أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ابراهيم الجيار - المقال..المؤسس للحركة الوطنية الحديثة















المزيد.....

المقال..المؤسس للحركة الوطنية الحديثة


ابراهيم الجيار

الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 04:57
المحور: حقوق الانسان
    



نطالب بالعدل والمساواة والحرية ودستور ينقذنا من السلطة المطلقة

قبل أن تقرأ:
فى الحادى عشر من يوليو عام 1906 وقبل عامين من رحيله، نشرت صحيفة «الفيجارو» الفرنسية هذا النص البليغ للزعيم مصطفى كامل.
لم يكن قد مر حينذاك على حادث دنشواى الشهير سوى بضعة أسابيع، عندما أصدرت محكمة عسكرية إنجليزية حكماً بالإعدام بحق أربعة من الفلاحين المصريين، وعلى اثنين بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً، إضافة إلى الحكم على ستة بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات، وعلى ثلاثة بالسجن لمدة عام مع الجلد، وعلى خمسة بالجلد دون سجن، من كرباج له خمسة ذيول.
على صفحات «الفيجارو» الفرنسية وجه مصطفى كامل نداء إلى «الأمة الإنجليزية وإلى العالم المتحضر»، وهو الذى تعتبره كثير من الدراسات التاريخية، من العلامات الفارقة فى التاريخ الوطنى الحديث، أو «المقال المؤسس» للحركة الوطنية فى مصر، بسبب التأثير الذى أحدثه فى أوروبا والعالم الغربى.
هذا المقال الذى كان شباب مصر الوطنى يحفظ نصه عن ظهر قلب فى أزمنة مضت لايزال يشار إليه - عادة - فى كتب التاريخ المدرسية، مجرد إشارة عابرة، ونحن ننشر اليوم نصه كاملاً، ليس فقط احتراماً لمئوية مصطفى كامل التى مرت العام الماضى فى هدوء عجيب 1908 -2008 من دون أن ينتبه إليها أحد، وإنما لأنه مايزال بحق «المقال المؤسس» للحركة الوطنية الحديثة فى مصر.

/////////////////////
نطالب بالعدل والمساواة والحرية ودستور ينقذنا من السلطة المطلقة
لقد وقعت حادثة أليمة، انفجرت فى إحدى قرى الدلتا، فى دنشواى، فى مصر، وحركت المشاعر الإنسانية للعالم أجمع. وقام رجال أحرار الفكر، مستقلو الخلق، برفع أصواتهم فى إنجلترا سائلين عما إذا كان يوافق هيبتها، وشرفها ومصلحتها، ترك ارتكاب، مثل هذا العمل الظالم والقاسى وباسمها.
وعلى كل من يتحلى بالفعل بروح الإنسانية وبالعدالة أن يفحص ويحكم على هذه المسألة، التى تثير مشاعر أمة بأكملها.
ففى يوم 31 يونيو الماضى، ترك بعض الضباط الإنجليز معسكرهم، ومروا قرب دنشواى، فى مديرية المنوفية، لكى يصطادوا الحمام، فى الأملاك الخاصة. وحذر فلاح عجوز المترجم الذى كان يصطحبهم بأنه، فى العام السابق، أظهر الأهالى استياءهم من رؤية الضباط الإنجليز يقتلون حمامهم، وإنهم ربما زادوا فى إثارتهم بدرجة أكبر إذا ما بدأ الإنجليز الصيد من جديد.
وبرغم التحذير، فإن الصيد قد بدأ. وأطلقت بعض طلقات نارية: فجرحت إحدى النساء، واحترقت إحدى المزارع، وجاء الفلاحون من كل ناحية، ووقعت مشاجرة، جرح فيها ثلاثة من المصريين بواسطة الإنجليز، وثلاثة ضباط من الإنجليز بواسطة المصريين. وأفلت أحد الجرحى وهو الكابتن بول، من هذه المشاجرة، وجرى بكل سرعة لمسافة خمسة كيلو مترات، وتحت حرارة وصلت إلى 44 درجة مئوية، وسقط ميتاً بضربة شمس.. وعلم الجنود الإنجليز بما حدث لضباطهم، فهجموا على قرية سرسنا المجاورة لدنشواى، وقتلوا فلاحاً، وحطموا رأسه.
وبمجرد معرفة هذه الأحداث فقد المسئولون الإنجليز صوابهم، وثاروا من رؤية المصريين يدافعون عن أملاكهم، ويدافعون عن أنفسهم، وبدلاً من معالجة المسألة بهدوء، كما يحدث مع كل مشاجرة، بالغوا فى الأمر، وذكرت الصحف الموالية للاحتلال، حتى قبل المحاكمة، أن العقوبات التى سوف تنزل بالفلاحين سوف تكون عبرة فظيعة. ولم يكونوا بذلك يطلبون العدل، وإنما كانوا يتحرقون للانتقام الفظيع.
ونشرت نظارة الداخلية، وطبقاً لأوامر المستر ميتشل، المستشار الإنجليزى، وقبل المحاكمة بأسبوع، بلاغاً رسمياً أدان فيه المتهمين بسيل من التهم، وقد أثر هذا بوضوح على القضاة وعلى الرأى العام. ووصل الحال بإحدى الصحف الموالية للاحتلال إلى أن تظهر الاحتقار للعدالة وتنشر خبر إرسال المشانق إلى دنشواى قبل المحاكمة. وأخذ الشعب، المروع، يتساءل عن الحكم الذى سيجيء بعد مثل هذه المظاهرة.
واجتمعت المحكمة، فى هذه الظروف، يوم 24 يونيو، وأى محكمة! محكمة استثنائية ليس لها تشريع ولا قانون، والتى كان فى وسع قضاتها أن يحكموا بكل العقوبات التى يمكن تصورها، محكمة كانت غالبية أعضائها من الإنجليز، ولم تكن تقبل استئنافاً، أو عفواً! وكان المرسوم الذى نص على إنشائها، فى عام 1895، وتحت ضغط لورد كرومر، وهو ضغط لم يكن يسمح للحكومة الخديوية أبداً بإظهار أقل مقاومة - أقول: إن هذا المرسوم يعطى انطباعاً لمن يقرؤه بأن الجيش الإنجليزى -والذى أعطته إنجلترا مسئولية إعادة النظام فى مصر- أصبح هو نفسه فى خطر دائم، لكى يحتاج لمثل هذه المحكمة، وإلا فما الداعى لآلة الإرهاب تلك؟
وقضت المحكمة ثلاثة أيام فى نظر القضية. وظهر بوضوح أن الضباط الإنجليز كانوا هم الذين أثاروا الفلاحين، وذلك بصيدهم فى أملاكهم، وبجرحهم إحدى النساء، وأن الفلاحين قد هاجموا الإنجليز على أساس أنهم كانوا يسرقون ما يصيدون، وليس كضباط بريطانيين. واعترف أطباء إنجليز، ومن بينهم الدكتور نولان الطبيب الشرعى أمام المحاكم، بأن الكابتن بول قد مات من ضربة شمس، وأن جروحه وحدها لم تكن تكفى، لكى تتسبب فى الوفاة.
ولم تعط المحكمة أكثر من ثلاثين دقيقة، لأكثر من خمسين متهماً، لكى يدلوا بأقوالهم، ورفضت سماع أحد رجال الشرطة الذى أكد أن الضباط الإنجليز قد أطلقوا النار على الفلاحين، وبنت المحكمة حكمها على تأكيدات الضباط الذين كانوا قد تسببوا فى المشاجرة، ودون غيرها، ويعتبرهم العدل، فى كل البلاد، خصوماً للمتهمين.
وفى يوم 27 يونيو صدر الحكم: فحكم على أربعة من المصريين بالإعدام شنقاً، وعلى اثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلى واحد بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً، وعلى ستة بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات، وعلى ثلاثة بالسجن لمدة عام، مع الجلد، وأخيراً على خمسة بالجلد دون السجن، وجلد كل منهم خمسين جلدة من كرباج له خمسة ذيول.
وقررت المحكمة تنفيذ هذا الحكم فى اليوم التالى، وبهذا الشكل لم تستغرق المدة بين الحادث وتنفيذ الحكم إلا خمسة عشر يوماً فقط.
وفى الساعة الرابعة من صباح يوم الأربعاء 28 يونيو، أحضروا الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام، والثمانية المحكوم عليهم بالجلد من شبين، عاصمة المديرية، إلى قرية الشهداء، على بعد أربعة كيلو مترات من دنشواى، وانتظر المحكوم عليهم هناك، لمدة تسع ساعات، تنفيذ هذا الانتقام الفظيع، وفى الساعة الواحدة من بعد الظهر، ساروا بهم إلى دنشواى، وكان المسئولون الإنجليز قد حرصوا على أن يكون تنفيذ الحكم فى نفس الساعة، وفى نفس المكان الذى وقعت فيه المشاجرة.
وفى دائرة مساحتها ألفا متر، وتحيط بها الحبال نصبت المشانق وآلات الجلد، وكان جنود الدراجين الإنجليز يحيطون بالمحكوم عليهم، وكان فرسان مصريون يحمون الإنجليز، وأشرف المستر ميتشل ومدير المديرية على عملية التنفيذ، واقترب منهم ابن أول محكوم عليه بالإعدام وطلب السماح له بأن يتلقى من والده وصيته الأخيرة، ولكنهم رفضوا قبول هذا الرجاء.
وفى الساعة الواحدة والنصف، امتطى الجنود الإنجليز خيولهم، وأشهروا سيوفهم، وبعد دقيقة، بدأت عمليات الشنق.
وشنق رجل، فصرخ أعضاء أسرته وأقاربه وكل الأهالى، وهم واقفون عن بعد، حتى ملأوا الجو بصرخاتهم التى تقطع القلوب، وجلد شخصان أمام الجثة.
وتكرر نفس المشهد ثلاث مرات، وتم شنق أربعة رجال، وجلد ثمانية، واستمر هذا المشهد مدة ساعة، وهو مشهد وحشى، مثير للنفس، وبكى منه بعض الأوروبيين الموجودين بدموع الرأفة والجزع، وانصرف كل فرد، وهو يكرر الكلمة التى ذكرها أحد المشنوقين «لعنة الله على الظالمين».
وسيبقى يوم 28 يونيو 1906 هذا، يوم شؤم فى التاريخ، وهو جدير بأن يسجل فى حوليات القسوة والبربرية.
وعمت مصر كلها مشاعر الانفعال والسخط حين وصلتها أنباء الحكم فى دنشواى.
ولقد كان من المستحيل على أعداء إنجلترا أن يصلوا إلى مثل هذه النتيجة بعد صراع دام خمسين عاماً.. وكان مندوبون إنجليز هم الذين قاموا بهذا العمل.. وكتب شعراء مصريون شعراً عن تنفيذ الحكم فى دنشواى، وخلد هذا الشعر ذكرى المناظر الوحشية التى أهينت فيها الحضارة والإنسانية، بأكثر الطرق إثارة للنفوس.
ولقد جئت اليوم لكى أطلب إلى الأمة الإنجليزية نفسها، وإلى العالم أجمع إذا كان الغياب المطلق إلى هذه الدرجة لمبادئ العدالة، وقوانين الإنسانية يمكن قبوله؟
وأطلب إلى الإنجليز، الغيورين على سمعة وكرامة بلادهم، أن يقولوا لنا: إذا كانوا يرون نشر النفوذ المعنوى والمادى لإنجلترا عن طريق الطغيان والبربرية؟
جئت أطلب إلى أولئك الذين يتحدثون عالياً عن الإنسانية، ويملأون العالم برفضهم لفضائح أقل ألف مرة فى إثارتها للنفوس، عند أهالٍ غير أهل دنشواى، أن يثبتوا إخلاصهم وصدقهم بالاحتجاج المخلص والقوى، على عمل فظيع، يكفى أن يجعل الحضارة الأوروبية تسقط، إلى النهاية فى أعين الشعوب الشرقية.
وأطلب أخيراً إلى الأمة الإنجليزية إذا ما كان يجدر بها ترك ممثليها يلتجئون، وبعد أربعة وعشرين عاماً، إلى قوانين استثنائية، وإلى وسائل أكثر من همجية، لكى يحكموا مصر، ويعلموا المصريين قوانين العدالة الإنسانية.
وإنى معجب، بكل إخلاص وعرفان بالجميل، بالنواب والكتاب الإنجليز، الذين رفعوا أصواتهم وأعلنوا أقوى غضبهم على هذه المسرحية الحزينة التى مثلت فى مصر، ولكن السير إدوارد جراى، حينما وجد أن الرأى العام قد انقاد لهم، وأنه تبرأ من سياسة لورد كرومر، تحدث فى مجلس العموم وادعى وجود تطرف إسلامى فى مصر، ورجا النواب ألا ينشغلوا بالشئون المصرية وألا يسببوا لها ارتباكاً وهى تواجه خطراً يتهددها، ولكننى أعلن بأعلى صوتى أن هذا الخطر المزعوم إنما هو من محض خيال اللورد كرومر.
وهذا الخطر الموهوم إن هو إلا وسيلة يبرر بها المسئولون الإنجليز هذه الجريمة الأخيرة، وجرائم أخرى يحتسب لوقوعها فى المستقبل.
ولا وجود لهذا الخطر، وإن الفظائع التى ترتكب ضد مصر ليس لها ما يبررها على الإطلاق.
وأؤكد بحق أقدس شيء فى الدنيا أن التعصب الدينى غير موجود فى مصر، نعم إن الإسلام سائد فيها، لأنه دين الأغلبية، ولكن الإسلام شيء، والتعصب شيء آخر.
ووقع السير إدوارد جراى فى خطأ بالنسبة لهذه المسألة، وإنى أرجوه أن يفكر لحظة فيما يلي: هل لو كان فى مصر تعصب حقيقة فهل كان فى وسع إنجلترا أن تحاكم 25 مسلماً أمام محكمة استثنائية مؤلفة من أربعة قضاة مسيحيين، وقاض واحد مسلم؟
وهل تنفيذ الحكم فى دنشواى بتلك الصورة المثيرة، لم يكن يكفى وحده لإشعال نار التعصب المدمرة والصاعقة، لو كان له وجود؟
ألم تكن كل هذه التحريضات كافية، لإخراج الشعب المصرى عن أطواره، وانفجار ذلك التعصب المزعوم، لو كان هناك تعصب حقيقي؟
ولماذا لم يثر ذلك التعصب، والذى تحدث عنه السير إدوارد جراى معارك، مثل معركة دنشواى أثناء مسألة طابة، حيث كانت الأغلبية الكبرى من المصريين فى جانب تركيا، مع أن الجنود الإنجليز كانوا يمرون دائماً فى كل جهة، وفى أمن واطمئنان؟
لقد أثبتت المرافعات فى قضية دنشواى أنه لا دخل للإسلام فيها، وأن الضباط الإنجليز وجدوا مساعدة نافعة وتلقائية عند بعض الفلاحين المسلمين.
ومن حق المصريين أن يطلبوا تحقيقاً جاداً وكاملاً فى هذه المسألة، ومصر تقع على بعد رحلة يومين من أوروبا، فليأت إليها الإنجليز المحبون للعدل، والذين يرغبون فى عدم تلطيخ شرف إنجلترا، وليذهبوا إلى المدن، وإلى القرى، وليروا بأنفسهم كيف يعيش المسيحيون من كل جنسية مع كل المصريين، ولكى يقتنعوا بأنفسهم بأن الشعب المصرى ليس متعصباً أبداً، ولكنه ينشد العدل والمساواة، وأن كل ما يطلبه هو أن يعامل كشعب وليس كقطيع.
نعم إن الشعب المصرى يشعر بكرامته، ولا يمكننا إنكار ذلك الآن، وهو يطالب بأن يعامل أبناؤه على قدم المساواة مع الأجانب، وهذا أمر لا مبالغة فى طلبه.
ويتحدث السير إدوارد جراى عن حماية الأوروبيين من المصريين، ولكن عليه أن يرينا الخطر الذى يهدد الأوروبيين الذين يسكنون مصر: ألا يعيشون على أحسن علاقات مع المصريين؟ أليست لديهم الامتيازات الأجنبية، لكى تحميهم؟ ولكن، من هو الذى يحمى المصريين؟ ألسنا نرى، فى بعض الأحيان، مجرمين من الأجانب -تحتج على جرائمهم كل الجاليات الأوروبية- يقتلون ويجرحون المصريين ولا تصل إليهم سلطة المحاكم المصرية؟ وما هو العقاب الذى ستنزله المحاكم بالجنود الإنجليز الذين قتلوا فلاحاً قرب دنشواى، وبالضباط الذين جرحوا امرأة وثلاثة رجال؟
ودافع لورد كرومر عن نفسه فى تقريره الأخير ضد الذين يطعنون فى السلطة المطلقة التى يتصرف بها فى شئون مصر قائلاً: إن البرلمان والرأى العام فى إنجلترا يراقبان أعماله، وتراقبها كذلك الصحافة المصرية، ولكنها مراقبة وإشراف خياليان، إذ إنه ما كاد البرلمان الإنجليزى يعترض على مثل هذه الأعمال المتبربرة، حتى يقول لورد كرومر للسير إداورد جراي: إن التعصب يزداد حدة على ضفاف النيل، وأنه يجب على البرلمان أن يلزم الصمت، وبهذه الطريقة، ليس هناك ما يمنع لورد كرومر من أن يستمر فى حكم مصر بأشد القوانين الظالمة.
ولهذا السبب، فإنه مما يتمشى مع شرف الأمة الإنجليزية أن تزن التأكيدات الرسمية، وتأكيداتنا، وأن تقوم بعمل تحقيق جاد، وتفحص المشكلة المطروحة الآن أمامها، بروح من الحياد.
ولقد أمضى لورد كرومر سنوات كاملة يؤكد فيها أن الأمراء والشخصيات الكبيرة فى مصر هم الذين يكرهون الاحتلال، لأنه قد جردهم من سلطاتهم، ولكن الفلاحين فى رأيه يحبون ويباركون النظام الحالى.
إن الفلاحين فى دنشواى لم يهاجموا الضباط الإنجليز إلا لأنهم رأوا إحدى نسائهم جريحة، ولذا فإن الحكم وتنفيذه يبدوان غاية فى البشاعة، وهذا جدير بأن يثير سخط العالم أجمع. وإذا كان الفلاحون، على العكس من ذلك، قد استمعوا لمشاعر الحقد الدينى، أو الوطنى، فإن على لورد كرومر أن يعترف بأنهم يكرهون الاحتلال، وأن إدارة سيادته قد انتهت إلى إجهاض كبير. ويمكن للمستر ديلون، فى مثل هذه الحالة، أن يؤكد «أن خطبة السير إدوارد جراى هى أتعس تعليق عن الموقف وسياسة إنجلترا فى مصر».
إن كل الذين يعيشون فى مصر، وكل الذين يحبون الصدق والعدل، يعترفون بأن مسألة دنشواى لم تنتج أبداً عن حركة معادية للأوروبيين، وأن المصريين هم الشعب الأكثر تسامحاً فى العالم.
إن البرنامج الوطنى الذى يسير عليه أصحاب النفوذ والتأثير فى الرأى العام المصرى واضح، فنحن نريد، وبفضل التعليم ونور التقدم، النهوض بشعبنا، وإفهامه حقوقه وواجباته، وإرشاده إلى المكان اللائق به فى العالم، كما أدركنا، منذ أكثر من قرن، أنه لا يمكن للأمم أن تعيش عيشة الكرامة إلا إذا سلكت طريق الحضارة الغربية، ونحن أول شعب شرقى صافح أوروبا، ونحن مستمرون فى السير على الطريق الذى اخترناه، وسوف نحصل، بالتعليم والتقدم والاعتدال والفكر الحر الراقى، على احترام العالم، وعلى حرية مصر، وإن أمانينا التى نهدف إليها هى استقلال وطننا، ومن المحال أن يوجد شيء ينسينا هذا المقصد الأسمى.
ومن الطبيعى أن نتعاطف مع الشعوب الإسلامية، وهذا التعاطف ليس فيه تعصب، ولا يوجد مسلم مستنير واحد يظن فى إحدى اللحظات أنه من الممكن اجتماع الشعوب الإسلامية فى رابطة واحدة، توجه ضد أوروبا، أما الذين يقولون ذلك فهم إما جاهلون، وإما يرغبون فى إيجاد هوة بين العالم الأوروبى والمسلمين.
ولا سبيل لنهضة الشعوب الإسلامية بدون حياة إسلامية جديدة، تستمد قوتها من العلم والفكر المتسع والرفيع.
ولمصر مكانة خاصة بها فى الشرق، فهى التى وهبت العالم قناة السويس، وفتحت السودان أمام الحضارة، وفيها طبقة ذات فكر رفيع، ويسير فيها التقدم فى خطوات سريعة، ومن المستحيل أن يتم حكم مصر، وهذا حالها، كما تحكم بلاد بعيدة، مختبئة فى أعماق أفريقيا، وليس بينها وبين أوروبا أى اتصال! لقد رأى الناس الإنجليز ينفعلون ويهيجون ضد ما يجرى فى مناطق الكونغو، وغيرها من البلاد، فكيف يسمحون إذن بحدوث أفظع الجرائم فى مصر؟
إن من الواجب على أوروبا كلها أن تهتم بمصر، إذ أن مصالحها فيها كبيرة، كما أن الكثيرين من الرعايا الأوروبيين قد جمعوا فى مصر ثروات ضخمة، كما أن القوانين الاستثنائية والتعسف لا تؤدى إلا إلى هياج الشعب المصرى، وخلق مشاعر عنده تخالف تماماً مشاعره الحالية.
إننا نطالب بالعدل والمساواة والحرية، ونطلب دستوراً ينقذنا من السلطة المطلقة، وليس فى وسع العالم المتحضر، والأصدقاء الحقيقيين للحرية وللعدالة فى إنجلترا، إلا أن يكونوا معنا، وأن يطالبوا مثلنا بأن مصر، التى أعطت للعالم أجمل وأسمى الحضارات، لا ينبغى أن تصبح مسرحاً للأعمال البربرية، وإنما يجب أن تبقى موطناً خصباً للحضارة والعدالة، خصوبة تحاكى خصوبة أرضها المباركة.




#ابراهيم_الجيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ان ا صحاب البصيرة.......يدركون ما لايدركه المبصرون
- باراك......تعنى...مبارك!!
- دليل الرجل العادى فى فهم المصطلحات الاقتصادية(ج1)
- كيفية الحصول على شهادة المواصفات العالمية (ايزو )
- مصطلحات .......اهل السياسة
- دور الحيونات الاليفة فى نجاح...اوباما
- لعقل العربى.... خارج نطاق الخدمة...
- هو فى العقل العربى فيل!!!!
- الفيل ابو العباس والملك شرلمان
- هى البورصة مرات البورص
- الزعيم المفدى دون كيشوت


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ابراهيم الجيار - المقال..المؤسس للحركة الوطنية الحديثة