أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - من اجل يسار عراقي معافى - ملاحظة عامة على أوضاع النقد في حياة الحزب الشيوعي العراقي















المزيد.....

من اجل يسار عراقي معافى - ملاحظة عامة على أوضاع النقد في حياة الحزب الشيوعي العراقي


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 798 - 2004 / 4 / 8 - 11:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عانى الحزب الشيوعي العراقي عبر تاريخه من حملات تشويه طالت منطلقاته الفكرية وممارساته السياسية وبرامجه وأهدافه. وجاءت تلك الحملات كتجسيد وانعكاس لحالة الصراع السياسي- الاجتماعي في المجتمع العراقي وحركتها نوايا تستهدف تسقيط الحزب وإلغاء دوره في الحياة السياسية عامة وفي المجالات المطلبية، المهنية والاقتصادية والاجتماعية كقضايا تحرر المراة، على وجه الخصوص. وقد ارتكز هذا (النقد)، الذي اتسم غالبا بالتهويش والتلفيق، على أرضية الصراع الفكري، التي دارت في المجتمع العراقي وهو في طور التحول والتشكل، بين تيارات السلفية القومية والدينية وبين الفكر التقدمي والتحرري الذي بشرت به الأفكار الماركسية في مراحل كان لهذا الفكر فيها فعاليته على الصعيد الدولي في مرحلة الاستعمار المباشر ومرحلة التحول في بلدان العالم الثالث نحو الاستقلال، حيث سيشتد هذا الصراع ويصبح أكثر حدة بعد صعود التيار القومي وتصدره الواجهة، عبر بوابات السلطة والجيش، بطروحاته الهستيرية الشعاراتية الخالية من المضامين الاجتماعية الواضحة في منتصف القرن الماضي. وأصر (النقد) الموجه للفكر الشيوعي طوال مراحل الصراع على اعتبارين مفتعلين وغير واقعيين وهما مسالة الموقف من الدين بالنسبة للتيار الديني والفكر المستورد وغير الأصيل، وهو الادعاء الذي كان ولا يزال يثغو به أصحاب الفكر القومي منطلقين منه كذريعة معلنة لمواجهة الفكر اليساري وتصفية الحزب الشيوعي.
واقعيا كان الدافع الحقيقي للصراع هو مصالح اجتماعية وميل للهيمنة على المجتمع عبر السلطة وغيرها والتي كانت طروحات قوى اليسار الشيوعي تشكل النقيض والخصم العنيد لها. ويبدو ان واقع الصراع المر والعدواني هذا هو الذي شكل، برأيي، حساسية الحزب الشيوعي العراقي وربما كل التيارات والقوى السياسية في العراق من ممارسة النقد والتعامل معه وتقييده وقرنه بالنعت الغريب والمريب( البناء) والذي يعني في الغالب القول لمن توجه إليه النقد ان أدائه ودوره رائعا ومنتظم تماما مع السياق الطبيعي لكن تشوبه فقط بعض العواهن البسيطة أو العابرة. بمعنى أخر يتحول النقد هنا إلى نوع من المداهنة أو المجاملة في أحسن الأحوال، وأيضا من اجل إثبات الحضور الشكلي له لاندراجه في قائمة المبادئ الجليلة التي تدعو إليها النظرية والمبادئ العملية لإدارة الحياة الحزبية. ويمكن القول إن هذه الصورة للنقد، والمشروطية والإطار الضيق والشكلي الذي وضع فيه يعود، بتصوري، إلى الخلفية الاجتماعية والحضارية التي نشا فيها الحزب الشيوعي العراقي ومارس في داخلها دوره السياسي والفكري وهي بيئة غلب عليها، بمستويات وأشكال مختلفة، طابع العقلية القبلية التي لا ترى لكيانها شكلا للعافية خارج أو بغير حالة التماسك والوحدة، وان شكليا، من اجل الظهور أمام الخصم أو العدو في هيئة كتلة قوية ومتراصة لايمكن اختراقها. وهذا الواقع لعب دورا مهما( مع عوامل أخرى) بالدفع بهذه النظرة والعقلية إلى ان تتسبب في تغييب النقد داخل الحزب والذي أدى بدوره إلى حجب المساوئ والنواقص، فصار النقد، لاسيما بشكله المتطور، اي ان يكون نقدا عضويا تقويميا جريئا وشاملا، يعاني من الإرباك في المفهوم وفي الممارسة ولحد قرنت به تلك الذهنية عملية النقد بالانتحار أو الجلد الذاتي التي تؤدي إلى ضعف الحال والانكشاف أمام العدو وبالضرورة يكون الإقدام عليها وممارستها شيء مؤلم يجب تجنبه.
منطقيا وحسب الخبرة التاريخية سوف يترك هذا الوضع أثره السلبي على مجمل الحياة الداخلية للحزب الشيوعي العراقي وعلى أدائه السياسي والجماهيري، كما هو الحال في اي مجال من مجالات الحياة لايمارس فيه النقد والتقويم وتبادل المعلومة والعلاقات الشفافة، لينتهي به المطاف لان يتحول إلى حالة مستعصية ومركبة من العقد والإشكاليات التي لاتقدم لمشاكلها وأخطاءها حلولا جذرية بنحو شامل أو بصورة تجزيئية حسب نوع وحجم ومناسبة الخطأ مما يؤدي إلى تعقيد للمشاكل وانغلاق للأفق فيحيل الحياة الداخلية للمؤسسة ولممارستها السياسية إلى كتلة من الارباكات والتخبطات وإعادة إنتاج الخطأ وتكرسه فيثمر ذلك غياب للنظرة التقويمية للنشاط السياسي والتنظيمي وإلى انعدام لوجود ولتراكم خبرة وتقليد فكري وأخلاقي يحترم النقد وبالتالي يمارسه دونما خوف أو عقد.
بهذه الكيفية غيب النقد الفعلي الضروري عن حياة الحزب الشيوعي العراقي وتكرست في ذات الوقت صورة عصية وراسخة عن شكل النقد وأهميته وحصرته في شكله العدواني والشتائمي الذي مارسه أعداء الحزب والحركة في مسار الصراع الفكري والسياسي فانعدمت، أو قل، تقلصت بالمقابل ممارسة نقدية من داخل البيت. ويعرف من تابع مسيرة الحزب الشيوعي السياسية في العقود الثلاث المنصرمة كيف ان الحزب دخل في أكثر من ممارسة سياسية واتبع أكثر من برنامج وتكتيك سياسي كشف الواقع وتطورات الإحداث فيما بعد خطئها أو على اقل تقدير قصورها إلا ان الحزب لم يقف عند تلك المواقف والممارسات والتي شكل بعضها منعطفات مهمة في مسيرته بنقد واضح وصريح وجدي مكتفيا فقط بإشارات عامة دون الخوض عميقا في دوافعها أو الإشارة إلى المسؤولين عنها. ولم يؤد اي تحول خطر في حياة الحزب نتيجة لتكتيكات وإجراءات خاطئة إلى اي محاسبة أو تحميل مسؤولية للقيادة بشكل عام أو أفراد منها يعتبرون أكثر مسؤولية من غيرهم عن رسم تلك السياسة أو تنفيذها. فحدث كبير مثل التحالف مع النظام ألبعثي في الجبهة الوطنية اواسط السبعينات أو أحداث بشتاشان وغيرها لم يمر عليهما الكلام إلا بشكل مختصر ومختزل وفي الإطار العام ودون تحمل أو تحميل تبعات الأخطاء لاحد أو لهيئة ما. وهنا ينبغي التذكير والتاكيد على اهمية إدراك ان النقد، ولكي يؤدي دوره الكامل، لا يجوز ان تختصر ممارسته في الهيئات الحزبية فقط وفي اطار العرض العام، بل يستوجب الوقفة الجدية والمطولة والتناول النظري والتحليلي العميق والواسع للممارسة الخاطئة والفاشلة. فمثلما يجري بشكل واسع ومطول الترويج للسياسة أو الخطط التكتيكية التي يثبت بطلانها وفشلها فيما بعد يجب كذلك وبمستوى مواز الحديث عن تلك الإخفاقات وعرض الإشكالات والأسس التي أدت إلى هذه السياسات الخاطئة ومحاسبة المسؤولين عنها.
وهنا ينبغي التذكير والتأكيد على ان سقوط النظام، العدو الأشرس لحركة اليسار العراقية مجتمعة، وبعد التحولات والآفاق المفتوحة على احتمالات عديدة، والمهام الواسعة في العملية السياسية التي انبثقت كتبعة لسقوط النظام ألبعثي، والمخاطر التي تحيق بها من هيمنة أمريكية مطلقة على مقدرات البلاد إلى سعي قوى ظلامية للهيمنة السياسية وتسييد مشروعها الاقصائي في حياة المجتمع وصولا إلى الأبعاد الإقليمية وبالخصوص بلدان المحيط العربي وما رافق تصوراتها من أخطاء وتشوش في فهم طبيعة التركيبة السياسية وطبيعة ألازمة الوطنية التي خلقها وعمقها النظام الفاشي المنهار. لكل هذا، ولظروف العلنية والانفتاح التي يعيشها ألان المجتمع العراقي ومعه القوى السياسية صار من الضروري ألان للحزب الشيوعي ولقوى اليسار العراقي المتعددة الاتجاهات من مراجعة عميقة لمفهوم النقد ولممارسته وتأسيس تقاليد لممارسة نقد واسع وعميق وجدي لكل مسارات الحركة ومنعطفاتها وعلى كل المستويات وبمشاركة جماعية واسعة متخلصين من عقد الماضي وأوهامه عن طبيعة النقد واشتراطاته وتوظيفاته التي مارستها الحركة في كل ظروفها. فمن المعروف ان القيمة النهائية للنقد تحددها طبيعة المنطلقات والأهداف التي يتوخاها والأرضية التي يتحرك فيها. كما ان لنشر وإشاعة عقلية النقد وبث مفاهيم جديدة ناضجة ومتطورة حوله له بعد ايجابي يعين على الفرز بين (النقد) أو التهجمات الرخيصة التي تمارسها قوى معادية لليسار لأسباب وعقد ثاوية فيها هي، وبين تلك التي تمارس من داخل البيت ونفس الأرضية وبمنطلقات علمية، يكون اليسار ذاته هو الأحق فيها والأكثر أهلية لها. كذلك فان تعميق وتكريس هذه الممارسة من شانه ان يسحب بساط التهجم والمعادات من تحت أرجل القوى المعادية وإبطال لحججها غير المنطقية من خلال ممارسة النقد الداخلي العلني والصريح وفي الهواء الطلق بعيدا عن الكواليس والغرف المغلقة، وأؤكد هنا على مفهوم النقد الداخلي وليس النقد الذاتي لما ينطوي عليه الاخيرمن معنى وإيحاءات تكرس شكل المحاكمة والاتهام والإدانة والانتقام وهي صور وانطباع سائدة في العقلية السياسية العراقية رغم منافاتها للمعنى الجوهري للنقد السليم.
يفرض هذا السياق من الناحية العملية أهمية تجاوز الحزب الشيوعي العراقي للمواقف المتشنجة أو المتعالية والاتهامية التي يمارسها عادة إزاء كل الممارسات النقدية التي تتناول مضامين سياساته وممارساته السياسية والتنظيمية وان ينفتح على كل أشكال النقد والنقاش لكي يعيد بعث الحيوية المفتقدة في هيكله وحياته الداخلية ولكي يعود حزبا سياسيا يحظى بالاحترام الواسع والقبول الحقيقي وليس الانزواء أو الاختباء وراء بعض القوى السياسية ومهادنة مواقفها بحجة المرونة والتوافق السياسي لتنتهي سياسته إلى لا سياسة كما هو حاله الان.
ومن جانب آخر يمكن القول انه إذا كان من الصحيح اعتبار ان العوامل التي جاءت في التوصيف أعلاه هي التي أدت إلى الموقف السلبي من النقد في حياة الحزب الشيوعي العراقي الداخلية فمن الصحيح أيضا الانتباه إلى ان تلك الحالة لم تكن نسيج الظروف العامة وطبيعة الصراع الذي خاضه الحزب على خلفية الصراع السياسي والاجتماعي مع خصومه وحسب وإنما جاءت أيضا وتكرست نتيجة لاستغلال قيادة الحزب في المراحل المتأخرة من حياته لهذه الظروف والمبالغة في تضخيم مخاطرها لاجل ان تحقق أهدافا ضيقة، ذاتية وحزبية، في عملية الصراعات الحزبية الداخلية. ولا يخفى من ان تغييب النقد والمحاسبة وتمييع الموقف منهما يصب في النهاية في صالح الفئات المتنفذة من قيادة الحزب والمتربعة على( عرش) القيادة والمستفيدة من وجودها في قمة الهرم الحزبي بغير تبرير حقيقي لكفاءتها وقدراتها الحقيقية على إدارة العمل الحزبي والسياسي ولهذا فهي لا تلجأ فقط إلى ترسيخ ثقافة اللانقد وانعدام المحاسبة وإنما تقوم بتعزيز مواقعها بتسليم المراكز القيادية إلى مجموعة من (البصامة) وعديمي الكفاءة لكي تكون هي الخيار الذي لا بديل له ولكي لا يكون هناك اي بديل منافس للمواقع القيادية في حال اثبت الكفاءة فيما لو تحقق عامل المكاشفة والنقد، وكذلك لتغييب الرقابة والمحاسبة من ناحية ثانية.
هذا الواقع، متضافرا مع عوامل أخرى عديدة، أربك الحياة الحزبية وأدى إلى انسحابات واسعة من التنظيم من قبل مجموعة كبيرة ممن يمكن تسميتهم بالنواة الصلبة للحزب، لاسيما هؤلاء الذي عرفوا بالكفاءة والخبرة والروح النضالية، اي من الذين قدموا أهم سنوات عمرهم في العمل الحزبي الشاق والصعب في تجربة الكفاح المسلح في كردستان العراق وعرفوا بثباتهم والتزامهم المبدئي على الضد من مجموعة، ليست بالقليلة، من (عتاولة) منظمات الخارج الذين انسلخوا عن الحزب بعدما امنوا مستقبل حياتهم الشخصية وبعدما صار الحزب لا يستطيع تقديم المنافع لهم.
بطبيعة الحال وفي ظل هذه الأوضاع الحزبية الشاذة والتي فاقمت من تعقيدها وشذوذها ظروف الحياة السياسية في عملية الصراع مع النظام ألبعثي الفاشي وجد الحزب نفسه بعدما دخل إلى بوابة العمل السياسي العلني في داخل الوطن بعد سقوط النظام وفي ظل المنافسة المحمومة على الشارع السياسي مكشوفا بغير قاعدة واسعة تغطي اسمه ومكانته الافتراضية التي حدد مستوياتها تاريخه. فقد عجز الحزب و للأسباب المعروضة هنا على ان يبني تنظيما حزبيا واسعا، منظم وقوي وفعال يناسب المرحلة والتحولات. ولسد تلك الثغرة لجا الحزب إلى تبني خطة تنظيمية تركز على الكم فدفعه ذلك إلى فتح أبوابه أمام المجاميع الواسعة من الذين تخلوا عنه في ظروف ألازمة التي أدت إليها حملة النظام ألبعثي عليه في أواخر السبعينات، ووصل الامر به لحد القبول من جديد في صفوفه لمجموعة من أولئك الذين تورطوا في أعمال خيانة للحزب وتعاونوا مع أجهزة النظام ألبعثي وأدى عملهم هذا إلى تمكين النظام من الكشف عن مجاميع حزبية تعمل سرا في الداخل واستشهد بسبب ذلك بعض منهم.
طبعا لا يجوز لاحد ما ان يزايد على من خاضوا تجربة الاعتقال لدى أجهزة النظام القمعية وتنازلوا بسبب ذلك، وكلنا يعرف مدى صعوبة مواجهة كم العنف والقسوة التي يمارسها النظام ألبعثي ضد ضحاياه. ولكي لا يلقى اللوم على تلك المجاميع وتحميلها مسؤولية ماهو اكبر من طاقتها يجب الإشارة إلى بعض العوامل التي أدت إلى عملية الانهيار الواسعة والتحلل التنظيمي التي نتجت عن الحملة القمعية التي شنها النظام ألبعثي على قواعد الحزب الشيوعي أواخر السبعينات، وأولها وأهمها هو ترك قيادة الحزب للتنظيم الحزبي برمته بهروبها إلى الخارج حتى قبل ان تشتد ألازمة، وتركها العضو الحزبي يواجه المخاطر والمصير الشخصي بالإمكانية الوحيدة الموجودة أمامه وهي حدود طاقته الشخصية على المواجهة اوتدبير أموره في الاختفاء أو الهروب إلى الخارج إن استطاع أو مواجهة مصيره المحتوم في أقبية الأمن. فلم تكن هناك اي خطة للطوارئ أو لمواجهة الاحتمالات رغم الإشارات المبكرة من النظام للتحرك ضد الحزب ورغم توسع رقعة المخاوف والتشكيك في الوسط الحزبي حول جدوى التحالف أو ضرورته. فصار البقاء في الداخل أو الخروج أو الاستعداد للتضحية أو التنازل حتى دون اعتقال ومواجهة هو اجتهاد فردي يقرره وينفذه الشيوعي بمفرده بغير ما دعم ولا توجيه. وهناك أيضا عامل مهم أخر أسهم في تعقيد الوضع وفاقم الصعوبات هو ركاكة المنظمات الحزبية وكادراتها وأعضاءها الذي نتج عن التوسع الكمي والشكلي للتنظيم الحزبي في فترات الجبهة الوطنية مع النظام ألبعثي والذي أدى إلى تسرب الكثير من العناصر المحدودة الكفاءة والركيكة في وعيها ومن المنبهرين بالمظاهرـ فقد صارت الشيوعية آنذاك، وإلى حد ما، ما يشبه الموضة والحلية يتجمل بها بعض من يتصور إن العمل السياسي هو تسلية وحفلات للرقص والغناء ـ إلى داخل الحزب. وهاهم يعودون ألان بغير حساب. ولنفس الظروف ولنفس الدوافع يفتح الحزب أبوابه مرة أخرى لهم ولغيرهم دونما تمحيص ولااسس، لحاجته هو لهم أولا ولحاجة بعض منهم للعودة إلى أيام شبابه لينفس عن حنينه وكبته السياسي الذي عانى منه في ظل النظام ألبعثي.
وللأمانة يجب القول ان ليس هناك مأخذ كبير على إعادة الحزب إلى صفوفه لمن ترك العمل الحزبي لظروف، في أحسن الأحوال، لم يكن هو مسؤولا عنها إلا بحدود ضيقة جدا، وإنما المأخذ هو على استعداد الحزب الشيوعي العراقي ألان لتوظيف هذه الظروف لكسر عزلته ولتوسيع محدوديته التنظيمية وامتداده السياسي في الشارع العراقي أولا ولأنه في هذا الإجراء البراغماتي والمتعارض مع القيم التي يعلنها، يحقق فائدتين مزدوجتين في نفس الوقت أولاهما هي انه يحقق توسع تنظيمي يحتاجه في الظروف الراهنة بسبب هشاشة وضعه التنظيمي وليقول في نفس الوقت للذين انسلخوا عنه لدوافع سياسية وتنظيمية وفكرية سببها الصراع الحزبي الداخلي من إنهم لا يشكلون ضغطا واقعيا عليه وان مرحلتهم قد انتهت. وثانيتهما هي انه يمد التنظيم الحزبي بمجموعة مطيعة ولينة من العناصر المرتبكة وقليلة المشاكسة وذلك بسبب من ان تلك العناصر لم تعايش ظروف الصراع الحزبي في مراحل الثمانينات، لاسيما في مناطق الكفاح المسلح، التي تميزت بالانكشاف الكامل لطبيعة العمل الحزبي وأوضاع التركيب القيادي وممارساته. فتلك الظروف كانت قد أسهمت في نشر وعي نقدي لغالبية القاعدة الحزبية التي عايشت التجربة ومدتهم بالجرأة والاستعداد على المواجهة وانتهت بها، وربما إلى الأبد، خرافة كمال خلق وشخصية القائد، هذا أولا، وثانيا لأنهم يحملون في ذاتهم عقدة شعور بالعار نتيجة لموقفهم الضعيف السابق، ونتيجة أيضا لعزلتهم وعزلة المجتمع فترة حكم النظام ألبعثي بالاضافة إلى الصورة النمطية، الالقة والعاطفية، عن الحزب التي من الممكن ان تكون بقاياها ما تزال عالقة في مخيلتهم. وهذا كله يجعلهم إلى حد بعيد، وقد يكون مؤقتا، غير جديرين ولامستعدين لممارسة النقد والمحاسبة وغيرها من ممارسات تلقي اعباءا على قيادة الحزب التي أهم ما تحتاجه ألان هو قاعدة حزبية مطيعة (ومؤدبة).
ختاما أؤكد على ان أهمية اي نقد يمارس ألان داخل اليسار تنبثق من الضرورة التي تفرضها الظروف الحالية التي يمر بها الوطن ولأجل تعزيز دور سياسي وفكري واسع ليسار معافى ومتماسك. ولن يستقيم هذا الامر، مرحليا على الأقل، مالم يقم الحزب الشيوعي العراقي، باعتباره احد اكبر الفصائل اليسارية لحد ألان، بقطيعة مع ذاته ومع ماضيه وتجربته من خلال عرض نقدي وتقييمي شامل لتجربته السياسية والتنظيمية لتصير معيارا ومرجعية تقاس بها صلاحيته لاداء دوره الذي رسمه لنفسه.


هامش

أورد هنا هذه الواقعة كعينة تحضرني الان لوصف حالة ومفهوم النقد والنقد الذاتي الذي يمارس داخل الحزب وهي حالة لها دلالات اكبر بكثير من شكلها كحدث يبدو بسيطا:
كان عضو اللجنة المركزية( منظر كل الأزمنة) الذي يدير المدرسة الحزبية في حركة الأنصار لديه احد الأتباع من الكوادر الوسطية من مدينته على عادة غالبية القادة الحزبيين. وكان هذا الكادر إضافة إلى مهمته التدريسية في المدرسة يقوم بدور المصفق والهتاف ومداح المعي لقائده الذي يقوم بمحاسبته، أو بالا حرى تقريعه، حينما يقوم بخطأ ما ويوبخه - على انفراد طبعا- إلى ان تهطل دموعه من عينيه وعندها يخبر هذا القيادي المسؤول الحزبي في المدرسة ان (فلان) تعلم الدرس ألان واستوعب النقد.

السويد
29 آذار 2004



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخوة الخوف
- الشهيد الشيوعي مشروع إعلامي
- إرهاب جيفارا ألزرقاوي
- الجرح النرجسي للكرد
- ألترهيب الإسلامي
- ثقافة الصنم
- الموقع المهذب
- وحدة الراي واقعها ودورها
- البعث يضع النقاط على الحروف
- نبوءة الخراب وتجلياته
- النقد نقاش وحوار وليس عنفصة إفهام لفريد بن ايار
- مسيحيو العراق الحجاب الاسلامي والمشروع الوطني
- قرارالغاء عقوبة الاعدام وسؤال المشروعية والجدوى
- الاجتثاث بالحوار
- المسالة الكردية الفدرالية والديمقراطية وحق تقرير المصير
- جريمة قتل في شارع عام - قصة مقتل اولوف بالمة
- عالم صدام حسين بين حضور التاريخ وغياب المؤلف مدى شاسع من الذ ...
- غياب المنهج وسطحية المعايير رد على الدكتور احمد البغدادي
- علاقات العراق بمحيطه ضرورية ومشروطة
- في تشريح المقاومة العراقية


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - من اجل يسار عراقي معافى - ملاحظة عامة على أوضاع النقد في حياة الحزب الشيوعي العراقي