عساسي عبدالحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 01:37
المحور:
الادب والفن
ذات صبيحة دعانا يسوع لنزور معه الحقول المزركشة بزنابق الربيع المبتهجة ونتأمل الطيور الباحثة عن أرزاقها بين التلال المكسوة، فجلسنا على مقربة جدول صاف مترنم، فقلت له، يامعلم إن في قلبي صلاة تريد أن تنطلق لكني أعجز عن انتقاء كلمات لها، فعلمني كيف أختار كلاما صالحا لصلاتي كما كان يفعل يوحنا المعمدان مع تلاميذه في اليهودية وغور الأردن، التفت إلي يسوع وقال، وأنا أيضا في قلبي صلاة سأختار لها هذه الكلمات لتحملها أجنحة الأثير إلى ما وراء الشفق ....
ثم ردد قائلا:
أبانا الذي في السموات ...
ليتقدس اسمك...
ليأتي ملكوتك ...
لتكن مشيئتك في السماء كما هي على الأرض..
خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.....
واغفر لنا خطايانا، كما نحن أيضا نغفر لمن يخطأ إلينا...
ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير ...
لأن لك الملك والمجد إلى الأبد ....
آمـــين ....
التفت يسوع إلينا ثانية وقال: أغمضوا أعينكم قليلا ودعوا صلاتكم تنطلق بقوة الروح، دعوا الروح يعمل فيكم ولا تعيروا اهتماما لما ستقولونه وحينها ستخرج الكلمات من قلوبكم نقية كينبوع الجبال المتوجة وسيرددها الناس من ورائكم لأنها ستوقظ فجر أشواقهم الساكنة وستلامس تلال أحلامهم المخضرة، فملكوت الله سيحل حينها بداخلكم وكلام أبي سيكون على ألسنتكم ..
بعد مرور كل هذه السنين، أدركت أن الصلاة التي تلاها علينا يسوع قرب ذلك الجدول الصافي قد لمست أعماقنا بلطف متناه مثلما يلامس نور القمر وجه البحيرة المنفردة في ليل ساكن، فتلك الصلاة المرصعة بكلمات عذبة كانت تنشد قلب الأثير تماما كما تنشد الجداول المترنمة عمق البحيرات الهادئة...
قد تكون في قلبي وقلبك صلاة ربانية رقيقة شبيهة بتلك التي رددها ابن الإنسان في ذلك اليوم، لكن بمفردات وكلمات مغايرة، وقد تخرج من أعماقنا في أويقات السلام مجنحة على جنبات أرواحنا لترفرف كعبير المساء فوق التلال المزدانة، وقد نرددها بكلمات بسيطة وقد تكون أحيانا صامتة مقرونة بدمعة شوق أو آهة حزن لكن أبانا السماوي يقبلها بفرح مهما كانت مفرداتها ومهما كانت إيماءات رؤوسنا وحركات أيدينا، فرب صلاة ترددها خاطئة أحب إلى الله من تراتيل من نصبوا أنفسهم حماة للدين للشريعة، نعم قد يقبل إلهنا صلاة مومس ويغرض عن صلاة كاهن.
#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟