أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - حينما للظلام وَبَرٌ














المزيد.....

حينما للظلام وَبَرٌ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2582 - 2009 / 3 / 11 - 10:49
المحور: حقوق الانسان
    


دخلَ جمال الغيطاني، الأديب الكبير، الهرمَ الأكبر. أوغلَ فيه عميقًا، حتى وصلَ غرفةَ الدفن. لم يدخلها وحسب، بل استقرَّ فيها، ليلةً، كأنها الأبد! ذاك أن الزمانَ نسبيٌّ شأن كل شيء، ومرورُه مرهونٌ بالمكان، حسب آينشتين. فاستطالتْ ساعاتُ الليل القِصارُ حتى غدت دهرًا عَتِمًا سرمديًّا لا فجرَ بعده. نام في تابوتٍ أقصرَ منه طولا. هل كان الفراعينُ قِصارًا، رغم عملاقيتهم؟ ربما. وغرق الغيطانيّ في ظلام كثيف لم يرَ مثيله؛ هو الذي شهد من الظلام ألوانًا: في خنادق الحرب؛ جنديًّا مدافعًا عن حقوق وطنه، وفي المعتقل؛ مثقفًا مدافعًا عن حقوق مواطنيه، فحقَّ عليه العقابُ والمعتقل! يقول إنه كاد "يلمسُ" الظلامَ! حيث العتمةُ، حينما تتكاثفُ طبقاتُها، تغدو شيئا ماديًّا، له ما للمادة من كتلة وحجم وملمس! "كأن للظلامِ وبرًا"، والتعبيرُ الفاتن للغيطاني. وقال أيضا إن طاغوتَ الظُلمةِ قد أفقد عقلَه سيطرتَه على سائر أعضاء الجسد. فيعطي أمرًا لليد أن تتحرك، ولا تستجيبُ اليدُ! كأنما الأعضاءُ قد اِسْتُلِبت جميعُها نحو آمرٍ ناهٍ جديد، ليس هو العقلَ/السيد، إنما هو قداسةُ اللحظة وهَوْلُ فرادتها! لحظة أن تُتاح لأحد أبناء الراهنِ، أن يرقدَ في تابوتٍ صنعته يدٌ عاشت قبل خمسةٍ وأربعين قرنًا من الزمان، داخل قُدْسِ أقداسِ أعظم بناية شيدها الإنسانُ على مرّ التاريخ. تابوتٍ يرقدُ في قلب أول وأقدم عجيبةٍ من عجائب الدنيا، والوحيدة التي ما تزال تنظرُ بصَلَفٍ وتحدٍّ إلى جبروت الطبيعة من زلازلَ ورياحٍ وعواصفَ وأعاصير، والأخطر، إلى سخافاتِ بشرٍ لم يدركوا بعد هَوْلَ الكَنز الذي حبتهم به الجغرافيا، ووهبه لهم التاريخُ، فلا يفخرون، من عجبٍ، بمصريتهم! قال الغيطاني إن جسدَه فقد ماديتَه، فتحوّل إلى "طاقةٍ" لا قانونَ فيزيقيًّا لها. وأعجبني التعبير. لكنني أخذتُه على محمل المجاز الاستعاريّ، الذي نحته مبدعٌ صناعتُه المجازُ والاستعارة. على أنني صدّقتُ تعبيرَه "حَرفيًّا"، ونزعتُ عنه مجازيته، بعد تجربتي الأخيرة في تابوتي الخاص!
لم يكتب لي الحظُّ أن أنامَ في تابوتٍ أسطوريّ كالذي أمضى فيه الغيطاني ليلتَه الفريدةَ تلك. لكنه تابوتٌ تكنولوجيّ معدنيٌّ بارد، يسمونه جهاز الرنين المغناطيسي. قالتِ الممرضةُ تشجعني: "الأمرُ بسيط، بس ربع ساعة!" ومرّت دهورٌ طوالٌ. قرأتُ خلالها جزء "عمَّ"، واستعدتُ أغاني فيروز، وتذكرت أمي. هل شعرتْ بما أشعرُ به الآن حينما أدخلوها تابوتها الحجريّ؟ أبكي. ثم أقرأ ما تيسر من سورة "غافر". كانت تحبها بصوت المنشاوي، وحينما يقول: "هو الذي خلقكم من ترابٍ ثم من نُطفةٍ ثم من علقةٍ ثم يُخرجكم طفلا،" تهتفُ: "أحمد!" (ابنُ أخي، وأولُ أحفادها، شابٌّ في كلية الطب الآن). أُغمضُ عينيْ كيلا أشعرَ بمرور الوقت! فأشعرُ أنني أكبرُ خارجَ الزمن، مثلما حبيبة عبد الصبور. ثم يتزايد يقيني بأنهم نسوني داخل التابوت، ومضوا إلى حال سبيلهم. تضربني الهيستريا، أصرخُ وأضربُ الجدرَ الخانقة بأطرافي، ولما أخرجوا جثماني بعد سنوات، يخبرني الطبيبُ أنني ما مكثتُ سوى دقائقَ ثلاثٍ! كيف؟ قرأتُ جزءًا من القرآن في دقائق؟ تحوّل عقلي إلى طاقةٍ هيوليةٍ، فقرأ ما قرأ، وتداعتِ الأفكارُ، كلُّها دفقةً واحدةً، بسبب هول اللحظة! وأخفقتِ التجربة. ولم أُعدْها إلا بعدما دسّوا المخدرَ في معصمي، لتمرَّ الربعُ ساعة، في لحظة خاطفة! المصري اليوم 9/3/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله كبير!
- -وهي مصر بتحبني؟-
- الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
- مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم
- أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!
- مصرُ التى لا يحبُّها أحد!
- قديسٌ طيبٌ، وطفلٌ عابرٌ الزمن
- رُدّ لى ابتسامتى!
- ومَنْ الذى قتلَ الجميلة؟
- كانت: سيفٌ فى يدِها، غدتْ: شيئًا يُمتَلَكُ!
- بالرقص... يقشّرون أوجاعَهم!
- الجميلةُ التي تبكي جمالَها
- صخرةُ العالِم
- يُعلّمُ سجّانَه الأبجدية في المساء، ويستسلم لسوطه بالنهار
- حين ترقصُ الأغنيةُ مثل صلاة
- من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!
- هنا فَلسطين!
- لا يتكلمُ عن الأدبِ مَنْ عَدِمَه!
- سارة
- المرأةُ، كبشُ الفداءِ اليسِرُ


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - حينما للظلام وَبَرٌ