أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كوثر أبو هاني - الحب في الحرب















المزيد.....

الحب في الحرب


كوثر أبو هاني

الحوار المتمدن-العدد: 2581 - 2009 / 3 / 10 - 03:02
المحور: الادب والفن
    




الجندي الذي أحببته مرتين: مرة في الحرب و مرة دائما؛

زارني الليلة في غرفة رقم"5" للاجئين بمدرسة الزيتون الابتدائية "ب"..غزة!

اطمأن على قلبي.. و مضى نحو الدبابات.

قال لي " سأعود في سلام "..

كان رجلا روحه متجددة, علمني نسج الأحذية الصوفية, و نسجنا معا أحذية كثيرة للأطفال اللاجئين, وزعناها عليهم قبل بدء الشتاء.. و تمنيتُ لو علمني كيف أنسج الخبز لأوزعه على الجائعين في الحرب الآن..

في مدرسة اللاجئين صرنا نَصف طابورا صباحيا لنستلم رغيف الفطور.. الصغار الذين كانوا يتعلمون في هذه المدرسة يتضاحكون لأن طابورهم المدرسي تحول إلى نوع آخر يبعث السخرية في أنفسهم!.

الحرب عرّفتني على حبيبي..

كان حبيبي مقاوما في الجبهة الشمالية, المنطقة المركزية للحرب..

منذ أن عرفني قرر الانضمام إلى المقاومة, و محاربة الاحتلال !

كان قبل كل شيء لاجئا معنا في المدرسة, نزح من المنطقة الشمالية..

كنتُ أجلس مع نفسي تحت شجرة الأكاسيا المزروعة في ساحة المدرسة, أكتب مذكراتي الحربية, و أردد بصوت عال مقاطع شعرية أحفظها لمحمود درويش و ابراهيم طوقان و لوركا.. فجأة شعرت بيد تدق كتفي من الخلف و أسمع صوتا هادئا كالحزن ينشد:" دعوني وحيداً مع النهار‏ ..أرجوكم دعوني أولد*.‏", شهقت و استدرتُ لأرى من؟.. فوجئت برجل غريب يقترب مني و يستأذنني أن يشاركني وحدتي!. صمت لبرهة ثم قلتُ " تفضل".. سألني عن علاقتي بالشعر, فقلتُ"من بعد الحرب فقدت علاقتي بأي شيء". فقال" لكنني سمعتك تنشدين الشعر"..قلتُ له أن ذلك مجرد تسلية لا أكثر.. فتنهد و هو يقول" الموت أهون من هالحياة".. استدركته:" لكنك قبل قليل كنت تطلب بأن يدعوك وحيدا مع النهار لتلد!"..ضحك و التزم الصمت حتى همّ بالقيام, شكرني على رحابتي و تركني مع نفسي..

الحياة في المدرسة تعيسة و اليوم طويل جدا.. كنتُ أعد الساعات ساعة بساعة و أنا أنتظر حلول الليل لأنام و أتخلص من ثقل النهار الجاثم فوق صدري.. أبعثر الوقت في مراقبة الأطفال اللاجئين و هم يلعبون كرة القدم بعلب السردين الفارغة و يصفقون للفريق الفائز كما و لو أنهم يلعبون في مبارات حقيقية.. أتحلّف للخبز و الملح اللذين يهربان منا في مثل وقت مدقع كهذا..

كان مكاني المفضل هو الجلوس تحت شجرة الأكاسيا.. من هناك أدع عيني تركض مع الأطفال و تنشر الغسيل مع النساء و أطير مع العصافير بعيدا..أبعد من الطائرات.. بقيت في ذلك اليوم جالسة في مكاني حتى وقت متأخر من الليل. حذرتني أم كنعان من البقاء وحدي خارج الغرفة في الليل, و أم كنعان لاجئة طيبة تمكث معنا في نفس الغرفة, قالت لي موجهة خطابها لجميع النساء في الغرفة " في أي وقت و في كل مكان لا بد و أن يوجد أولاد حرام" !. لم أبال بتحذيرها و بقيت هناك..

من بين العتمة لمحت كائنا صغيرا يدب على أطراف أصابع قدميه.. و لم أكد أقف لأستكشف خيالا ذلك أم حقيقة,حتى فوجئت بولد يشد من يدي دفتر المذكرات و يهرب.. ركضت خلف الولد و أنا ألهث و العرق يتصبب مني.. وحين وصلت خزانات المياه البعيدة عن غرف النوم توقّفتُ و فقدتُ أثر الولد, تهدل كتفاي خيبة و انزلق رأسي إلى صدري.. حركتُ قدمي ببطئ لأعود إلى الغرفة إلا أن يدا ما دقت كتفي و صوتها ينشد "وبقدر ما عشت أريد أن أعيش‏, هذه بغيتي*.‏"..استدرتُ ليفاجؤني الرجل ذاته الذي جلس معي تحت الشجرة!. مدّ إليّ دفتر مذكراتي و هو يعتذر بخجل عن فعلته المدبرة ليلتقي بي خفاء في الظلام, فهو الذي دفع الولد ليسرق مني الدفتر و يهرب خلف خزانات المياه لألحق به و يلتقيني الرجل.. أبديتُ غضبي لأجل ذلك فظل الرجل يعتذر و يتأسف لي على فعلته, شعرت بأن الرجل يحمل نوايا طيبة فابتسمت مولية ظهري له, لكنه منعني من ذلك و فجعتُ إذ شدني من يدي و احتواني بصدره..أحسست بحرارة طفيفة تنبعث من صدره و تتسلل إلى جسدي.. وضع أصابعه تحت ذقني و رفع رأسي نحو رأسه.. شاهدته يبكي بحرقة, آنذاك استسلمتُ لجنونه و أغمضت عيني..



يرعبني النوم وحيدة وقت الحرب..

تبرعت أختي الصغيرة لأن تنام عندي مؤقتا لحين عودة أمي من المشفى و تنام هي عندي.. المسكينة أمي لم تتعود بعد على أكل المعلبات في الحرب !. لكنني هذه الليلة سحبت فرشتي من عند أختي و نمت وحدي. الرجل بثّ فيّ الدفء و الأمان.. احساس غامض اجتاحني.. رجفة لذيذة تهز مكانا ما في صدري.. مكانا غير قلبي.. رجفة تغيّبني كلما تذكرت الرجل أو التقت عيوننا في طابور الخبز..

منذ تلك الليلة امتلأت أيامي بالورد و البرتقال و رائحة الياسمين.. لم يعد نهاري طويل, هناك من يملؤه و هناك من يزرع الريحان في صدري ويمطر الوديان في أوردتي و شراييني..

صارحني الرجل بحبه لي,كذلك أنا.. و صرنا نتبادل الحب تحت شجرة الأكاسيا في النهار و نتعاطاه وراء خزانات المياه ليلا.. أقسم أن الشجرة كانت تتلصص على قبلاتنا و ضبطتُ جدران المدرسة و هي تختلس نظراتها نحونا أثناء انشاد الشعر..

في منتصف الليل, و بينما الجميع نائم..حتى العجوز التي تخاف من القصف و دوي الانفجارات كانت نائمة, سمعت صوت الرجل يناديني من الشباك!. خامرني ظن أنني أتوهم.. إلا أن صوته ظل يناديني ويصدح في أذني بالحاح غريب, نهضت و تلقفت معطفي و وثبتُ إلى الخارج.. تلفّتُ حولي فلم أجد الرجل!. فركتُ عيني لأتأكد فلم أرَ سوى العتمة.. عدتُ إلى فراشي كأنني منومة مغناطيسيا.. اندسست تحت الغطاء..لامست ساقي لحما طريا ذي رائحة مألوفة ليست غريبة علي!..ارتبكتُ و خيل إليّ أنني أهلوس!.. إلا أنني فوجئت بالرجل ينام إلى جانبي!.. كدت أصرخ من شدة الهلع لولا أنه وضع يده على فمي و تأكدتُ من أن ذلك ليس من ضرب الخيال و الهلوسات.. وشوشته"كيف..لماذا..ألم تخف أن يراك أحد؟؟!"..فوشوشني" كنت أناديك و لما طلعتِ دخلت بسرعة من دون أن تنتبهي"..قلت" يا ملعون", فقال" كيف المفاجأة".. ضربته على صدره و أنا أقول"خوفتني كتير".. تشابكت أصابع قدميه بأصابع قدمي كذلك أصابع يدينا, و قبل أن يخرج قال لي بحزن و هو يحاول أن يتصنع الحزم "أنا رايح ع الشمال", فتحت فمي مندهشة بشهقة ذات نفس مختنق و قلتُ"بدك تروح للموت برجليك..لا لا.. "..أمسك بيدي و سار معي بصمت حتى توقف عند شجرة الأكاسيا.. نظر إلى غصن مرتفع يغرق في ضوء القمر و قال " سأذهب و أحارب بدل أن أهرب من الحرب و ألجأ معكم هنا كالجبان..في الشمال لن أكون وحدي حتى إذا استشهدت.. أهلنا هناك يقتلون و العدو يسترخص دمنا.. لقد قررت و لن أتراجع عن ذلك.. أرجوك سامحيني و انتبهي على نفسكِ جيدا.. لا أريد لأبنائي في المستقبل أن يتساءلوا لماذا لم يشارك أبوهم في الحرب و لم يدافع عن الأرض..", و قبل أن تبتلعه الظلمة خلف بوابة المدرسة, قبلني و هو يقول" حين أعود سيكون لنا أكثر من طفل و سنبلة"..

* نيرودا



#كوثر_أبو_هاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كوثر أبو هاني - الحب في الحرب