أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق عبدالواحد الخزاعي - غوته ينشد للشرق حبا ...!!!















المزيد.....



غوته ينشد للشرق حبا ...!!!


طارق عبدالواحد الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2605 - 2009 / 4 / 3 - 00:46
المحور: الادب والفن
    


* مسرحية *

الشخصيات :
غوته : في شبابه ورجولته ( 20 – 60 ) سنه
الرجل : أب غوته – 40 سنه
المدرب هاين : مدرب المبارزة بالسيف – 45 سنه
اللص الأول : من قرية ألمانيه مجاورة 25 سنه
اللص الثاني : من نفس قرية اللص الأول 22 سنه
لورسباخ : أستاذ جامعه - 50 سنه
يوهان فيلمير : صديق غوته- مدير مدرسة ثانوية 44
سنه .
مريانه فيلمير – زوجة يوهان – 40 سنه
فاوست , مفستوفليس , تلميذ : شخصيات مسرحية ...
فاوست للشاعر غوته .
الشاب البدوي : شاب أسود في العشرين من عمره
امرؤ القيس : الشاعر الجاهلي العربي
عنيزة : أبنة عم الشاعر امرؤ القيس وحبيبته
البائع التركي : رجل تجاوز الأربعين عام
بائع الخمر : رجل تجاوز الأربعين عام
نساء ورجال ومارة وأخرون ...








- 1 –
الفصل الأول
المشهد الأول : سايك خلف وسط المسرح ...تبدو فيه ملامح قرية ألمانيه ومبنى لكنيسه يظهر فوقها الصليب واضحا...جدار لكوخ يحوي نافذه تطل على حديقة مهملة ...ينبعث ضوء فانوس من النافذه ...شبح رجل يحمل أله بيده ... أصوات كلاب من بعيد...صوت مطر بدأ يتساقط ...أصوات طيور تهرب من أشجار...وميض برق ورعد بين لحظة وأخرى ...لصان يقتربان من الكوخ...الوقت ليلا .
اللص الأول : بدأ الليل يرخي سدوله ...حان الوقت لنبدأ ...هيا أتبعني .
اللص الثاني : لننتظر قليلا كي يحضن الظلام هذا الكوخ ...ولتهدأ الكلاب اللعينة عن النباح كي ننجز مهمتنا بأمان.
اللص الأول : أمعاء هذه الكلاب خاوية مثل أمعائنا ...ستظل تنبح لاحماية باأصحابها بل لأن قرصات الجوع مؤذية لها... ربما تغفو على حلم طبق من خشب فيه عظم وحساء...ربما .
اللص الثاني : مثلما نحلم أيضا .
اللص الأول : هذه المرة سوف أحول الحلم الى حقيقة , لابد أن أعثر في أحد أكواخ هذه القرية على ذهب ومال ...لابد..
اللص الثاني : أشعر بالبرد .
اللص الأول: تعني الخوف.
اللص الثاني : مثلك تماما .
_ 2 _
اللص الأول : البرد والخوف معا .
- يزداد البرق وسقوط المطر –


اللص الثاني : البرد والمطر يزداد أكثر .
اللص الأول : سنموت كالقطط التائهه في هذا المكان الموحل .
اللص الثاني : أتبعني وأغلق فمك .
- ضوء المصباح يخفت قليلا..يبدو أنه محمول بيد رجل.. اللصان ينظران للنافذة _
اللص الأول : هناك شىء غير عادي في داخل الكوخ .
اللص الثاني : دهنا نقترب من النافذه.
- يتحركان ببطء شديد نحو الكوخ -
اللص الأول : اين سلاحي ؟
اللص الثاني : سقط من يدك بفعل الخوف ... أعني الجوع ...(يلتقط المديه من الأرض ) ...خذ أيها المغفل .
اللص الأول : - بفزع – مالذي يجري بداخل الكوخ ؟
اللص الثاني : دعني أنظر جيدا .
اللص الأول : ماذا ؟
اللص الثاني : لنقترب أكثر. ( يرسم علامة الصليب )
اللص الأول : ( يصرخ ) لقد قتلها ...قتلها ...أراه بعيني.
اللص الثاني : - يغطي بكفه فم اللص الأول - قتل من ايها المغفل ؟
اللص الأول : صدقني ...رايته بعيني ...قتل المرأة بسكين حادة .
اللص الثاني : سكين حادة ...من هو ؟
_ 3 _
اللص الأول : اللص الثالث .
اللص الثاني : متأكد .
اللص الأول : نعم
اللص الثاني : ولكن ليس هناك لص ثالث بيننا... أنا متأكد .
- صوت المطر يزداد والبرق يومض – يخرج صاحب الكوخ وهو يحمل المصباح –
الرجل : أنقذوني ...من هناك ...الأ أحد يسمعني ...النجدة ...النجدة ..ياألهي ماذا أفعل ... النجده ..
- يختيىء اللصان بجبن وخوف –
اللص الأول : ماذا سنفعل ؟
اللص الثاني : لاأدري .
اللص الأول : أنه لايحمل سلاحا .
اللص الثاني : ربما رماه قرب الجثه .
الرجل : -مستمرا بالصراخ _ بحق الرب ..بحق يسوع ...النجده .
اللص الأول : لابد أن شيئا خطيرا قد حدث ...لن أقف طويلا تحت المطر ...أنه يستنجد بيسوع ونحن أبنائه...لابد من مساعدته ...
اللص الثاني : لكن أتفقنا على أن نسرقه ...أنت تسىء لشرف المهنه...
اللص الأول : سأذهب لنجدته .بحق يسوع .
- يمسك به ...ينتبه الرجل...يرفع الفانوس _
الرجل : اسمع صوت في الحديقه ...لابد أن أحدهم قادم لنجدتي.
اللص الثاني : أنت مجنون ...نحن لانعمل بالمجان .
- يقترب الرجل منهم وهو يحمل المصباح –
_ 4 _
الرجل : ماذا أثنان ...شكرا للرب... سمع واستجاب لدعوتي ...
اللص الأول : مابك ايها الأخ ...أعني ماتحتاج من نجده .
الرجل : شكرا لك وللأخ ..والف شكر للرب ...طلبت واحدا ... أرسلت لي أثنان من الملائكه ... و...
اللص الثاني : نحن لصو......
اللص الأول : نحن من سمع صوتك ...بل ..نحن ...
الأثنان معا : ملائكة شرفاء .
الرجل : الشرف قليل ويندر وجوده في قريتنا كالماس ...تفضلا ...اسرعا بالدخول قبل أن تموت المسكينه .
اللصين معا : ماذا ...؟!!
الرجل – لاوقت للسؤال أتبعوني .
- يدخل الجميع للكوخ ....تتداخل اصوات ...أغسل يديك...أجلب ماء ساخن ..أعطني المديه النظيفه ....رتب الشراشف ...أجلب القماش ...خذ ...نعم ....تنطلق صرخة طفل .... ومضة برق وصوت رعد ....
يخرج أحد اللصوص ويتبعه الثاني وهم يمسحون عرق جبينهم ...لحظات ويخرج الرجل ...
اللص الأول : مبروك لك المولود الجديد .
اللص الثاني : أنه صبي ...أليس كذلك .
الرجل : شكرا للرب ...
اللص الأول : حمدا لسلامة زوجتك .
الرجل : الشكر الجزيل لكما أيها الطيبان..لولاكما لاأدري ماذا أفعل ؟
اللص الثاني : ماذا تسميه .
_ 5 _
الرجل : ساأسميه ...غوته ....
اللص الثاني : غوته ...ماذا يعني ؟

الرجل : اليوم سوف نحتفل بولادة غوته ...وتعرفي على صديقين حميمين مثلكما...هيا لندخل ونشرب نخب غوته ونتناول طعام ساخن ....أتبعاني ...
- اللصان يديران وجهيمها للجمهور -
اللص الثاني : يبدو أن هذه المهنة لاتليق بنا .
اللص الأول : كيف تولد لديك هذا الأحساس ؟
اللص الثاني : خجلت من نفسي حينما أبصرت الطفل وامه تبتسم لي ...!!
- صوت الرجل من الداخل –
الرجل : أين أنتما أيها الصديقين الطيبين ....النخب جاهز وسارتب لكما العشاء .
اللصين : - معا بصوت واحد –
يحيا ...غوته .

_ ظلام _
المشهد الثاني : قاعة تدريب للمبارزة ..مشجب معلق عليه اسلحه مبارزة – سيوف متنوعه وماسكات ...وكفوف.......غوتة ينهي أخر تمرين للأحماء الجسدي وهو يحمل قفاز بيده اليمنى وظهره للمتفرجين في حين يمسك المدرب – هاين – بالسيف والقناع .
المدرب : غوته ...غوته ... هل أنهيت من الأحماء . ؟
غوته : نعم ياأستاذي ...أنا الأن جاهز .
_ 6 _
المدرب : خذ السيف والماسك وتعال أمامي .
- غوتة يمسك السيف والقناع...يحي المدرب تحية السيف المعتادة دليل الأحترام ويضع القناع على راسه...يدربه أوضاع الدفاع
والهجوم المعتادة برياضة المبارزة...ثم يبدأن المبارزة ... تتلاحم السيوف مع بعضهما البعض .ويتحركان برشاقة ومهارة .
المدرب : _ يصرخ به _ كن سريعا كالبرق ...دقيقا كصائغ الذهب ...أهجم بلا توقف كالمطر الغزير ...حادا كسمك القرش ...قويا كالعاصفه ... منقضا كالنسر وليكن سيفك في الألتحام كموج البحر حين تصفع الصخور .
غوته :_ يهجم _ هكذا كان يوم مولدي ...عاصفة وبرق ومطر .
_ المدرب يصد هجوم غوته ..يوقفه بالوضع الدفاعي الثالث –
المدرب : لاتنفع القوة في أغلب الحالات ...ربما تصبح متهورا ..كن رشيقا كالنحلة ...حاول أن تلسع وتبتعد ثم عد الهجوم الآخر ..لاتدع وضع القلب مكشوف للخصم , فكن سريعا لحمايته من الوضع الرابع
_ يستمران بالمبارزة _
المدرب : كن يقظا في الوضع الخامس الذي يحمي الرأس ..تحكم في مقبض السيف ... حذار أن يقترب منك الخصم فيضرب خصرك أو صدرك بكلتا يديه أو يركل قدميك هكذا ..._ يركل المدرب غوته فيفقد توازنه ويسقط أرضا _ ينهض ويهجم بقوة وهو يطلق صرخه ..فيقفز المدرب لجهة اليمين ويصطدم بجدار حائط فيغرس المدرب السيف في صدر غوته بسرعة ورشاقة _

_ 7 _
المدرب : هنا مقتلك ...كن هادىء الأعصاب ...ولاتكن كالثور الجريح ...أجعل قدميك تتحركان كراقص الباليه وذراعيك مفتوحتان كجناحي الصقر ...ثم لوح سيفك بثبات كمصارع أسباني يجهز على ثور هائج
_ يتبارزان من جديد بقوة ....المدرب يسيطر على سيف غوته _
المبارزة ...ليست أحتكاك نصلي السيف مع بعضهما وسماع صليلهما والأسراع بتحقيق لمسه...أو طعن خصم , بل هي ذهنية متفتحه لقراءة أفكار الخصم وجرأة ذكية ومناورة حادة وتحفز دائم وأدراك واع لكل حركة هجوميه , لمعرفة نقاط الضعف في دفاع الخصم , ثم توجيه طعنة قاتله .
_ يتبارزان بقوة _
غوته : سأغلبك في يوم ما .
المدرب : عليك أذن ان ترتقي الى مستوى ضربات نصلي .
_ يسيطر المدرب على نصل سيف غوته ويدور به بالوضع الدفاعي السادس كدائرة مغلقه _ حذار ان تفقد التوازن ...السيف والذراع والجسد معا .
غوته _ بأرتباك _
مالذي أفعله الآن ؟!
المدرب : كن يقظا ومرنا ...لاتستسلم ...أستغل جسدك ولاتدع السيف يضطرب في قبضتك ...أمسكه مثلما تمسك حبيبتك في يوم عاصف .
غوته : كيف ... هنا تختلف الحالة ؟
المدرب : مثلما لاتتكرر القبلة مرتين لحبيبتك ...لاتكرر الحركة مرتين في أتجاه واحد لأنك تكشف ضعف دفاعك ...كن سريعا في الرد والرد
_ 8 _
المضاد وتراجع قليلا للخلف بخفة ...أمنح خصمك فرصة الأستسلام أو الهرب .
غوته : سأفعل ..._ يقوم بهجوم مضاد _
المدرب : هيا تراجع ودع الخصم يطعنك ..أصطنع الأرتباك كطعم لأصطياده...أستغل جسدك بمرونة ولاتنس التوازن بين القدمين والذراعين معا ...هيا ...
غوته : هذا ماستراه مني ...
_ يقوم المدرب بهجوم فيتراجع غوته بخفة ويميل بمرونه الى جهة اليمين ثم برشاقة وخفة وسرعه يسيطر علي سيف مدربه و يقبض غوته على ذراعه ورقبته _
المدرب : _ يصرخ _
أترك رقبتي أيها الأحمق ....لقد أستسلمت .
غوته : لاأصدق الأ ان ترمي السيف .
المدرب : ها..أنا أفعل _ يترك السيف من يده فيمسكه غوته بخفة قبل أن يسقط أرضا ....يحي المدرب ويعطيه السيف _
غوته : تفضل ياسيدي ...كان سيفك ينطق بشجاعة الفارس عن كلام صامت ...كنت رائعا جدا .
المدرب : تذكر ياغوته ... ان لغة السيف هي لغة الحوار الشجعان ...منه مايمتاز بالعنف ومنه بالرشاقة ومنه بالغزل ومنه باللؤم والغدر ...من عيون خصمك تعرف نقطة ضعفه ومن ضربات سيفك تكشف الثغرة التي تنفذ منها للأجهاز عليه .أو تحقيق الأنتصار

_ 9 _
بسرعه ._ يضربه على مؤخرته _ أبدل ملابس المبارزة وأرتدي ملابس الفرسان لنبدأ تدريب الفروسية ...أتبعني للأصطبل .
_ يخرجان معا كلا في جهة _
- ظلام -
المشهد الثالث : قاعة أستقبال في منزل غوته الأستاذ لورسباخ يقف بأعجاب أمام الكتب التي تحويها مكتبة غوته.. يضع نظارته .يمسك بيديه كتاب من الرف ...يحدق فيه ثم يعيده ...يمسك أخر يقلب أوراقه...يقرأ قليلا ...يدخل _ غوته _ متأخرا .
غوتة : أوه سيد جورج لوسباخ ...عمت مساء ...اسف لتأحري .
لورسباخ : لايهم ... وجدت من يسليني كعادتي ... مكتبتك تحوي كتبا قيمة ...أأمل أن أقترض منك ذات يوم قريب بعض منها كمراجع لبحوثي في الجامعه .
غوته : كما تحب .
لورسباخ : هل قرأتها كلها .
غوته : نعم .
لورسباخ : وماوجدت ...أعني مأالحكمة التي خرجت بها ؟
غوتة : ايها الأنسان كن خيرا .
لورسباخ : نعم فكل الأنبياء والفلاسفة والشعراء والفنانين ...أعياهم الأنسان ...لذا فأنهم يضحون بالدم والعرق لبناء أنسان مثالي ...أنسان لايعرف الكذب والنفاق والخديعه والغدر ...أنسان يرتقي بعقله وفكره لبناء جنة على الأرض .

_ 10 _
غوته : أما أنا فأحترت بمن أصدق بالفلاسفه من اليونان أم بحكماء الهند وفلاسفة الصين أم الرومان أم العرب أم الأوربين ؟!! ........
وأنت ياسيد لورسباخ مالذي تقوله في العقل ؟
لورسباخ : قوة الأنسان في أدراكه لكل المعارف المادية والروحية في الوجود وأدراك معاني الخير والشر والفضيله والرذيله والحق والباطل عبر معاني وصفات الصفاء والأيمان والزهد .
غوته : وما الذي يحرك أجسادنا لنميز بين الصالح والطالح ... الأحساس بالأمن والخطر... كل تلك الصفات التي ذكرتها...أم الدم والعقل .
لورسباخ : العقل .
غوته : وماالذي يجعل المجنون يعرف الشر عن الخير ويميز بين الأنثى والرجل ويتذوق ويشتم ويأكل ويشرب ويعبر الشارع ويصعد العربة ويفرق بين الحصان والحمار وربما يعرف أسماء من يحبهم .
لورسباخ : للعقل ياصديقي وجهان ...أحدهما وجوده والثاني قيمة أدراكه وهو مايجعل المجنون واعيا ومدركا لأفعاله .
غوته : لماذا لاتقل أن الروح هي التي تسير أجسادنا ؟
لورسباخ : الروح جوهر العقل .
غوته : لكن العقل أحيانا لايعطينا صورة لنهاية الأشياء.
غوته : لكن للعقل قوة أنفعالية ... يفسر كثيرا ماغمض من اشياء .
غوته : لكن العقل ليس منفعلا .
لورسباخ : بل أعني أنه فاعل ايضا .
غوته : طيب ...ما رأيك بالمذهب الحسي والأستقراء ؟
_ 11 _
لورسباخ : الحسيون ينكرون وحدة المعنى المجرد في العقل والماهية الثابتة في الأشياء , فأنهم لا يقبلون سوى الأستقراء التام ولايعتبرونه الأ كمجموع ولايؤمنون بالمجموع الأ الى وقت لأعتقادهم أن......
التجربه غير منضبطه بمبادىء أو قوانين وأنها مفتوحة دائما وربما قد تلد كل عجيبة وغريبه .أما الأستقراء ...هو مجرد توقع ألي أو مجرد عادة يولدها التكرار فنعتقد ان المستقبل شبيها بالماضي .
غوته : لكن هناك من عرف برجاحة العقل والمنطق ... ثم ... فجأة وأمام قضية بسيطة تتشابك فيها العاطفة أو المصلحة, فيخونه العقل.
لورسباخ : وايضا هناك من يخطىء في الأدراك الحسي.
غوته : الأ ترى معي ان الحواس ألة حسنة لمعرفة الأشياء وان العقل ألة صالحة للتصور والأستدلال .
لورسباخ : أن الحواس ضرورة لتنبيه العقل الى المعاني ومادام العقل يدرك كنهه كل موجود في الوجود ويتصور بالاستدال لما سيكون له وجود , لذا فأن الموضوع العام للعقل هو الوجود من حيث هو كذلك أو مطلق الوجود .
غوته : ذلك رائع ياأستاذ لورسباخ ...لكن ...ربما في الغد أختلف معك في الرأي .
لورسباخ : من توغل في أعماق الفكر ...أحب الحياة الناشطه ... ومن ألقى نظرة على العالم ...أدرك الفضيلة العليا ... والحكماء في النهاية غالبا ماينحنون للجمال .
غوته : أذن ما الذي يبحث عنه الحكماء في الحياة ؟
لورسباخ : بساطتها .
_ 12 _
غوته : وفي الرجل ؟
لورسباخ : عقله .
غوته : وفي المرأة ؟
لورسباخ : جمالها .
غوته : لكني أعرف جيدا ياأستاذ لورسباخ ...أن الحكماء والفلاسفة لايحترمون الأ العقل مقياسا للحقيقة المطلقة.
لورسباخ : - بدعابة وأبتسامة _
لاتصدق ....فقلوبهم ...ضعيفة أمام بريق الجمال وحلاوة
الأجساد .
غوته : ربما ...ربما بعضهم ...فهناك من يغيبه العقل عن رؤية
الوجود .... – صمت _ قل لي ...أتؤمن بوجود الشيطان ..؟
لورسباخ : نعم .
غوته : وهل يستطيع الأنسان هزمه ؟!!
لورسباخ : ليس كل أنسان ...فهو قوي ومراوغ .
غوته : من أذن يستطيع هزمه .؟؟
لورسباخ : صاحب الفكر العظيم , هو من يخافه الشيطان , لأنه الوحيد الذي لايستطيع شرائه .
- يتناول غوته كتاب من رف المكتبه ويعطيه لورسباخ _
لورسباخ : ماهذا ...؟؟؟
أخر ماكتبت ...مسرحية .... فاوست ... أأمل أن تعجبك ...سأتركك مع المسرحية وسأخذ حماما وابدل ملابسي ...لنخرج معا لمقهى الشعراء .
_ 13 _
لورسباخ : أفعل مايحلو لك ... ودعني فيما يحلو لي .

- ظلام -

المشهد الثالث : صالة بيت واسعه ...بالأمكان الأبقاء علي صالة غوته بأضافة ستائر جديدة علي جانبي المكتبة مع تغير بسيط في الأرائك والمنضدة والمصباح ... وغير ذلك من الأكسسوار والديكور .
(( طرقات على باب ))
فاوست : من الطارق ؟ أدخل من ذا الذي يريد من جديد ان يضايقني .؟
مفستوفيلس : _ من الخارج _ أنه أنا .
فاوست : أدخل .
مفستوفيلس : عليك أن تقولها ثلاث مرات .
فاوست : أدخل اذن .
مفستوفيلس : أنت تعجبني هكذا ,أمل أن يتحمل كلانا الأخر فمن أجل طرد كل
الهموم عنك , جئت أليك كرجل نبيل ,متدثرا بثوب أحمر مطرز
بالذهب , وعليء عباءة من الحرير المشدود وعلى رأسي قلنسوة
مزودة بريش الديكه ومعي خنجر طويل مدبب وأنصحك الان
بأختصار ان ترتدي مثل ذلك أبتغاء ان تجرب وأنت حر طليق ماهي
الحياة .
فاوست : مهما يكن الثوب الذي أرتديه فأشعر بالآم الحياة الأرضية
المحدودة الضيقة , أني من الهرم بحيث لاأستطيع الأكتفاء باللعب
_ 14 _
ومن الشباب بحيث لاأخلوا من الأماني , ماذا يمكن للعالم ان يحققه
لي ؟! عليك بالحرمان , تلك هي الأنشودة الدائمه التي يلقيها كل
واحد في المسامع والأله الذي يتربع على عرش قواي كلها
لايستطيع ان يحرك شيئا في الخارج , وهكذا فالوجود عبء ثقيل
علىء , الموت صار أمنيتي والحياة بغيضة عندي .
مفستوفيلس : ومع ذلك فالموت ليس ضيفا مرحبا به ابدا .
فاوست : طوبى لمن يلف صدغيه بأغصان الغارالدامية وهو في لألاء
الأنتصار , طوبى لمن يرتمي بين أحضان فتاة بعد رقصة سريعة
مثيرة , ياليتني وقعت أمام قوة الروح العالية صريعا مسحورا .
مفستوفيلس : ومع ذلك فأن أحدهم لم يفرغ في جوفه السائل الأسمر في
تلك الليلة.
فاوست : يبدو لي ان التجسس ... هو هوايتك .
مفستوفيلس : أنا لاأعرف كل شىء ...لكن يبدو أحيانا أني أعرف الكثير .
فاوست : لئن أنتزعتني من الغمة الرهيبة , نغمة عذبة مألوفة , خدعت
بقية مشاعر الطفولة برنين الزمان الهانىء , فأني ألعن الآن كل ما
أحاط النفس بأعمال السحر والمخرقة وسجنها في حجر الأحزان ,
اللعنة على متعة الحب , تلك المتعه العليا , اللعنه على الأمل ,
اللعنة على الأيمان واللعنة قبل كل شىء على الصبر .
أصوات : الويل .... الويل ..لقد دمر العالم الجميل بقبضة قوية ...وهاهو
ذا يتهاوى ويتحطم ...ياأبناء الأرض ...أعيدوا بناءة أقوى وأفخم
أبنوه في قلوبكم ...وليبدأ مجرى جديد للحياة ...بأحساس واضح و
اناشيد جديدة .... تغنوا ...تغنوا ...نغنوا ...
_ 15 _
مفستوفيلس : هولاء صغار أتباعي , أسمع كيف يدعوني اللى اللذه والفعال
وفي دعوتهم حكمة عتيقة , أنهم يريدون أجتذابك من الوحدة
حيث ينضب الأحساس والعصارات الى العالم الفسيح ... كف ..
كف عن التلاعب بأحزانك .
فاوست : وماذا ينبغي علىء ان أفعل في مقابل ذلك ؟ّ
مفستوفيلس : بالنسبة لي .. هذا الأمر يعطيك فسحة طويلة من الوقت .
فاوست : لا ... لا ...ان الشيطان أناني وليس من السهل عليه أن يصنع
لوجه الله شيئا يفيد الغير , قل ماهي شروطك بصراحة , أن مثل
هذا الخادم يأتي في البيت بالأخطاء .
مفستوفيلس : أريد أن أرتبط بخدمتك ...هاهنا ... وبأشارة منك لن أهدا ولن
أستريح , وحينما نلتقي من جديد هناك , فينبغي عليك ان تفعل
من أجلي نفس الأمر .
فاوست : هناك قليلا مايعنيني, أبدأ ...دمر هذا العالم الى أنقاض ولربما ينشأ
العالم الأخر بعد ذلك ربما .. من هذه الأرض تنبثق مسراتي وهذه
الشمس هي التي تشرق على الآمي , فأن فارقتهما ...فليكن
ومايريد أن يكون .
مفستوفيلس : بهذا المعنى تستطيع أن تخاطر , أرتبط وينبغي لك في هذه
الأيام أن تشاهد فنوني وأنت مسرور , سأعطيك مالم يره بشر.
فاوست : ماذا تريد أن تعطي أيها الشيطان المسكين؟ هل فهم أمثالك روح
الأنسان في مسعاه السامي ؟ نعم..عندك طعام ولكنه لايشبع وعندك
وعندك ذهب أحمر لكنه كالزئبق ينساب من يديك وعندك قمار لكن
لاأحد فيه يكسب وعندك فتاة ولكنها هي بين أحضاني وتغازل
_ 16 _
جاري بعيونها وتصل حبلها بحبله,أنك قد تعطي لذة الشرف الألهيه
الجميلة , لكنه يزول كما يزول الشهاب , أرني الثمرة التي لاتعطب
قبل أن يقطفها الأنسان والأشجار التي تخضوضر كل يوم جديد .
مفستوفيلس : مثل هذه المطالب لاتخيفني , في وسعي توفير مثل هذه الكنوز
لكن ياصديقي الطيب, سيأتي الوقت الذي سنستطيع فيه أن نستمتع
بالطيبات في أمان وهدوء.
فاوست : أن الروح الكبيرة ...أحتقرتني , والطبيعة أغلقت نفسها دوني
وانقطع حبل التفكير وصرت أتبرم بكل علم .
مفستوفيلس : أفعل مايحلو لك ... تذوق من كل شىء ...ألتقط في طيرانك
ماتشاء وأحصل على كل مايطيب لك ...أنطلق ولاتحتشم .
فاوست : اسمع ... الأمر ليس أمر سرور ,أنا مستعد للقاء النشوة والمتعه
الأليمة والكراهية المحبوبة وللسخط المنعش علي قلبي ..وقلبي قد
شفى من دافع العلم , أريد بكل روحي أن ابلغ الأعلى والأعمق .
مفستوفيلس : أوه ...صدقني ,,ان هذا كله لم يصنع الأ من أجل اله , انه في
نور أزلي وقد ألقى بنا نحن الشياطين في الظلمة وحسبكم أنتم
ان يكون ثمة ليل ونهار.
فاوست : لكني أريد .
مفستوفيلس : لابأس ! لكني أخشى من أمر واحد ,فالزمان قصير والصناعة
طويلة ...ظننت أنك ستتعلم , تشارك مع شاعر وتدعه يهيم
في وادي الأفكار والخيال ويكدس على راسك المبجل كل تلك
الصفات النبيلة ... شجاعة الأسد ..سرعة الظبي ...أنقضاض
النمر على الفريسه ...دعه يكشف لك السر ...أن تجمع بين
_ 17 _
عظمة النفس والدهاء وبين أن تعشق وفقا لخطة موضوعه
وأنت مشبوب بغرائز الشباب , وبودي أنا أن أتعرف لمثل هذا
السيد وسوف أطلق عليه لقب ....السيد العالم الأكبر .
فاوست : من أنا اذن ؟! أذا لم يكن في وسعي أن أظفر بتاج الأنسانية الذي
تندفع نحوه كل الحواس .
مفستوفيلس : سيدي الطيب , هاأنت ترى الأمور مثلما يراها الأنسان ,لابد
لنا ان نجعل الأمر أفضل قبل ان يهرب منا سرور الحياة ...هيا
أذن ..ودع كل هذه التأملات وخض غمار العالم ...اقول لك ...
الشخص الذي يكثر التأمل مثله مثل حيوان على أرض صلبه
تدور به روح شريرة بينما من حواليه مراع خضراء جميلة .
فاوست : بأي شىء نبدأ ؟
مفستوفيلس : هانحن ذاهبون , أي مكان عذب هذا ؟ أتسمي هذه حياة ,ان
تضايق نفسك وتضايق الشباب , دع هذا لجارك ذو الكرش
الكبير , لماذا تريد ان تعذب نفسك ...خير ماتعلم ينبغي ان لا
تقوله ...هاأنذا اسمع صوت أحدهم في البهو .
فاوست : الأ يمكنني ان أراه ؟
مفستوفيلس : الولد المسكين ينتظر منذ وقت طويل , أعطني هيا عباءتك و
قلنسوتك ولابد للقناع من ان يظهرني في افخم مظهر _ يرتدي
العباءة والقلنسوة _ والأن دع الأمر لذكائي وأنا لاأحتاج الأ الى
ربع ساعة من الزمن وفي اثناء ذلك هىء نفسك للسفرة الجميله
_ يخرج فاوست _
مفستوفيلس : (( مرتديا ملابس فوست الطويلة ))
_ 18 _
أحتقر العقل والعلم رغم أنهما اسمى قوة في الأنسان,قو روحك
بالأكاذيب وسط أعمال السحر والشعوذه , هناك تصبح ملكا لي
دون قيد ولاشرط , لقد حباه القدر روحا تندفع دائما بغير قيد
للأمام , ساقتاده خلال الحياة الوحشية وخلال التفاهات
السطحية , ساجعل الطعام والشراب يتراءيان أمام شفتيه
النهمتين وعبثا سيتوسل ضارعا , طالبا الأشباع وحتي لو لم يسلم قياده الى
الشيطان , فأنه هالك لامحاله .
_ طرقات علي الباب _ يعتدل قليلا _ أدخل .
_ يدخل التلميذ وينحني بأدب _
لتلميذ : أنا هنا منذ وقت قصير وقد جئت مملؤء بالخضوع كي أتحدث معك
وأتعرف عن كثب لرجل يذكره الجميع بأجلال وأحترام .
مفستوفيلس : أدبك يسرني كثيرا , أنت ترى الآن رجلا كسائر الناس , هل
توجهت الى أخرين من قبل ؟
التلميذ – بخضوع _ أتوسل أليك ان تشملني برعايتك , لقد جئت اليك بعزم
صادق وقليل من المال وكثير من دم غض, وأمي لم ترد ان أفارقها و
بودي لو حصلت على قدر حسنا من العلم.
مفستوفيلس : أنت الان في المكان المناسب.
التلميذ : بصراحة , لقد مللت الجدران والقاعات , بدات أحس بالضيق ,
المرء لايرى شيئا أخضرا ولااية شجرة وفي قاعات الدرس وعلى
المقاعد يفلت من السمع والبصر وحتى التفكير.
مفستوفيلس : أنا معك في هذا الرأي , لكن الأمر يتوقف على التعود والطفل
في البدايه يقبل على ثدي أمه , لكن بعد قليل تراه يرضع منه بلذه
_ 19 _
والأمر هكذا بالنسبة الى ثدي الحكمة ...فمع كل يوم يزداد المر
أستمتاعا به.
التلميذ : بكل سرور , لكن خبرني كيف أفلح في هذا الوقت ؟
مفستوفيلس : قبل المضي في الكلام وضح لي ...أية كلية أخترت ؟
التلميذ : أتمنى ان أكون متميزا حقا ...أود ان أحيط علما بما على الأرض
يوما في السماء ...ان أتبحر في العلم والطبيعه.
مفستوفيلس : أستثمر الوقت فأنه يمر بسرعة ياصديقى العزيز , أنا أنصحك
بأن تحضر دروس المنطق لكي يتدرب عقلك جيدا ويشد كما لوكان
في حذاء أسباني , أن صناعة الأفكار هي مثل النسيج الممتاز ,
خيطة واحدة تتحكم في الآف الخيوط .
التلميذ : وبعد ؟
مفستوفيلس : بعد هذا وقبل أي شىء أخر , عليك ان تدرس الميتافيزيقيا ,
ففيها ستجد أنك تحيط علما بما لايناسب عقل الأنسان , عندك
خمس ساعات في اليوم للدراسه .
التلميذ : مارأيك بدراسة القانون ؟
مفستوفيلس : ان القانون واللوائح تتوارث مثلما تتوارث الأمراض
المستديمة وتتسلل من جيل الى جيل وتنتقل من مكان الى أخر
والعقل يصير جنونا والأحسان عذابا .
التلميذ : كلامك زادني فزعا, ماأسعد من تتولى أنت تعليمه , أكاد أود دراسة
اللآهوت الآن .؟!
مفستوفيلس: أنا لم أقصدالى تضليلك, فيما يتعلق بهذا العلم اللآهوت فأن
من العسير تجنب طريق الظلال لأنه يكمن فيه كثير من السموم.
_ 20 _
التلميذ : لكن يجب ان تكون هناك فكرة وراء اللفظ .
مفستوفيلس : حسن , لكن ينبغي على الأنسان الأ يعذب نفسه كثيرا , فحتى
حين تعوز الأفكار فقد تحل محلها الكلمات في الوقت المناسب ....
بالألفاظ يمكن ان يكون الجدل جدالا بارعا وبالألفاظ يمكن أقامة
مذهب , وبالألفاظ يسهل الأقناع والأيمان الوثيق , وبالألفاظ يمكن ان تخدع
ملايين الناس كي يصدقوك ويتبعوك حتى الى الهاوية , ومن يمتلك اللفظ
لايمكن سلب مثقال ذرة منه .
التلميذ : أعذرني ان كنت أثقل عليك بالأسئلة , لكن لابد لي أن أتعبك
بالسؤال , مارأيك في الطب , ان ثلاث سنوات هي وقت قصير
والميدان واسع جدا لو ظفر المرء بمشورة صدق في هذا الباب ,
لتشجع علي المضي قدما .
مفستوفيلس : ( مع نفسه )
لقد شبعت من اللهجه الجافة والجادة فلابد لي ان أستأنف القيام
بدور الشيطان _ بصوت عال _ من السهل أدراك روح الطب .
وعليك ان تستقصي دراسة العالم الكبير والصغير , فكل أنسان لا
يتعلم ال مايستطيع ان يتعلمه , اما من يقتنص اللحظة فذاك هو
الرجل الحق , انت لاتزال حسن التقويم ولاتعوزك الجرأة وأذا
وثقت بنفسك فأن النفوس الأخرى ستثق بك .
التلميذ : كيف ؟
مفستوفيلس : مثلا ...عليك أن تتعلم كيف تروض النساء , ان جميع أهاتهن
وتأوهاتهن الأبدية ذات الألف نوع يمكن علاجها من نقطة
واحدة ,واذا تصرفت معهن بلباقة معقولة صرن جميعا طوع
_ 21 _
يمينك , أفهم جيدا وبدقة وعناية ... كيف تتحسس النبض وبعد
ذلك وبنظرة مشبوبة ماكره , عانق الخصر البتيل والنحيل لترى
كم هو موثوق الشد .
التلميذ : يبدو هذا شيئا جيدا , والمرء يشاهد أين وكيف ؟
مفستوفيلس : ياصديقي المخلص , كم نظرية نطقوا بها وهي غبراء , أما
الشجرة الذهبية للحياة ,هي أمام عينيك خضراء .
التلميذ : اقسم لك أنني فيما يشبه الحلم , هل لي أن أضايقك مرة أخرى
فاأستمع لحكمتك بتعمق .
مفستوفيلس : مااستطيعه .... سأفعله عن طيب خاطر .
التلميذ : لايمكنني ان أفارقك دون ان أعبر لك عن أعجابي وتقديري ....
وأحترامي والدليل على ذلك أود أن اقدم أليك دفتري لتتفضل فتخط
فيه عبارة مأثورة .
مفستوفيلس : كما تحب _ يمسك الدفتر ويكتب جمله ثم يعيده للتلميذ _
التلميذ : _ يحدق في الدفتر ويقرأ بصمت ثم ينحني بأحترام ...ثم يختفى
التلميذ ويدخل ...فاوست _
فاوست : الأن ...الى اين علينا ان نذهب ..؟؟؟
مفستوفيلس : الى حيث تهوى أنت ...ستشاهد العالم الصغير وبعد ذلك العالم
الكبير , وماأعظم سرورك من قطع اشواط هذه الرحلة ؟!!
فاوست : أحس بأن فن الحياة يعوزني , أني أجهل كيف أتصرف في الدنيا
وأمام الغير اشعر بنفسي صغير جدا ...سأكون دائما مرتبكا .
مفستوفيلس : ياصديقي الفاضل , كيف هذا سينجلي وتتصلح الأمور في
الحال , متى ماوثقت بنفسك ستعرف كيف تحيا .
_ 22 _
فاوست : كيف سنخرج أذن من البيت ؟ هل لديك فرس وسائس وعربة؟!
مفستوفيلس : ماعلينا الأ أن نبسط العباءة التي ستحملنا في الهواء وخلال
هذه الخطوة الجريئة, لاتأخذ معك متاعا كبيرا , قليل من الهواء
الحار الذي حضرته سيرفعنا سريعا عن هذه الأرض,ومادمنا

خفيفين , فسنصعد بسرعة الى أعلى , أني أهنئك على حياتك الجديدة ...هيا
أتبعني .
_ ظلام _
,
الفصل الثاني
المشهد الأول : خيمة عربية ...معلقة في العمود الرئيسي للخيمة سيف
وعلى الأرض بسط وسجاد عربي...موقد قهوة في الوسط..
غوتة وصديقه يوهان يعقوب فيلمير ...جالسين في وسط
الخيمة ...شاب زنجي بملابس عربيه يقدم القهوة ... ينتظر
يشرب غوته فنجان أخر...
غوته : هل تحفظ الشعر العربي ؟
الشاب : نعم ياسيدي.
غوته : اسمعني لو سمحت بعض منه .
الشاب : في أي الأغراض تود أن أسمعك...الحماسه ..الفخر ...الشجاعة...
المديح...الغزل ...و...
غوته : ( مقاطعا ) الغزل ...أجمل مافي شعر العالم .. أسمعني لو سمحت.
_23 _
الشاب : ساسمعك ...أبيات للشاعر العربي العاشق قيس بن الملوح وهو ...
يناجي حبيبته التي تزوجت ورحلت للعراق...ليلي العامريه... يقول..
ألا ياحمامات العراق أعنني على شجني وابكي مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة فياليتني كنت الطبيب
ألا ياطبيب الجن ويحك داوني فأن طبيب الأنس أعياه دائيا
وقد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا
فما طلع النجم الذي يهتدىبه ولا الصبح الا هيجا ذكرها ليا
فأن تمنعوا ليلي وحسن حديثها فلن تمنعوا مني البكاء والقوافيا
غوته ويوهان : يصفقان....
غوته : كلمات عشق عذبه...صادقة ...مليئة بالصور الجميلة...والقاءك ...
رائع ....تبدو أنت عاشق كذلك...
الشاب : _ بخجل _ شكرا لأطرائك ياسيدي...
صوت : حمدان ...حمدان ....تعالي ساعدني في نحر الخروف ...أين أنت .
الشاب : أستاذنك ياسيدي .... مزيد من القهوة ...
غوته : بل نحن نود المزيد من الشعر ...شكرا لك .
_ يغادر الشاب المكان ويستدير غوته نحو يوهان يعقوب _
يوهان : ياصديقي ...شىء جميل أن نزور هذا البلد ونحيا لساعات ممتعه في
الصحراء ...نتمتع برؤية النجوم وطلعة القمر وصفاء السماء..ونصغي
للشعر العربي ..الشعر في أرواحهم ...في عقولهم ..في قلوبهم ..بل مع
طعامهم وقهوتهم العربيه ...تصور أن أغلب شعراهم العظماء كانوا أميون
لايقرأون ولايكتبون , لكنهم ينطقون أعظم وأعذب الشعر لأن جذوة في
أعماقهم ... تستعر وتومض دوما , في حب الحياة والناس والطبيعه .
_ 24 _
غوته : لكنهم , عاشوا في حل وترحال حول الكلأ والماء وسكنوا الخيام وعاشوا
في الغزو والقتال .
يوهان : المغامرة والشجاعة , جناحهم وسورهم الحصين والشاعر هو لسان القبيلة
والناطق بأسمها , وكانوا كثيروا السفر الى الشام وفارس والحبشة وتركيا
واليونان والصين عبر طريق الحرير .
غوته : كيف أمكن لهولاء الأعراب ان يغيروا العالم ذات يوم .
يوهان : في أرواحهم نفوس الملوك , عمائمهم ... هي التيجان على هاماتهم وخيامهم
هي قصورهم المشيدة من الوبر ...سعيدين فيها ...هي حصنهم وحاميهم ....
خيولهم هما أجنحتي الخلود والسعادة واشعارهم هي مواد القانون الذي لابد ان
يحترم ...أعتزازهم بالكرامة عظيم وحبهم للكرم والفخر أعظم ...
غوته : شوقتني يارجل لمعرفة المزيد وعلى الواقع الحقيقي..هل حفظت شىء من بعض
شعرهم في الفخر .
يوهان : يقول عمر بن كلثوم التغلبي ....
اذا ماالملك سام الناس خسفا أبينا ان نقر الذل فينا
ملأنا البحر حتى ضاق عنا وماء البحر نملؤه سفينا
اذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابرة ساجدينا
غوته : ( يصفق بكلتا يديه ) مااروع أشعار العرب.(( تدخل مريانه وهي ترتدي الملابس العربيه البدوية وتحمل مبخرة عربيه وتدور في الخيمه))
مريانة : وفؤادي من الملوك وان كان لساني يرى من الشعراء
يوهان : أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
مريانه : واني لنجم تهتدى صحبتي به أذا حال من دون النجوم سحاب
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وكتاب
_ 25 _
يوهان : _ ينهض ويصب فنجان قهوة لمريانه من دلة الموقد الصغيرة ويعطيها الفنجان .
مانال اهل الجاهلية كلهم شعري ولاسمعت بسحري بابل
واذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني ك
(( مريانه تضع الفنجان ... تحضن يوهان .... موسيقى عربيه ...تمسك السيف المعلق
وترقص أمامه ...رقصة السيف والفارس . ))
مريانة : نصيبك في حياتك من حبيب نصيبك من منامك من خيال
رماني الدهر بالازراء حتى فؤادي في غشاء من نبال
فصرت اذا اصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
يوهان : اذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
وكل شجاعة في المرء تغني ولامثل الشجاعة في الحكيم
(( مريانه تتوقف عن الرقص وتمسك السيف وتلوح به في حركات تعبيرية ))
مريانه : أي محل أرتقي أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
_ غوته يصفق لها بأعجاب مع يوهان ...ينهض ويقبل يدها بأحترام ويرافقها الى حيث
تجلس في الخيمة _
غوته : ماأروع أدائك ...وماأجمل رقصك بالسيف ...وأنت يايوهان كنت رائعا أيضا ....
لم تقل لي من هو قائله أو ناظمه .؟
يوهان : أسمه ،،، المتنبي ...شاعر عربي من العراق مشهور جدا ...
غوته : يخيل لي ان سمعت هذا الأسم , بل وربما شعره اثناء دراستي في المانيا....العراق
بلاد الرافدين ...بلاد أشور وسومر وبابل ...
_ 26 _
يوهان : ومنها كان كلكامش .
غوته : ماأروع أشعار العرب ....
من يعرف نفسه وغيره ...سيعرف هنا أيضا
ان الشرق والغرب لن يفترقا أبدا
وبودي أن أتارجح بفكر متفتح, بين هذين العالمين
فالتحرك بين الشرق والغرب ... هو الأفضل
مريانه:
من اراد أن يفهم الشاعر
فليرحل الى ديار الشاعر
وليطب له العيش في الشرق
حين يفهم أن القديم هو الجديد
غوته : لذا سأبحر في قلبي وجسدي ...الى بلاد العرب ...وسابدأ من أعظمهم.
يوهان : عليك أن تقرأ تأريخهم وقرآنهم وتتذوق شعرهم وأدبهم وملاحمهم ...عليك ان
ترحل بسرعة الى الشرق بدلا من ان تغرق في مآسي ومجازر الحروب النابليونيه
التي لم تجلب لنا سوى الدمار والخراب والموت في كل مكان .
مريانة : عليك أن تتفتح رئتيك للحريه والشعر والحب بدلا من دخان البارود ورائحة
الموت ...حذار أن تقل لي ...أن الحرب تصنع أمجاد الرجال ...تلك أكذوبة رهيبه
عرفناها .
غوته : الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتأثر
والعروش تثل والممالك تتزعزع وتضطرب
فلتهاجر اذن الى الشرق الطاهر الصافي
كي تسترجع نسسيم الأباء الأولين
_ 27 _
هناك حيث الحب والشرب والغناء
الى هناك حيث الطهر والحق والصفاء
يوهان : سيعيدك ينبوع العشق شابا من جديد ... هنا حيث ترخي الحبيبه نقابها بخجل
يورد خداها كالتفاح أو شمس الغروب...وتهتز ظفائرها كسعف النخله...ويضوع
شعرها الأسود مسكا...حديث العشق سيكون همسا حتي في حور العيون .هناك
حيث للكلمة الثقل الكبير والشأن العظيم لمجرد أنها كلمة لفظتها شفاه صادقة.
غوته : نعم ...نعم ..حيث كلمات الشاعر وقوانينه تسود وتحلق دائما...دائما ...وحدها
لها الحق بأن تقرع بهمس وهدوء ودعه أبواب الجنة ... لتنشد لنفسها الحياة
الخالدة .
الشاب : سيدي ...العشاء جاهز ...تفضلا رجاء...الجميع بأنتظاركم .
_ ينهض الجميع ويتبعون الشاب _

_ ظلام _
المشهد الثاني : في صالة منزل غوتة ... لورسباخ يحمل حقيبة جلديه ..
يجلس ...غوته يحدق في رف المكتبة ...يخرج بيده كتاب
لورسباخ يفتح الحقيبة بهدوء .... يخرج منها كتابين ...
لورسباخ : لاشك ان سفرتك الميمونه للشرق وبالذات في الصحراء العربيه
حيث البادية الواسعه والواحات الرائعه وطيبة وبساطة العرب و....
الشمس الدافئة والفروسية وهدوء الليل وتلألأ النجوم وطلعة القمر
وعذب العيون السوداء وحلو الوجوه ...لابد أن يثمرا لك عن أفكار
جديدة .
_ 28 _
غوته : وقصائد جديدة ياصديقي....فالذي يعود من أرض أنطلقت منها أول قصيدة
شعر وكلمة أنسان وأول نغمه حب لايمكن أن ينسى تلك السلالات البشريه التي
يكن لها كل الأحترام ...هناك حيث سكبت السماء على الأرض أول سور الوحي.

لورسباخ : صدقت ياصديقي...أأمل ..ان تسمعنا ماأوحت لك الصحراء وما فعلت هناك.
غوته : أعددك في أقرب فرصه .
لورسباخ : شكرا ...صديقي غوته ...هذا ديوان شعر أرسله الشاعر( فريديريش شيلر )
هدية لك ومذيل بتوقيعه ...وهذا الكتاب هو مذكرات فولتير التي صدرت حديثا..
هدية مني لك .
غوته : _ يتناول الكتابين _ شكرا لكل ماقدمته لي ياصديقي لورسباخ .
لورسباخ : نسيت ان أقول لك شىء أخر ...مسرحية ( فاوست ) رائعة جدا ...تمتعت جدا
بقرائتها وعشت أحداث شخوصها بكل مشاعري وشدني كل مشهد فيها حقا ....
سيكون لها صدى في ألمانيا واوربا كلها لما تحوية من صراع ودراما راقية .
غوته : سعيد أن أسمع أطرائك .
لورسباخ : أنا معجب بالنص وأحلم أن أبصره ذات يوم على المسرح .
غوته : أقاسمك هذا الحلم الجميل ...سأبذل جهدي لتحقيقه .
لورسباخ . اذن أنا أستأذن...اراك في مقهى الشعراء في اليوم الذي نسمع فيه قصائد لك
ولشيلر من ديوانه الجديد...
غوته : سأكون هناك في نفس الموعد الذي أعتدنا التواجد به .
_ يخرج لورسباخ _

_ ظلام _
_ 29 _
المشهد الثالث : غوته ومريانه يد بيد يتنزهان في حديقة عامه ويتجهان نحو مكان ما
الحديقة ..أريكة خشبيه خضراء ...أصوات طيور ..شجرة تظلل المكان.
غوته : مريانة ..ماالذي شدك الى يوهان فيليمر وتزوجتيه ؟

مريانة : العقل .
غوته : وما الذي شدك الىء ؟!
مريانة : القلب .
غوته : وايهما أشد قوة في نظرك ؟
مريانة : الحق ... بت لاأفرق بين الأثنين فكلاهما ...يمزقاني الى نصفين ...فالعقل يجعلني
أشعر بالقوة والتفوق والنبوغ والزهو , أما القلب فيجعلني اطير عاى بساط ملون
ومزخرف ,يحلق بي من واحة مليئة بالخضرة والورود الى نهر عذب الى مدن لا
تعرف طعم الحزن .
غوته : العقل يامريانة ... خدعه ..نعم خدعه أوهمونا اياه أصحاب الفكر ودعاة الفلسفة
فصدقنا تلك الأكذوبة , لأننا عاجزين وضعفاء ... هل تعرفين مكان العقل في رأسي
أريني اياه ..أريني ...حددي بالضبط اين مكانه .؟
مريانة : ( تدور حوله )
غوته : لاتتعبي نفسك ...ساشرح لك ... في راسي ورأسك ورأس كل أنسان على الأرض
تكون في مقدمة الصدغين, المخ ...في نهاية الجمجمة المخيخ وهنا الغدة النخامية
ومن ثم النخاع المستطيل ... ان في الرأس كتلة من الألياف والأخاديد العضلية وكلها
تتحكم بأطراف الجسد العليا والسفلى وكذلك الجذع والرأس والعين وليس هناك من
يتحكم فىء كأنسان .
_ 30 _
مريانة : غوته ...ماالذي تقوله ...مابك ؟!
غوته : القلب ..القلب ...هنا ..أعرف مكانه جيدا ..أحس بدقاته ..بل أكاد ألمسها جيدا
بأصابعي ولاأعتقد ان عقلي يكذبني ... القلب يامريانة مصدر كل شىء ... وأن
أصابه عنادا أو عطبا , لن تنفع سطوة العقل مهما عظمت ان تعيد له الحياة .
مريانة : العقل الذي أعرفه تاج مستور في راس الأنسان وهو الذي يميزه عن الحيوان.
غوته : مالعقل الا حواس متفرقة ومنختلفة لايجمعها الا رد فعل لفعل واضح .
مريانة : لكن الحواس قد يخدعوك .
غوته : ويخدعني العقل أيضا .
مريانة : كيف ؟!
غوته : العصا والمجداف في الماء أو النهر , تبدو للعين منكسرة , ومتى سارت بنا عربةأو سفينة أو ركبنا ظهر حصان سريع ترى الشاطىء أو الأرض تسابقنا وهي
تسير وبالأمس القريب , كانت عقول كل البشر تقر بأن الأرض ثابتة والشمس
تدور... كم ملايين من البشر خدعتهم عقولهم وأنقرضوا وهم كانوا مخدوعين بتلك
النظرية .بل وحاكموا على من أخبره قلبه بأن الأرض تدور حول الشمس مثلما ,
كانت حبيبته تدور حوله وترقص .
مريانة : أنت تحاول أن تبذر الشك في عقلي وتجيد أختيار الألفاظ والمعاني الساحرة على
ما يتفق أو يطابق مثلما لاتستطيع الأثبات والنفي في ان واحد .
غوته : أما تعتقدين أن انفعالات الحواس تستمر وقتا طويلا بعد حدوثها , بحيث تستمر
مثل سلسلة متصلة وسريعه وتعطل كل شىء ماعداها .
مريانة : لكن هناك العديد من الناس . لأيؤمن بالمحسوسات والمعقولات ويهرع الى الشك
مذهبا يؤمن به ولايمنعه من ذلك شىء طالما يظل شكاكا .
غوته : وعن أي شىء يستند في شكه ؟
_ 31 _
مريانة : أنا أفكر اذن أنا موجود .
غوته : وكيف تتسلل الروح الخبيثه الى جسد الأنسان وهو يمتلك عقلا ؟!
مريانة : حينما يعجز العقل لديه .
غوته : بل حينما يغفو القلب ....آلم يقل يسوع أن من فضلة القلب يتكلم الفم .
مريانة : حينما تبصر الثلج ما الذي تشعر به
غوته : البرد .
مريانة : يعني هذا أنك تعرف بالعقل معاني ورموز الثلج .
غوته : حسن ... حين تكون الشمس مشرقه وساطعه ...ماالذي تشعرين به ؟
مريانه : اشعر بالحرارة طبعا .
غوته : ولاتسألين عقلك لماذا هي ساخنة ومضيئه , كذلك لاتفهمين لماذا يصدأ الماء
الحديد ...ذلك لأن شيئا معقولا لايحتاج لتفسير تكرر حدوثه لعينيك فأسلمت به ,
مريانة : أنت تحاول ان تقتل العقل في الأنسان .
غوته : ان مايفعله الأقوياء بالضعفاء والتنكيل بهم , يعتبره عين العقل في حين يعتبره
الآخرون عين الجهل .
مريانة : كيف ؟
غوته : ان العقل الأنساني هيئة ما في مادة معدة لأن تقبل رسوم المعقولات فهي عبر
القوة , تجسد الفعل المطلوب واذا حصل في القوة الناطقة عن الفعل الفعال ذاك
الشىء الذي منزلته منهما هو منزلة الضوء الى البصر , حصلت المحسوسات
المحفوظة في القوة المتخيلة معقولات في القوة الناطقه .
مريانة : أتعني ان العقل يخون نفسه ليستسلم لقوة أكبر منه , كالشهوة مثلا أو حب الذات
أو حب السلطة وعبادة الكرسي والشخصيه الحاكمة ...أو ..
_ 32 _
غوته : (( مقاطعا )) في رأيك من هو المجنون ؟
مريانة : (( تضحك بهدوء )) الذي فقد عقله .!!
غوته : ولكن هذا المجنون , يعرف الى أين يسير ومتى يجوع ويعطش ويميز بين الفصول
الأربعه وبين الرجل والمرأة , ويشعر بالخطر أو الأطمئنان والآمان وكيف يسبح
في النهر أو يعبر شارعا أو يتسلق هضبة أو جبلا .
مريانة : لكن القانون العام والطب والمجتمع , حكموا عليه بفقدان العقل من خلال العديد
من تصرفاته الغير منطقيه أو عقليه .
غوته : أن الذي أعنيه يامريانة,هو ماالذي يحرك هذا الأنسان المجنون فيما يريد ويرغب
ويميز بين الأسود والأبيض .
مريانة : (( صمت ))
غوته : سأقرب لك صورة أخرى ...لماذا الخمر في أحيان كثيرة , يجعل الأنسان المحترم
يفقد عقله ويتصرف بأعمال منكرة وطائشه , وربما يصبح في سلوكه كالحيوان .
مريانة : لأن قوة الخمر ... فاعلة ومؤثرة .
غوته : (( بقوة محتجا ))
تعسا لعقل يهزمه الخمر .

_ ظلا م _
المشهد الرابع : لورسباخ ممدا على أريكة طويلة في أحد زوايا صالة المنزل وهو
يتصفح أحد الكتب بين يديه بهدوء...يضع نظارة على أرنبه أنفه .....
يدخل بهدوء بائع الخمر العجوز ( جوزيف هاينرش ) ببطء ثم يرتطم
بأنية للزهور موضوعة على الأرض , فيلفت أنتباه لورسباخ ...جوزيف
يحمل على كتفه كيسا ملىء بقناني الخمور .
_ 33 _
جوزيف : - مداريا أحراجه _ عمت مساء ياسيدي .
لورسباخ : كيف دخلت المنزل دون أستئذان ؟!!
جوزيف : وجدت الباب مفتوحا , فدخلت كالقط ...ألست أنت السيد لورسباخ الأستاذ
الجامعي المشهور ,,,و ,,,
لورسباخ ( مقاطعا ) نعم .
جوزيف : أذن لاتتعجب لدخولي فأساتذة الجامعه تكون أبوابهم مفتوحة لكل طالب علم
ومعرفة .
لورسباخ : وهل أنت واحد منهم ؟!
جوزيف : أنا شحاذ علم ومعرفة ... أتبعهما أينما ذهبا .
لورسباخ : (( يضحك ))
جوزيف : واستطيع ان أزيد ضحكك وسرورك كثيرا .
لورسباخ : (( يخرج قطعه نقد ويناولها له )) خذ ...
جوزيف : ماهذا ؟!
لورسباخ : قطعه نقد كما ترى.
جوزيف : لست شحاذا ياسيدي ...
لورسباخ : أذن أنت بائع كتب قديمة .
جوزيف : كلا ... ماعادت الكتب تشبع بطون الفقراء ... أنا أبيع الخمر ...خمرا معتقا
منذ عشرات السنين بل ومئات السنيين |أن رغبت بالتوصية الخاصة ...سمعت
أنك تحب مثل هذه الخمور المعتقة .
لورسباخ : (( بدهشة )) تبيع خمرا .
جوزيف : خمرا لو يشربه الضعيف يصبح اسدا والفقير يغدوا ملكا والعاشق يحلق كالنسر
والشاعر يقذف من فمه دررا من حكمة بليغة والحزين يزيح هموم صدره .
_ 34 _
لورسباخ : وما الذي يمنحه خمرك للحكيم أو الفيلسوف .
جوزيف : أن كان مثاليا يحطم برجه العاجي ويجعل قلبه ينبض مع نبض الناس في الأزقه
والبيوت والأكواخ وأن كان افلاطونيا يجعله يتلذذ بقيمة الجمال والحياة وان كان
أستقرائيا , يوحد روحه في معنى واحد وأن كان شكيا يبرهن له , أن الحقيقة ...
تقوم على الشك الصادق لا المخادع .
لورسباخ : أتعني أن خمرك لديه قوة أنفعاليه بحته .
جوزيف : يكمن في خمري شيئا واحدا فقط ... قوة الأرادة ... يحركها من الرشفة
الأولى التي تسري سريان الدم في القلب ... قوة الأرادة ...قوة الأرادة وحدها
التي تثبت أو تفني أو تمنع , فالمعني ليس شيئا صامت كالصورة المنقوشة ,
لكنه قوة فاعلة تغير الوجود .
لورسباخ : وما الذي يفعله خمرك بالنساء .
جوزيف : (( يخرج قنينة ويراقصها بهدوء بحركات محدد ورشيقة ))
النساء ...النساء ...حينما تلامس خمرتي شفاه الحلوات من النساء ..ترق
وتستثير المسرات في النفوس فيصبحن كقطط سيامية وديعه ...خمري يجعلهن
فراشات تحوم حول رائحة الرجل , يطلبن وده ورجولته حتى ولو كانت نارا تلسع
أجنحتهن ... خمري يبعث في عيون النساء لمعانا ونشوى تسكر الناظر أليها .
لورسباخ : وتجعل الرجل يجحظ عينيه ويحملق فيها .
جوزيف : خمري ... هو مثل الخمر الذي أسكر شهريار ألف ليلة وليلة , فأحاله من ...
سلطان غاشم الى عاشق برىء ...ياسيد لورسباخ ...منذ ظهرت الزهرة
والقمر في السماء , ما رأى أحد أحسن من الخمرة الصافية .
لورسباخ : وأعجبي من باعة الخمر ...أي شىء سيشترون أحسن مما يبيعون . هذا ...
ماقاله الشاعر عمر الخيام فيكم .

_ 35 _
جوزيف : بل وقال غيره الكثير في الخمر .
لورسباخ : أتحفظ شعر في الخمرة .
جوزيف : من كل شعراء الأرض .
لورسباخ : اسمعني أذن .!!
جوزيف : أذا مت فأدفني الى أصل كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفني في الفلاة فأنني
أخاف اذا مت الأ أذوقها
لورسباخ : من هو قائل هذا الشعر ؟!
جوزيف : فارس عربي وخمار مشهور أسمه أبى محجن الثقفي .
لورسباخ : زدني شعرا .
جوزيف : بشرط أن تشتري خمرا .
لورسباخ : لك ماتريد ...هيا .
جوزيف : الخمر أولا ....قبل الشعر ...ياسيدي.


_ ظلام _




_ 36 _
المشهد الخامس: غوته وصديقه ( يوهان فيليمر ) جالسان في زاوية من المكتب
الخاص بيوهان... منضدة عليها بعض الأوراق والكتب وأدوات
الكتابه ...سجادة حمراء نقشت عليها رسوم.. منضدة صغيره
وضع بجانبها مصباح نفطي ثمين ... مكتبه صغيرة , تحوي ..
على عدة رفوف...رصفت فيها كتب مختلفه ..كراسي فردية ,
ينهض يوهان ويجلب من أحد الرفوف , كتاب ويقلب أوراقه
متجها نحو غوته .
غوته : ماهذا الكتاب ؟
يوهان : هذا الكتاب , يحتوي على المعلقات العشرة لاأبرز الشعراء من العرب
الذين ظلوا خالدي الذكر وأمتاز شعرهم بالفروسية والحب والفخر والحكمة
والغرابه في جميع الصور والرموز فتجد مفراتا للتغزل ممزوجة بلمعان أنصال
السيوف وعيون المها والبقرة ...
غوته : الذي يحيرني كيف ظل هذا الشعر خالدا الى يومنا هذا منذ الآلآف السنين قبل
المسيحية والأسلام .
يوهان : لأنه ساير الحياة وجرى مع الحضارات الثقافية وناسب جميع الآزمنه عبر صوره
الجميلة ومفرداته القوية المؤثرة واغراضه المتعدده وعالج ايضا مظاهر الصراع
الأنساني بكل أشكاله , ولاتنسى أن العرب يحفظون شعر الأجداد جيل بعد جيل .
_ يعطي الكتاب لغوته _
غوته : ولماذا سميت القصائد بالمعلقات .؟
يوهان : لأنها خطت على القماش الجيد بحروف مطرزة من ذهب وعلقت على ستائر
الكعبه الشريفة , ومن الباحثين يعدها سبع معلقات , لكنهم في الحق عشرة :
_ 37 _
وهم . زهير بن ربيعه الملقب بأبي سلمى وامرؤالقيس وطرفه بن العبد البكري ولبيد
بن ربيعه العامري وعمربن كلثوم التغلبي وعنترة بن شداد العبسي والحارث بن
حلزة اليشكري والأعشى والنابغة الذيباني والمنخل اليشكري ...عجبا ألم تسمع بهم ؟!
غوته : سمعت بالمعلقات , لكني لم أتعمق كثيرا بأصحابها ومن خلالك تعرفت على المتنبي
وأبى نؤاس وعمر الخيام وحافظ الشيرازي , ياترى من هم أقرب الشعراء لقلبك ؟!
يوهان : ثلاثه ... الأول ... زهيربن ابي سلمى لما يحمله شعره من فلسفة وحكمة ونبض
أنساني رائع ولو قرأ نابليون شعر زهير لما أحب الحرب ولاصارت هناك حروب ..
على كل أمير أو حاكم أن يقرأ شعره ليجنب بلده اهوال وكوارث يمكن ان تحدث
بفعل البعد عن الحكمة والبصيره .
غوته : اسمعني شيئا من شعره ؟
يوهان : حسن ...من شعره الفلسفي ...يقول :
الا ليت شعري هل يرى الناس ماارى
من الأمر يبدو لهم مابدا ليا
بدا لي أن الناس تفني نفوسهم
وأموالهم ولا ارى الدهر فانيا
الى حفرة أهدى اليها مقيمة
يحث اليها سائق من ورائيا
غوته : والثاني ...
يوهان : الفارس الأسود عنترة بن شداد العبسي لشجاعته العظيمة ...يقول :
لمارايت القوم أقبل جمعهم
يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنترة والرماح كأنها
_ 38 _
أشطان بئر في لبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره
ولبانيه حتى تسربل بالدم
غوته : والثالث ...
يوهان : الأعشى ابوبصير , ميمون بن قيس بن جندل ...لعمق موهبته الفذه وأجادته
التلاعب بالألفاظ كصور مرئية رائعه ..يقول :
ودع هريرة ان الركب مرتحل
وهل تطيق وداعا ايها الرجل
اذا تقوم يضوع المسك اصورة
والزنبق الورد من أردانها شمل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق
موزر بعميم البنت مكتهل
غوته : تكاد موسيقى اللفظ والوزن تمتزجان عبر العبارات الجميله والسليمة والمؤثرة ...
لابد أنهم زاوجوا الغناء بالشعر .
يوهان : نعم ,فقد كان اغلب الشعراء يصحبون المغنيين ليغنوا لهم شعرهم مثلما فعل
شاعرنا الأعشى في الجاهليه حيث غنا له مغنى اسمه ( وسمي ) ويلقب بصناجة
العرب .
غوته : الذي اعجب له ويحيرني تفسيره ...كيف تجري كلمات عذبه ومقدسه وأنسانية ,
على ألسن لاتعرف القراءة والكتابه .
يوهان : نعم هذا مايذهل ! للشاعر العاشق ... شاعر الغزل والحب ..امرؤ القيس ..قصه
طريفه جدا , كان يعشق ابنة عمه شرحبيل ...اسمها ( عنبرة ) ذات جمال ساحر
وكان لايحظى بلقائها ووصالها وسمع ذات يوم أنها ترتاد غدير ماء يسمى ( دارة
_ 39 _
جلجل ) مع صويحباتها , وذهب قبل الغروب وأستخفى بحيث لايراه احدا , فلما
وردت العذارى اللواتي وحبيته ( عنبرة ) فيهن ونضون ثيابهن وشرعن في الماء
سباحة ولهوا .
(( يضاء سايك في عمق المسرح ...ضحكات نسائيه رقيقه ...ضربات ماء ...تبدو العذارى كأشباح ...وربما هناك بركة ماء ونساء حقيقيات دون الحاجة لسايك ...يدخل امرؤ القيس بخفه ورشاقه ويجمع الملابس كلها , ويجلس فوقها ...موسيقى تصاحب وتمتزج بالضحكات...تخرج أحداهن فتبحث عن الملابس فلاتجدها فترجع لصويحباتها وهي
تصرخ .
الفتاة 1 : لقد أختفت الملابس ...أتسمعون ...أختفت الملابس يابنات .!
الفتاة 2 : لابد أن احد اللصوص أو الرعاة سرقهن .
عنبرة : لاأحد من الرجال يتجرأ ويصل الى هذا الغدير مهما كانت أهميته وجرأته .
امرؤ القيس : الا أنا .
الفتاة 1 : أرم لنا الملابس .
امرؤ القيس : وايم الله , لن أدفع اليكن الثياب جميعا , الا أن تخرجن لي عرايا , واحدة
بعد اخرى .
الجميع : ( شهقه قوية للتعبير عن الأحتجاج ...أوه ...كلا ...كلا ..غير معقول هذا ..أنت
مجنون ...من انت .....)
امرؤ القيس : اذن سأذهب بصبة الثياب وستعودن الى بيوتكن مثل امنا حواء .أنا أعني ..
ماأقول .
الفتاة 1 : أنتظر .
امرؤ القيس : لاوقت لدي للأنتظار ...الوقت من ذهب ..لتخرج لي أشجعكن .
الفتاة 1 : بل ستخرج لك أوقحهن ...أنا ...
_ 40 _
امرؤ القيس : احترم فيك هذه الوقاحة ...ياآلهي كم أنت جميلة ....
الفتاة 2 : استدر قليلا ...
امرؤ القيس : حسن ....قليلا جدا .
الفتاة 2 : أغمض عينيك ....الأثنين معا ...
امرؤ القيس : ياآلهي ...ماالذي تخفي هذه الأقمشه الملونه من سحر وعذوبه...أنت
سمكه ...( يعطيها الملابس ) سمكة لذيذه !!
الفتاة 2 : وانت صياد وقح .
امرؤ القيس : التاليه ...
الفتاة 3 : يالوقاحتك ...ابعد يدك عني .
امرؤ القيس : أعتقد ان حشرة او نحلة على شعرك ...ربما تؤذيك.
الفتاة 3 _ ترمي جسدها بين ذراعيه _ أبعدها عني ...
امرؤ القيس : هذا افضل ...تعلقي بي هكذا وسأسأعدك على أرتداء الملابس .
الفتاة : ابعد يدك ...ايها الشاعر الكذاب ....( تأخذ ملابسها وتذهب )
امرؤ القيس - يضحك بقوة –
وأنت ياأبنة الكرام ...لابد ان تفعلي مثل ما فعلن ولن اصيبك بمكروه .
عنبرة : _ في داخل حوض الماء _ ...ولكني أبنة عمك !!!
امرؤ القيس : قانوني هو العدل بين الجميع ...لاأريد ان اغمط الحق ...سأكون مؤدبا ...
بحيث لا ألمسك .
عنبرة : أبتعد أكثر .
امرؤ القيس : أنت تصادرين حقي فيما منحني الله من نعم ...لن أبتعد أكثر فيضعف بصري
(( تخرج عنبرة عاريه مع موسيقى مناسبه وأناره وصوت الماء ...فينشد وهو
يرمى الملابس لها قطعه اثر قطعه :
_ 41 _

وجيد كجيد الرئم ليس بعاطل
من الدر والياقوت والشذر حاليا
كأن الثريا علقت فوق نحرها
وجمر الغض هبت له الريح ذاكيا
_ يحضنها بين ذراعيه برقة ....يسيران قليلا ...ثم يختفيان مع ضباب رقيق ...ظلام يسود خشبة المسرح ....تضاء منطقه في يسار المسرح عبارة عن واحة خضراء...بجوارها نبع ماء وأواني نحاسيه ...يجلسان معا _
عنبرة : لم فعلت ذلك ؟!
امرؤ القيس : لأختبر نفسي .
عنبرة : بماذا ؟
امرؤ القيس : بمن اختارها قلبي .
عنبرة : افصح .
امرؤ القيس : وددت أن أعرف بعيني وقلبي ...هل هناك من هي أجمل منك بين النساء .
عنبرة : وما الذي رأيت ؟
امرؤ القيس : قمر تحيط به الكواكب .
عنبرة : لكنك أبصرتني بعيون وقحة مع صويحباتي .!!!
امرؤ القيس : لم ابصر الأ بصيص نجوم ضمهم الليل وفرقهن ضوء القمر , فلم أسعد بلذة
الرؤية لنجوم بل بريقها , فقد سرق القمر بضوئه الساطع كل البصر .
عنبرة : لكنك أبصرتني على صورة لا أرتضيها .
امرؤ القيس : بل ابصرت ملاكا رصع بالبياض وتوهج كالؤلؤ وزين راسه بتاج من حرير
اسود يتموج كليل ناعس ...كنت خزيمة , لينه أو سمكة تختال قرب شاطىء
_ 42 _
قلبي المعذب .
عنبرة : الا ترى بأنك خنقت روحها وأخرجتها من صويحباتها , فأفقدتها حمرة الخجل و..
بريق روح العذراء التي تشد قلبك أليها .
امرؤ القيس : ان أعظم فضائل الأنسان هو من طاف بالبيت الحرام وهو عار الآ من روحه
ليطرح عنه الهموم والأثام ...كي يرتقي بنقائه الى السماء .
_ تجلب له أناء نحاسي ...تناوله اياه ....يحدق فيه ... _
عنبرة : أحس بأنك بحاجة لمن يروى ظمأك .
امرؤ القيس : ظمأي لن ترويه الأ شفاهك ....
عنبره _ تناوله الأناء _ خذ أمسك .
امرؤ القيس : ماهذا ؟
عنبرة : ماء عذب من الغدير .
امرؤ القيس : امتأكدة أنت ...أنه ماء عذب ؟!
عنبرة : نعم
امرؤ القيس : لكنه خمر أحمر ياعنبرة أنا متأكد ..لايمكن أن تخونني عيوني..حدقي جيدا .
(( تحدق عنبرة في الآناء ثم تضحك ...ثم تتوقف .... ))
عنبرة : أنه ماء عذب ياحبيبي ...ولكن خمرة خدي أنعكست عليه , فحسبته خمرا .

_ يعانقها ويضحكان معا _

_ ظلام _

_ 43 _
المشهد السادس : شارع عام في المدينة...اصوات عربات وخيول...مارة يروحون ...
ويجيئون...مجموعة من المارة يجتمعون حول أحد الباعه وهو تركي
الأصل ...يتقدم غوته نحو التجمع ...يربت على كتف أحدهم الذي
يستدير نحوه.
غوته : ماهذا ؟!
رجل 1 : لاشىء ياسيد .
غوته : أذن لماذا هذا التجمع ؟
رجل 1 : بائع تركي يبيع تحفا قديمة .
البائع : _ ينتبه لقدوم غوته ويشعر بأنه زبون جيد _
أيها السادة ...أيها السادة ...هل تسمحون... أفسحوا الطريق للسيد...
_ يتفرق بعضهم ويوسع الآخرون الطريق _
غوته : ماالذي تبيع ياأغا ؟!
البائع التركي : _ يتحدث بلغة ألمانية ركيكة فيها مفردات تركية _
غوته : _ يحدثه بلغه تركية _
السلام عليكم...
البائع التركي : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
غوته : ماالذي عندك ممكن أن نراه ويفيدنا .
البائع التركي : مخطوطات قديمة , أواني نحاسية ...كؤوس خمر ...حجارة من جنائن بابل
قران كريم خط باليد منذ مئات السنين , كتب مختلفه باللغة العربيه واللغه
الفارسية .
غوته : _ يقلب المخطوطات بأمعان ... ثم يخاطب البائع _
_ 44 _
أغا ... أنها مجرد أوراق صفراء .
البائع التركي : بل مخطوطات مهمة ...أنها تعادل وزنها ذهبا للذي يعرف قيمتها ...انها
كتب مختلفة بالفلسفة والكيمياء والتصوف والشعر ...أنها كتب ثمينة ياسيدي
تفضل ... تفضل ..تمعن بها جيدا .
غوته : وكيف عرفت ذلك ...ان لها قيمة ؟!
البائع التركي : لقد جلبوها من أحد قصور السلاطين العثمانيين وظلت مخفيه منذ ذلك
الحين .
غوته : ومن جلبها ؟
البائع التركي : جدي ياسيد ...كان ضابطا في الجيش العثماني ...صدقني ياسيد ...حذرني
المرحوم جدي من بيعها ولكن ماذا أفعل الجوع كافر وأنا بحاجة الى نقود
الخبز اولا ثم الكتاب .
غوته : وكم تطلب ثمنا لها ؟
البائع التركي : ثلاثمائة فرنك .
غوته : أنها غالية .
البائع التركي : حذرني جدي من بيعها أقل من هذا السعر ...لو كان جدي حيا لما بعتها ..
أوصاني ...رحمة الله عليه ....أ ...
غوته _ مقاطعا _ حسن من أجل وصية جدك سأدفع لك مائتى فرنك .
البائع التركي : كلا ...كلا ...وروح جدي ...وقسما برأسه ...لن أتنازل عن السعر الذي
حددته .
غوته : أذن لست بحاجة اليها ...أوراق صفراء سيأكلها دود العث ان بقيت معك .
البائع التركي : تمهل قليلا ياسيد ... هناك من يشتريها منك باضعاف السعر الذي حددته
وأنت تعرفهم جيدا ...أنا أعلم ذلك وجدي أوصاني بأن لا....
_ 45 _
غوته : _ مقاطعا _ لنجعلها مناصفة ومن أجل روح جدك سأزيدك ثلاثون فرنكا فوق ما
حددته لك ....والأ سوف أتركك.
البائع التركي : تبدو أنت طيبا أيها السيد ...ولك ذوق رفيع و خاص في الأختيار وتقدير
الأشياء الثمينة ....مبروك عليك ...
غوته : _ يخرج النقود ويعطيها ...يحسبها الرجل التركي بسرعة ويعطيه الكيس الملىء
بالكتب _
البائع التركي : شكرا ياسيد وليوفقك الله ...أنت الرابح ...هكذا قال جدي ...الله يرحمه ...
ولكن ماذا أفعل أنا بحاجة الى النقود ...الجوع لايرحم وأنا رب أسرة .
غوته : شكرا لمشاعرك .
البائع التركي : عرفت انك سوف تشتري المخطوطات كلها .
غوته : كيف ؟
البائع التركي : كان بريق عينيك يلمع مع كل حرف تعانقه وأنت تقلب الصفحات ..مبروك
لك ما حصلت وما تمنح للناس من علم ومعرفة .
غوته : صدقت ...شىء ما شدني أليهما ...أنا بحاجة لهم جميعا .
الرجل التركي : _ مبتسما _
كلانا بحاجة لما ينقصه .....
غوته : _ يمنح البائع التركي النقود ويذهب مبتسما _
_ يتوجه للمارة _ تحف ...كتب...مخطوطات....تحف واثار _
_ يقترب بائع الخمر من الرجل التركي ويقف قريبا منه _
بائع الخمر : سلام عليكم ...أغا .
البائع التركي : وعليكم السلام
بائع الخمر : كيف حركة السوق معك ؟
_ 46 _

البائع التركي : لابأس ...لكن ليس ماكنت أوده ...يبدو ان الناس في هذه الأيام لاتعرف ما
قيمة الكتاب ولا قيمة الأشياء النادرة ...يدخرون نقودهم فقط...أنهم للأسف
لايمتلكون روح الحب للثقافة والتأريخ والتراث .
بائع الخمر : حروب نابليون تخيفهم من المستقبل...علمتهم قيمة القرش الأبيض في اليوم
الأسود...الناس تبحث عن خبز وأمان .
البائع التركي : لكن لابد ان تكون هناك أياد أمينة لتحفظ هذه النفائس...حين تطفأ نار
الحرب , ستكون للروح قيمة لتنهض من جديد...سيفوق سعرها أضعاف
المرات...وأنت كيف حال الطلب على نبيذك...؟!
بائع الخمر : للأسف ...الناس في هذه الأيام تشتري الخمرة الرديئه...القلة من الذواقين
يقدرون الخمرة المعتقه التي صنعها خيرالأباء والأجداد.. الخمرة الرديئه تطرد
الخمرة الجيدة .
البائع التركي : الخمور المعتقة أفقدت نابليون عقله ليشعل الحروب هنا وهناك وليغزو
الشعوب في عقر دارها...لقد غزا مصر وهو يسير على هدى الأسكندر
المقدوني .
بائع الخمر : لكن خمري جعلت الشاعر شيللر يتغزل بأجمل العيون وغوته بالطبيعه
والنساء الجميلات...
البائع التركي : صدقت...والشاعر الفارسي عمر الخيام ...يقول حين يحتسى كأس الخمر...
كأس خمرة وساق أمراة جميلة...في روض الخميلة
خير من الجنة التي وعدوني بها ..!!
لاتصدق من أحد حديث الجنة والنار
_ 47 _
من ذا الذي ذهب الى الجحيم
ومن ذا الذي عاد من الجنة ...!!!
_ يضحك البائع التركي بقوة _
البائع التركي : لو سمع ماتقول أحد رجال الدين ...لحل علينا الذبح ...أغرب عن وجهي ,
بائع الخمر : خمر يجعلك سعيد...خمر معتق للأحرار...نساء ورجال...أبيع اليوم بسعر
أقل وغدا باأكثر....خمر معتق ....خمر....خمر يجعلك ملكا...!!!
_ موسيقى فارسية _
_ ظلام _
المشهد السابع : في صالة بيت ( يوهان ) غوته ويوهان يقفان بجانب رف كبير لمكتبة ...
يقلبان مخطوطات قديمة وضعت على منضدة دائرية تحيط بها كرسيين ..
يتناول غوته أحد المخطوطات ويجلس على كرسي...في حين أنشغل يوهان
بالتحديق بنظارتيه في أحد المخطوطات وهو يقلبها بين يديه بشوق .
يوهان : مخطوطات نفيسة حقا ...انها لاتقدر بثمن ...كيف أهتديت اليها وحصلت عليها .
غوته : الصدفة وحدها قادتني .
يوهان : كم , أنت محظوظ ...
غوته : في الكتب وليس الحب .
يوهان : أتدري شىء جميل أن اتمكن من قرائتها بالعربية .
غوته : أنت محظوظ لأنك تتقن العربيه قرأة وكتابة .
يوهان : لم تقل لي الى اين وصلت في تعلمك للغة العربيه .؟
غوته : تعلمت أبجديتها جيدا ...هاأنا بمقدوري ان أكون جملة كاملة ومفيدة ضمن أصول
القواعد العربية ...لازلت أحبوا في الكتابة وأستطيع ان اقول قراءتي جيدة...(يردد
بالعربيه- الشكر والحمد لله.) لم تعد اللغة العربية طلاسم غريبة امام عيني, لقد بدأت
_ 48 _
أقرأ القران الكريم وافهم سوره وأياته ولا أخفي عليك كان يساعدني احيانا صديقي باولوس والحاج نور الدين .
يوهان : رائع جدا .
غوته : _ ينهض _ أتدري يوهان..اني بدأت أعشق الحرف العربي , أنه يسحرني فعلا
سواء بأستقامته أم بأنحنائه أم بتشكيله كزخرفة ذات رسوم او نقوش بديعة.
يوهان : الحرف العربي يزين كل المساجد الأسلامية في العالم بل وحتى بيوت العلم
وقصور الخلفاء منذ مئات السنين...ولازالت أثاره باقية في دول أوربيه عديدة
وقصور الأندلس في غرناطة وأشبيلية تبهر الأنظار كما في تركيا واليونان وايطاليا
غوته : أشعر بأن الحرف العربي وحده دون حروف اللغة في العالم يتميز بروحانية غريبة
تسمو بي نحو عالم رحب من السرور والمتعه...أنه يتشابك لكن بوضوح...ويتعانق
بمحبة وشوق وكأنه يحمل موسيقاه الخاص بأيقاع محبب ,
يوهان : ستدخل بروحك الى عالم جديد , أنت بحاجة الى أكتشافه والغوص في أعماقه .
ستعانق أفكارك ومعتقداتك الكثير من الأفكار والمعتقدات في الشرق وستجد في فكر
الأسلام حكمة وعقلانية ومساواة..الناس في الأسلام يتساوون أمام القانون كأسنان
المشط ...والأنسان يستمد فكره الحر من الله لا الحاكم المطلق من البشر كأفضل
كائن خلقه الله على الأرض وكرمه بالعقل .
غوته : أعرف كما أنت تعرف ان الأسلام ألغى العبودية وساوى بين السود والبيض منذ
مئات السنين , في حين ان البعض من المفكرين والقادة السياسين يتمشدقون بحرية
وأحترام الفكر وهم يتاجرون بصيد الأنسان من أفريقيا ويقرون الرقيق بلا ضمير....
أنها عملية مخجلة حقا .
يوهان : أنها فعلا وصمة عار ....للأسف حمى تجارة العبيد والرق تتزايد وتتكاثر بشكل
جنوني من عدة دول أوربيه ومادامت مربحه فهي لن تتوقف لعدم وجود رأي عام
_ 49 _
قوي يدين هذه الأفعال الغير أخلاقية...!!
غوته : بل وليس هناك مفكرين وشعراء وحكماء وسياسين أحرار يحتجون بقوة ضد هذه
الهمجية ...لابد ان نفعل شىء والا سوف يلعننا التأريخ والأجيال القادمة .
يوهان : أحيانا أنا اشعر بالمهانه في هذه الحياة وأنا أشعر بأن الأنسان يذل في كل
المستعمرات ويباع بااسواق النخاسة .
غوته : ( ينهض وكانه يخاطب متفرجين )
تركت نفسي عن طيب خاطر
أتعلم من الصالحين والحكماء
بأختصار......
لست أطيق الأحاديث الطوال
ماالذي يتوق اليه المرء في أخر المطاف
ان يعرف العالم ولايحتقره بأزدراء
ان كنت مثلي قد خبرت الحياة
حاول مثلي ان تحب الحياة
يوهان _ يتبعه _
أنت ياشاعري علمتني
ان كل شىء شاءه الله رائع
وهكذا تنام الطيور بأمان
في أوكارها البعيدة والقريبة
وماسمعته منك ...لن يهرب من قلبي
أتذكر حين قلت لي ...
أن الطغاة زائلون وللعشاق تبقى الحياة
_ 50 _
غوته : تعسا لكتبة التأريخ الكذابين
تعسا للفقهاء المنافقون
لوقدر الله ان يكون هولاكو
وتيمورلنك ونابليون دودة
لخلقهم دودة ....!!
ولكن خلقهم طغاة ليمنحونا دروسا
أننا كنا أغبياء وسذجا
نهز مؤخرتنا لحاكم
ونلهب أكفنا بالتصفيق
لمن يقودنا للجحيم
يوهان : صدقت ياصديقي...كلام حق دقيق...والأن ياغوته أخبرني مالذي تنوي ان تفعله
بهذه المخطوطات.
غوته : سأهديها طبعا .
يوهان : _ بدهشة وأستغراب _
تهديها...أمجنون أنت ...من هذا الذي يستحق أن تهدى له هذه المخطوطات
النفيسه ليحافظ عليها مثل عيونه .
غوته : لاتتعجب ... لن أهديها لاأنسان .
يوهان : لمن أذن ؟!!
غوته : سأهديها لمكتبة ( دوقية فأيمار ) لأني مؤمن بأنها المكان الأمين لها كي تستقر
روحي براحة أشعر معها بأني أديت أمانة علمية تفيد أجيالا قادمة لاتحرم من لذة
التطلع والتمتع لكنوز روحية وثمار أنسانية رائعة ناهيك عن كونهما وثائق للباحثين
والدارسين في المستقبل .
_ 51 _
يوهان : حقا لااصدق مالذي اسمع ؟!!
غوته : من الحماقة ان يتعصب الأنسان في دينه ودنياه لفكرو ثقافة بلده دون ان يكحل
عينيه ويغذي فكره بأبداعات حضارية أخرى .... ان مرحلة جديدة من التنوير
بحضارة الشرق وتراث العرب وفكرهم يجب ان تبدأ .
يوهان : ياغوته ...ياصديقي العزيز وشاعري العظيم ...ياأمير الكلام وفيلسوف الأدب
يادفء الدراما في هذا البلد...أنا واثق ان الشعلة التي توهجت في ألمانيا سوف
لن تنطفىء نيرانها ... لا ..في الشرق ولا في أقصى بقاع الأرض ...شتضىء
بتوهجها الطبيعه وتراقص القمر والنجوم ..واعظم مافيها ...أنها ستدخل القلوب
بلا استئذان لأن زيتها من روح خالدة .
غوته : علينا ان نناضل ضد تجارة العبيد واستعمار بلدان العرب والشرق ...وان لا يبقى
الشرق ... شرق ....والغرب غرب .
_ ظلام _



#طارق_عبدالواحد_الخزاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق عبدالواحد الخزاعي - غوته ينشد للشرق حبا ...!!!