أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - سيكولوجية القطيع














المزيد.....

سيكولوجية القطيع


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2598 - 2009 / 3 / 27 - 09:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مشاعر الخوف والطمع هي الحكم في سلوك الإنسان المغترب، فالإنسان الذي لا يستطيع فهم العالم ولا يملك القدرة على تغييره تختزل ذاته إلى تلك المشاعر البسيطة التي يشترك فيها مع كافة الحيوانات الأخرى حتى تحركه قدراته الخاصة فيما بعد لابتكار وسائل جديدة لمعالجة أزماته. يظهر هذا الاختزال للإنسان أكثر ما يظهر عند مواجهة الأزمات الكبرى، مثلما حدث مؤخرا في أسواق المال العالمية عندما انهارت مؤسسات مالية كبيرة فتحرك المستثمرون في هذه الأسواق بما يطلق عليه السماسرة "سيكولوجية القطيع"، ولعل هذه التسمية وحدها كفيلة بالبرهنة على هذا الاختزال المهين للإنسان عندما يجهل ما يدور حوله من أحداث أو يعجز عن السيطرة عليه وتغييره.

الإنسان البدائي واجه هذا المأزق أمام قوى الطبيعة عندما لم يستطع فهم ظواهرها المختلفة من زلازل وبراكين وعواصف وغيرها التي لم يكن يفهمها ولم يكن يستطيع السيطرة عليها أو تغييرها، وكانت استجابته مثل استجابة أي قطيع سيطرت عليه مشاعر الخوف والطمع، فابتكر آلهة عاقلة أو رحيمة – وأحيانا قاسية ومستبدة – من أجل التعايش مع هذه الظواهر المرعبة. البدائي لم يكن قادرا على اكتشاف "عقل" للطبيعة يخاطبه أو قانون تتحرك ظواهرها وفقا له، فلجأ إلى ابتكار الآلهة التي أنشأها على صورته ولكن بقدرات يحلم بها لنفسه – فكانت آلهة الزلازل والبراكين والعواصف، بل والحرب والحب والخير والشر وغيرها بالنسبة لهذا الإنسان ملاذا يتقرب إليها تجنبا لغضبها وأملا في رضاها وعطاياها.

الإنسان الحديث لم يتجاوز كثيرا هذه الحالة الحيوانية البسيطة رغم التقدم العلمي الكبير والإنجازات التقنية الهائلة. تراجع دور الآلهة فعلا في كثير من المجالات، وانحسر دور الأرواح الخيرة والشريرة التي كانت تستخدم في تفسير العديد من الظواهر، بعد أن فهم الإنسان أسباب البراكين والعواصف والزلازل، وبعد أن اكتشف الطب والتكنولوجيا العلاجية، وبعد أن أدرك بتجربة طويلة امتدت عدة قرون الأساليب العلمية والمادية التي يستطيع من خلالها تفسير العديد من الظواهر والسيطرة على بعضها. لكن هذا الدور لم ينته تماما حيث أننا مازلنا نجد بيننا من يفسر العواصف والأعاصير والزلازل والكوارث الأخرى بأنها انتقام إلهي لسبب أو آخر.

وكلما ازدادت أزمة المجتمع وازداد اغتراب الإنسان فيه، كلما انتشرت هذه التفسيرات التي تعكس هيمنة أكثر المشاعر بدائية وبعدا عن العقل والتفكير العلمي السليم. تستطيع أن تكتشف ذلك بسهولة إذا قرأت تعليقات القراء على الموضوعات المنشورة على المواقع الإلكترونية لمختلف الصحف. كثير من هذه التعليقات يعبر عن غضب شديد مثلا إزاء انتشار الفساد في مصر، لكن التعليق ينتهي – بعد وصلة التعبير عن الغضب وأن السيل قد بلغ الزبى – إلى دعوة الله للتدخل وإنقاذنا من الفساد والفاسدين والمفسدين. استدعاء الله من أجل حل مشكلة اجتماعية بشرية، يعكس شعورا طاغيا بالعجز عن تغيير الواقع المرفوض أو الخوف الشديد من خوض تجربة المواجهة، والطمع في أن تتدخل القوة الخارقة للطبيعة لمصلحة هذا الإنسان العاجز، أو الإنسان المختزل في "سيكلوجية القطيع".

نفس الأمر يتضح عند مناقشة القراء والكتاب لقضية مستقبل الرئاسة في مصر، العديد منهم يبحث ويفتش ويجتهد من أجل أن يجد شخصية ملائمة تخلف الرئيس مبارك في الحكم، ويراهن على هذه الشخصية في أن تحل جميع الأزمات وأن تواجه جميع المخاطر نيابة عنه، وبالتالي يضع شروطا وصفات لهذه الشخصية، أو هذه الشخصيات، يعتقد أنها لا تتوافر إلا فيها من ناحية، ويعتقد أن هذه الصفات والخصائص كفيلة بأن تجعل هذه الشخصيات قادرة على القيام بما لا يستطيع هو أو غيره من الناس القيام به.

اغتراب الإنسان المصري في هذه الفوضى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هو السبب وراء عدم الثقة في قدرته على مواجهة هذه الفوضى والبحث عن "مخلص". لكن النظرة البسيطة إلى واقع الأمور تكشف عن زيف الأسباب التي تساق عادة لتبرير هذا الشعور بالعجز وعدم الثقة – مثل أن الشعب المصري "جبان"، أو أنه شعب اعتاد على الاستبداد "كحتمية جغرافية" خاصة بالمجتمعات النهرية، إلى آخر هذه الخزعبلات التي تحاول أن تزعم استنادها إلى منهج علمي أو تارخي سليم. ففي عدد كبير من المواجهات الأخيرة التي خاضها العمال والموظفون احتجاجا على أوضاعهم المعيشية المزرية، استطاعوا أن يحققوا مكاسب عديدة قسرا دون أن يلجأوا أو يستندوا أو يحتموا بشخصية لها قدرات خاصة ودون أن يلتمسوا المساندة والدعم من كائنات خارقة. اكتشف هؤلاء أن القوة كامنة فيهم، وأنهم قادرون على تغيير الأوضاع التي يرفضونها في حدود ما طرحوا على أنفسهم مواجهته واستعدوا له بمنهج عقلاني سليم وإدارة ناجزة. هذا هو سبيلنا لتغيير أوضاعنا إلى الأفضل، وكل ما نحتاجه أن يكون الاستعداد على قدر المهمة.





#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفة زائفة ودعارة مقدسة
- تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
- أمامنا مستقبل لنكسبه
- الخروج من الأسر
- واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
- آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
- انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
- اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
- الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
- لا تنتحر ولا تذهب إلى المملكة!
- اقتصاد الفقاقيع
- الأزمة والفوضى … جوهر اقتصاد السوق
- أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي
- مرجريت في الإسكندرية
- معركة المعارضة الضرورية: سيناريو التوريث أم مواجهة النظام؟
- مواجهة الفساد أم مناورة لامتصاص الغضب؟
- أبو الغيط يغيظ المصريين
- مالي أنا والشورى؟
- بورصة ، بورصة – ولا عزاء للفقراء
- بربرية وأمل في عصر التطرف


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - سيكولوجية القطيع