أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - الفلسطينيون وهواية جمع الألقاب















المزيد.....

الفلسطينيون وهواية جمع الألقاب


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2589 - 2009 / 3 / 18 - 05:51
المحور: كتابات ساخرة
    


قال شاعرٌ :
مما يُزهِّدني في أرض أندلس
ألقاب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد
استدعيتُ من ذاكرتي هذين البيتين من الشعر،وهما لشاعر أندلسي ينعى فيهما دولة الأندلس إلى مثواها الأخير حينما كنتُ أُتابع محطتين فلسطينيتين مختلفتين، فالمحطة الأولى بدأت أحد الأسماء بلقب "دولة" أما المحطة الثانية فبدأت اسم سياسي آخر بلقب " فخامة" وفي النشرة الإخبارية نفسها سمعتُ لقبا آخر أيضا وهو " معالي" وسمعت أيضا لقب " سيادة" و " سعادة" وهناك من اعتاد أن يمنح لقب " سماحة" لفردٍ آخر وفضيلة لشخصية دينية أخرى.
هذه الألقاب ذكَّرتني بلقب آخر اضطررتُ لاستخدامه عندما مثُلت أمام ضابط مخابرات عربي وطلب منى اعترافا كتابيا بأنني بريء من التهم المقترحة لملفي، فكتبتُ "السيد " قبل اسم مدير المخابرات، فسحب مني المحقق الورقة بنزق ومزقها وهو يقول اكتب : "عطوفة" !
فلم تعد كلمة السيد مقبولة في عالمنا العربي، على الرغم من مدلولها الواسع!
وإذا أضفنا إلى الألقاب السابقة الرُّتب العسكرية الفخمة،لكثيرين ممن لم يدخلوا سلك الجندية أبدا، نكون قد استحققنا أن نُسمى " بوطن الألقاب"!
ومن البدهي أن تنتشر أيضا في بلد الألقاب ظاهرةُ " جمع الألقاب" التي حلَّت محل هواية " جمع الطوابع البريدية في القرن الماضي، وهواية جمع النقود والآثار العتيقة فرأيت منذ فترة بقايا دعاية انتخابية لأحد المرشحين في الانتخابات الفائتة مكتوبة على جدارٍ يبدأ اسمه: بالعميد ثم يثنيها بالأستاذ ثم بالدكتور، ثم الشيخ ، ثم مربي الأجيال
فما يزال الفلسطينيون وذووهم من أبناء يعرب يعيشون حياة الألقاب بكل تفاصيلها، وعاد الفلسطينيون إلى العصر العباسي والعثماني والمملوكي، بعد أن تخلصوا من الألقاب الثورية الجافَّة الخالية من الهالات والأضواء في منتصف القرن الماضي كلقب الأخ والرفيق،والمناضل، لأنها لا تلبي حاجات المرحلة الراهنة المكتظة بالمناصب والدرجات والهالات والتيجان الفارغة من مضامينها.
ويبدو أن كل الألقاب المستعملة في الساحة الفلسطينية لم تعد تكفي ربع احتياجاتنا من الألقاب !
وكأن هؤلاء، من هواة جمع الألقاب لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بحال أمتنا وما ألم بها من مصائب ودمار وفقر وقتل وخراب.
وكأن مبدعي الألقاب وأصحابها الصامتين عنها الملتذين بها، لم يعودوا يشعرون بأنهم يعيشون وسط " بقية وطن" لا يحتاج إلى ألقاب الأسود والنمور والفهود، والعلية والصفوة وذوي الجناح المهيب ، بل يحتاج إلى زي العمال والأسماء المجردة من الهالات حتى يكونوا طليعة الكادحين العاملين،و يحتاج أيضا إلى التواضع والبساطة ، ليكون المناضلُ قريبا من أفئدة الناس.
كنتُ قد أشرتُ في مقالٍ قديم إلى عقدة نقصنا العربية الأزلية، وهي بالمناسبة نقطة ضعفنا أيضا حين اكتشفها المعتمد البريطاني مكماهون في رسائله إلى الشريف حسين وعثر على عقدة نقصنا العربية المتمثلة في "جوعنا " للألقاب وشبقنا إلى ألفاظ التبجيل حتى أن ألقاب التبجيل في الرسالة التالية هي أكثر من تفصيلات الرسالة يقول:
(((إلى السيد ، الحسيب ،النسيب ، سليل الأشراف ، وتاج الفخار ، وفرع الشجرة المحمدية ، والدوحة القرشية الأحمدية، صاحب المقام الرفيع ، والمكانة السامية ، السيد ابن السيد ، والشريف ابن الشريف ، السيد الشريف المبجل {دولتلو}الشريف حسين ،سيد الجميع ، أمير مكة المكرمة ، قبلة العالمين ، ومحط رحال المؤمنين الطائعين ، عمّت بركته الناس أجمعين .
بعد رفع وافر التحيات العاطرة ، والتسليمات القلبية الخالصة ، من كل شائبة ، نعرض عليك أن لنا الشرف بتقديم واجب الشكر ، لإظهاركم عاطفة الإخلاص ، وشرف الشعور والإحساسات نحونا ...)))
راجعتُ الألقاب عند العرب، فوجدتُ بأنها كانت تتغيَّر وفق النظام السياسي وتتأثر به، ففي العصور الأولى كانت الألقابُ تدل على المغامرة أو تكون صفة ووشما في صاحب اللقب، مثل تأبط شرا وآكل المرَّار، وديك الجن وصريع الغواني، والأعشى والمهلهل، حتى أن قبيلة عربية سمَّتْ نفسها ، أو أنها رضيتْ بأن تُسمى " لَعَقَة الدم" وأطلق لقب لَعَقَة الدم على بطنٍ من قريش يقال أنهم بنو عبد الدار ، ذبحوا جملا ، ولعقوا دمه وتعاهدوا على القتال حتى الموت !!
ثم تطورت في العصر الإسلامي لتدل على معاني في أصحابها كالصديق والفاروق وسيف الإسلام وأمير المؤمنين، ثم تحولت فجأة في العصر العباسي وما بعده عندما توسعت الدولة وازداد الطلبُ على الألقاب لمجاراة الجيران الفرس والرومان، فظهرت ألقاب الهادي والمهدي والأمين والمأمون والناصر لدين الله والقاهر والمعز والحاكم بأمر الله وذي الرياستين وذي الكنانتين .
ثم ظهرت ألقاب سيف الدولة وولي الدولة وناصر الدولة وركن الدولة وعضد الدولة وشرف الدولة وظهير الدولة، وأحصى المستشرقان ديترش وكرايمر في هذه الفترة حوالي مائتي لقب.
ثم ظهرت بعدئذٍ ألقاب الدين والمُلك في القرن الحادي عشر الهجري وما بعده ؛ ركن الدين،وعلم الدين ، وتاج الدين ، وشجاع الدين، ومعز الدين والدنيا، وغيَّاث الدين والدنيا.
وفي الأندلس ظهر مخزونٌ آخر من الألقاب يختلف عن المخزون الاستراتيجي من الألقاب العربية في المشرق ، فظهرت هناك ألقاب: المنصور والظافر وذو السيفين وذو الوزارتين .
ثم عندما ملّ العرب من استخدام كل الألقاب السابقة استعانوا بالمخزون التركي من الألقاب ، فاستوردنا كلمة بك وباشا وبيه وهانم.
ثم توسعنا واستوردنا من الفرنسيين والإنجليز ألقابا أخرى لها بريقٌ جديد، يبهر الأبصار ، ألقاب مدام مدموزيل وإكسيلانس،
والغريب بأننا لم نعٍ كيف تمكنتْ دولٌ كثيرة من إلقاء الألقاب في سلات قمامتها، واكتفت بلقب "السيد" للأمير والفقير والحقير، ولم نقلدها في هذه الفضيلة على الرغم من أننا نستورد من هذه الدول كل حاجاتنا ونعشقها في صحونا ونومنا.
ولم يتمكن العرب أيضا من استيراد صفاتٍ وألقابا من دول آسيا وإفريقية، على الرغم من أن بعض تلك الدول تغصُّ بألقاب التفخيم، كما في اليابان والصين والهند في عصرها الوسيط والقديم.
أخيرا، أنا أدعو لتأسيس وكالة فلسطينية لاستيراد الألقاب والكنُى من هذه الدول حتى نتمكن من تسديد العجز الناجم عن كثرة الوزارات والمناصب والألقاب والصفات والمسميات الأكاديمية، نظرا لكثرة المناصب، وقلة الألقاب التي تلائمها ، على الرغم من أننا ما نزال نعيش تحت الاحتلال، وليس لدينا دولة مستقلة ذات سيادة !.
وأقترح أيضا إذا أعلنا الدولة ، أن نعلن عن تأسيس وزارة فلسطينية جديدة للألقاب والكني، باسم وزارة الألقاب، تقوم بمهمة نحت الألقاب وسكها في قوالب لتكفي الأجيال الفلسطينية القادمة، وفق تصنيفات المهمات والمناصب والدرجات والرتب، ونكون بذلك قد تركنا لأجيالنا القادمة مخزونا استراتيجيا من ألقاب الفخامة والجلالة والسيادة والسمو والرفعة والعظمة، لينطبق علينا قول الشاعر:
إذا بلغَ الفطامَ لنا صبيٌّ .........تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا !!
16/3/2009



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرطة مطاردة المجاز في اللغة العربية
- الإعلام ومراسلو الخوذات والدروع
- التمثيل النسبي للنساء في الأحزاب العربية امتهان لهن
- قرنفل غزة الحزين
- الإعلام العشوائي وفضائيات مصارعة الديكة
- حق اللجوء الإبداعي إلى دول السوفت وير
- غزة التي أدمنت الدمار
- إسرائيل وعقدة شمشون في غزة
- آخر صلوات بوش أمام الشمعدان
- قمع المرأة للمرأة
- قصتان من غزة بمناسبة العيد السعيد
- الحوار المتمدن شعلة الحرية
- ظرفاء الإنترنت ومقامات بديع الزمان
- أولمرت وموسم السياحة الحزبية في إسرائيل
- إدمان الولاء للحاكم
- مصطلحات إعلامية إسرائيلية ساحرة !
- مسكين باراك أوباما
- مجزرة الأسهم في قلعة النيكي والنازداك
- فاتنات السياسة
- تجارة الرقيق في الألفية الثالثة


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - الفلسطينيون وهواية جمع الألقاب