أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ابو سعود - العاشرة ليلا تحت جسر واترلو (*)














المزيد.....

العاشرة ليلا تحت جسر واترلو (*)


حسين ابو سعود

الحوار المتمدن-العدد: 2606 - 2009 / 4 / 4 - 07:56
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
الليل له وخزات يعرفها قلبه ، و روحه تعرف وطأة الحزن عندما يشتد الظلام في الطريق الطويل ،والليل من عاداته ان لا يكترث بنبرة الاضطراب في ارواح المرهقين ، النجوم تبتعد نحو عوالم الصمت في تلك الساعة المتأخرة من ليل لندن ، كان )محجوب غريب الهادي( في القطار الهادر في ظلمة الانفاق ، انه ليس آخر من يعود الى بيته وحيدا، ها هم جميع الركان متعبون ، وحيدون ، وهذه فتاة شابة سوداء تنام وحيدة تسند وجهها براحة كفها الايسر وتمسك بحقيبتها الحمراء باليد الاخرى غير عابئة بانحسار الثوب عن ساقها الابنوسي التي تلامسها العيون بشهوة صامتة ، وذاك خمسيني ابيض يغمض عينيه مبتسما وكأنه يحلم بأمرأة طيبة ، الوجوم يحوم حول الوجوه الاخرى ، و محجوب عائد لتوه من وليمة الفراق.
كانت سعاد قد دعته تلك الليلة الى وليمة، اسمعته في البداية قصائد من الشعر الانجليزي تحكي عن الحرب والعودة واعياد الميلاد، استدرجته الى الممشى الاسمنتي المحاذي لنهر التايمز تحت جسر واترلو، في برد مارس القارس، كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلا، اسندته الى عمود كونكريتي ضخم ، اقتربت منه كثيرا ، التصقت به، قربت شفتيها حتى صار يسمع هسيس انفاسها و صدرها يعلو ويهبط ، الشاطئ مهجور الا من بعض المارة الذين يمشون بسرعة هربا من البرد ، والنهر كان يضيف احساسا مضاعفا بالبرودة ، المراكب مطفأة المصابيح اذ لاسياح ولا عشاق ولا سكارى ولكن ماذا يفعل ذلك المغني الاسود في هذا المكان ؟ لماذا اختار هذا الركن المهجور؟ لجلد الذات ام هو الامل المستحيل لعل احدا يمر فينقده بعض النقود ليشتري به شيئا من البطاطا المقلية وعلبة سجائر او حتى علبة بيرة ، كان مستندا الى عمود الكهرباء يعزف على قيثارته مرددا اغنية غير مشهورة:
ايها السائر لوحده على الرصيف /وفي مخيلتك صورة الحبيبة /تلك التي هجرتك الى غيرك / لا تبتئس كثيرا / فحبيبتك التي تشبه الان حقلا بهيجا / سيغادرها الالوان /وتهجرها العصافير وتصير يبابا / بمجرد ان يتوقف هطول المطر ، دن دن دن ددن دن.
الله ماذا يعني هذا المغني الاسود، قالها محجوب في سره ، وما اكبر الفرق بين هذا المكان وبين (كوفنت جاردن) حيث المقاهي والمطاعم والبارات المزدحمة ونادرا ما يرى الانسان هناك امرأة وحيدة او رجلا وحيدا.
اقتربت سعاد اكثر التصقت به اكثر عانقته بلا خجل من النهر واسماكه وبلا اكتراث من المارة وكاميرات المراقبة ، همست في اذنه : ايها الصديق ، سنفترق بعد قليل ، وستكمل رحلتك الى المنزل بدوني ، سنفترق بلا حرقة ولا دمعة ولا لسعة ، سيكون لفراقنا وقعا جميلا ، سيكون اجمل فراق واسهل فراق في حياتي ، فكلانا ياصديقي تجاوز الاربعين ونتفهم الامور بروية وعقل ، لنتألم ولكن كل على انفراد ونتناول العشاء الاخير على انفراد، ساجعل لفراقك هذه الليلة نكهة الجوز والعسل ، واشبعك باللمس والهمس ، ساحيطك بحنان كامل واغدق عليك عناقا وقبل، ساودعك ببساطة ولكن دون حقد او زعل .
مدّ يده من تحت المعطف الاسود ، تحسسها كأنه لم يصدق وجودها معه، لم تكن كالليلة في السخاء والعطاء ولم تمانع في شئ .ماذا ستفعلين بعد فراقي ، قالها وهو يمثل دور القوي المتماسك:-- لاشئ سأعود الى غرفتي الباردة استذكر بين جدرانها اهلي وجيراني وتقافز الاطفال من حولي وصخب الاعراس ، ساعود الى غرفتي اذ ينتظرني سرير وكتب مبعثرة وملابس مكومة حيث لا دفء أم ولا حنان أب ولا ضجيج اخوة ، لقد اتصل بي صديقي القديم و وعدني بالزواج ساعود اليه فانا احبه .
انتفض محجوب ، فصل جسده عنها برفق بالغ كما يفعل الآباء ، صافحها بأدب ، مشى معها بصمت حزين، شعر بان الليل ازداد ظلاما والبرد ضاعف حدته والنهر زاد هديره ، وقفا على قارعة الطريق عدة ثواني ، اتجهت هي نحو اليسار حيث موقف الباصات واستدار هو نحو اليمين حيث محطة القطار، وحانت منه التفاتة فوجدها تصعد الى الحافلة المتجهة نحو ( كنغ كروس )يعتليها مسحة انكسار.
ما زال القطار يتنقل بين المحطات تحت الارض وما زال التعب يرتسم على وجوه الركاب وقد تخلى الجميع عن جرائد المساء التي توزع مجانا في قطارات لندن، سمع الجميع من مكبرات الصوت نبأ الوصول للمحطة الاخيرة:
This train will now terminate here, all change please,
Take all your belongings with you, all change please.
هذا القطار سيتوقف هنا وعلى جميع الركاب النزول و اصطحاب امتعتهم معهم فقام محجوب من مقعده متثاقلا وهو يتمتم قائلا :
ايه ، اذن هكذا تنتهي الحكايات ، لقد ذهبت سعاد، ونسيت ان اعيد اليها صورتها التي اهدتني اياها في لقاءنا الاول في احد المؤتمرات ، نسيت ان اقول لها تذكريني على الاقل كلما دقت الساعة العاشرة او كلما رأيت جسرا او كلما دخل الليلة بظلمته او كلما ضاق صدرك او كلما ذكرت اهلك أو ، أو ، أو
وكل ساعة عاشرة ونحن بحزن عميق.
[email protected]


(*)القصة حقيقية لكن الاسماء غير صحيحة حفاظا على خصوصيات الافراد وقد مرت على هذه الحادثة عشر سنوات وقيل ان سعاد لم تتزوج حبيبها لا نه لم يجئ قط ، وما الفائدة من معرفة انه مات اثناء عبور الحدود او انه ببساطة اخلف وعده وتزوج بنت الجيران وخلف منها عددا من البنات والصبيان ،وانها حصلت على اللجوء بعد ان ساءت حالتها النفسية وهي الان تعاني الوحدة بمفردها في شقتها الصغيرة غرب العاصمة لندن يشاهدها البعض احيانا وهي تجر آلامها كما تجرّ عربتها اليدوية متجهة نحو متجر (تيسكو) القريب لشراء بعض الحاجيات والاطعمة دون ان تنسى القاء التحية على من تصادف في دربها من العرب وغيرهم من اهل المنطقة بابتسامة مشوبة بالحزن .



#حسين_ابو_سعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاء عبد الرزاق تكتب لطفل الحرب مذكراته
- اضاءات اللوحة الاخيرة
- لا تتبع قطام وامامك سهل فسيح
- دموع الليل
- كطفل يختبئ من عيون الموت
- يوم كنا وكان الحب
- تعال لتبحث عني
- إذن، أين أنا ؟
- عودي لي وطنا
- رحلتي نحو الغروب
- غفوة ، بانتظار رائحتها
- ضجيج في سوق القورية *
- خضرة الصبح وشبق الوصول
- قلعة خارج كركوك
- كركوك وأضغاث الأحلام
- لا دوي ّ لموت الطيور
- بمعيتك، ليلي بستان ملون
- أخاف ان اجدك سرابا
- شد الحبل بين شريف ومشرف..الى أين ؟
- لنبكي الفراق قبل الفراق


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ابو سعود - العاشرة ليلا تحت جسر واترلو (*)