أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!















المزيد.....

جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2602 - 2009 / 3 / 31 - 09:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل نحو قرنين من الزمان، زار البارون همبولت رئيس الولايات المتحدة جيفرسون، فوجد جريدة على مكتبه، فلمَّا تناولها وجد فيها مقالاً قد امتلأ بكلمات السباب والقذف في الرئيس، فنظر إلى الرئيس، وقال: "كيف تسمحون بهذا السباب؟!"، فأجابه الرئيس قائلاً: "خُذْ هذه الجريدة وضَعْها في جيبك، فإذا وَجَدَّتَ من يشك في صدق حرِّيتنا، أو حرِّية الصحافة في الولايات المتحدة، فأعْطِها له"!

وفي ليلة انتصاره، وقف أوباما ليقول لجمهوره المنتشي، وللعالم أجمع الذي عرف الرئيس بوش كيف يُكرِّهه بالولايات المتحدة، إنَّ في هذا الذي حدث الليلة خير ردِّ وجوابٍ على كل المشكِّكين المتشككين في العظمة القيمية للولايات المتحدة، التي في قوَّة قيمها ومثلها ومبادئها، وليس في قوة اقتصادها وجيشها، على ما قال الرئيس المنتخَب، تكمن عظمتها.

لتقارنوا الآن بين القولين والعصرين حتى تقفوا على السبب الحقيقي لاشتداد حاجة القوة العظمى في العالم إلى ظاهرة أوباما.

لا تنظروا إلى أوباما فحسب؛ ولكن أُنْظروا من خلاله إلى ما يتوفَّر "المُنْقِذون"، من رجال ومؤسسات وقوى، على صنعه، أو اجتراحه، فالسؤال الذي استبدَّ بتفكيرهم (الاستراتيجي والتاريخي) إنَّما هو: هل بقي، بعد هذا السقوط القيمي والفكري والإيديولوجي المدوي، والذي بلغ دركته السفلى في عهد بوش، من شيء إيجابي يمكن فعله، ولو عن اضطرار، توصُّلاً إلى اجتذاب العقول والقلوب، على استعصاء الأمر، بعد، وبسبب، كل هذا الخراب البوشي، إلى الولايات المتحدة، التي استبدَّ بها الشعور بالعظمة حتى عاملت العالم بأسره على أنَّه الأصغر منها في كل شيء، عدا المساحة والسكان؟

لقد حاروا في الجواب حيرة من يحاول الحصول على شيء من إنسان ما عاد يملك من هذا الشيء شيئاً؛ فهل يقولون للعالم ما قاله جيفرسون للبارون همبولت وهم الذين يعلمون علم اليقين أنَّ "غوانتانامو" هي "الحقيقة" التي تمحو كممحاة كل رواية جديدة يخطها مداد الوهم، وأنَّ "الحرب على الإرهاب" لم تنتهِ إلى إلقاء القبض على أسامة بن لادن وإنَّما إلى إلقاء القبض على خير ما تمتَّع به مواطنو الولايات المتحدة من حقوق وحرِّيات ديمقراطية ومدنية.. أم يقولون، وكأنَّ العالم له عيون لا تبصر، وآذان لا تسمع، وعقول لا تعقل، إنَّ لدينا فخر ما صنع، ويصنع، التاريخ، وهو "الليبرالية الجديدة"، في الاقتصاد والأيديولوجيا، والتي لِفَرْط كمالها واكتمالها حقَّ لها أن تأمر التاريخ بالتوقُّف عن الحركة، فاستخذى لها، وتوقَّف؟!

ولكن، كيف لهم أن يقنعوا العالم وهو الذي يعاين ويعاني عواقب هذا الانفجار المتسلسل لفقاقيع "الليبرالية الجديدة"، والذي ما أن وقع في "وول ستريت" حتى أصابت شظاياه العالم أجمع، في دليلٍ على أنَّ الولايات المتحدة ما عاد في مقدورها، بعد، وبفضل، عولمتها لليبراليتها الجديدة، أن تنتحر من غير أن تنحر العالم معها؟!

هل يقولون للعالم الذي أثخنوه هُمْ بجراح التعصب الديني إنَّ الولايات المتحدة ولو فقدت أعزَّ ما تملك لن تفقد أبداً تفوقها العلماني، وتساميها عن كل تعصب ديني يَسْقُط بالبشر إلى الدرك الأسفل من الوحشية في صراعٍ يشبه صراع رجلين أصلعين على مشط؟!

وكيف لهم أن يقنعوه وقد رأى "الثيوقراطية" تنمو وتزحف، بفضل "المحافظين الجدد"، حيث "هُبَل الحرية" يرمز إلى الماضي، ويُبْلِغ إلى شعوب الأرض أنَّ "الحرية" في الولايات المتحدة أصبحت أثراً بعد عين؟!

لم يبقَ في "احتياطهم القيمي" من قيمة يمكن إذا ما أشعلوها أن تضيء كضياء شمعة في ظلمة الكون إلاَّ "مساواة الأسود بالأبيض" مساواةً ليس فيها من الذهب سوى لمعانه.

وخطب أوباما في جمهوره وكأنه أراد أن يقول، أو أردوا هُمْ أن يقولوا بلسانه، إنَّ للعالم أن يشكَّ وأن يتشكَّك في كل ما كنا نفخر به من قيم، كالحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية، ومبادئ السوق الحرة، والليبرالية الجديدة، والعلمانية ونبذ التعصب الديني؛ ولكن ينبغي له أن ينحني لنا إجلالاً واحتراماً بعدما أقمنا الدليل الحي على أننا قد طلَّقنا ثلاثاً التعصب العنصري ضد السود (والملونين على وجه العموم) وجئنا بهذا الرجل إلى عرين الحضارة الأنجلو ـ ساكسونية، أي إلى البيت الأبيض.

لعلَّكم الآن، ومع أنكم منشغلون بأخبار القمة العربية في الدوحة، وغياب "ذوي الأفكار النَّيِّرة" عنها، وقفتم على السبب الذي حملني على تذكُّر حادثين من الأمس البعيد والأمس القريب.

إنَّ "العقل" الذي يحكم العالم العربي لم يشفَ بعد من مرض "حُبِّ الحصول على الشيء بإيجابياته فحسب"، مع أنَّ كل شيء في الحياة، يعلِّمنا أن الشيء، كل شيء، إمَّا أن تحصل عليه بإيجابياته وسلبياته معاً وإمَّا أن لا تحصل عليه أبداً؛ ولكَ أن تجرِّب، فهل في مقدورك مثلاً أن تأكل نصف التفاحة وأن تظل في الوقت نفسه محتفظا بها كاملة غير منقوصة؟!

كل دولنا تريد إعلاماً حُرَّاً، وتتغنى بما تَنْعُم به من "حرِّية إعلامية"؛ ولكنها تريد لـ "حُرِّية التعبير الإعلامي" أن تتقيَّد بقيد واحد فحسب هو "المسؤولية"، التي ما أن تُتَرْجَم بلغة الواقع حتى تصبح "الحرية الإعلامية" أثراً بعد عين.

و"المسؤولية"، بحسب معناها المستمد من التجربة الإعلامية الواقعية، إنما هي أن يستنفد الإعلام كل الحرية المتاحة له في العالم العربي (والتي لا تكفي إعلاميا واحدا قرر أن يقول كل ما عنده) ولكن ليس بما يُغْضِب الدول والحكومات، فـ "المسؤولية" بصفة كونها سياجاً لـ "الحرية"، يجب أن تمارَس بما يُسْمِع الدول والحكومات ما تود سماعه، ويريها ما تود رؤيته.

ولقد أضافوا الآن إلى معاني "المسؤولية" معنى جديداً، فـ "الإعلام الحر المسؤول" ينبغي له أن يجتنب بث أخبار أو آراء أو صور.. يمكن أن "تُثوِّر"، أو "تُهيِّج"، المواطنين، أو بعضا منهم؛ ولقد ارتكبت "الجزيرة" هذا "الإثم" إذ اغتنمت غضب الشعب المصري على مجرمي الحرب الإسرائيليين، فصوَّرت ما كان ينبغي لها ألاَّ تُصوِّر، "مثوِّرة" و"مهيِّجةً" المصريين ضد قيادتهم!

إذا وقع إضراب في بلد غربي ما، ابتلاه الله بـ "الحرية غير المسؤولة"، فإن حكومته لا تجرؤ على تصوير هذا الإضراب على أنه رجس من عمل شيطانٍ نسميه في بلادنا "المحرِّضون"، أو "دعاة الفتنة"، أو "مثيرو أعمال الشغب والقلاقل"، أو "الطابور الخامس"، أو "القوى المندسة".

لا تجرؤ؛ لأنَّ أحدا لا يصدِّق أنَّ في مقدور إبليس نفسه أن يتسبَّب بـ "إضراب" تنتفي أسبابه في الواقع، فلا إضراب يحدث، مهما حرَّض المحرِّضون عليه، إذا لم يكن القائمون به في ظروف اقتصادية ومعيشية تشدِّد لديهم الحاجة إلى القيام به، وتخلق لهم مصلحة حقيقية في اللجوء إليه.

عندنا فحسب يستسهلون تصوير كل اضطراب داخلي على أنه رجس من عمل هذا الشيطان الإعلامي أو ذاك، فلو لم توسوس هذه الوسيلة الإعلامية في صدور فئة واسعة من المواطنين، وتنجح في تلبيس الحق بالباطل، لظل المواطنون جميعا في أسْرٍ أُسريٍّ سرمدي!

حتى إبليس ليس بهذا الجبروت الذي نظن أو نتوهم، فهو لولا النفس البشرية الأمَّارة بالسوء لخاب سعيه، ولمات إحباطاً ويأساً!

رحم الله جيفرسون فهو شخصياً، وبما يمثِّل، كان صخرة تتكسَّر عليها كل ريح تهب من "إعلام غير مسؤول"، أو من "إعلامي غير مسؤول"، يُصوِّر ما يجب ألاَّ يُصوَّر، يُثوِّر ويُهيِّج الدهماء، ويستطيب لسانه، أو قلمه، لغة السب والشتم؛ ووفَّق الله أوباما في سعيه إلى إنقاذ الولايات المتحدة من إفلاسها القيمي والأيديولوجي على استعصاء مهمته، وأعان الله دولنا وحكوماتنا على هذا "الإعلام غير المسؤول"، والذي ديدنه السب والشتم باللسان والقلم والكاميرا..



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غساسنة ومناذرة جاءوا إلى الدوحة!
- ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!
- -الاحترام-.. حلال على حكومة نتنياهو وحرام على الحكومة الفلسط ...
- أوباما ينفخ في -وول ستريت- ما يشبه -روحاً إسلامية-!
- التَّحدِّي اللغوي!
- -الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
- في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
- -أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
- شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
- على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
- وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
- -الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
- أزمة -مقالة الرأي-!
- -العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
- حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
- رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
- أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
- -إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
- -تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
- أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!