أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - التَّحدِّي اللغوي!















المزيد.....

التَّحدِّي اللغوي!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2595 - 2009 / 3 / 24 - 08:36
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



مؤتمرات وندوات كثيرة متكاثرة تُعْقَد هنا وهناك وهنالك من "ارض الضاد" من أجل درء المخاطر الكثيرة المتكاثرة عن اللغة العربية، فـ "الانقراض العربي"، الذي نرى بعضاً من أوجهه في السياسة والاقتصاد والأمن والإعلام..، وفي "الانتماء القومي"، شعوراً ووعياً وعملاً ومؤسسات..، قد يصيب أيضاً "لغتنا الجميلة"، التي بـ "سلاح الدين" فحسب تدافع عن البقية الباقية من وجودها، في ألسنتنا وأقلامنا وصحائفنا..

أمَّا النتيجة التي لم نرَ غيرها حتى الآن فهي "الفشل"، وكأنَّ "سعينا الإنقاذي" هذا ينتهي دائماً إلى إظهار وتأكيد ما يشبه "القانون"، فكلَّما كَثُرَت وتكاثرت تلك المؤتمرات والندوات تلاشى واضمحل استمساك "أحفاد يعرب"، الذي كان أوَّل من أعرب في لسانه وتكلَّم بهذا اللسان العربي ـ بـ "لغة الضاد"، والتي هنالك من أبناء جلدتنا من يُفْرِط في تقديسها قائلاً إنَّها كانت لغة آدم في الجنة، قبل أن تغدو، لجهة نقائها، اللغة الأقرب إلى اللغة السامية الأُم، بفضل اضطِّرار العرب إلى الاحتباس في جزيرة العرب، وقبل أن تبلغ "كمالها العربي" في "لغة قريش"، أو "اللغة العربية الفصحى"، أو "لغة القرآن".. "وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًا"؛ "وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًا"؛ "وهذا لسان عربي مبين".

لقد اضطَّر "التاريخ" العرب إلى الاحتباس زمناً طويلاً في "جزيرتهم"؛ ولكن هذا الاحتباس، الذي لا تسمح به "قوانين وسُنن العولمة" اليوم، أتى ببعض النفع، فلولاه لما استطاع لساننا الاحتفاظ بمعظم أصوات اللغة السامية، وبأصوات فقدتها لغات عدة، كالأصوات في حروف: غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ.

قوة "الالتزام الديني ـ القرآني" هي ما بقي في أيدينا من سلاحٍ نذود به عن لغتنا، أو هويتنا اللغوية؛ ولكن هذا السلاح، وعلى أهميته الدفاعية، لا يكفي وحده، فـ "قانون الضرورات والحاجات" يجب أن يُفْهَم، ويُعْمَل به، عربياً، بما يمكِّن "لغة الضاد" من أن تدرأ عن وجودها الحضاري والعلمي والثقافي والتكنولوجي.. مخاطر الانقراض، أكان هذا الانقراض، من "الوجهة القانونية"، في "صورته الداروينية" أم في "صورته اللاماركية"؛ وبما يمكِّنها، من ثمَّ، من أن تصبح عالمية، قَلْباً، وليس قالباً فحسب.

إنَّنا نسعى، سعي بحار ضيَّع البوصلة وهو في سفينة تمخر عباب البحر، إلى إنقاذ لغتنا العربية، التي لو خرجت عن صمتها لنطقت قائلةً: أنقذوني من هذا الذي يسعى في إنقاذي؛ ولنطقت متسائلة في دهشة واستغراب: كيف للغةٍ أنْ تنجو من الانقراض إذا ما انقرض الناطقون بها، حضارياً وعلمياً وتكنولوجياً..؟!

حتى الآن، وعلى كثرة مؤتمراتنا وندواتنا اللغوية، لم ننتصر للغتنا إلاَّ كانتصار اليهودي لأوهامه التلمودية، فنحن أقَمْنا لـ "لغتنا الجميلة" ما يشبه "حائط المبكى"، نقف على أطلالها باكين متباكين، نستذكر ماضيها فيستبدُّ بنا الشعور بالشوق والحنين، نفكِّر في مستقبلها فيستبدُّ بنا الشعور بالخوف والقلق؛ أمَّا حاضرها، أو حاضرنا، فلا يولِّد في أنفسنا من المشاعر ما نستمد منه وقوداً للتغيير الممكن والضروري، أي التغيير الذي فيه، وبه، نتغيَّر بما يدرأ عن لغتنا مخاطر الانقراض.

في ألم وحسرة نقول دائماً: أسلافنا وأجدادنا كانوا مستمسكين، أو أكثر استمساكا منَّا بكثير، بـ "لغة الضاد"؛ ولكننا لم نكلِّف أنفسنا عناء البحث في الأسباب والحيثيات التاريخية التي أنتجت هذا الفرق اللغوي الواسع المتَّسع بيننا وبين الأسلاف والأجداد؛ فنحن نتوفَّر على "الوصف" و"التشخيص"، اللذين يظهران دائماً في جملة غير بليغة كجملة "كنا.. فأصبحنا.."؛ أمَّا سؤال "لماذا كانوا أكثر استمساكا منا باللغة؟"، والذي يقفز بعقولنا إلى أرض التفسير والشرح والتعليل، فكفانا الله شره!

لغة قومٍ، أي قوم، لا تسود (أي تنتشر فيتحدث بها غيرهم) إذا ما سادت إلاَّ بـ "السيف" أو "التجارة"، أو بهما معاً. "السيف" استنفد أهميته التاريخية اللغوية والثقافية، فلم يبقَ إلاَّ "التجارة"، أو ما يشبهها، وسيلةً، أو سلاحاً، للسيادة اللغوية.

وثمة علاقة، تشبه علاقة السبب بالنتيجة، بين "الميزان التجاري" للدول و"ميزانها اللغوي"، فالأمم التي تسود، لغوياً، أو يمكن أن تسود، في عصرنا إنَّما هي الأمم التي لديها من العلم والتكنولوجيا والصناعة.. ما يسمح لها بأن تُصدِّر من السلع (ولاسيَّما السلع التي في إنتاجها وصنعها تتركز طاقتها العلمية والتكنولوجية) أكثر ممَّا تستورد، فـ "الإمبراطوريات اللغوية" هي ذاتها "الإمبراطوريات الصناعية".

إنَّكَ لا تستطيع أن تتَّخِذ من "الشراء" من "الإمبراطوريات الصناعية" وسيلةً لتلبية حاجاتكَ (والتي هي عندنا حاجات متفرِّعة من الحاجة إلى البقاء) من غير أن تَفْتَح أبوابكَ على مصاريعها أمام "الغزو اللغوي والثقافي.." لـ "البائع".

وهذا "الغزو" يتَّسع ويتعمَّق إذا ما أردتَ أن تُصنِّع بنفسكَ بعضاً ممَّا اعتدت شراءه من تلك الإمبراطوريات، فاللغة الأجنبية العالمية هي الوعاء الأوسع للثقافة الصناعية، أي لمفردات العلم والتكنولوجيا.

ابْحَثْ الآن في "www…" عن معلومة مهمة، بحسب معايير عصرنا وعالمنا، فهل تجدها في "المكتبة العربية الإلكترونية"؟!

إنَّها مكتبة ضئيلة متضائلة في حجميها المطلق والنسبي؛ أمَّا من الوجهة النوعية فمعظم محتواها يضر ولا ينفع.

و"آلة التعريب والنقل والترجمة"، مهما حُسِّنت، وتحسَّنت، لا يمكنها أبداً المواكبة والمجاراة، أذا ما أمكنها أن تُحْسِن لـ "المعنى" عند التعريب والنقل والترجمة، فجزء كبير من المعرِّبين والناقلين والمترجمين لا يجيد اللغتين معاً، ولا يملك إلاَّ نزراً من الثقافة التي يتضمنها النص الذي يتوفَّر على تعريبه أو نقله أو ترجمته، فكيف لأحدنا أن يُتَرْجِم بالعربية نصَّاً أجنبياً يخصُّ نظرية "الثقب الأسود" Black Hole مثلاً إذا لم يكن متضلعاً من الكوزمولوجيا، أو من الفيزياء الكونية؟!

وهذا إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّ ما نحتاج إليه فعلاً ليس التعريب أو الترجمة، أي التوسُّع فيهما، وإنَّما الثنائية، أو التعددية، اللغوية، فهذا الاحتباس للعلم والثقافة في أوعية لغوية أجنبية عدة إنَّما يتحدَّانا أن ننتقل من الأحادية اللغوية إلى الثنائية، أو التعددية، اللغوية، فتعليم أطفالنا لغة أجنبية مهمة مع لغتهم العربية هو مدخلنا اللغوي الحقيقي إلى القرن الحادي والعشرين الذي سيشهد مزيداً من الارتفاع في منسوب العولمة في كل أوجه حياتنا.

على أنَّ هذا الذي أقول، أو أقول به، يتعارض، ولا يتفق، مع شيوع "ظاهرة الاستغراب والمستغربين"، فكثير منَّا ممَّن يستصعبون التحضُّر الحقيقي يستسهلون الأخذ بقشوره؛ إنَّهم عربٌ استبدَّ بهم الشعور بالدونية الحضارية، فباعوا لغتهم بثلاثين من الفضة اللغوية الأجنبية.

لقد طلَّقوا لغتهم الأُم ثلاثاً؛ ولكن من غير أن يتزوجوا، على سُنَّة الحضارة الحقيقية، لغة أجنبية، فكل متاعهم اللغوي الأجنبي لا يزيد عن نزرٍ ضئيل من مفردات اللغة الأجنبية؛ ومع ذلك يتظاهرون بالعجز عن التعبير عن معنى ما، أو فكرة ما، بالعربية، فيزركشون حديثهم بمفردات من لغة أجنبية، متوهمين أن المستمع إليهم سيخر ساجدا أمام "رقيهم الحضاري"!

إنَّهم المهزلة بعينها؛ أما المأساة فتراها في نقيضهم البائس، أي أولئك الذين لا يشعرون بـ "عظمة وجودهم" إلاَّ إذا توفَّروا على تعريبٍ لا يمكن تمييزه من مسخ المعنى، فلا تَقُلْ "موبايل" وإنما قُلْ "محمول"!

إنَّ حاجاتنا على نوعين، نوع يمكننا وينبغي لنا تلبيته باللغة العربية، وبتوطيد علاقتنا بها، ونوع لا يمكننا تلبيته إلا بإتقاننا لغة أجنبية ما، فلْنُتَرجِم "ازدواج الحاجة" بـ "ازدواج اللغة"؛ ولنبدأ بأطفالنا، فالتحليق عالياً في سماء الحضارة العالمية يُلْزمنا امتلاك جناحين لغويين: جناح اللغة العربية وجناح اللغة الأجنبية.





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
- في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
- -أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
- شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
- على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
- وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
- -الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
- أزمة -مقالة الرأي-!
- -العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
- حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
- رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
- أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
- -إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
- -تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
- أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!
- على نتنياهو أولا أن يلتزم ما التزمه عباس!
- أوباما يطلب -الترياق- ولو في السويد!
- تهويد -مبدأ كلينتون- بدءاً من حي سلوان!
- جريمة الإنكار وإنكار الجريمة!
- نتنياهو يملك وليبرمان يحكم!


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - التَّحدِّي اللغوي!