أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - التضامن الإنساني و التضامن العرقي















المزيد.....

التضامن الإنساني و التضامن العرقي


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 01:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما تأسست المنظمة المغربية لحقوق الإنسان كان الأستاذ محمد شفيق أحد أعضائها المؤسسين، و حدث أنّ النظام البعثي العراقي آنذاك ـ الذي يعتنق القومية العربية كعقيدة سياسية ـ قام بأوامر من الرئيس صدام حسين بإبادة خمسة آلاف كردي بالغازات السامة المحظورة دوليا، و أغلبيتهم من النساء و الأطفال و الشيوخ، كانت العملية غاية في الوحشية و انعدام الحس الإنساني، مما جعل الأستاذ شفيق يقترح على مكتب المنظمة آنذاك إصدار بيان إدانة للنظام العسكري البعثي و تضامن مع الضحايا و دعوة إلى احترام حقوق الإنسان في العراق، غير أنه فوجئ برفض اقتراحه و تحفظ أعضاء المكتب الذين قابلوا اقتراحه ببرود غير متوقع من مناضلين حقوقيين، و طرح الأستاذ شفيق على أولائك الأعضاء آنذاك أسئلة ظلت تطرح مثيلاتها على مدى الثلاثين سنة المنصرمة : هل حقوق الإنسان المقصودة هي كما يفهم من العبارة دوليا أم أنها حقوق الإنسان "العربي" ؟ ماذا لو أن الذين قتلوا خمسة آلاف من العرب ؟ كيف نستنفر العالم عند مقتل طفل عربي واحد و لا تتحرك عواطفنا عندما يسحق خمسة آلاف نسمة يسقطون كالذباب في صبيحة يوم واحد ؟ ما الفرق بين قتل الأطفال في بلد و قتلهم في آخر ؟
طبعا حدث هذا قبل ثلاثين سنة، و بين الأمس و اليوم مرت مياه كثيرة تحت الجسر، و أصبح مناضلو حقوق الإنسان في بلادنا أكثر إنسانية و انفتاحا و أكثر احترافية كذلك، خاصة بعد تراجع إيديولوجيات " تنميط التضامن و أدلجته"، لكن مناسبة استحضاري لهذه الواقعة هو متابعتي هذه الأيام لتضامن العرب مع غزة، و سكوتهم المريب منذ شهور طويلة عن مذابح دارفور التي هي إبادة عرقية حقيقية، فقد قتل الرئيس السوداني ثلاثمائة ألف من سكان دارفور حتى الآن، و هي حصيلة لم تصلها قط حروب إسرائيل ضد العرب، و المضحك ـ المبكي في هذا الأمر هو أنّ العرب، عندما قام المنتظم الدولي بمحاكمة الرئيس السوداني و إدانته في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة مجرم حرب، تسارعوا إلى التضامن معه ـ من باب "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ـ و كأن سكان دارفور خنافس أو حشرات لا تستحق الصفة الآدمية .
لقد قام الرئيس السوداني بعد فشل قواته النظامية في التغلب على تمرد التنظيمات المسلحة في دارفور باعتماد سياسة تغذية النعرات العرقية و الدينية و تأليب قبائل الرحل من العرب البدو الموالين له "الجنجويد" ضد الإثنيات الأخرى، و إمدادهم بالمال و السلاح للقيام بدور قذر و لا إنساني، و هذا ما أدى إلى انحراف الحرب الدائرة من مواجهات عسكرية بين الجيش و مجموعات المتمردين إلى محارق ضدّ المدنيين و مذابح للتطهير العرقي، و ذلك انتقاما لهزائم النظام العسكرية، و هذا ما جعل الرئيس السوداني يستحق لقب "مجرم حرب" من طرف المحكمة الجنائية الدولية، لأنه أثبت قدرته على البقاء في السلطة و لو على جماجم الملايين من القتلى المدنيين.
هزت مأساة دارفور ضمير العالم لكنها لم تحرك شيئا من مشاعر العرب التي لا تهتز إلا "للقضايا العربية"، و سجل جميع الملاحظين عند اشتعال المحارق غياب المنظمات الحقوقية العربية و منظمات الإغاثة العربية و الإسلامية، و على عكس ذلك نشاط المنظمات الدولية التي لا تنتظر المشاعر القومية و الدينية لتتحرك، و ظهر بأن العرب لا يمكن أن يخذلوا نظاما عربيا سفاحا من أجل بعض "الزنوج الأفارقة".
إن العالم المتقدم ما فتئ يعطي العرب الدروس تلو الدروس، لكن لا يبدو أن العرب يفهمون إلا بعد فوات الأوان، أي بعد أن يحصدوا الهزائم، و تغصبهم قوة قاهرة على الإستسلام، و قد انتهى الحاكم العسكري الدموي صدام حسين داخل جحر ضيق قبض منه عليه باليد كما تقبض الأنعام، و سوف ينتهي الرئيس العسكري الدموي عمر البشير إلى مصير مشابه لا شك، لأن دماء الدارفوريين الفقراء ليست ماء، و أرواحهم لا يمكن أن تضيع هباء، و لأن سكان دارفور لا يقلون آدمية عن الفلسطينيين أو غيرهم من شعوب الأرض .
و ما لفت انتباهي كذلك في التضامن الإيديولوجي لـ "عرب المغرب" مع الفلسطينيين هو انزعاجهم الكبير من أي تضامن مع فلسطين خارج شعاراتهم و اختياراتهم السياسية، فالتضامن مع فلسطين ينبغي أن يكون عربيا و إسلامويا أو لا يكون، أي بوعي الإنتماء إلى "العروبة" و إلى "أمة العرب" و الدم العربي، ألم تصدر إحدى جرائدهم بعد مسيرة نظمت بالعاصمة المغربية و في صدر صفحتها الأولى عنوان عريض يقول :" الدم العربي يغلي في الرباط ؟!!". و لهذا لا نستغرب أن يكون على رأس دعاة التضامن العرقي مع فلسطين رئيس "المؤتمر القومي العربي"، كما نفهم الأسباب التي تجعل الإسلاميين يحشدون أتباعهم أكثر من سواهم إلى تضامن "عرقي في لبوس ديني" مع فلسطين، و هو تضامن يتضاءل في النهاية لينكشف عن مساندة طائفية لمغامرات "حماس" الإنتحارية لا أقل و لا أكثر.
و إذا كان التضامن الإيديولوجي و العرقي نهجا لعدد من الأحزاب السياسية المغربية و المنظمات التابعة لعقيدتي القومية العربية و الإسلام السياسي ، فإنّ السلطة بدورها لا تترك الفرصة تضيع دون أن تثبت "عروبتها و إسلامها" باحتفالية ظاهرة ، لا تقل حرارة عن احتفالية القوميين و الإسلاميين، بل يبدو أن الأمر مزايدة واضحة عليهما معا. و الغريب في هذا الأمر أن السلطة تعكس تضامنها في وسائل إعلامها الرسمية في شكل دعاية فجة لنفسها، في روبورتاجات إخبارية غير مهنية و مصحوبة بسيولة بلاغية يبدو أن هاجسها هو البحث عن شرعية ما لدى طرف ما، و هي شرعية لا معنى لها أمام مشهد نساء مغربيات نزحن من الجبال للإعتصام بأبواب السلطة بعد أن كاد يقضي عليهن البرد و الجوع و المرض، دون أن تجدن من " يتضامن" معهن أو من يوفر "المساعدات الإنسانية".
و إذا كان هدف القوميين و الإسلاميين تسويق بضاعتهم الإيديولوجية باسم فلسطين و الإقتيات سياسيا من دماء سكان غزة المظلومين ظلما مزدوجا( ظلم الإحتلال و ظلم ذوي القربى) ، فإن هدف السلطة من حملتها الدعائية لا يبدو أنه التضامن مع الفلسطينيين ضحايا الهجوم الإسرائيلي، بل هو عمل دعاية لتضامن المخزن المغربي مع الفلسطينيين و قيامه بأعمال خير، و معلوم أن من مبادئ الأخلاق أن من يقوم بعمل خير ثم يذكره بنفسه و يبالغ في ذلك يصبح لا فضل له البتة، بل على عكس ذلك تماما ينقلب الأمر إلى ضدّه، خاصة إذا كانت المساعدات هزيلة لا ترقى إلى مستوى ما تقدمه بعض الدول الأوروبية لفلسطين خارج وازعي "العروبة و الإسلام" معا و بدونهما.
لم يصل العرب المسلمون بعد إلى مستوى فهم معنى التضامن الإنساني ، الذي يجعلهم يشعرون بآلام الإنسان المقهور حيثما كان و وجد، و كيفما كان أصله أو فصله أو لونه أو عقيدته الدينية، فهذا النوع من التضامن هو من نتائج حداثة الفكر و السلوك، و ثمرة تضحيات و ثورات و مخاض دام قرونا و أسفر عن قيم جديدة عنوانها "الكرامة الإنسانية" التي تجعل الإنسان غاية في ذاته، و هو درس ما زال العرب المسلمون بحاجة إلى بعض الوقت لتعلمه، لأنهم لم يدخلوا بعد عالم الحداثة، و لم يغادروا بعد وعيهم القومي ـ الديني العشائري، و تراثهم الميت في معظمه، في الوقت الذي بدأ فيه العالم المتقدم في التخطيط لـ " ما بعد الحداثة".





#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يباع الوطن و يهان المواطن
- 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين
- المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية
- الوطنية المغربية و الطابو التاريخي
- انتحار امرأة
- الجذور الفكرية لإيديولوجيا التعريب المطلق
- نظرية المؤامرة في السجال العمومي
- الأمازيغية في مفترق الطرق أسئلة الحصيلة و الآفاق
- الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني
- ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية
- أصابت امرأة و أخطأ الشيخ
- في ضرورة الإصلاح الديني
- العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد
- معنى القيم الكونية
- الأخلاق و الحريات بين المنظور الإنساني و التحريض الديني(2)
- الأخلاق الدينية و لعبة الأقنعة
- الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني
- -إسلام- الجالية
- لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني
- سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - التضامن الإنساني و التضامن العرقي