امبراطورية الثروة:التاريخ الملحمي للقوة للاقتصادية الامريكية(7)

نورس محمد قدور

الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 01:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

في السنوات الستين الماضية لم تكن ثمة ثروات عظيمة في امريكا، باستثناء القليل، ومع ذلك فلم تعرف البلاد الفقر. واليوم ثمة بعض الفقر(مع انه وصل في مناطق قليلة الى مستوى الاملاق)، وكثيرا من الثروات العظيمة وبعض الثروات الفاحشة كما لم يعرفه بلد آخر في العالم.
هذا ما ذهب اليه "جون ستيل جوردون" John Steele Gordon في كتابه إمبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية في جزئه الثاتي من سلسلة عالم المعرفة العدد 358 ، 2008.


الفصل السابع عشر : (تحويل الانكفاء الى تقدم):


لم يكن هناك شك في قيمة العامل النفسي البشري كقوة محركة في عالم الاقتصاد، ففي 4مارس ،وبينما كانت الملايين مصغية الى المذياع ، ألقى روزفلت واحدة من قلائل خطب التنصيب التي لم تبرح ذاكرة الناس. وقال فيها: "وإذن وبادئ ذي بدء، اسمحوا لي بأن أؤكد إيماني الراسخ بأن الشيء الوحيد الذي يجب أن نخشاه هو الخوف نفسه، الهلع الذي لا يعرف اسما ولا منطقا ولا مبررا والذي يعرقل الجهود اللازمة لقلب الانكفاء الى تقدم".

في يوم الاربعاء 8 مارس عقد روزفلت أول مؤتمر صحافي له، حيث احتشد 125 صحافيا في المكتب البيضاوي. وعندما فرغ من عرض ملاحظاته التي أعدها مسبقا، طفق الصحافيون -ولمرة واحدة ربما في التاريخ- التصفيق الجماعي لقد أراد الشعب الامريكي النجاح لروزفلت ، ولهذا بالتحديد نجح روزفلت في مساعيه.وحدد يوم الاثنين 13 مارس موعدا تعيد فيه المصارف فتح أبوابها.وبدأ المال يتدفق الى النظام المصرفي. وعاد قلب الاقتصاد الامريكي ينبض من جديد. ونقل عن ريموند مولي قوله إن " الرأسمالية أنقذت في صمانية أيام".

لقد كان فرانكلين روزفلت في الاشهر الثلاثة الاولى من رئاسته، الديكتاتور الامريكي بأشد ما تنطوي عليه هذه التسمية.
وقع الرئيس روزفلت قانون الاعانة الطارئة للمصارف في 9 مارس.
ووقع قانون الاقتصاد الذي يقضي باعادة تنظيم الحكومة وخفض الرواتب ومعاشات تقاعد المحاربين القدماء.
وفي 21 مارس : وقع روزفلت قانون المعونة المالية لاعمال التحريج والفرق المدنية لحماية البيئة ، لتوفير العمل لنحو 250 ألف شاب في مشاريع الاعمار وحماية البيئة.
وفي 22 مارس وقع روزفلت قانون ايرادات البيرة والخمور ، الذي أجاز تجارة البيرة والخمور التي تقل نسبة الكحول عن 4% وفرض عليها ضرائب ثقيلة لزيادة ايرادات الحكومة.
وفي 19 ابريل: ابطل روزفلت التعامل بمعيار الذهب ،و اخرج الذهب من التداول النقدي.
وفي 12 مايو وقع روزفلت قانون المعونة المالية الفدرالية الطارئة لتقديم منح تصل قيمتها الى500 مليون $ الى الحكومات لتمويل المساعدات المالية للعاطلين عن العمل.
وفي اليوم ذاته وقع روزفلت قانون تنظيم الزراعة لتقديم المعونة المالية للمزارعين .
وفي 18 مايو وقع روزفلت مشروع قانون يسمح بإنشاء هيئة وادي تينيسي ببناء السدود التي ستمد سبع ولايات بالطاقة الكهربائية.
زفي 6 يونيو وقع روزفلت قانون التوظيف الوطني الذي أسست بموجبه مصلحة التوظيف الامريكية للعمل مع وكالات التوظيف على مساعدة العاطلين لايجاد فرص عمل.


الفصل الثامن عشر: الازدهار الكبير بعد الحرب:

شهدت وول ستريت تراجعا حادافي التداول مقارنة بما عرفته أيام مجدها في أواخر العشرينيات، فقد كان متوسط حجم التداول في العام 1929 يبلغ 2,5 مليون سهم. ولم تشهد وول ستريت حوادث هلع عند اندلاع الحرب في سبتمبر من ذلك العام.

وبعد الحرب أيضا ترنخت الاسعار في وول ستريت دون مستوى النمو السريع الذي كان يحققه الاقتصاد. في 31 ديسمبر 1949 وصل مؤشر داو جونز الى 200 نقطة أي ضعف ما كان عليه في العام 1940 على الرغم من ان الاقتصاد حقق نموا بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبا، وارتفعت اسعار الشركات بمعدلات أعلى.
وثبت أن كبرى المشكلات التي لازمت الاقتصاد في فترة ما بعد الحرب لم تكن البطالة بل التضخم. وعلى الرغم من الانخفاض الطفيف في الناتج القومي الاحمالي في العام 1946، بعد تراجع الطلبيات العسكرية السنوية من 100 مليار $ في مطلع العام 1945 الى 35 مليار $ بعد عام واحد، فإن هذا الناتج عاد الى الارتفاع في نهاية العام وحقق معدلات نمو قوية منذ ذلك الحين.

وفي مطلع العام 1947 نقلت بريطانية الى الولايات المتحدة انها ماعادت قادرة على تحمل العبء المالي لهذه المساعدات ، وادرك ترومان انه ليس امام الولايات المتحدة من خيار الا ان تضطلع بدور بريطانية في هذه المنطقة ،والا سقطت تلك الدول من دون ريب في فلك الهيمنة السوفيتية.
وقررت الولايات المتحدة أن تخوض غمار المواجهة الثالثة بين القوى العظمى في القرن العشرين، أو ما صار يعرف منذ ذلك الحين بالحرب الباردة، ولكن بأسلوب مختلف: بالمال بدل الرصاص. وستسعى الى احتواء الاتحاد السوفيتي بمساعدة حلفائها بالقوات اللازمة لصد أي هجوم ، على أن تولي تركيزها الى إعادة إحياء وتوسيع اقتصاديات الدول التي قد تقع صحية للعدوان السوفيتي.
كان علماء الاقتصاد منكبين على ما يعرف اليوم بعلم الاقتصاد الجزيء.أما كينز عالم الاقتصاد البارز فقد حصر اهتمامه في علم الاقتصاد الكلي ,ورأى كينز انه لا بد من تساوي العرض والطلب على الاجل الطويل. أما كينيدي فقد هب لتحفيز الاقتصاد عن طريق التخفيضات الضريبية بدلا من زيادة الانفاق، خصوصا في أوساط الشرائح الضريبية المرتفعةحيث خفض الضرائب من 91% الى 70%.


الفصل التاسع عشر: (أزمة البرنامج الجديد)

أثبت ليندون جونسون – عندما تولى الرئاسة بعد اغتيال جون إف كينيدي – انه يختلف تماما عن سابقيه بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، رجل يؤمن كثيرا بقدرة الحكومة على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. كما كان يتمتع أيضا بمعرفة تشريعية لم تتوافر لغيره من الرؤساء. بدأ الاقتصاد الامريكي يتقهقر سريعا، فارتفعت البطالة الى نسبة 4،9% في العام1971. ووفق نظرية كينز فإن زيادة التضخم لا يمكن أن تتزامن مع ارتفاع نسبة البطالة، وهكذا اشتقت كلمة جديدة في العام 1970 لتوصف هذه الحالة التي لا سابق لها : الكساد التضخميstagflation.

وفي 15 أغسطس 1971 حسم الرئيس نيكسون المسألة لحل المشكلات الاقتصادية المتعاظمة التي واجهتها البلاد . اذ عمل اولا على ابطال اتفاقية بريتون وودز ، وقطع الارتباط بين الدولار والذهب. ومنذ ذلك الحين ستتحدد قيمة الدولار بالعرض والطلب. ظهرت صناعة النفط في الولايات المتحدة وظلت الولايات المتحدة المصدر للنفط حتى الخمسينسات. لكن في السبعينيات ومع نضوب حقل التفط الغنية في الولايات المتحدة وارتفاع تكلفة استغلال الحقول الجديدة بدأ النفط الاجنبي الاقل تكلفة بالتدفق الى البلاد بمعدلات متزايدة. وبطبيعة الحال فشكلت "كارتل" تحت اسم اوبيك(منظمة الدول المصدرة للنفط) في سبيل رفع الاسعار.

ومع تصاعد حدة التضخم في السنوات المتأخرة في فترة رئاسته ، سعى جونسون الى كبح الانفاق من خلال ايقاف صرف المزيد من الاموال. أوقف صرف ما لا يقل عن 5،3 مليار$ من أصل ميزانيته قيمتها 134مليار$ بما فيها 1،86 مليار $ في برنامج الخدمات العامة كالطرقات الرئيسية والتعليم. لقد سمح قانون النقل بالمركبات للعام 1980 لقطاع الشحن بالمنافسة. كما أتاح قانون الشركات المتعثرة في السنة نفسها للسكك الحديد أن تفعل الشيء نفسه.لقد تقاسمت المصارف التجارية ومصارف مؤسسات الادخار والتسليف أعمال الايداع المصرفي في الولايات المتحدة في ما بينها . وبدأت المصارف التجارية تقدم خدمات مصرفية كاملة، وذلك بتقديم خدمة حساب الادخار والحسابات الجارية للافراد من جهة والتركيز كثيرا على القروض التجارية من جهة اخرى.

وبات الكارثة وشيكة الحدوث فقد سمح الكونغرس وسلطات الرقابة المصرفية بنشوء حالة تناقض اقتصادي تمثلت في استثمارات عالية العائد معدومة المخاطرة عرفت باسم"ايداعات الوساطة" وفي السماح للافراد ذوي الخبرة المصرفية الضحلة والمشكوك في نزاهتهم واحترامهم لحكم القانون بمحاولة انتشال تلك المؤسسات من مهاوي الافلاس. لكن اولئك سببوا سريعا تدمير قطاع الادخار، وبعد ان انقشعت سحب الدمار اضطرت الحكومة الفيدرالية الى تعويض مودعي مؤسسات الادخار المفلسة بمبلغ 200مليار $. وكانت تلك أعظم فضيحة في التاريخ الامريكي. ولكن وكشأن الفضائح جميعافقد شقت الطريق نحو الاصلاح باسكات اللاصوات المعارضةبشدة لهذا الاصلاح.

وفي عام 1994خلص قانون الاصلاح المصرفي أخيرا الصناعة المصرفية من اخر معوقاتها التي تعود الى عهد جيفرسون. فقد سمح للمصارف بفتح فروع لها في الولايات الاخرى والتوسع، مما وفر لها إمكانات الوقاية بالتنويع وأطلق موجة من اندماحات المصارف لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.


الفصل العشرون:(اقتصاد جديد...عالم جديد...حرب جديدة)


لم تكن تحصى التطبيقات الاقتصادية لتكنولوجيا الفضاء، خصوصا منذ نهاية الحرب الباردة عندما رفع عن عدد منها غطاء التكتم والسرية، كما لم تكن التطبيقات الا في ازدياد يوما بعد يوم. وليست الزراعة والنقل ورسم الخرائط والملاحة والاتصالات إلا غيضا من فيض. لقد اتاحت أقمار تحديد المواقع الجغرافية التعرف على المواقع في قطر لا يتجاوز أقدام بفضل أداة بسيطة باتت تستخدم اليوم في كثير من السيارات في تحديد الاتجاهات باستخدام الاصوات المركبة، وهي تقنية كانت ترى بعين الاعجاز الخارق قبل نحو عقدين من الزمان.

لقد ساعدت كثيرا من أقمار الاتصالات علة تخفيض تكلفة الاتصالات الهاتفية البعيدة، مما أحدث طفرة عجيبة في الاقبال عليها. ففي العام 1950 أجريت نحو مليون مكالمة هاتفية عبر الكيبلات البحرية في الولايات المتحدة. وارتفع هذا العدد في العام 1970 الى 23مليون مكالمة، أما في 2001وبفضل التراجع الحاد في اسعارها وصل عدد المكالمات الى 6،3 مليار ولا يزال يتنامى بمعدلات سريعة .

لكن ليست ثمة تقنية انبثقت عن الحرب العالمية الثانية تضاهي الحاسب الآلي في خلق هوة بين الحاضر والماضي. لقد استخدمت كلمة "الحاسب" في اللغة الانكليزية منذ منتصف القرن السابع عشر لكنها ظلت حتى منتصف القرن الثامن عشر تعني" ممتهن عملية الحساب" ومع ذلك يظل البشر قاصرين في عملية الحساب من ناحيتين، اذ لا يمكن اجراء حساب أكثر من عملية حسابية في نفس المرة، كما انه يرتكب اخطاء حسابية. لكن الحواسيب ظلت كبيرة الحجم وعصية على الفهم، وتتطلب حجرات خاصة مكيفة يشرف عليها رجال يعتمرون بذلات بيضاء ويرطنون بألفاظ طلسمية. هذه الحواسب لم تجد طريقها إطلاقا الى الحياة اليومية لمعظم الناس.وظلت أيضا باهظة الثمن بسبب ما أطلق عليه علماء الرياضيات استبداد الارقام. وبدأت الحواسب تغزو الحياة اليومية بوقع عجيب بعد أن تحطم استبداد الارقام، فقد استعرق ظهور مصطلح " الثورة الصناعية": أكثر من ستين عاما منذ ظهور المحرك البخاري الدوار الذي ابتكره واط .

واليوم لدى عشرات الملايين من الاطفال والكبار على مكاتبهم وطاولاتهم " قدرة حاسبية" لم تكن في متناول أحد سوى الحكومات الوطنية قبل ثلاثين عاما مضت.
وارتفع استخدام الانترنيت كثيرا في منتصف التسعينيات ، واليوم بعد قرابة عقد من الزمن يربط هذا النظام ملايين الحواسب حول العالم.
وبدأت شركات تجارة التجزئة أيضا تزيد مبيعاتها عبر الانترنيت ، اذ باتت تسلم الطلبيات الى كل انحاء العالم.وغالبا كان يتم التسليم في اليوم الثاني بفضل خدمات البريد السريع مثل " ويو بي إس " .

كما أن وسائل الاعلام الجديدة تشهد تحولات جذرية بسبب الانترنيت.وظهرت الولايات المتحدة الآن وحدها أقوى بلدان العالم من دون منازع . لكن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يكونوا المنتصر الأوحد في الحرب الباردة.لقد انتصرت الرأسمالية والديمقراطية أيضا. وثبت فشل الاشتراكية بوصفها نظاما اقتصاديا.
وفي عام 1990-1991 كان الركود أخف وطأة في القرن العشرين وبدأ الاقتصاد ينمو مجددا ومن ثم بلغ مستويات مرتفعة مع ظهور ثمار الانترنيت والتطبيقات غير المحدودة للمعالج الصغير.كان وجه القصور الوحيد في الاقتصاد الامريكي هو الميزان التجاري الخاسر وكان يعزى ذلك الى ضعف الاقتصاديات الاجنبية بشكل عام وليس للاقتصاد الامريكي فحسب.

وفي صباح 11 من سبتمبر المشئوم الذي غير وجه العالم الضاحك الى عالم يعتريه الحزن والدموع ، ضربت طائرة مخطوفة البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في نيويورك . وبعد دقائق ارتطمت طائرة اخرى بالبرج الجنوبي،وانهار المبنيان في أقل من ساعة. لقد شكل ذلك هجوما مباشرا على العاصمة المالية لإمبراطورية الثروة.
وطائرة ثالثة ضربت البنتاغون رمز القوة العسكرية الامريكية، وتحطمت رابعة في حقل بنسلفانيا، وللمرة الاولى منذ واقعة بيرل هاربور هوجمت الولايات المتحدة في عقر دارها، ولاول مرة تتعرض الارض الامريكية للهجوم منذ أن نزلت القوات البريطانية في لويزيانا في ديسمبر 1814.وللمرة الرابعةفي أقل من قرن أعلنت الولايات المتحدة الحرب على قوى رأت فيها عائقا أمام مدها العصري، لكن هذا الهجوم لم يأت هذه المرة من( أمة-دولة) و انما من زمرة من المهووسين الذين يبيتون مكيدتهم بالخفاء.


هذا وقد رأينا كيف بدأت أمريكا ،وكيف هي عليه الآن ، وما الحروب التي خاضتها ،وما التجارات التي قامت بها، والرؤساء الذي ترأستها، والأزمات التي مرت بها، وووو وأخيرا ااسف على على الاطالة في تلخيص هذا الكتاب، رغم اني لم ارد ذلك إلا أنني رأيت من الخطأ أن اختصر تاريخ أمة في صفحتين وااسف مرة أخرى بأني انهيت كلامي بفقرة تتكلم عن الحرب سواء باردة او ساخنة لكن هذا هو الواقع الذي نراه أمامنا فإن تغير الواقع فسأعدكم أن أغير كلامي وانهيه نهاية سعيدة غير تراجيدية.

#نورس_محمد_قدور (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات