أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صارت صالحة للنشر















المزيد.....

تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صارت صالحة للنشر


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ستفرد إطلالة هذا اليوم الربيعي، الذكرى السبعون لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، أجنحتها في سماء أرض دجلة والفرات مزهوة بسقوط الجلاد ونظامه الاستبدادي، تهيل نسيم الوطنية الحقة في كل الأرجاء، تستنهض همم كل الخيرين من أبناء العراق في النضال الدؤوب من أجل استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية وترسيخ الديمقراطية.
تنسم العيد السبعون الأغر يختلف هذه المرة، لأنه يهيج عبق ذكريات ظلت مأسورة في دواخلي كل سنين الصمت الموحشة، ذكريات لم تصغ لإذونات الساعة الكفيلة بتمريرها عبر شبابيك النسيان المشرعة، ذكريات متقدة، أجد من المناسب أن اسطر نتف منها بعدما صارت صالحة للنشر.
أقمت طقوسي المتيسرة لأخر احتفال بهذا العيد قبل ربع قرن لوحدي عام 1978 في أقصى شمال العراق على سفح أحد جبال كردستان الشماء في منطقة سيدا، تلك القرية التي وصلتها قبل ستة أشهر تقريباً ببدلة الكاكي بعد أن طويت شهادتي الجامعية وأخفيت كل حاجاتي ومشاعري وما أحسبه نصفيّ الثاني، كان الوصول إليها شاقاً في ذلك الوقت حيث تقطع السيارة من مدينة العمادية الى أن تصلها حوالي خمس ساعات، يتخللها ساعة أو أكثر من المسير المتقطع مشياً على الأقدام لقطع بعض المسافات الوعرة التي يصعب على السيارة اجتيازها بالراكبين.
لقد تعذر عليّ خدمة الوطن إلا منفياً في هذه الربوع القصية، ذلك هو عرف الجلاد وما جادت به سطوة التقارير التي كانت تتقاطر وتتناقل بسرعة البرق في ذلك الزمن الردي، تنشد بالبهتان سلامة الوطن من أبنائه الذين يحملونه هموماً بين ثناياهم، من أولئك ضحايا القهر الهمجي، السائرين بكل عنفوان لبناء الوطن المنشود تحت راية حزب الكادح فهد، غير أبهين بكل الوشايات، وما أسهل تلفيقها من منافق متحجر القلب يرتجي ارتقاء سلم العهر لنيل المكاسب، كنت حينها كما الأسير تحت الارتهان القسري، أحاذر حتى الحيطان التي تكورت الرهبة فيها وصارت لها آذان، ألوذ بالصمت ساكناً ملاذي المكين، في إنطوائية تبدو متكلفة، ذلك ما لم يهضمه العريف سيد مهدي الجنوبي البسيط أبن هور الجبايش الذي يحشر أنفه في كل الأحاديث، برم يوما ما واثقاً من نفسه أمام جماعته متعهداً لهم بأنه سيقع على سر هذا الصامت الذي يكتب الرسائل له.
كان الواجب الصباحي روتينياً هناك، مراقبة الطريق العام (المراباة) يبدأ من شروق الشمس وحتى مغيبها في نقاط نتوزع عليها فرادى تبعد الواحدة عن الأخرى بحدود 50 – 100 متر، كنت دائما ما أبقى في واحدة منها لا أحب تغييرها وأرتب ذلك بشكل مهذب اعتاد عليه الجميع بسبب قربها من عين الماء رغم تململ البعض من ذلك الاستيطان الدائم لتلك المنطقة التي كان يباشرها بشكل يومي فلاح من أهل المنطقة لا يهتم كثيراً بزراعتها بقدر اهتمامه بجمع الحطب وصيد طير القبج بطريقة ماكرة حين يتم فيها استغلال واحدة من طباع هذا الطائر الجميل، فهو مجبول على ممارستها بالانحدار ليلاً من قمة الجبل الى أسفله، توضع في طريقه بعناية حلقات من أكوام الأشواك على مدار محيط الجبل تشكل دوائر متقاربة تعلو الواحدة عن الأخرى عشرة أمتار تقريباً، تترك مسافات قليلة متباعدة ضمن مدارها كي تسمح له بالمرور من خلال الفسحة الغير مشوكة، هي الفخ الحفرة المغطاة ببوابة خشبية صغيرة ذات نوابض تنفتح من منتصفها الى قطعتين عند مرور ثقل بسيط عليها سيؤدي الى وقوعه في وسط الحفرة العميقة، لتعود البوابة بعد ذلك تنطبق بفعل نوابضها عليه، وإذا قدر لهذا الطائر المسكين أن يفلت من حلقة الأشواك الأولى فسيقع بالتأكيد في فخاخ الحلقات التي تليها.
ما أثقل ساعات الوحدة التي كنت أقضيها هنالك، أتابع هذا المنظر الذي آلفته بشكل يومي عن كثب، أتفرس بكل كياني وليس بعينيّ فقط لحظة إخراج الطائر المغلوب على أمره من الحفرة وأصابع ذلك الرجل تغور بدواخله وهو لا يقوى على الارتعاش أو تحريك أجنحته، ولا حتى على الصراخ، يعتريني لبرهة شرود ذهني لا أستطيع التركيز فيه أو مسك تلابيب خيالي الشارد، أتفقد بمشاعر حنين المسافر كل الأحبة في المدن البعيدة الذين تركتهم هناك، وفجأة ينتابني الفزع، التفت يمنة ويسرة بحركة غير إرادية، سحقاً للقدر الذي جعلني أتوجل من وقع الخطوات، حمداً لله أنهم لم يأتوا بعد. كنت أشاغل نفسي بمراقبة ذلك الفلاح النشيط الذي لا يجمعني معه غير رده السريع على تحية الصباح دون أن يبدي أي اكتراث لها حتى كونها باللغة الكردية التي أجيد، يتحامل الحضور قبلنا مبكراً، كي يفتش عن غنائمه أسرى الليل، خوفاً من سرقتها التي تحصل بعض الأحيان، أتنفس الصعداء بعد أن يغادر هذا الرجل بصيده المكان الذي أتوحد مع وحشته بقية اليوم في انقطاع بشكل كامل عن أضواء المدينة وصخبها، وكل مضاهر الحضارة المدنية، يا لهول تلك اللحظات، سارح متأمل، أجتر آلامي كل حين، لم تقوِ كل المكابرات التي أتقنها على إبعاد هاجس السوداوية الذي يغلفني، ويغلف الأجواء في البلد كلها أيضاً، كانت علاماتها تطفو على السطح واضحة، تتخيلها بشكل جلي مداركي المتيقظة، المرهونة بالقسر للزمن الموقوف, وقدري أن أكون فاقد في تلك المتاهات فسحة المغامرة والخلاص مما هو آت من عاديات الزمن.
قبل يوم تهيأت لاستقبال الواحد والثلاثين من آذار بجمع كميات كبيرة من الأخشاب اليابسة المتناثرة على سفح الجبل هنا وهناك، وخططت أن أحتفل على طريقتي الخاصة بإيقاد شعلة ولتكن أزليتها لسويعات أقارب فيها الفرح الآذاري معاً، فقد تخطى نوروز أمامي قبل أسابيع، ولم تكن مراسيم استقبالي له كالعادة، علني أقبض على أكبر قدر ممكن من البهجة في هذا الجو المشحون حين أستحضر كاوه الحداد وكل صلابته وزهوه بيوم الانتصار، لتندمج مع هذه المناسبة العزيزة عليّ متجاوزاً على محدودية قدراتي في الغناء لبعض مما أحفظه من الأناشيد الذي يمثل استحضارها بالنسبة لي في تلك اللحظة إصرار على تحمل كل أشكال الجور والمتاعب وفاءاً لكل المناضلين سالكي هذا الدرب من الشهداء والأحياء، تركت شعلتي هناك في كردستان متقدة، وعهدي بها باقية رغم مرور كل السنين الموحشة، لا خوف عليها...
مادامت ربوع كردستان قد رويت مدراراً بدماء الأنصار البررة...
مادام سيل نزيف الشجعان من الشهداء في أرض العراق ظل هادر في الحقبة المعتمة...
مادامت دروب النضال ترفل بعطايا الضحايا من الشهداء الأحياء...
مادامت أجداثهم الشهداء إشرئبت أعلاماً ترفرف في سماء العراق...
مادامت أرض الفراتين ترفل بالنسغ الصاعد من رحمها...
وارفة بالعطاء ستبقى شجرة الأمل، تشع نظارة مذ عرفتها وأنا بعمر ثمان سنوات، حين جعلتني الظروف أتلمس شموخها لأول مرة عن قرب في وجوه أبناءها كل الذين رأيتهم في طفولتي داخل السجن الذي كنت مواضباً على زيارته في كل مواجهة آنذاك، نهلت منها، كبرت معها، يغمرني الوفاء لها، رغم كل الندبات التي خلفتها أخطاء حاملي بوصلتها، ولازلت أتفيء بظلالها، ولكن ما عدت أحتمل العوم مرة ثانية في النهر، تلك قناعتي تعمقت، بعد سقوط النظام الديكتاتوري، وسط الخراب بعد ما رأيت اختلال موازين خط الشروع، والتغاضي عن سبر أغوار مجانبة الصواب.
مرحى بالذكرى آلق السبعون التي تختزن في ثناياه الموروث العقائدي النقدي الثر، والكثير من المعاني، التجارب، العبر، الدروس، التي صار بكل ثقلها ونجاحاتها ومديات صوابها، ومراراتها إرثاً ينهل منه نثار الشجرة الواعد لبناء الغد المشرق.
مرحى بالعبق المتفرد الذي يمنحنا الفسحة في استذكار تلك الطليعة المثقفة من الشباب، حملة الأفكار النيرة التي ساهمت بداية الثلاثينيات من القرن الماضي في إرساء اللبنات الأولى للفكر الماركسي من خلال نضالها الدؤوب في تشكيل الخلايا الشيوعية في كثير من مناطق العراق، لتكتب بذلك بداية سفر الشيوعية الخالد، تلك البدايات السباقة المستنيرة التي استطاعت استشراف أولى الضروريات الملحة وصياغة تلك الرؤى الفكرية في تنظيم سياسي على أرض الواقع، يعبر عن آمال وتطلعات الشعب العراقي وطبقتة العاملة.
سلاماً لأرواح كل شهداءك يا حزب الميامين

أحمد الناجي
العراق



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمة تونس تنفض قبل إنعقادها، يشهر العرب فيها سلاح الانبطاح
- قمة تونس تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر
- التاسع من نيسان يوم أمريكي محض وقدرنا أنه حدث في العراق
- صدام محطة مريرة لفظها العراقيون من ذاكرتهم ودفعوا ثمنها غالي ...
- بغداد .. أي ذاكرة هذه التي تتوقد بعد كل هذه السنين
- الدم ينتصر على السيف


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صارت صالحة للنشر