أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - القَوْسُ المُوَشَّى















المزيد.....



القَوْسُ المُوَشَّى


كمال الجزولى

الحوار المتمدن-العدد: 797 - 2004 / 4 / 7 - 10:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تحت عنوان (المصالحة وبناء الثقة فى السودان) قدم الإمام الصادق المهدى ، كعادته ، ورقة مرتبة الأفكار ، جيَّدة السبك ، رغم اختلافنا مع بعض جوانبها ، ضمن أعمال ورشة (السلام بين الشراكة والمشاركة) التى نظمها مركز دراسات السلام بجامعة جوبا ومؤسسة طيبة برس بالتعاون مع مؤسسة فريدريش آيبرت الألمانية بقاعة الشارقة بالخرطوم ، فى الفترة بين 6 ـ 7 مارس 2004م.
وكما أشرنا فى أكثر من مناسبة فإن المرء لا يستطيع ، بالغاً ما بلغت حِدَّة الاختلاف ، أن يجحد ، إلا بالتجرُّد من أخلاق الفرسان ، مواقف الرجل الثابتة من الأنظمة الشموليَّة ، وإسهاماته المرموقة ضمن حركة الاستنارة الفقهوفكريَّة الهادفة لإعادة الحياة لمضخات التجديد والتطور فى الفكر السياسى الاسلامى ، وإجلاء ما تراكم عليها من صدأ بفعل ألف عام من الجمود والتخلف ، وفى رأس ذلك سعيه الحثيث لتوطين (الديموقراطيَّة المعياريَّة) و(حقوق الانسان) فى تربة الاسلام ، مجالدة لتيارات الغلوِّ والهوس التى ما تنفك تروِّج لغربتها عنه.
سوى أن الامام ، كما سبق وألمحنا أيضاً ، ليس فقيهاً مفكراً فحسب ، وإنما أيضاً رئيس حزب من حقه ألا تغمض عينه عن الحكم وهمومه. لذا ، فثمة وجه آخر للاشكاليَّة يطل فى ما يرى، ونرى معه ، من ضرورة مُلحَّة لاجتراح ما يدعم ديناميكيات (الديموقراطيَّة العمليَّة) التى لا يمكن بدونها المحافظة على تماسك بنية (الديموقراطيَّة المعياريَّة) فى الوعى الاجتماعى ، دَعْ تطويرها ، مِمَّا يرتدُّ ، جدلياً ، للتأثير على مصير (الديموقراطيَّة العمليَّة) نفسها فى المديين المتوسط والبعيد.
لكن ، هنا بالتحديد ، "يختلط القوس المُوَشى"! فعلى حين تتصعَّد قيم (الديموقراطيَّة المعياريَّة) من أنقى ما فى الفطرة والخبرة والمعتقد ، تبقى ممارسة (الديموقراطيَّة العمليَّة) عرضة للضيق والأثرة والطبع الخطاء ، ما لم نتعهَّدَها بالمراجعة الدائمة والذهن النقدى والمغالبة لشحِّ النفس ، حتى لا تجرفها أمواج (السياسة السياسويَّة) ، حين يتمكن منها منطق الكسب (الحزبىِّ) البحت ، إلى سواحل يضحى الحقُّ فيها غريب الوجه واليد واللسان!
لقد عدَّد السيد الصادق فى ورقته المشار إليها أربع حالات محمَّلة ببذور عدم الاستقرار ورثها السودان من الاستعمار ، من بينها ، وهذا ما يعنينا هنا بوجه خاص ، نظام حكم ديموقراطى معيارى لا يدعمه الشيوعيون المتحمسون للعمل السياسى فى القطاع الحديث (ويدمج معهم الأخوان المسلمين غير أن هذه قضية أخرى) ، كونهم يرون ، على حدِّ قوله ، أن هذا النظام يأتى عبر الانتخابات بقوى غير ديموقراطيَّة ، ولا يتيح لأطروحاتهم أيَّة فرصة عبر صناديق الاقتراع ، ولهذا لم يستطع النظام الديموقراطى أن يحقق استقراراً ، بل أعطى فرصاً كبيرة بما أتاح من حريات لهؤلاء العقائديين الثوريين أن يخططوا للاطاحة به ، أو كما قال!
هكذا ، ولأن الورقة تطرح بمثل هذا التبسيط المخلِّ ، للأسف ، قضية ذات طابع تركيبىٍّ شديد التعقيد ، فقد كان لا بد لها أن تصادم جملة معطيات تاريخيَّة وفكريَّة نوجز ، لضيق المجال ، أبرز نماذجها من مختلف المراحل والفترات على النحو التالى:
(1) نبدأ بملاحظة بسيطة تتصل بالطابع التركيبى المعقد لمسار تطور مفهوم (الديموقراطية) نفسه فى فكر الحزب منذ تكوينه فى منتصف أربعينات القرن الماضى. فعلى حين بقيت هذه الموضوعة تمثل ، بشكل ثابت ، أحد أهم المطلوبات الاستراتيجية المطروحة فى أفق مشروعه الاشتراكى ، ظلت ملتبسة أيضاً ، فى فترات مختلفة من هذا التطور ، وبدرجات متفاوتة ، بمفاهيم ومصطلحات (الديموقراطية الاشتراكية ، الجديدة ، الثورية .. الخ) ، وذلك تحت الأثر الضاغط على حركة اليسار ، وحركة التحرر الوطنى العالمية بوجه عام ، من جهة النموذج الاشتراكى الملموس والسائد آنذاك ، وبالأخص التجربتين السوفيتية والصينية. وهى المفاهيم والمصطلحات التى تصعَّدت من أنماط الهيكلة السياسية الستالينية للحزب والدولة والمجتمع ، تحت عنوان (المركزية الديموقراطية) ، فى الاتحاد السوفيتى ، ومن ثم فى أنظمة الديموقراطيات الشعبية التى نشأت فى بلدان شرق أوربا وأنحاء متفرقة من العالم ، فى أعقاب الحرب الثانية ، مستهدية بهجائيات الديموقراطية الليبرالية فى الماركسية اللينينية ، وبخاصة فى نسختها الروسية بظروفها المحددة.
(2) ومع ذلك ، فمن غير الممكن عدم ملاحظة أن مؤشر الأصالة الفكرية لدى الحزب ظل يسجل منذ ذلك الوقت الباكر ، وبرغم قوة تأثير ذلك المفهوم للديموقراطية ، وتائر عالية من النزوع إلى (الديموقراطية الليبرالية) بمضمونها القائم ، كما ألمحنا ، فى الحريات والحقوق ، قانوناً وممارسة ، إلى درجة تصويب النقد الجرئ والصريح للتجربة السوفيتية ، فى هذه الناحية ، قبل انهيارها المدوى بنحو من أربعين سنة ونيف (تصريح حسن الطاهر زروق "للسودان الجديد" ، 1/9/1944م ـ ضمن محمد نورى الأمين ، رسالة دكتوراه).
(3) لم يكن قبول الحزب بممارسة العمل السياسى وفق المبادئ العامة لهذه الديموقراطية الليبرالية التعدديَّة محض قبول بقضية شكلية ، وإنما بالتركيز على مضمونها المتجذر فى الحريات العامة والحقوق الأساسية التى تمثل ، فى بلد كالسودان ، بتعدد تكويناته الاقتصادية الاجتماعية والقومية وعدم التناسق فى تطور قطاعاته الاقتصادية ، الشرط المركزى لتحقق هذه الديموقراطية ، تعبيراً عن رؤية الحزب لها ، سواء كان محقاً أم مخطئاً ، كبيئة أصلح لحضانة مشروعه الاشتراكى من خلال أوسع حراك جماهيرى ، علاوة على عدم اقتناعه بأن التجربة الاشتراكية قدمت أىَّ نموذج ملهم فى الديموقراطية السياسية. ذلك برغم شيوع مفاهيم ومصطلحات تلك (الديموقراطيات) التى سلفت الاشارة إليها ، والتى لم ينجُ الحزب نفسه منها فى بعض منعرجاته التاريخية كما سنرى. ولكن الاتجاه الغالب على أطروحاته وأدائه العام نحا مع ذلك ، ومنذ تأسيسه ، منحى آخر ، مما لخصه عبد الخالق بقوله إن تغيير المجتمع إلى مرحلة أعلى لا يعنى نفى ما أحرزته الشعوب من حقوق قانونية إبان الثورة الديموقراطية البرجوازية ، بل يعنى تحويلها من إعلان إلى ممارسة فعلية ، وأن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية للانتقال للاشتراكية لا يتم إلا عبر الديموقراطية فى الحقوق السياسية للجماهير ، وفى النظام السياسى ، أى التغيير بالديموقراطية الشاملة (حول البرنامج ، 1971م). وهو الطرح الذى وصفه نقد ، لاحقاً ، بأنه ".. مفارق للتصور الذى كان سائداً فى الأدبيات الماركسية ، ومن بينها أدبيات حزبنا ، والذى يبرر مصادرة الديموقراطية فى النموذج السوفيتى للاشتراكية ونمط الحزب الواحد وبعض نماذج الأنظمة الوطنية العربية والأفريقية" (مبادئ موجهة ، 1998م).
(4) وقبل ذلك كان قد قرَّ فى فكر الحزب ، أصلاً ، ومنذ بواكير نشأته ، أن الكفاح من أجل (التحرر) من الاستعمار لا يمكن أن ينفصل عن النضال من أجل الحريات والحقوق الديموقراطية. لذا فقد جاء الشرط التاريخى لتأسيسه مقترناً مع ذات الشرط التاريخى لتأسيس حركة جماهيرية واسعة ، متنوِّعة ، ومنفعلة ، بحكم طبيعتها وقانونها الباطنى ، بالتطلع إلى هذه الحريات والحقوق الديموقراطية ، كالنقابات والاتحادات المهنية ، وتنظيمات الشباب والنساء والطلاب ، وغيرها. وليس من باب الصدفة أن الشيوعيين أسهموا فى استنهاض تلك الحركة بنشاط ، فشكَّلت ، بأساليبها وأدواتها الديموقراطية ، كالإضراب ، والمظاهرة ، والبيان ، والندوة ، والجريدة ، والموكب ، والمنشور ، والمذكرة ، والكتابة على الجدران .. الخ ، حقول تدريبهم النضالى الأساسية ، وطبعت فكرهم ووجدانهم ومزاجهم العام بطابعها (الديموقراطى) العميق ، لدرجة أن مخابرات الإدارة البريطانية وصفت مثلاُ ، فى بعض تقاريرها السِّرية عام 1949م ، أول تنظيم ديموقراطى للشباب السودانى بأنه "حركة شيوعية .. من أهدافها .. تأسيس نظام ديموقراطى" (م. سعيد القدال ، 1999م) ، فأخطأ ذلك التقرير المخابراتى من حيث أصاب!
(5) فى فترة لاحقة ، وضمن سياق مساهمته فى مناقشة البرلمان لمشروع الدستور المؤقت بتاريخ 31/12/1955م ، شدَّد حسن الطاهر زروق ، النائب الشيوعى عن دوائر الخريجين وقتها ، على ضرورة إخضاع جهاز الدولة للرقابة والمحاسبة الشعبيتين ، وضمان المشاركة الشعبية فى الحكم ، وتوفير حرية الاعتقاد وحرية اعتناق الآراء السياسية والعمل من أجلها ، وما إلى ذلك من الحريات العامة (م. سليمان ، 1969م).
(6) ولعل من المهم ، بإزاء الحجة القائلة بأن الأمية تشكل عائقاً دون نجاح التجربة الديموقراطية ، إستصحاب دلالات الموقف الفكرى للحزب فى دحضها بأن شعبنا عرف مصالحه أكثر من بعض الشعوب الأوربية التى تصوِّت للمحافظين ، فانتخب أغلبية وطنية حققت الاستقلال فى برلمان 1954م ، ودحضه أيضاً لاتهام النظام الديموقراطى بالفساد بدليل استمراره فى ظل الشمولية ، وما خلص إليه من أن اجتثاث الفساد غير ممكن إلا برقابة الشعب إذا تمتع بالحريات والحقوق (ع. الخالق ،2001م). وكان ذلك موقفه أصلاً عندما خاض أول انتخابات برلمانية عام 1953م لتوسيع المناهضة للاستعمار وتعميق الديموقراطية (ع. الخالق ، 1987م).
(7) لا بد كذلك من قراءة دقيقة لوقائع دعمه فى الفترة (فبراير 1953 ـ يناير 1956م) ، لتحركات العمال والمزارعين والصحفيين والطلاب من أجل الحقوق والحريات ، قبل أن تكتسى مقررات مؤتمره الثالث (فبراير 1956م) بالطابع الجبهوى العريض (الاتحاد الوطنى الديموقراطى) ، بتأكيدها على أن الحريات هى طريق النمو السلمى ، وطرحها لمبدأ الشراكة العادلة فى الحكم ، للتخلص من أدواء التعصب الحزبى ، ولمنع السيطرة المنفردة لأى قسم على جهاز الدولة فى تلك الحقبة الجنينية من الاستقلال.
(8) ويلزم المحلل أيضاً قدر من الموضوعية لدى النظر إلى وقائع الفترة بين 1954م ـ 1958م كى يقف على جليَّة أوضاع قد تتراءى غريبة للوهلة الأولى: فعلى حين كانت تشتد بوضوح نزعة الحزب للاستمساك بالديموقراطية الليبرالية وتعميقها فى الحركة الجماهيرية ، كانت الخروقات تتوالى عليها من مواقع ذات القوى التى يفترض أنها أوثق انتساباً إليها وأقوى التزاماً بها! وكمثال ، فعلاوة على تعريض استقلال البلاد للاجهاض بالانغماس فى الصراعات غير المبدئية ، تسببت حكومة الأزهرى الأولى فى حادثة (عنبر جودة) ، حيث قتل أكثر من 125 مزارعاً كانوا يطالبون بحقوقهم ، ثم أعملت المزيد من عنف الدولة فى حركة الاحتجاجات الشعبية على تلك الحادثة ، فى حين لم يستخدم المحتجون من العمال والمحامين والطلاب سوى الأساليب الديموقراطية المعهودة. أما حكومة عبد الله بك خليل (حزب الأمة) فقد رفضت الاعتراف لا بالحزب ولا باتحاد العمال. وأبدت ، إلى ذلك ، قدراً كبيراً من العداء تجاه تعبيرات المعارضة السلمية لزيارة نائب الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون بغرض تسويق (مشروع أيزنهاور) الاستعمارى ، حيث اتهمت "حفنة من الشيوعيين بتهديد الأمن والاستقرار" ، وأقدمت فى يونيو 1958م على تعطيل البرلمان عندما بدأ ينذر بسحب الثقة منها ، ثم أظهرت فى 21/10/1958م رد فعلها العنيف بإزاء إضراب 42 نقابة تمثل 98% من القوى العاملة ، بقياده اتحاد العمال ومؤازرة الحزب وتنظيمات المزارعين والتجار والطلاب ، احتجاجاً على تغول الحكومة على الحريات النقابية ، وللمطالبة ببعض الاجراءات الاقتصادية ، كتخفيض المصروفات الحكومية وتنويع التجارة الخارجية وما إلى ذلك ، فشنت (جردة) اعتقالات واسعة ، وحظرت المواكب والتجمعات السياسية ، مما اعتبرته الصحف نقطة تحول فى نشاط الحركة النقابية (القدال ، 1999م). وأخيراً توَّج حزب الأمة كلَّ تلك الخروقات لأسس الممارسة الديموقراطية بتسليم عبد الله خليل ، أمينه العام ورئيس الوزراء وقتها ، السلطة لكبار الجنرالات فى 17 نوفمبر 1958م ، وذلك ، حسب إفادة عبود نفسه للجنة التحقيق بعد ثورة أكتوبر ، بموجب "أوامر .. صادرة من رئيس لمرءوس ، وقد قبلتها ونفذتها على هذا الأساس .. عبد الله خليل هو مهندس الانقلاب ، ولو طلب منا إلغاءه فى أية لحظة لفعلنا فوراً " (ضمن تيم نبلوك ، 1990م).
(9) والواقع أن الأحزاب التقليدية كانت قد عمدت لاختزال كل قيمة للاستقلال فى محض (عَلـَم) يُرفع ، و(سلام جمهورى) يُعزف ، و(عملة وطنية) أضحت دولة بين الأغنياء بخاصة! ولم يكن شعار (تحرير لا تعمير) ، فى تلك الفترة ، غير صياغة شديدة الإحكام لتلك الرؤية الخرقاء. وكما لاحظ بعض الباحثين فقد "كان النظام البرلمانى بالنسبة للأحزاب التقليدية وسيلة شرعية لفرض سيطرتهم ، وليس أداة لتأسيس الديموقراطية فى السودان. وقد تبين ذلك فى المواقف غير المبدئية وتغيير التحالفات وتحوُّل النواب البرلمانيين من معسكر إلى آخر" (حيدر أبراهيم ، 1996م).
(10) وربما كان من المفيد ، فى السياق ، استدعاء أحد أهم استنتاجات الحزب من وقائع الصراع بعد الاستقلال بين نظريتى البناء الرأسمالى والتطور اللارأسمالى ، بأن العامل الأساسى فى تنامى قوى العنف البرجوازى هو اكتشافها أن الليبرالية السياسية تعيق مشروعها بما توفر من إمكانات مناهضته شعبياً ، وهكذا اتجهت لخيار الديكتاتورية العسكرية السافرة ، "فما عجزوا عنه بالصراع السلمى أرادوا تحقيقه بالصراع الدموى" (تقرير المؤتمر الرابع 1967م).
(11) لذلك ، فإن تفسير السيد الصادق لإقدام حزب الأمة على تدبير انقلاب نوفمبر بمجرد (سوء تفاهم) و(خلاف) فى الرأى بين أمينه العام المرحوم عبد الله خليل وبين رئيسه المرحوم الصديق المهدى (الصحافة ، 10/4/2001م) ، لهو من صنف التبسيط المُخِل الذى أشرنا إليه، والذى لا يُتصوَّر من مفكر فى قامة الرجل ، لولا مقتضيات (السياسة السياسوية) التى يختلط عندها "القوس الموشى"!
(12) مهما يكن من شئ ، فثمة حقيقتان أساسيَّتان تلوِّحان بأكثر من إصبع ، ولا بد من وضعهما فى الاعتبار لدى النظر فى شأن هذا التصريح الذى ورد لأول مرة بعد أكثر من أربعين عاماً على وقوع ذلك الانقلاب:
الحقيقة الأولى: أن سكرتير الحزب السيد عبد الله بك خليل سلم السلطة للجيش. وأن رئيس الحزب السيد الصديق المهدى لم يعارض إستيلاء العسكريين على السلطة (من حيث المبدأ) ، إلا أنه كان يرى أن يكون ذلك مرتبطاً بفترة زمنية قصيرة (ت. نبلوك ، 1990م). أما راعى الحزب الامام عبد الرحمن المهدى عليه رحمة الله ورضوانه فقد أصدر بياناً بعد يومين فقط من الانقلاب دمغ فيه كل الأحزاب بالفشل: ".. فشلوا جميعاً ، ولم تنجح أى من الحكومات .. وأصيب الشعب بالاحباط ، وهاهو يوم الخلاص ، فقد هب رجال الجيش وأمسكوا بمقاليد الأمور ، ولن يسمحوا للتردد والفوضى والفساد بالعبث فى هذه البلاد ، ولقد منَّ الله علينا برجل يقود الحكومة بالحق والصرامة ، فابشروا بهذه الثورة المباركة ، واذهبوا إلى أعمالكم بهدوء وثقة لتأييد رجال الثورة" (ضمن المصدر). والسؤال للسيِّد الصادق: أين (سوء التفاهم) أو (الخلاف فى الرأى) فى كل هذه المواقف السياسيَّة الصريحة ، الواضحة ، القاطعة ، والمنسجمة؟!
الحقيقة الثانية: وحتى بافتراض قبول كلام السيد الصادق هذا ، فإنه لا يعدو كونه مجرَّد (توضيحات) للصراعات التى كانت تعتمل فى حزب الأمة مع نهاية الخمسينات ، وتداخلها فى ملابسات تسليم السلطة لعبود ، تماماً كالإطناب فى شرح انقسامات الحزب الشيوعى أواخر الستينات وتداخلها فى ملابسات انقلاب النميرى! فإذا وافق السيد الصادق على أن تكون الأولى مبرراً لموقف حزب الأمة من 17 نوفمبر 1958م ، فسوف يتعيَّن عليه ، منطقياً وبالضرورة ، أن يقبل أيضاً بأن تكون الثانية مبرراً لموقف الحزب الشيوعى من 25 مايو 1969م! أما بمعايير مؤسسية التحمُّل لتبعات النشاط الحزبى سياسيَّاً وأخلاقيَّاً ، فلا القول الأول يصلح لإعفاء حزب الأمة من مسئوليته عن إنقلاب الجنرالات ، ولا القول الثانى يصلح لإعفاء الحزب الشيوعى من مسئوليته عن انقلاب الروَّاد. ويبقى المحك هو المدى الذى يستطيع فيه كلٌ حزب أن يحوِّل (سالب) واقعه التاريخى إلى (موجب) دروس وعبر. وقد أحسن السيد الصادق صنعاً ، ضمن تعقيبه علينا فى الندوة ، باقتراحه فتح ملف الانقلابات العسكرية فى السودان ، فمن شأن ذلك أن يهئ لدروس كبيرة أكثر تمكثاً ونفعاً ، بمنأى عن مناهج التبسيط والاختزال التى لا أرضاً تقطع ولا ظهراً تبقى!
(13) كما ولا بد لنا أيضاً من الوقوف المتمكث بإزاء وجهين أساسيين لواقعة تاريخية أخرى لا تقل أهمية:
أ/ فمن الوجه الأول ، ولكون الانقلاب لم يسلب الحزب الشيوعى سلطة ، من الناحية الشكلية، بل وقد يصح القول بأنه طمر الحكومة التى ناصبته والحركة الجماهيرية العداء ، فإن مما يستوجب التأمل حقاً موقفه منه: بفضحه قبل وقوعه: "إفتحوا عيونكم جيداً: الأمريكان يستعدون لتدبير الانقلاب المقبل فى السودان" (الميدان ، 3/11/1958م) ، وبمناهضته من يومه الأول ، حيث صدر بيان مكتبه السياسى فى 18/11/1958م بعنوان: (17 نوفمبر انقلاب رجعى).
ب/ أما من الوجه الآخر فقد اتخذ الحزب الشيوعى موقفه ذاك ، منذ البداية ، بالمخالفة لكل الأحزاب التى أيدته بلا استثناء ، حيث ".. جاءت المعارضة منذ الوهلة الأولى من اليسار والنقابات والاتحادات المهنية ، رغم أنها لم تكن فى السلطة" (حيدر أبراهيم ، 1996م). فعلى حين كان الناس يتداولون منشور الحزب بتاريخ 17/11/1958م بعنوان (17 نوفمبر إنقلاب رجعى) ، كان حزب الشعب الديموقراطى يعبِّر ، فى رسالة راعيه السيِّد على الميرغنى عليه رحمة الله ورضوانه ، إلى الشعب ، عن أمله فى أن "تؤدى نوايا ومجهودات الجيش إلى نشر الأمن والاستقرار والطمأنينة" (المصدر) ، ثم عاد قادته ، وعلى رأسهم الشيخ على عبد الرحمن ومحمد نور الدين ، ليصفوا ، فى مذكرة (كرام المواطنين) بتاريخ 29/11/1960م ، أغراض الانقلاب (بالعظمة) ، و(ليؤكدوا) أن (الثورة) عملت "فى عزم وصدق .. على تحقيق .. الاستقرار .. ليجنى الشعب ثمرات الاستقلال" (بشير محمد سعيد ، 1990م). وأما الحزب الوطنى الاتحادى فقد بعث سكرتيره العام خضر حمد ، فى اليوم التالى ، ببرقية تهنئة إلى عبود من القاهرة ، يطالبه فيها باتخاذ "إجراءات ضد الفساد والمفسدين". وأورد فى مذكراته أن الأزهرى عبر له عن ثقته فى وطنية عبود وجماعته "فلعلهم يوفقون فيما فشلت فيه الأحزاب" ، وكلفه بزيارة الفريق عبود واللواء أحمد عبد الوهاب ونقل رأيه هذا إليهما ففعل (مذكرات خضر حمد). وأما الأخوان المسلمون فقد رأوا "أن البداية التى سارت عليها (الحكومة الانقلابية) فى تصحيح الأوضاع الفاسدة تدعو للاطمئنان" (صحيفة "الأخوان المسلمون" ، 1/12/1958م). فما الذى تراه يفسر لدى السيد الصادق (السر) وراء (انفراد) الشيوعيين ، أو (اليسار والنقابات) على حدِّ تعبير حيدر ابراهيم ، بمناهضة الانقلاب وحدهم منذ البداية ، علماً بأن استخدام لفظى (انفراد) و(وحدهم) هنا ليس من قبيل التهاويل البائرة فى ما قد رأينا؟!
(14) باتجاه الاجابة على هذا السؤال المحورى ينبغى التفكير الموضوعى فى تحليلات الحزب نفسه ، مع كامل الاستعداد لاعتماد أى تفسير آخر شريطة أن يدخل العقل. لقد عزا الحزب ذلك الموقف لكون الانقلاب كان موجهاً بالأساس إلى صدور الجماهير والقوى الديموقراطية ، فالقوى التقليدية التى عجزت عن مواجهة قضايا ما بعد الاستقلال نقلت الصراع الطبقى من حيِّزه السلمى إلى دكتاتورية عسكرية (وثيقة المؤتمر الرابع "الماركسيَّة وقضايا الثورة السودانيَّة" ، 1967م).
(15) ولا بد ، إلى ذلك ، من التفكير فى مغزى الجهد الفكرى والسياسى الذى بذله الحزب للمنافحة عن ديموقراطية الحركة النقابية من خلال الصراع مع الاتجاهات التصفوية داخله. بدون الوقوف على أطروحات ذلك الصراع ومآلاته يستحيل إدراك الموقف الحقيقى للحزب ، إذ ليس نادراً ما شهد بروز اتجاهات معاكسة فى تاريخه ، كالاتجاه ، عقب مايو ، لدعوة السلطة للتدخل لضمان سيطرة القوى التقدمية على قيادة الحركة النقابية: (حاسم حاسم يا ابو القاسم) .. الخ! لقد تصدى الحزب لتلك الدعوات المنحرفة التى ترهن الصراع النقابى لقرارات السلطة ، مشدِّداً على أن التنظيمات الديموقراطية أدوات فى يد الجماهير ، ويجب أن تظل كذلك (م/الشيوعى ، ع/134).
(16) وإذن فقد كان على الحزب ، خلال العامين التاليين لانقلاب عبود ، أن يتحمَّل وحده ، على صغر حجمه وقلة إمكاناته المادية ، مسئولية عدم ترك القوى الشعبية تتقهقر فى المعركة ضد الديكتاتورية ، حتى غيرت الأحزاب الأخرى موقفها من النظام تماماً ، فطرح الحزب أمامها ، لأول مرة ، أداة (الإضراب السياسى) لإسقاطه (بيان الحزب فى 29/8/1961م). ولعل هذه الحقيقة التاريخية وما استتبعها من وقائع أفضت إلى انتصار ثورة أكتوبر 1964م تكفى ، بمجردها ، للكشف عن مدى استمساك الحزب بالديموقراطية فى معنى وسع المشاركة الجماهيرية المستقلة.
(17) أما حركة الشهيد خالد الكد ليلة 27 على 28/12/1966م] فقد فشلت حكومة السيد الصادق وقتها فى إثبات أدنى صلة للحزب بها. بل ان خالداً نفسه لم يكن عضواً فى الحزب إلا بعد ذلك بسنوات طوال ، ولفترتين قصيرتين: الأولى فى 1978 ـ 1979م وقد انتهت فى ملابسات سفره للدراسة ببريطانيا ، والثانية عند عودته بعد انتفاضة أبريل 1985م وقد انتهت باستقالته مطلع عام 1991م إثر خلاف شخصى مع بعض قادة الحزب بسجن شالا ، وذلك قبل سنوات من سفرته الثانية إلى لندن أوائل فبراير 1992م حيث كوَّن مع الاستاذ الخاتم عدلان حركة القوى الجديدة (حق) فى منتصف التسعينات.
(18) وأما ملابسات صلة الحزب ببعض الانقلابات التى استهدفت الاطاحة بأنظمة عسكرية ، كانقلاب الشهيد على حامد عام 1959م وانقلاب الشهيد هاشم العطا فى 1971م ، فلعل السيِّد الصادق يتفق معنا فى أنها خارج المحور الأساسى لهذه المناقشة التى نحاول من خلالها استقصاء المسئوليَّة عن متاعب (الديموقراطيَّة المعياريَّة) لا الأنظمة الشموليَّة. ومع ذلك فقد نعود لمناقشتها ضمن الحركات المسلحة الأخرى من جنسها ، كحركة الشهيد حسن حسين فى الخامس من سبتمبر 1975م وحركة الشهيد محمد نور سعد فى الثانى من يوليو 1976م ، وذلك من خلال المراجعة المرغوب فيها لملف الانقلابات فى البلاد ، إذا قيِّض له أن ينفتح فى منبر مرموق حسب المقترح الجيِّد الذى طرحه السيِّد الصادق.
(19) شهدت فترة ما بعد أكتوبر اندياحاً ملحوظاً لنفوذ الحزب بين الجماهير ، مما أقلق القوى التقليديَّة التى كانت قد وقعت ، أوان ذاك ، تحت ابتزاز الأخوان المسلمين ، فقطعت أمرها فى ما بينها وأجهزت على حكومة الثورة الأولى فى 18/2/1965م. ثم سرعان ما انقضت على الحزب نفسه ، فاستصدرت قراراً من الجمعية التأسيسية بتعديل الدستور فى 8/12/1965م ، مما مكنها من استصدار قانون ، فى اليوم التالى مباشرة ، بحل الحزب وحظر نشاطه وإيقاف صحفه ومصادرة ممتلكاته وطرد نوابه منها ، مستندة إلى الأغلبية الميكانيكية داخلها ، ومستغلة حادثة معهد المعلمين الشهيرة ، حيث أشيع أن طالباً شيوعياً خاض ، من خلال إحدى الندوات ، فى (حديث الإفك). ورغم أن كل الشواهد دلت على أن الطالب لا صلة له بالحزب، إلا أن (المؤامرة) جرت مجراها ، بل إن نائب حزب الأمة محمد ابراهيم خليل فضح المسكوت عنه فيها بقوله صراحة فى جلسة 15/11/1965م إنه "ليس من المهم إن كان الطالب شيوعياً أم غير شيوعى!" (مضابط الجمعية).
(20) ورغم أننا نقدر للسيد الصادق نقده الذاتى لتلك الأحداث بقوله: "كان انفعالاً .. إن الذى حدث فى موضوع حل الحزب الشيوعى كان موقفاً سياسياً غير محسوب نتج عن موقف انفعالى" (م/طلاب جامعة الخرطوم ، 1985م) ، علاوة على قول قطب آخر فى حزب الأمة: "أما تعديل الدستور وتحريم الحزب الشيوعى وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية .. فأمر أرى أن تعجلاً مضراً حدث بمقتضاه" (مذكرات أمين التوم ، 1985م) ، فإن ذلك يجعلنا ، بالأحرى، نتوقف عند تعقيبه على مناقشتنا لورقته ، فى ندوة قاعة الشارقة ، مدافعاً عن الاحزاب التقليدية ، وذاكراً من بين مآثرها "أنها صانت استقلال القضاء"! وليت تلك كانت هى الحقيقة فى واقعة حل الحزب! ذلك أن الشيوعيين أصروا على خوض المعركة حتى نهايتها بالنهج الديموقراطى ، فطرقوا أبواب القضاء فى ديسمبر 1965م طاعنين فى شرعية تلك القرارات ، فأصدرت المحكمه العليا حكمها فى 28/12/1966م ببطلانها وبحق نواب الحزب فى استعادة مقاعدهم البرلمانيَّة. وكان ذلك اختباراً حقيقياً لتلك الأحزاب ولطاقتها الديموقراطيَّة على احترام كلمة القضاء (المستقل!) غير أنها رفضت ، للأسف الشديد ، الانصياع للحكم ، مستندة إلى فتوى من د. الترابى (!) مما حدا برئيس القضاء للاستقالة. أهذا هو التاريخ أم ترانا نقطع من رءوسنا؟
(21) تراجعت القوى التقليدية ، فى ذلك السياق ، حتى عن الترتيبات العمليَّة التى كانت اجترحتها لجنة سوكومارسن فى أول قانون للانتخابات لسنة 1953م ، باستصحابها لخصائص الواقع الاقتصادى السياسى الاجتماعى السودانى عندما خصَّصت خمس دوائر لخريجى المدارس آنذاك ، مما بح صوت الحزب فى المطالبة منذ ذلك الوقت بمواصلة السير باتجاهه لعلاج (عرج) الديموقراطيَّة حتى لا تتكرَّس الشكلانية طابعاً لها تحت سطوة القطاع التقليدى فى بلد كالسودان. ومن ذلك ، مثلاً ، دعوته لإفراد دوائر خاصة بالقوى الحديثة ، بما فى ذلك القوات النظامية ، وتطوير تجربة الكليات الانتخابية بين العرب الرحَّل ، وتضييق الدائرة الجغرافية فى المدن ومناطق الانتاج الحديث ، مقابل توسيعها فى الريف .. الخ.
(22) كما فشلت تلك القوى فى النهوض بالمهام التى طرحتها الثورة ، وأدارت ظهرها لقضايا التنمية ، وعجزت عن إيقاف حرب الجنوب ، وانشغلت بحربها (المقدسة) ضد الحزب الشيوعى من جهة ، وبصراعاتها الداخلية من الجهة الأخرى. ثم ما لبثت أن انغمست فى ترتيبات ما أسمته (بالدستور الاسلامى) ، متوهمة فيه حلاً لمشكلاتها ، وتأبيداً لسلطتها فى وجه حركة جماهيرية انصرفت عنها وأضحت تتهددها (بالتجاوز) ، فأتمت إجهاض الثورة بزاوية انحراف كاملة ، وارتكست بالبلاد كلها فى حمأة تعانف عبثى انتهى بها جدلياً إلى إنقلاب البكباشى جعفر نميرى الذى أعلن فى فجر 25 مايو 1969م نهاية (العشاء الأخير) للديموقراطيَّة الثانية. ونذكِّر أن ذلك تم والحزب محلول ، ونشاطه محظور ، وصحفه موقوفة ، وممتلكاته مصادرة، رغم أنف الحقيقة ، والتاريخ والقضاء (المستقل!) فما الذى كان مطلوباً منه إذن؟! يُدعى إلى الحرب ولا يُدعى إلى المنادمة؟!
(23) تلك هى الأسئلة الرئيسة التى يتوجب طرحها ، والتى ترتب عليها تيئيس القوى التقليديَّة فى تلك الأزمنة ليس للحزب وحده ، بل ولكل أقسام الاستنارة والحداثة فى بلادنا ، من جدوى السير بطريق الديموقراطيَّة الليبراليَّة ، مما نتج عنه استبشار تلك الأقسام بانقلاب الرواد ، وما موكب 2/6/1969م ببعيد عن الأذهان! مع ذلك ، فقد تحمَّل الحزب مسئوليَّته عن انقلاب مايو ، من زاوية مسئوليَّته عن النشاط المنفلت سياسياً وفكرياً وتنظيمياً للكثير من رموزه وأعضائه ومنتسبيه ممن دفعوا باتجاه تدبيره. وليس أكثر فداحة من الثمن الذى سدَّده فى ملابسات الصراع الذى خاضه داخلها ، مما يعلمه القاصى والدانى ، إعداماً لقياداته ، وشقاً لصفوفه ، واعتقالاً وسجناً وملاحقة وتشريداً لأعضائه وحلفائه وأصدقائه وكل من ربطته به صلة.
(24) وقد تصرَّم الآن ما يربو على ربع القرن مذ أجرى الحزب مراجعته النهائية لمجمل الملابسات التى عملت على زحزحته ، فى بعض المعارج التاريخيَّة ، عن خطه الأول ، وعاد يستمسك ، أكثر قوة ، بموقفه الأصيل من موضوعة الديموقراطية التعدُّدية الليبرالية ، وذلك من خلال رفضه (المصالحة) مع مايو عندما عرضت عليه ـ وقد قبلها حزب الأمة بعض الوقت والأخوان المسلمون (الترابى) كل الوقت ـ واقتراحه عام 1977م (جبهة للديموقراطيَّة وإنقاذ الوطن) بدلاً عن مصالحة الديكتاتورية ، قبل أن يعود فى ديسمبر 1978م ، من خلال دورة الانعقاد ذات الطابع البرامجى للجنته المركزيَّة ، ليؤكد مجدداً على موضوعة (الديموقراطية التعدُّدية الليبرالية) ، بمضمونها الأساسى المتجذر فى قضية (الحريات والحقوق) ، والتى استقرَّت كقانون أساسى للتطوُّر السياسى فى بلادنا ، مما تسهل ملاحظته ، بل وينبغى وضعه فى الاعتبار ، لدى التحليل الموضوعى النهائى لكل ما صدر ويصدر عنه من قول أو فعل ، منذ ذلك الحين وحتى الآن.
(25) أما الاصرار على مواصلة تحميل الشيوعيين وحدهم المسئولية عن الخيبات التى حاقت بالتجربة الديموقراطية فى السودان ، فلا يعكس خطة مرموقة لتجاوز هذه الخيبات بأى قدر ، علاوة على كونه يصادم منطق التاريخ وحقائقه الموضوعيَّة. وقد يكون من المناسب أن نختم هنا بما ظن النميرى أنه يشين الشيوعيين فى (اتهامه) لهم (بتحريض) الأحزاب على رفض مصالحته ، قائلاً إنهم فعلوا ذلك "تحت شعار استعادة الديموقراطية الليبرالية بحسبانها ساحة كانوا يتنفسون فيها وتوفر لهم قدراً من الحركة يتناسب مع حجمهم الذى يعترفون بأنه محدود" (النميرى ، 1980م). إن الطريف فى هذا (السَّبِّ العلنى) أنه صحيح إلى حدٍّ بعيد ، فها دونك يا سيدى الامام نموذج رجل يصيب من حيث يخطئ ، وينصف من حيث يتجنى (!) مع خالص تقديرى لك ، وأكيد مودتى التى تعلم.
(إنتهى)

الهامش:
] استمعت للقصة الحقيقية الكاملة لذلك الانقلاب من الشهيد شخصياً بسجن كوبر عام 1977م ، وأعد بتوثيقها قريباً ، بالاضافة لتوثيق تاريخ صلته اللاحقة بالحزب ، كما أرشح للمساهمة فى هذا العمل كلاً من د. محمد سليمان ود. عبد القادر الرفاعى.



#كمال_الجزولى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَتاعِبُ التُّرَابِى
- إتفاق الميرغنى ـ طه حول تكريس إقتصاد السوق الحر ورفع يد الدو ...
- إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام
- أَيَصِيرُ الشَّعِيرُ قَمْحاً؟
- أَرْنَبٌ .. وقُمْرِيَّتانْ؟!
- العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - القَوْسُ المُوَشَّى