوصاً
وثائقيّة،إذ يقولُ ييتس: " أشعر ُأنَّ شعر الشاعر ينبغي أنْ يكون َمباشراً وطبيعيّاً
مثل كلام ٍ محكيّ "

(5)

ضمّت هذه المجموعة عشرين قصيدةً ، كانت ثمان عشرة َمنها من
الشعر التفعيلي(الحر) ، بينما كانت الأخريان من شعر الشطرين.
أمّا أوزان قصائد التفعيلة فقد توزّعت على النحو الآتي:
أ- نظم في الرجز ست قصائد هي: (مذبحة الطير) و(قيثارة) و(وصيّة
لن يسمعها أحد) و(الشاعر) و (ساحة الأمير) و (بوح). والرجز من
أكثر الأوزان استعمالاً في الشعر ألتفعيلي، كما كان من أكثر الأوزان
استخداماً عند المتقدِّمين، لأنَّ مفردتهُ تقومُ على تكرار جزءٍ رتيب ٍ
(مستفعِلُنْ) من غير ِتكلّف ٍ، أو صعوبة ٍ، فضلاً عن كونه ِ غير مقيّد ٍ
بضرب ٍ معيّن ٍ،ممّا أتاح للتفعيليين استخدام َ عدّة َ ضروب ٍ في القصيدة ِ
الواحدة.
ب- ونظم في المتدارك والخبب ستّاً أيضاً، لكنّه داخل في اثنتين منها بالمتقارِب،
فالتي جاءت على المتدارك والخبب:
1- مرآة" العاشق بروفروك"
2- دمية
3- عودة متأخّرة
4- طائر في عربات الغجر
أمّا التي داخل فيها المتدارك والخبب بالمتقارِب فهي:
5- جودي
6- سجن خان الهنود
والمتدارك وزنٌ رتيبٌ تحاشاهُ الشعراء قديماً، لكنّهم حين وجدوا أنَّ الخبن
في تفعيلته( فاعِلُنْ) يحوّلُ هذا الوزن إلى تشكيل راقص(فعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ)
مالوا إليه كثيراً. أما شعراء الحداثة فإنَّ استخدامهم له كان كثيرا ًجداً، لكونهِ
مكَّنهم من الانتقال من ضرب ٍ إلى ما سواه في القصيدة الواحدة بحريّة ٍ تامّة ٍ،
فضلاً عن تسامحهم في الحشو ِباستخدام التفعيلة الصحيحة(فاعلن) والمخبونة
(فعِلُنْ)بكسر ِالعين، والمخبونة المضمرة(فعْلُنْ) بسكون العين، ممّا أسهم كثيراً



في قتل رتابة المتدارك.
ج- ونظم في المتقارِب ثلاث قصائد هي: (ودع) و (إلى صديق) و (توابيت عائمة)
والمتقارب من أيسر البحور لمن يريد النظم،وأعصاها لمن يحاول الإحسان،
والإتقان كما يقول عبدالله الطيّب المجذوب، غير أنّه في الشعر ِ التفعيلي كثيرا ما
تتداخل تفعيلة المتقارب(فعولن) بالمتدارك والخبب(فاعلن)، ولعلَّ ذلك عائدٌ إلى
ظاهرة ٍصوتيّة مقطعيّة تسمحُ بتداخل ِالأوتاد ِوالأسباب، وتبادلهما المواقع.
د- ونظم في الرمل قصيدة واحدة هي: (رفاق المدرسة.)
وقد كثر استخدامه في الشعر الحر(التفعيلي) لما تتمتّعُ به تفعيلته(فاعلاتن)
من خفّة ٍومرونة ٍ حين يُصيبها الخبنُ، فضلاً عمّا يتيحه استخدام أضربه المتعدّدة
كالتام(فاعلاتن) والمخبون (فعِلاتن)بكسر العين،والمحذوف (فاعلن) ،والمقصور
(فاعلان) من حركة ٍ تقضي على الرتابة ِالمملّة.

ه- ونظم في الكامل قصيدة واحدة هي:(دورة الفصول). وتفعيلة الكامل(متفاعلن)
تفعيلة ٌ ذات تنغيمات سريعة، لذلك استخدمها شعراء الحداثة كثيراً، لأنّها أباحت
لهم الانتقال من ضرب إلى ما سواه بحريّة ٍ تامّة.

و- ونظم في الوافر قصيدة ً واحدة ً أيضاً هي:(مدينة في الذاكرة). وهذا الوزن ُ
غنائيّ،لذلك أولِعَ به شعراء الحداثة في بداءة ِحركتهم،لأنّ تفعيلته التامّة ِ
( مُفاعَلَتُنْ) تسمحُ بدخول ِ العصب ِ عليها فتتحوّلُ إلى( مفاعيلنْ)، فإن تشاركتا
في قصيدة ٍواحدة ٍ ظلّت القصيدة وافريّة ً، وإن استخدمت التفعيلة المعصوبة
(مفاعيلن) وحدها أصبح الوزنُ هزجاً.

أمّا قصيدتا الشطرين ِفهما:
1- (شوق) وهي من البسيط.
2- (الصفصاف الباكي) وهي من الخفيف.
غير أنَّ الشاعر لم يرسمهما كتابيّاً كما يُرسمُ شعر الشطرين ِ من قسمين ِ
(الصدر والعجز)، إنّما كتبهما على نحو ٍ أوحى للمتلقي أنّهما من القصائد الحرّة،
وبمجرّد إعادة ترتيبهما شكليّاً تعودان ِإلى وضعهما الخليلي ذي الأشطر المتساوية،
فمستهلّ ُالأولى:
لم يبرأ القلبُ من وجد ٍ و لا هجعا ولا أطاقَ سلوّاً عنك ِأو جَزَعا
ومستهلّ ُ الثانية:
كُلّنا راحل ٌ فهذا الرحيلُ ينتهي عندَه الصراعُ الطويلُ

ختاماً فإنَّ عبد اللطيف أطيمش في( توابيت عائمة) قد صوّر الذات الشاعرة َ



وانفعالاتها على نحو ٍ بهيّ ، وكانت قصائده ُ تتمتّع ُ برصيد ٍعاطفيّ ٍ كبير وضعت
فيه ِ لحظات الضعف ِالإنسانيّ في سياق ٍ تاريخي واجتماعي شكّلت الغربةُ،والمنافي
جوهر علاقة الذات بالآخر في مستواها الأرقى دلاليّاً، وليس هذا بالقليل.

* ناقد وأكاديمي يقيم في بريطانيا
الهوامش
**توابيت عائمة- قصائد،دار الحكمة ،ط 1(لندن)2009
(1) عبداللطيف أطيمش شاعرٌ من جيل الستينيّات ولد في مدينة(الناصريّة- العراق)،ودرس بجامعة
بغداد، وأكمل دراسته العالية في الآداب ببريطانيا، وحصل على الدكتوراه في جامعة لندن- قسم الدراسات
الشرقيّة والأفريقية، وعمل محاضراً في الأدب العربي بالجامعة المستنصريّة –بغداد، كما عمل محاضراً
في (لندن) و(موريشيوس) و(الجزائر)، وقد صدر له:
أ- كلمات طيّبة(شعر)بغداد ب- مدن وقصائد(شعر)بغداد، ت- جمرة على حافة القلب(شعر)القاهرة.
(2) يُنظر في القناع كتابنا(دراسات في الشعر العربي المعاصر القناع-التوليف-الأصول)15- 50،المؤسّسة
العربيّة للدراسات والنشر، بيروت،1995م.



#عبد_الرضا_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع نازك الملائكة قبل أكثر من عشرين عاما


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا علي - ديوان عبد اللطيف أطيمش الجديد