أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟














المزيد.....

من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2599 - 2009 / 3 / 28 - 06:36
المحور: حقوق الانسان
    


"بدونكِ أشعرُ أنني أعمى حقًّا. أمّا وأنا معكْ، فإني أتوصّلُ إلى الشعور بالأشياء التي تحيطُ بي." هكذا كتبَ طه حسين لزوجته الفرنسية. وبعدما مات ردّتْ عليه، في كتابها الفاتن: "معكَ"، الصادر عن دار المعارف 1982، تقول: "ذراعي لن تُمْسكَ بذراعك مجددًا، ويداي تبدوان لي الآن بلا فائدة!"
وأسألُ نفسي: يا تُرى كم بالمائة تحملُ سوزان طه حسين من إرث نجاحه وتفرّده الذي يشارف المعجزات؟ وكم، بالمقابل، حملتْ هي من أسباب هذا النجاح والتفرّد؟
ويتجددُ تردُّدُ السؤالُ في أعماقي، كلما شارفتُ تخومَ هذا العالم المدهش، عالم مكفوفيْ البصر. اقتربتُ من هذا العالم وأنا بعدُ في طفولتي الأولى. حدث أنْ سقطَ جَدّي في بئر المصعد لتنفصل شبكيتُه، فدخل بابَ العتمة الأبدية، بعدما كانت عيناه كلَّ زاده في الحياة، بسبب حبّه المفرط للقراءة، والحياة. وحدث أنْ أصبحتُ أنا عينيه؛ أقرأ له، وأتعلمُ منه "فنَّ" القراءة. فالقراءةُ فنُّ يصْعُبُ فنَّ الكتابة. علّمني كيف أقرأُ أغاني الأصفهاني والشوّقيات والقرآنَ والأناجيلَ والزارادشتيات وغيرها، دون أن ألحنَ في القول؛ فاستقام لساني، بعدما استقامتْ أذني مع بحور الخليل. كنتُ أنظرُ إلى دماغه أودُّ لو أشقّها لأسرقَ الكبسولةَ التي تحوي تلك العلومَ والفنونَ والمعارف، ثم أزرعها في دماغي. هكذا ببساطة! تماما مثلما ننقلُ شريحةً صغيرةً مُحملّة بالمعلومات من هاتف خلويٍّ إلى آخر. وتحوّل حسدي إياه رغبةً مُلحّة في أن ألجَ عالمَه المظلم. فأعودُ إلى غرفتي، بعد درس القراءة، أغمضُ عينيّ نصفَ ساعةٍ كاملةً، ثم أحاولُ أن أمارس طقوسَ يومي المعتادةَ دون عينين. في محاولة مستميتة لأقبض على شعور جدي الأعمى. ثم أنخرطُ في البكاء وقد أسقطتُ الكوبَ من فوق المكتب، وتعثرتُ في السجادة فانخدشَ أنفي. ولما أخفقُ في البحث عن قطعة قطنٍ لأوقفَ خيطَ الدم النازف، أفتح جفني قليلا لأسترقَ النظرَ، ثم أضمدُّ جرح أنفي، وأضمدُّ معه شعوري المرير بالذنب. ليس، وحسب، لأنني فتحتُ عيني وغششتُ في اللعبة الوجودية اليومية، بل هو شعورٌ بالذنب لأنني مبصرةٌ بينما الآلافُ حول العالم لا يبصرون. وكبرتُ ولم يبرحني السؤالُ: كيف يدبر هؤلاء النبلاءُ يومهم؟ النصفُ ساعةٍ الصعبةُ، التي أرهنُها من يومي للعتمة، هي أنصافُ ساعاتٍ، وساعاتُ، وأيامٌ، وشهورٌ، وسنواتٌ طوالٌ، وأعمارٌ، لدى أولئك الذين انطفأ عنهم نورُ البصر! فكيف يعالجون الأمر؟ والسؤالُ الأخطرُ: كيف وصل طه حسين إلى ما وصل إليه من معرفةٍ تملأ الأطلسيّ نورًا، وهو لا يكادُ يميّز بين زُرقةِ البحر وخضرة الشجر؟!
يرنُّ هاتفي الآن. يخبرني "على الفاتح"، الصحفيّ بجريدة "العربي الناصري"، أنه قد وصل مقهى "كوستا" الذي اتفقنا على اللقاء فيه. ويعاودني الشعورُ بالذنب؛ إذْ اخترتُ مكانَ اللقاء على مرمى حجر من بيتي، بينما كان عليه أن يقطعَ المسافةَ من بيته بحدائق القبة، إلى مدينة الرحاب حيث أنا، مُصاحِبًا، لا أحدَ، سوى عتمتِه. كيف له، وهو من أولئك النبلاء، أن يعرفَ طريقَ المترو بزحامه وأنفاقه وجسوره وأخطاره، ثم الباص الذي سيوصله حدّي؟ لكنه عرف. ووصل في الموعد! يقول لي: "هاعرفك ازاي؟ أنا مش باشوف! بصي، أنا لابس قميص لبني ومعاي شنطة سمسونايت حمراء، فيقاطعه أحدٌ بجواره مُصحِّحًا، فيستطرد الفاتح ضاحكًا: قميصي يا ستي طلع كاروهات وشنطتي سودا، وأنا جالسٌ، أظن، في مقدمة المقهى و.." فأقاطعه بارتباكٍ: لا تقلق يا صديقي أنا هاعرفك!". وأذهب إليه. وأعرفه. أصافحه بحرارة وحب وإكبار، فيبادرني: إن لم يخني السمعُ، هل جئتِ بدراجة؟" فأحسدُ فراسته، وأصدق أن الحواسَ الأخرى تصبحُّ أحدَّ من شعرة معاوية؛ لذلك هم أقوياءُ! يستحقون الحسد والتقديرَ، وأيضًا، الفرحَ والخُيلاء بأن لنا أصدقاءَ مثلهم يحبوننا ويسعون إلى لقائنا، رغم المشقّة. رغم العتمة.
في المرة القادمة سأحدثكم عن مشروعه البديع الذي أقامه بجهده الفرديّ مع مجموعة ممن آمنوا بأن النورَ محلُّه القلب لا العينين، انتصارا منه، ليس فقط للمكفوفين، بل لكلِّ من وضعتهم السماءُ في اختباراتِ البَريَةِ، لتمنحهم مَكرُمةَ أن يفقدوا حاسةً من الحواس، ليخلقوا، بقوة حبهم الحياةَ، ألفَ حاسةٍ بديلة، تجعلهم أشدَّ بأسًا وفاعليةً وإنتاجًا من كثيرين من ذوي الحواس المكتملة، الذين ليسوا إلا أرقامًا في سجلات التعداد السكانيّ، وعالةً على الحياة، وعبئًا ثقيلا على الطبيعة. مجلته الشهرية "شموعُ مصرية"، التي يترأسُ تحريرَها، أخرج منها حتى الآن أعدادًا سبعةَ، تصدر عن المجوعة النسائية لحقوق الإنسان. علي الفاتح، تُصبحُ على نورٍ يا صديقي! جريدة "اليوم السابع" 17/3/09







#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طواويسُنا الجميلةُ
- أنا أقولُها علنًا!
- وأين صاحبي حسن؟
- حينما للظلام وَبَرٌ
- الله كبير!
- -وهي مصر بتحبني؟-
- الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
- مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم
- أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!
- مصرُ التى لا يحبُّها أحد!
- قديسٌ طيبٌ، وطفلٌ عابرٌ الزمن
- رُدّ لى ابتسامتى!
- ومَنْ الذى قتلَ الجميلة؟
- كانت: سيفٌ فى يدِها، غدتْ: شيئًا يُمتَلَكُ!
- بالرقص... يقشّرون أوجاعَهم!
- الجميلةُ التي تبكي جمالَها
- صخرةُ العالِم
- يُعلّمُ سجّانَه الأبجدية في المساء، ويستسلم لسوطه بالنهار
- حين ترقصُ الأغنيةُ مثل صلاة
- من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!


المزيد.....




- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين
- قيادي بحماس: لا هدنة أو صفقة مع إسرائيل دون انسحاب الاحتلال ...
- أستراليا - طَعنُ أسقف كنيسة آشورية أثناء قداس واعتقال المشتب ...
- العراق ـ البرلمان يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام ا ...
- 5 ملايين شخص على شفا المجاعة بعد عام من الحرب بالسودان


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟