أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الثقافة العربية وغياب الموضوع














المزيد.....

الثقافة العربية وغياب الموضوع


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2608 - 2009 / 4 / 6 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتب الزميل محمد الحداد مقالة ينعى فيها الثقافة العربية، ويتساءل عن موعد دفنها ("الحياة"، 29/3/2009). تعابيره درامية، لكن الثقافة العربية في أزمة مركبة فعلا، تطال وظيفتي الإبداع والهوية فيها، أي أصالتها بأتم معنى للكلمة. لا يحتاج المرء لجهد كبير كي يتبين أن جاذبية الثقافة العربية محدودة، إن لم تكن نابذة بالأحرى، وأن التماهي بها محدود ومرتفع العتبة. ودونما صعوبة أيضا نلحظ تواضع مستوى نتاجاتنا الأدبية والفكرية والفنية والدينية والأخلاقية قياسا إلى معظم الثقافات الحية.
في أساس ذلك ما نعتقد أنه فقدان الموضوع الذي تتكون قبالته وبالانفصال عنه، وبصورة ما ضده، ذاتية جديدة وثقافة جديدة. نستخدم كلمة الموضوع بمعنى يقارب ما كان تكلم عنه عبدالله العروي في مقدمة كتابه "الإيديولوجية العربية المعاصرة". العروي لم يعرّف "الموضوع"، لكنه ميز بينه وبين الموصوف "المادة الوصفية" في نقاش أو ما قد "تلتقطه عين الكاميرا"، ورأى أن موضوع ثقافتنا اليوم قد يكون "غياب الموضوع"، وربط بين "البحث عن الموضوع" و"البحث عن الذات".
الفكرة التي تدافع عنها هذه المقالة هي أن الثقافة العربية بلا موضوع خاص بها، وأن الموضوع هذا ليس إلا "الإسلام"، فيما لا يصلح الغرب أو الدولة أو الطبيعة أن يكون موضوعا. لماذا الإسلام؟ بالضبط لأنه أساس ذاتنا المتخلعة الراهنة، أو بعبارة أشيع متن هويتنا، أعني أكثرية العرب. عبر الصراع مع هذا الأساس نتدرب على التمرس بمواجهة القيود والقواعد والسلطات التي تنهض عليه أو تتشكل وفقا له. ليس دون صراع مع مثال السلطة السماوية يمكن أن يتشكل مثال أرضي للحرية، وليس بغير صراع مع السيادة المتعالية يمكن أن تتكون سيادة إنسانية وثقافة متحررة ومفتوحة الآفاق. ولن يتطور نقد راديكالي في الثقافة العربية دون المضي إلى الأسس الدينية، استشكالا ومسائلة وبحثا.
الثقافة العربية تتطور وتتحرر بقدر ما تخوض هذا الصراع الذي لا مفر منه. لكنها لطالما تجنبت التحدي أو حاولت تسويته كيفما اتفق. وهي اليوم تثابر على التجنب عبر مسلكين متقابلين. مسلك اعتبار الإسلام هو "الحل" وهو "الهوية"، ومسلك معاكس ينفلت بصورة سلبية من التحدي مستندا إلى "الحداثة" أو مستهلكا لها. في الحالين لا صراع مع الديني (الدين كسلطة اجتماعية لا كعقيدة)، ولا تأسيس لذاتية مستقلة. هذا لن يثمر.
نتصور الصراع مع الديني جهدا فكريا ونفسيا لموضعته واستيعابه ثقافيا. ولا نعني بالموضعة فعلا معرفيا حصرا، بل نزعا لسيادة الدين وتحويله من ذات وهوية إلى موضوع ثقافي، تتكون ذات متجددة بضبطه والسيطرة العقلية والروحية عليه. وبقدر ما يقتضي ذلك كسر المحظورات والمحرمات والقيود التي تحيط بالتملك الثقافي للدين، يمسي الصراع مع الديني صراعا اجتماعيا وسياسيا في الوقت نفسه، محصلته المأمولة تعديل موازين القوى بين الثقافة وبين السلطات الدينية والسياسية. تحول دون ذلك راهنا شروط معلومة، تتمثل في الاستبداد السياسي والصراع مع الغرب الذي قلما يغيب عنه الوجه الثقافي، وهي شروط ترفع الطلب الاجتماعي على الدين، إن للاحتجاج أو للتماسك أو للتكيف. مع ذلك يبقى الصراع مع الديني أساسيا، بما يتجاوز أية مردودات ظرفية محتملة للدين على هذه الجبهة أو تلك. ولا تصلح للحكم عليه أية مقاربات توظيفية أو عملية أو معرفية ضيقة، بما في ذلك "الإصلاح الديني"، وبما فيه "المعرفة العلمية" للدين، وبما فيه أيضا تطوير تأويلات دينية أكثر توافقا مع "الحداثة". الغرض هو التمرس الثقافي والتحرر العقلي والأخلاقي العام. فلا ينبغي أن تقف دون مطمح كهذا عوائق أو تعلات حتى من نوع أولوية التخلص من الاستبداد أو مقاومة الغرب. ففيما عدا أن التفكير في الإسلام يطل على التفكير في كل من الاستبداد والغرب، فضلا عن العالم والأديان الأخرى (العكس ليس صحيحا)، ما يجعل منه الموقع الأمثل لتفكير أساسي (هل نقول فلسفي؟) في قضايا السلطة والغرب والعالم والدين، فإن مثال الاستقلال والنهوض لن يتكون إلا عبر الصراع معه كما قلنا، لكون مثل السلطة والتبعية تتأسس عليه. الإسلام هو الموضوع لأن المفاهيم الأساسية والمثل التحررية تتولد من الاشتباك معه، لكونه "عادة" العرب وديدنهم (لغويا الدين هو العادة..)، "حالهم" المستقر أو "دولتهم"، ميثاقهم. تغير "الحال" و"الدولة" وتأسيس تقليد جديد رهن بإعادة ترتيب جوهرية للميثاق والعلاقة معه.
إلى ذلك لا نتصور إمكانية تولد نظرة إلى العالم أكثر اتساقا ذاتيا وأكثر إيجابية حيال العالم الحديث دون الاضطلاع بأعباء مواجهة النظرة الدينية إلى العالم. النظرة هذه إما تهتم باتساقها الذاتي فتنفي العالم، وهو ما تشترك فيها جميع التعابير المنظمة للإسلامية المعاصرة، أو بالعكس تعتني بمطابقة العالم، فتستغني عن مطلب الاتساق الخاص بها، وقد تهجر الإسلام ذاته. الحصيلة نظرة مفتتة، أو نظرتان حولاوان متراصفتان. لكن حَوَلين لا يصنعان نظرة سديدة، بل عمى مكتملا. أليس عمى عن العالم اختزاله إلى نحن والغرب؟ أليس هذا العمى ما يؤسس لاستعمار السياسة دنيا العرب المعاصرين، ولموت الثقافة؟ وفي أصل قابلية ثقافتنا للاستعمار السياسي (إن حاكينا صيغة مشهورة لمالك بن نبي عن مجتمعاتنا) تهربها المستمر من الصراع مع تشكلها الأقدم، التهرب الذي هو بمثابة هزيمة كبرى مستمرة، ليس فقط لا تختلف عن هزائم كبرى لنا في صراعات أخرى، بل لعلها تكمن في أصلها جميعا. ويغرينا القول إن أدائنا في ميدان المعركة هذه لم يكن يتفوق في شيء على أدائنا في ميادين الحرب. القصص المعروفة لباحثين ومثقفين خاضوا المعركة الدينية لا تفضل قصصا نعرف عن جنرالات وزعماء خاضوا حروبا كارثية. والسلوك الانتحاري الذي نتبين شيوع صيغة متنوعة له في مجال السياسة (من العمليات الانتحارية إلى التعامل التبعي مع جهات أجنبية)، والذي هو الابن الشرعي للفشل الحربي، له نظائر في ميدان الديني، لا تقل عنه تبعية ونخبوية. وعدمية. ألم يأتنا حديث "مجاهدين" و"مجاهدات"، لا يكفون عن إعدام الدين والمتدينين رمزيا بغرض "التنوير"؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الثقافة العربية وغياب الموضوع