أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد عثمان - تأجيل الإنتخابات أولى تداعيات مذكرة توقيف البشير















المزيد.....

تأجيل الإنتخابات أولى تداعيات مذكرة توقيف البشير


أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2611 - 2009 / 4 / 9 - 11:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يندهش المرء حين ينظر إلى صمت القوى السياسية السودانية بمجملها ماعدا د. الترابي، تجاه قرار تأجيل الإنتخابات العامة حتى فبراير من العام القادم الذي أعلنته جهة الإشراف على الإنتخابات. والدهشة مكمنها هو أن التأجيل المذكور، يشكل خرقا واضحاً ومباشرا للمادة (216) من الدستور الإنتقالي التي نصت على أن تجرى إنتخابات عامة على كل مستويات الحكم في موعد لايتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الإنتقالية. وبالرجوع لإتفاقية نيفاشا التي وقعت في يناير من العام 2005 ونصت على فترة ماقبل الفترة الإنتقالية مدتها 6 أشهر تبدأ في نهايتها الفترة الإنتقالية التي تمتد لست سنوات، نجد أن نهاية العام الرابع من هذه الفترة تقع في شهر يوليو من العام الجاري 2009. ولعلنا لسنا في حاجة للقول إلى أن صمت القوى السياسية السودانية المريب، يعكس موافقة ضمنية على خرق الدستور وعدم إحترام كامل لمركزيته، ويشي بإعتراف ضمني بأن هذا الدستور دستور منحة للشريكين الحق في تجاوزه متى ماأرادا حتى وإن تم هذا التجاوز برغم وجود آلية لتعديل الدستور تسمح بإحترامه، في توكيد مذل لعدم أهميته، وتكذيب مباشر لدعاوى التحول الديمقراطي. يعزز ذلك الصمت على الخرق الآخر المتمثل في مخالفة المادة (215) من الدستور نفسه التي نصت على أن يجرى إحصاء سكاني في كل أنحاء السودان ويتم الفراغ منه في نهاية السنة الثانية من الفترة الإنتقالية. والفراغ بالحتم يعني إنتهاء كافة إجراءات الإحصاء بما فيها إعلان النتائج توطئة لإستخدامها في الأغراض المخصصة لها ومنها الإعداد للإنتخابات التي تأتي بعد عامين من ذلك التعداد وفقاً لنصوص الدستور. والشريكان الحاكمان (المؤتمر الوطني) و"الحركة الشعبية"، لم يكتفيا حتى تاريخه بعدم إعلان نتيجة الإحصاء، بل سمحا للجهة المشرفة على الإنتخابات إستخدامه سبباً لتأجيلها! والسؤال بالطبع هو كيف يستخدم الخرق للدستور كمبرر لخرقه مجددا دون أن تحرك القوى السياسية ساكناً؟

في تقديرنا المتواضع أنه برغم وجود خلافات حقيقية بين شريكي الحكم حول نتيجة الإحصاء أو التعداد السكاني مما أدى لتأخير إعلانها، إلا أن هذه الخلافات لاتصلح سبباً لتأجيل الإنتخابات، لا لأنها قادت لخرق الدستور فقط، ولكن لأنها لم تمنع المؤتمر الوطني من الإستعداد الجاد للإنتخابات وحشد القوى والبداية في تعبئة إنتخابية كللها بإتهام القوى الأخرى التي إحتجت على قانون الإنتخابات وعلى التوجه لقيام إنتخابات دون حل معضلة دارفور بالضعف ةالخوف من التنافس الديمقراطي! والناظر لذلك، أول مايتبادر لذهنه هو السؤال عن المستجدات التي دفعت المؤتمر الوطني لتأجيل الإنتخابات بالمخالفة للدستور ودون أن يكلف نفسه عبء تعديل الدستور والإتفاقية، في إتفاق ضمني مع الشريك الآخر ووسط صمت مريب من القوى السياسية. والإجابة تأتي بدون جهد يذكر، بأن المستجد الرئيس هو مذكرة توقيف الرئيس البشير. هذه المذكرة التي جعلت من الرئيس هارباً من العدالة الدولية، ووضعت المؤتمر الوطني بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن يستمر في تحدي ومواجهة المجتمع الدولي ومؤسساته وعلى رأسها مجلس الأمن ويوالي التصعيد بالإحتفاظ بالبشير كمرشح لرئاسة الجمهورية، أو أن يصل لتسوية مع هذه المؤسسات. وبالرغم من الهتافية والتجييش والتعبئة العامة ضد المجتمع الدولي، فإن تأجيل الإنتخابات يوضح بجلاء أن المؤتمر الوطني مازال يفحص الخيارين معاً. فتأجيل الإنتخابات يتيح للمؤتمر الوطني تفعيل مقتضيات التسوية المتمثلة في إستكمال المفاوضات مع حركات دارفور المسلحة للوصول إلى تسوية سياسية مرضية لجميع الأطراف ليس شرطاً أن تكون عادلة بل يكفي أن توقف الحرب وتقود إلى إستقرار، كما يتيح له إعادة ترتيب العلاقة مع المؤسسات الدولية بمافيها المحكمة الجنائية الدولية للوصول إلى معالجة لوضع البشير وبقية المطلوبين حتى وإن لم تكن هنالك إتصالات مباشرة مع المحكمة المذكورة.

ومايعزز وجهة النظر أعلاه، هو أن الحسابات الإنتخابية المجردة، تؤكد أن المصلحة الإنتخابية للمؤتمر الوطني هي في قيام الإنتخابات في مواعيدها وليس تأجيلها، إذ أنه قد نجح إلى حد ما في تصوير نفسه كضحية لهجمة إستعمارية غربية، وكسب تعاطفاً مع رئيسه المطلوب للعدالة بتصويره ضحية لتلك الهجمة. يضاف إلى ذلك ضعف إستعداد القوى المنافسة وهشاشة إستعدادها للمعركة الإنتخابية، مع الأخذ في الإعتبار العيوب القاتلة في قانون الإنتخابات ومن قبله قانون تسجيل الأحزاب، وسيطرة المؤتمر الوطني على جهاز الدولة وإستخدام مواردها وآلياتها في حملته الإنتخابية. وفوق ذلك جلب التنظيم المذكور لكادره وحشده وتدريبه وتخصيص مؤسسات وهيئات تنظيمية فاعلة به للإستعداد للإنتخابات. فمن ناحية تقييم المؤتمر الوطني كقوى إنتخابية، تأجيل الإنتخابات مالم تواكبه صفقة مع الدول الإستعمارية تسمح بإنجاز تحالفات تبقيه في السلطة ، يعتبر إضعافاً واضحاً لمركزه الإنتخابي وإضاعة لفرصة ثمينة لتحقيق مركز متقدم في التنافس الإنتخابي. ولكن في نفس الوقت الركون لحساب الكسب والخسارة المجرد في المعركة الإنتخابية بإخراجها من سياقها التاريخي، قد يقود لنصر إنتخابي يصبح مأزقاً أكبر لاسبيل للخروج منه. فنجاح المؤتمر الوطني في إنتخابات دستورية تتم قبل يوليو القادم وفوز البشير في التنافس على منصب رئيس الجمهورية، يعني السير في طريق المواجهة الشاملة مع المجتمع الدولي إلى نهاية الطريق ونماذج هذه النهاية بادية للعيان من تجارب الآخرين. وهو يعني ألا رجعة عن التصعيد ولاسبيل للمساومة للوصول إلى حلول تسمح بتسوية يتفق عليها تقدم خلالها تنازلات وتخفض عبرها السقوف العالية المعلنة. ومسيرة المؤتمر الوطني وعلاقته المضطربة بالمجتمع الدولي تقول غير ذلك. فهي تبدأ بالتصعيد ثم التفاوض وتقديم التنازلات للوصول إلى منطقة مشتركة تسمح بإنجاز تسوية متفق عليها، ولانظن بأن أزمة المحكمة الجنائية الدولية سوف تكون إستثناءاً لهذه القاعدة.

يتضح مماتقدم أن المؤتمر الوطني بتأجيله الإنتخابات رغم إصراره السابق على قيامها في مواعيدها،يشكل موقفا براغماتياً راغباً في الإنسحاب التدريجي عن الموقف التصعيدي المعلن، ومفضلاً لخيار التسوية على خيار المواجهة. ولكن لايجب التعامل مع هذا الموقف على أنه موقف دائم ونهائي، لأنه بالطبع سوف يصطدم بحجم التنازلات المطلوبة التي ربما لايستطيع التنظيم المذكور تقديمها بحيث لايصبح له من مخرج آخر غير العودة للتصعيد وتفعيل خيار المواجهة. فالواضح أن هنالك إمتحاناً صعباً سوف يواجهه يتمثل في التنازلات التي سوف يضطر إلى تقديمها للحركات المسلحة بدارفور للوصول إلى تسوية، ولكن الإمتحان الأصعب هو كيفية التخلص من البشير كمرشح إنتخابي لرئاسة الجمهورية في حال أصر المجتمع الدولي على رفض الدخول في تسوية دون التخلص منه، وتمسكت حركات دارفور بذلك الشرط بإعتبار أن البشير مطلوب للعدالة لإرتكابه جرائم بالإقليم وتحقيق العدالة جزء أصيل من أي تسوية سياسية. ولاشك في أن عودة المؤتمر الوطني للتشدد والمواجهة متوقعة، خصوصاً أن ذلك متاح وميسر بإعتبار أنه سيواصل تعبئته السياسية للمواجهة تحسباً لفشل التسوية وحتى يظل ممسكاً بأوراق يظنها رابحة جوهرها التصعيد تدعم موقفه التفاوضي وترفع مقدرته على المساومة. فالمرجح هو ألا نشهد في الأيام القريبة العاجلة تحولاً في الخطاب السياسي لهذا التنظيم، بقدرما نشهد قرارات عملية وممارسة مفارقة لذلك الخطاب، كالقرار الماثل بتأجيل الإنتخابات . ولن يتوان المؤتمر الوطني في خرق الدستور أو إتفاقية نيفاشا نفسها، طالما كان هنالك إتفاقاً ضمنياً ومضمراً مع الحركة الشعبية يعكس روح وجوهر نيفاشا القائمة على إقتسام الكعكة وفقاً لقاعدة جنوب/شمال التي قامت عليها الإتفاقية.
قصارى القول هي أن تأجيل الإنتخابات لم يكن بسبب عدم إعلان نتيجة الإحصاء السكاني كما زعمت الجهة التي أعلنت التأجيل، والتي سببت خرقها للدستور بالتأجيل بخرق آخر هو عدم الفراغ من الإحصاء المذكور، وذلك بالرغم من وجود خلافات حقيقية حول نتيجة الإحصاء، ولكن التأجيل يأتي في إطار تفادي تصعيد المواجهة مع المجتمع الدولي ولإفساح المجال لتسوية تأتي عبر بوابة إستكمال مفاوضات دارفور والوصول لإتفاق سياسي ينهي الحرب، تمهد لتسوية الخلاف مع المحكمة الجنائية الدولية، ضمن القواعد المقبولة للمجتمع الدولي في إطار تنازلات متبادلة. وفي سبيل الخروج من مأزق مذكرة توقيف البشير والحصار الذي إستتبعها، لن يتوان المؤتمر الوطني في إرتكاب مزيد من الخروقات للدستور، طالما أمن جانب الشريك ، ودون أن يعبأ بردة فعل القوى الأخرى التي قررت ألا تعترض حتى لحظة كتابة هذا النص. ومثل هذه الخروقات تجعل السؤال الممض قائماً، هل هناك بالفعل تحول ديمقراطي في السودان كما ظللنا نسمع طوال السنوات الأربع السابقة؟ كانت إجابتنا بالنفي منذ البدء ولكننا نطمع في رد من يخالفوننا الرأي بعد خرق الدستور لتأجيل إحدى روافع التحول، وهو أمر سبق أن حذرنا مماهو أكثر منه، وهو إتفاق الشريكين على إلغاء هذه الإنتخابات.



#أحمد_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمر توقيف البشير- لم يحن أوان التنفيذ بعد!
- المحكمة الجنائية الدولية (مفارقات وتداعيات التسييس)
- تغيير أوباما (الوعود والأحلام والسقوف المتاحة)
- ملاحظات أولية حول مشروع البرنامج المزمع تقديمه للمؤتمر الخام ...
- قانون الإنتخابات (التمادي في الإقصاء وتكريس ثنائية الشريكين ...
- نحو إصلاح قانوني فاعل
- مساهمة في نقد مشروع التقرير السياسي العام المقدم للمؤتمر الخ ...
- لفرنسا وجهة نظر!!!(عودة هادئة لقانون حظرالرموز الدينية بعد إ ...
- موقف مرائي من الإحتلال! (في الرد على بعض محاججات دعاة التطبي ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخيرة (ملاحظات ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة ثالثة (الآثار و ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخرى (لماذا إنت ...
- النظام القانوني للدولة المهدية-أول دولة دينية في تاريخ السود ...
- مفهوم الدولة في الشريعة الإسلامية وأثره في تغييب مبدأ سيادة ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وت ...
- مداخلة في فقه مصادر القانون (التشريعات الإسلامية في السودان ...
- أخطاء قاتلة في قراءة إستراتيجية!!( حديث في محرمات السياسة ال ...
- هوامش على المتن-(قراءة نقدية موازية لمقالات الأستاذ نقد الخم ...
- في أصول ضبط المصطلح- السودان: نخبة نيلية حاكمة أم نخبة طفيلي ...
- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد عثمان - تأجيل الإنتخابات أولى تداعيات مذكرة توقيف البشير