أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بشار السبيعي - جامعة الدول العربية وفقدان قيم التمدن الحضارية















المزيد.....

جامعة الدول العربية وفقدان قيم التمدن الحضارية


بشار السبيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2605 - 2009 / 4 / 3 - 09:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


أستوقفني خبر هذا الصباح عن جامعة الدول العربية ورئيسها عمرو موسى يقول فيه أن الجامعة العربية توصلت لتبني بيان تقول فيه أنها "ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير". وإلى جانب ذلك الخبر عنوان خبر آخر يَحمل في سطوره أعتبار الرئيس الليبي معمر القذافي المحكمة نفسها بأنها "شكلاً جديداً للإرهاب الدولي". وفي خبر أخر يحذر أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني من "تداعيات أعتقال البشير على السودان وإمكانية تدمير المنطقة بأسرها". وألى جانب ذلك خبر أخر يُعرب فيه الرئيس السوري بشار الأسد "عن رفض سورية لمذكرة الأعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير". وخبر أخر عن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يقول "سكوتنا على القرار ضد البشير يعني أن الدور سيأتي على الأخرين".

لم أرى منذ فترة بعيدة تناغم في آراء ومواقف رؤساء وأمراء الدول العربية أكثر من هذه السيمفونية الرافضة للشرعية الدولية والقانون الدولي. ومايجري اليوم على الساحة العربية من مصالحات وتوافق على السطح ماهو إلا تأكيد على التضامن الباطني لهؤلاء القادة العرب على رفض الإنضمام ألى المدنية والتمسك بالهمجية السلطوية التي تتسم بها اليوم بعض الأنظمة العربية.

تقويض المشروع الديمقراطي الذي أجتاح العالم بعد أنهيار الإتحاد السوفييتي في أواخر القرن الماضي، وحصر السلطة ضمن صفوف النخبة الحاكمة في هذه الدول أصبح الهمّ الأول والأخير لهؤلاء القادة. وقد يبدو لمراقب الأحداث على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط اليوم أن موازن القوى في المنطقة بدأت تميل لصالح تلك البلدان التي كانت منذ فترة وجيزة في عداد المنبوذين إقليمياً ودولياً، وأن الإلتفاف العربي والتضامن الأخوي الذي نشهده اليوم من خلال القمة العربية في الدوحة وماتبعه من "تبويس لحي" ماهو إلا شاهداً على رغبة الشعوب العربية في تحقيق الحلم العربي في الوحدة والحرية والتضامن القومي الذي طالما ناشدت به الجماهير العربية من المحيط ألى الخليج. وطبعاً ولو أنه قد مضى أكثر من خمسة عقود من الزمن على تلك التجربة البائسة في تاريخ الحراك السياسي العربي ولكننا لانستطيع أن نتجاهل نفوذ فكر تيارات القومية العربية في الشارع العربي اليوم ، والشعور العام في ذلك الشارع وخاصة بعد الحرب الأمريكية على العراق بأنه هو المستهدف سياسياً وأستعمارياً و دينياً اليوم من قبل الغرب وعميلته في المنطقة إسرائيل.

ونرى في عودة الفكر القومجي العربي على الساحة الإقليمية تحالف جديد مع تيارات القوى الإسلامية الفكرية التي تمر اليوم بما يمكن وصفه بنهضة شعبوية جديدة نتيجة ردة فعل على إعلان الغرب تبني الحرب على الإرهاب التي أعتُبرتْ وفُسرتْ من قبل العالم الإسلامي العربي في معظم أرجاء المنطقة بأنها حرب على الإسلام
.
ولكن الأمر هنا لايفسر هذه الروح الأخوية والتضامنية السطحية التي أتسمت بها القمة العربية الأخيرة في العاصمة القطرية، ولايخفي حقائق التحديات الخطيرة التي تمر بها المنطقة على الصعيد الإقتصادي القطري لكل من هذه الدول. والمفارقة التي لايمكن أن تُخفى عن شعوب المنطقة أنه بينما يجتمع رؤساء وملوك وسلاطين الدول العربية في قطر لفضّ مابينهما من خلافات شخصية أو خلق خلافات جديدة، والتباري في الخطابات الرنانة والشعارات الحماسية والشعبوية فيما بينهما، والإطراءات والترحيبات والتهنئات المضيافة والمعسولة بالشهد الكلامي، ومن ثم ختام المؤتمر كالعادة بالصورة التذكارية، يأتي إجتماع مجموعة العشرين من دول العالم المتقدمة والمتحضرة في العاصمة البريطانية لمواجهة مخاطر الأزمة المالية العالمية وإيجاد صيغة توافقية للعمل على تخفيف نتائج تلك الأزمة على إقتصاد العالم ليسلط الضوء على مدى أنفصال العالم العربي عن محيطه الدولي وإنشغاله بالحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة لضمان إستمرارية النظم السلطوية.

وإذا قرأنا البيان الختامي لهذه القمة العربية نرى أنه يجسد الهبوط الأخلاقي لبعض قيادات هذه الدول وخاصة في جانب المحاسبة والمسؤولية المفروضة على تلك القيادات من قبل شعوبها. فمن أدنى حدود التوقعات التي يمكن أن تقدمها الجامعة العربية في مثل هذه الظروف الدولية هي أن تُنتجَ أليات مدروسة للعمل المؤسسي مابين أعضائها لمواجهة المخاطر الإقتصادية والتنموية لشعوب المنطقة لتجنب الكوارث البشرية المستقبلية والطبيعية نتيجة أستفحال المشاكل الأجتماعية والأزمات الإقتصادية الناتجة عن النمو السكاني المتزايد لدول المنطقة وتفاقم إنعدام الحريات العامة والديمقراطية في الحكم. فبدل أن تواجه الجامعة العربية قرار توقيف وأعتقال الرئيس السوداني عمر البشير من قبل المحكمة الدولية الجنائية بعقلانية سياسية وأتزان ديبلوماسي يسعى لإيجاد صيغة توافقية بين العالم العربي والدولي للخروح من هذه الأزمة وتجنب عواقب زج السودان في مواجهة حتمية مع المجتمع الدولي و حرب أهلية وفوضى مدمرة من أجل شخص واحد، أختارت كما أعتدنا منها منذ عقود أن ترفض ذلك القرار وتتضامن مع مجرم حرب.

التنديد المعلن والصراخ الإعلامي الذي نسمعه اليوم من هؤلاء القادة العرب ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير ماهو إلا ناتج طبيعي للفكر الشمولي والإستبداد السلطوي عندهم وكل إدعائاتهم بالمساس بالسيادة الوطنية والحقوق الدولية لبلدانهم وأقطارهم ماهي إلا تضليل وتشويه لحقائق الأمر ودعمهم الذاتي لتشريع قانون الغاب وإطلاق أياديهم السلطوية التعسفية ضد شعوبهم لإخماد الحراك الديمقراطي تحت ظلال السيادة الوطنية في بلدانهم.

هذا الصخب الغوغائي القيادي العربي المندد بالشرعية الدولية ومؤسساتها المتمثلة بالأمم المتحدة التي تضمهم كأعضاء فيها ماهو إلا تعبير ذاتي لرفض "قيم التمدن" التي طالما كانت تشكل لهم الخصم الأول والأخير على الصعيد المحلي في إدارة شؤون تلك الدول. فقد عانت تلك القيم من إحراز أي تقدم في تلك البلدان لأسباب متعددة منها إجتماعية وإقتصادية وثقافية ولكن من أهمها كانت الأسباب السياسية وقمع الحريات العامة و محاربة إنتشار الديمقراطية. وقد يتسأل القارئ عن تعريف هذه القيم المسماة ب "قيم التمدن". وهنا أستأذن المفكر الأستاذ طارق حجي وأشكره على تعريف تلك القيم كما جاء بها في كتابه الرائع "سجون الثقافة العربية" وبالتحديد "السجن الثالث: الرعب من الحداثة". فقد أشار الأستاذ طارق حجي ألى مجموعة محددة من "قيم التمدن" التي تعاني مجتمعاتنا العربية صعوبة فائقة في إستعيابها بسبب الشمولية والإستبداد السلطوي. ومن أهم تلك القيم، الوقت، والنظم، والإتقان، والتعددية، ونقد الذات، وعالمية المعرفة، والتقدم الإداري. وقد يخطر لذهن القارئ أن تلك القيم لاعلاقة لها بالديبلوماسية العربية ومنهج القرار السياسي لأعضاء الجامعة العربية وأن ماتعانيه تلك المؤسسة من عقم عملي وفعلي على الأرض ماهو إلا نتاج لسلوكيات أعضائها ونظرتهم لتلك المؤسسة كوسيلة لحل الخلافات والنزاعات بين الدول الأعضاء فقط وليس كمؤسسة قادرة على تفعيل آمال وتطلعات شعوب المنطقة في إدارة شئونها وتقرير مصيرها والتواصل الثقافي والحضاري بين العالم العربي وبقية بلدان العالم. ولكن إذا أعتبرنا أن إدارة شؤون دولة ما هو إلا عبارة عن عمل يتطلب كفاءات بشرية عالية القدرة، نستطيع بسهولة إدراك مانقصده هنا في إنعدام "قيم التمدن" عند هؤلاء القادة الذين نسمع منهم اليوم أشد العبارات المنددة في موضوع المحاكم والشرعية الدولية.

من المؤسف أن نسمع مثل تلك التصريحات الصادرة عن هؤلاء القادة العرب ومن المخجل أن تتبنى الجامعة العربية قراراً بالرفض لمذكرة إعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، فلاأحد يستطيع أن ينكر اليوم أن ماحصل في السودان من تطهير عرقي وأثني راح ضحيته أكثر من 35000 قتيل على حسب تقرير المحكمة بينما تصل بعض الأرقام الأخرى إلى 300,000 قتيل وسبب بتشرد أكثر من مليونين ونصف المليون من المواطنيين السودانيين في أقليم دارفور، يُعتبر في أي ميزان قضائي جريمة نكراء لابد من محاكمة مرتكبيها والمسؤولين عنها. وإذا كانت دول أعضاء الجامعة العربية قد تضامنت مع الرئيس السوداني عمر البشير ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية ظناً منها أنه الرئيس الشرعي لجمهورية السودان، فلابد لهم من أن يعترفوا أن المسؤولية الأولى والأخيرة عن تلك الجرائم تقع أيضاً على هذه السلطة السودانية برئاسته، وإن كانت رغبة تلك الدول هي الحرص على أمن وسيادة السودان فما عليهم إلا أن يُقنعوا رئيسها بالمثول أمام المحكمة ومواجهة الأدلة والشهود بدل من أن ينددوا بها خوفاً من أن يصل سيف العدالة الدولية يوماً ما إلى رقابهم.



#بشار_السبيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية بين براثن الديبلوماسية العربية والسلطوية
- جامعة الدول العربية تلملم موضوع البشير !!!
- المعارضة السورية...بين المطرقة الإسلامية والخشب القومي
- نحن وجبهة الخلاص والإخوان المسلمين
- ستسمع أجيالنا صراخ تلك الإمرأة الغزاوية
- في يوم قسيس السلام والمساواة مارتين لوثر كينغ
- غزة... والعدوان... وآلام العرب والمسلمين
- أمريكا تجدد ثورة الأمل والفكر والحرية
- تمهلوا بالحكم على الديمقراطية في الشرق الأوسط
- قراءة موضوعية في عواطف المعارضة السورية
- من أجل حفنة من اليوروهات الأوروبية..
- الغزل الفرنسي السوري والمعارضة السورية
- هل ستطل شمس الوطنية على ساسة لبنان؟
- سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة!!! (2)
- سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة!!!
- زيارة كارتر لسوريا تحرق الأحرار والديمقراطية
- فتنة مابعدها فتنة..
- الحديث الجائرعن منظمات حقوق الإنسان الدولية في سوريا
- من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر
- المعارضة السورية والأقلام المأجورة...


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بشار السبيعي - جامعة الدول العربية وفقدان قيم التمدن الحضارية