أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تاج السر عثمان - الدولة الوطنية والتعدد الثقافي















المزيد.....

الدولة الوطنية والتعدد الثقافي


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مقدمة:-
نحاول في هذه المقال متابعة المسار التاريخي للدولة السودانية ونوضح أن التعدد الثقافي كان ملازماً للدولة السودانية منذ نشأتها وحتى تكوين الدولة الوطنية الحديثة.
كما يشير االمقال إلى النفق المظلم الذي دخلت فيه الدولة الوطنية بعد الاستقلال، والفشل في إنجاز مهام النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أصبحت وحدة السودان في مهب الريح وترى ضرورة الدولة المدنية الديمقراطية باعتبارها المخرج من التشرذم والتمزق، والضمان للوحدة من خلال التنوع الثقافي والاثني واللغوي والديني.
أولا: كان التعدد الثقافي سمة أساسية من سمات الدولة السودانية منذ نشأتها فقد شهدت الدولة السودانية تعدد الأديان ابتداءاً من الوثنية إلى المسيحية ثم الإسلام ومازال التنوع الديني موجوداً في واقعنا الماثل.
كما شهدت الدولة السودانية تعدد اللغات مثل اللغة المروية في حضارة مروي واللغة النوبية في حضارة النوبة المسيحية ثم اللغة العربية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في عهد سلطنتي الفونج والفور، هذا إضافة للتنوع في لغات ولهجات أهل السودان.
كما استوعبت الدولة السودانية التنوع الديني واللغوي والاثني وشهدت

الاستمرارية في الثقافة السودانية خلال الحقب التاريخية المختلفة.
ثانياً:-المسار التاريخي للدولة السودانية:-
شهدت حضارة كرمة ( 3000سنة ق .م) ميلاد الدولة السودانية، التي كانت نتاج تطور تاريخي، ونتاج لتطور المجتمع السوداني في مرحلة معينة ومع ارتقاء الإنسان السوداني سلم الحضارة وتفكك المجتمعات البدائية التي تقوم على الصيد والتقاط الثمار وظهور المجتمع الزراعي والرعوي وتطور المدينة والصناعة الحرفية والتبادل التجاري وظهور أول انقسام طبقي واتساع الفروق الاجتماعية كانت نشأت الدولة السودانية مرتبطة بتفاعل عوامل سياسية ودينية وطبقية واجتماعية .
من سمات وخصائص الدولة السودانية أنها كانت في حالة تطور واتساع، في كل مرحلة تعرف حالات الازدهار والانحطاط والزوال،ثم تنبعث من جديد بشكل أوسع وأكبر مما كانت عليه في السابق، كما عرفت وحدة الاستمرارية والانقطاع، وتعدد المراكز أو العواصم. وربما كان ذلك من أسباب ضعف الدولة،وعدم الاستمرارية في تقاليد الحكم .
كانت الدولة السودانية في حالة تطور باطني، وفي الوقت نفسه كانت في حالة تفاعل مع العالم الخارجي أخذا وعطاءاً.
على أن الشكل الحديث للدولة السودانية بدأ خلال فترة الحكم التركي – المصري (1821م-1885م) الذي شهد مولد السودان الحديث بشكله

الحالي تقريباً، بعد ضم دار فور وسواكن وإقليم التاكا والمديريات الجنوبية الثلاثة (الاستوائية ، بحر الغزال، أعالي النيل) من خلال التوغل جنوباً، سواء لحملات تجارة الرقيق أو تجارة العاج أو لاكتشاف منابع النيل.
كان الإنسان السوداني خلال الحقب التاريخية المختلفة يصارع ضد القهر والظلم من اجل الحرية ، ويتجلى ذلك في الثورات التي حدثت في دولة الفونج، والثورة المهدية ضد الاحتلال التركي و ثورة الاستقلال ضد الحكم الإنجليزي ، وبعد الاستقلال: كانت ثورة أكتوبر 1964م ضد دكتاتورية الفريق عبود ، وانتفاضة مارس – ابريل1985م ضد حكم الرئيس نميري.
مرت الدولة السودانية بكل المراحل التي عرفها التاريخ البشري من حيث علاقة الدين بالدولة:
فقد شهد السودان القديم الدولة الدينية أو الحكم بالحق الإلهي وعلى سبيل المثال :في دولة مروي كان كهنة آمون يحكمون بالحق الإلهي .
وفي ممالك النوبة المسيحية جمع الملوك بين وظيفتي القس والحاكم، أي جمعوا بين السلطتين الزمنية والدينية وفي سلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء ، شهد السودان الشكل الجنيني للدولة المدنية ،حيث كان مشايخ الطرق الصوفية بعيدين عن ملوك سنار .
ثم قامت الدولة المدنية في فترة الحكم التركي– المصري ،و تم التراجع إلى الدولة الدينية في فترة المهدية ، وبعد ذلك اتسعت دائرة

الدولة المدنية خلال فترة الحكم الإنجليزي ، وبعد الاستقلال ظلت الدولة مدنية حتى قوانين سبتمبر 1983م وبعد انقلاب 30/يونيو1989م، تم التراجع مرة أخرى إلى الدولة الدينية والتي شهدت تصاعداً لا مثيل له في السابق للحرب الأهلية في الجنوب والشرق والتي أدخلت البلاد في نفق مظلم.
ضمت الدولة السودانية شعوبا وقبائل ومناطق متباينة في التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،وهذا التباين هو نتاج تطور تاريخي ، حيث شهد شمال ووسط السودان مولد الحضارات في السودان القديم وفي العصور الوسطى ، إضافة لسياسات المستعمر البريطاني الذي كرس التفاوت بين الشمال والجنوب من خلال نمط التنمية غير المتوازن ومن خلال قانون المناطق المقفولة الذي شمل الجنوب ومناطق الشرق ، وجنوب النيل الأزرق ، وجبال النوبة.
من سمات وخصائص الدولة السودانية النشأة المستقلة ، فيما عدا الاحتلال المصري بعد انهيار دولة كرمة ، وفترة الحكم التركي المصري ، وفترة الحكم البريطاني نلاحظ ان الممالك السودانية كانت مستقلة ، وكان الدفاع عن الوطنية السودانية مرتبطاً بالدفاع عن الدين والعقيدة ، كما حدث في مقاومة النوبة لحملة عبد الله بن أبى السرح والتي انتهت باتفاقية البقط ، والثورة المهدية التي قضت علي الاحتلال التركي ـ المصري.
بعد الاستقلال واجهت الدولة الوطنية السودانية التحديات الآتية :ـ

عدم استقرار واستمرارية التجربة الديمقراطية من جراء الانقلابات العسكرية ، ودخل السودان في الحلقة المفرغة: ديمقراطية – ديكتاتورية – ديمقراطية …… الخ .وتأثر جهاز الدولة بتلك الانقلابات ، وفقدت الدولة اغلب كادرها المؤهل بسبب التطهير ، وانهارت الخدمة المدنية، الفشل في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المنوط بها إحداث النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات النيابية والدستورية ، ورغم إمكانيات البلاد في القطاع الزراعي والحيواني ، وبعد اكتشاف البترول والمعادن لأحداث نهضة وطنية ديمقراطية عميقة تنتشل البلاد من الظلمات إلى النور ، والي آفاق التنمية والتقدم الاجتماعي والسلام.
أصبحت الدولة السودانية مهددة في كيانها من خلال انفجار مشكلة الجنوب عشية الاستقلال ، والتي ازدادت تعقيداً بعد أن أخذت الحرب طابعاً دينياً وخاصة بعد قوانين سبتمبر 1983م ، والتي زادت النيران اشتعالاً .
وبعد 46 عاماً من الاستقلال تشهد الدولة الوطنية السودانية انهيار البنيات الأساسية التى تركها المستعمر مثل: السكك الحديدية، النقل النهري، مشاريع القطن… الخ. كما انهار القطاع الزراعي والصناعي ووصل الدين الخارجي إلى 24مليار دولار وقضت الحرب الأهلية على مليوني شخص وشردت حوالي 4مليون إلى داخل وخارج البلاد.

كما رفعت الدولة يدها عن خدمات أساسية مثل التعليم والصحة الذين دخلا دائرة الاستثمار الخاص. وأصبحت الدولة الوطنية السودانية فقي مفترق الطرق، و مهددة بالتمزق والتدخل الأجنبي ما لم تقف الحرب التي تستنزف قدرات البلاد الاقتصادية والبشرية واحلال السلام في ربوع بلادنا. فإما أن تظل الدولة السودانية مدنية ديمقراطية تستوعب التنوع الديني والثقافي واللغوي أو تتعرض للتشرذم والتجزئة .
فما هو المخرج؟
ثالثاً:- أن التحدي الذي يواجهنا : كيف يتم خلق صورة مجتمع بألوان مختلفة مرصوصة واحدة جنب الآخر كالفسيسفاء أو الموازييك؟
أصبحت الحاجة ماسة اليوم لضمان وحدة السودان إلى دولة مدنية ديمقراطية تكفل المساواة لرعاياها وحرية العقيدة والضمير والمساواة في الأديان وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ومساواة المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن المعتقد أو العنصر أو الجنس وكفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني وضمان الحقوق والحريات الأساسية والسياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وضمان حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
في الدولة المدنية الديمقراطية متسع للجميع ، ما أحوجنا لحكمة د.فرانسيس دينق حين أشار في ورقته نحو استراتيجية ثقافية في وحدة تعددية (الصحافة 28/11/2000م) (لا بد ان ندرك انه مهما

كانت اجندتنا السياسية والثقافية أو الدينية لهذا الوطن انه فقط من خلال الإقناع والحسنى وليس بالقهر والفرض يمكن أن نحقق أهدافنا بطريقة متينة ومستمرة).
ما أحوجنا لحكمة الطيب صالح في رواية دومة ود حامد حين ختم روايته بقوله (لن تكون سمة ضرورة لقطع الدومة ، ليس سمة داع لإزالة الضريح الأمر الذي فات على هؤلاء الناس جميعاً، أن المكان يتسع لكل هذه الأشياء ، يتسع للدومة والضريح ومكنة الماء ومحطة الباخرة).
فالدولة المدنية الديمقراطية فيها متسع لكل الأديان والثقافات تستوعب التنوع اللغوي والثقافي والاثني ، كل مواطن فيها لا يرى مصلحته إلا في أمور تستقيم مع مصالح الآخرين كقول أبى العلا المعري:
ولو أنى حبيت الخلد فرداً
لما أحببت بالخلـد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
في ختام كتابة (صراع الرؤى) يقول دكتور فرانسيس دينق (لا شك ان الوحدة هدف سام ونبيل ، ولكن الضمان الأفضل لتحقيقها على الصعيد الوطني هو أن تسمو القيادات فوق الشقاق الحزبي وتطرح للوطن بكامله رؤية تلهم قطاعاً عريضاً من السودانيين بغض النظر

عن العرق ،الاثنية، الأقليم،أو الدين)
)دكتور فرانسيس دينق"صراع الرؤى" ترجمة د. عوض حسن ، مركز الدراسات السودانية –القاهرة 1999م،ص47) .
الدولة المدنية الديمقراطية تقبل كل صورة كقلب محي الدين بن عربي الصوفي الذي صار قلبه قابلاً لكل صورة كمثال للتعايش والتسامح الديني غير المحدود.
وخلاصة القول أن الدولة المدنية الديمقراطية هي الضمان لجعل التعدد الثقافي مصدر قوة وإخصاب وتحقيق الوحدة من خلال التنوع.
على أن الدولة المدنية الديمقراطية ليست وحدها هي الحل السحري والضمان لوحدة السودان فلا بد من استكمال ذلك بالتنمية المتوازنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل أقاليم السودان وتوفير احتياجات المواطنين في مستوى معيشة لائق وتعليم وصحة...الخ.



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خصوصية واقع المرأة السودانية
- أضواء علي المنهج ونظرية المعرفة الماركسية
- وداعا الراحل المقيم الطيب صالح
- حول المنهج الديالكتيكي
- الثقافة النوبية في السودان المسيحي الوسيط(500م - 1500م)
- خصوصية التشكيلة الاجتماعية لفترة المهدية(1885- 1898م)
- اصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير
- أضواء علي المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني
- المفهوم الماركسي لتحرير المرأة
- قضايا الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني، الفترة: مايو ...
- موقف الحزب الشيوعي السوداني من محكمة الجنايات الدولية
- التركيب الطبقي والاجتماعي لفترة المهدية في السودان(1885- 189 ...
- المفهوم المادي للتاريخ ودراسة المجتمع السوداني
- تعقيب علي د. حيدر ابراهيم علي
- في الذكري الرابعة لتوقيع اتقافية نيفاشا
- التركيب الاجتماعي لفترة النوبة المسيحية في السودان(500م- 150 ...
- قضايا ومشاكل العمل القيادي في وثائق الحزب الشيوعي السوداني
- ضرورة تقويم تجربة مشاركة التجمع في السلطة التشريعية والتنفيذ ...
- تطور الحزب الشيوعي السوداني الفكري والسياسي بعد انقلاب 22/يو ...
- تعقيب علي د. مجدي الجزولي حول مقاله بعنوان:نحو مناقشة (شيوعي ...


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تاج السر عثمان - الدولة الوطنية والتعدد الثقافي