أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صلاح الداودي - من اجل اساس مادي للغيرية :المشترك















المزيد.....

من اجل اساس مادي للغيرية :المشترك


صلاح الداودي

الحوار المتمدن-العدد: 2577 - 2009 / 3 / 6 - 10:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"فكّر بغيرك ..."
محمود درويش

ليس علينا أن نكون لا حراس غيريّة ولا رعاة لفكرة الآخر بعد ما مرّ عليها من الدهر وهي فكرة صاعدة تشرق تارةً وتأفل طورًا. ولعل تعذّر صدور شيء آخر عنها ليشهد على أنها في أزمة هي بالأحرى صنيعة أزمة نسيان التفكير في المشترك على أنه الفكرة الأكثر غيرية وجذرية و تعبيرا عن النمط العالمي للوجود الراهن على هذا النحو بالذات ودون جماعة ما محددة هي "جماعة كل عديمي الجماعة" على حدّ تعبير جورج باطاي.

"الغيريّة هي المفهوم الأكثر تنافرا مع الحسّ السّليم".
رولان بارط

ثمة في الأقل، على ما يتراءى لنا، نوعين من النظر إلى الغيرية. أولهما نظر لا يتقوّم إلاّ على نفسه عندما يبدوا موغلاً في الفردية. وهو ذلك الذي ينشد الإعتراف والتقدير اللذان ينحدران في الأصل من جوهر لاهوتي ـ أخلاقوي و قد أصبح لبراليّا مقيتا بلا حرية و بلا أخلاق في الأصل وفي نهاية التفاصيل. وهو يعتمد، إلى حدّ ما، على هندسية حسابية من لوك و من بعده هوبس و من بعدهما هيغل وصولا إلي مريديه الأوفياء من أبناءه و أبناء أبناءه و أبناء أبناء أبناءه من بروسيا إلي البيت الأبيض. وله كذلك أن يأخذ وجهة فينومينولوجية وصفيّة تكون كالسرد المخفّف أو الكتابة الخاصة عن الذات وقد أزعجها الزمان وهتّك ذاكرتها و مالها و مآلها.
تضمن هذا النوع من التفكير ذاتية تبحث عن إقامة هدنة مؤقتة مع غيرها على أن تكون هدنة تحمي سيادتها على وجه التحديد. وهي في نفس الوقت تبريرًا للهيمنة في اعلي مراحل الهمجية في ما وراء علم الوحوش وتحت شعار مواصلة السّيادة بطرق أخرى. فهي إذن غيريّة مسلّحة تنتظر لحظة الإجهاز على الآخر حربا وسلما. وعلى هذا النحو فهذه الغيريّة المعتمدة على نفسها والعائدة إلى هويتها الخاصة هي تنكّر واختزال للأغيار المكوّنين لها. فالغيريّة هنا عنف الهويّة. أختها وشريكتها ووليدتها ووريثتها وضدها الداخلي. هي عنف العقل وهو عنف بلا فعل وقبل الفعل. فهو، بالنتيجة، يهدّم كل إمكانية للفعل ويعطّلها. وعلى ذلك فهذه الغيريّة إنما هي هكذا "خالية من الشعر" :"أنا من أنا ولكل أن يكون من هو" و مخرّبة لبيته. فهي إذن، بالحقيقة، غيريّة تزعم الإعتراف بالآخر ولكن كلا آخر فيه Inautre وكلا آخر أصلا إذا جاز التعبير بهكذا شكل; أي لا غيريّةInaltérité . إنها غيريّة تحوز مكان الملك ومكان الله ومكان الشاعر ومكان الشعب. هذا هو متوازي أضلاع الرّعب والنفوذ على كل شيء. وما هذه العروش المشغولة حينا والشاغرة حينا آخر إلا إفراط في التوهّم والإيهام بأن الأنا الواحد الأوحد الوحيد باسمه الواحد حدث فريد وغير مسبوق ونهائي.
إنها تلبس الثوب الجديد للذات التي هي ليست حقيقتها وتعتنق صفاتا متعالية على حقيقتها. ها هي تنزع أمام أعيننا إلى أن تكون غيريّة ناعمة ولطيفة وعذبة، بل أكثر من ذلك، مغرورة مكابرة دمقراطية كاذبة ووحشية بالمقام الأخير. والحق أن الوضع الراهن لهذا الرّهط من الغيرية يجعلها تنخرط في نحت وجه هائل الرعب والرهبة مشحون بإرادة التدمير لا غير. ذلك هو ما يمكن أن نسميه وجه الترّوقراطي rocrate ter المنكّد والمنغّص والمُبيد والمُنتج لكل أصناف الإستغلال والإستعباد والإستنزاف والفيلسوفُ " المشرك" المسكينُ لكل الاغيار في نفسه و المشرك غيره في كل ما يفكر فيه و المشرك بالناس في الناس في جميع أمورهم، حتى ولو كان يابانيا أو ألمانيا أو أمريكيا أو فرنسيا... من الثمانية الكبار ليس هنا بمُحَرَّمٍ على الإستثناء إذ يُلَبَّسُ ما يُلَبَّسُ المسلم المسكين عندما يتمّ تجميده عنوة ليوضع على مقود شاحنة مفخّخة بالأسلحة الكيماوية وتحت إشراف احد رؤساء الدول العظمى. فلولا أنّ الفيلسوف غيرٌ لدود لثبت لدى المخابرات العامة والإعلام الوقائي أنّ لكل عصابة فيلسوف. أكيد أن من لا يعرف نفسه لا يعرف الناس جميعا ومن لا يعرف غيره لا يعرف نفسه ولا يفكر حتى بنفسه. ولكنه لا يمكن للتفكير ولا للمعرفة ولا للاعتراف أن يكوّنوا هنا حيازة نهائية ودليلا كافيا على الحق في إنتاج الآخر الضروري لأنفسنا. وعليه فالغيرية هنا هي إستراتيجية محافظة واستبعادية. إلاّ أنه ثمّة نوع ثان من النظر في مسألة الغيريّة ومن التفكير في الغير. أقصد التفكير الغيري في حد ذاته وكما ينطلق من الفعل الجماعي والمشترك المسكون بفكرة التدبير ونوعه. يمكن أن ننظر إلى هذا النوع على أنه انطولوجيا وإنشائية في آن واحد. حيث أنه يكون تسجيلا إلتزاميا، سردا جذريا، انكشافا وإنعطاءا. وهو على الأرجح نقد داخلي يعبر عن نفسه كالتالي: لست لي و لست واحدا لا "لست احدا" كما خيّل للشاعر فرناندو بوسّوي. إنه واقعة غيرية أو أزمة غيرية قبل أن تكون أزمة هوية. إنه تساؤل جاد وحيرة دائمة: أنا وإن كنت فإنني ما نكون وما سنكون ( صائرا ما يصير). إنها لا عنف أو لا عنفيّة غير أنها نشيطة أي عنيفة لا محالة إذا تعلق الأمر بإستنفاد وتصفية الآخر المشترك الذي هو شرط اللاعنف. هذه غيرية لا تنفكّ تترحل ولا يقر لها قرار Transnomatique (1) وهي غيرية تقيم في "أوضاعها القصوى" مفترضة إشتراكا وإلتزاما تواصليين.
إذا ما تجوزنا لأنفسنا النظر في الغيريّة في التاريخ العام للفلسفة فإننا نلخص ـ لأمر إجرائي وليس إختزالي ـ في غيريات ثلاثة هي:
1ـ الغيريّة كمقولة وجود مجردة من حيث هي ماهية وعدد ( وفرة أتباع الماقبل أفلاطون وأفلاطون والأرسطيين ومن بعدهم. )
2- الغيريّة كشرط تفكير وتدبير وهي في الغالب الأعم إنّية و انانة وذاتيّة متعالية وترنسندنتالية ومطلقة ونومادولوجيّة ( أتباع ديكارت وكانط ولايبنيز وهيغل...).
3ـ الغيرية كواقعة تاريخية وكمشكل إجتماعي ونفسي ( وفرة أتباع دوركايم وماركس وفرويد ...).
إلا أنه ثمّة غيرية رابعة تاريخيتها مضادة وعلاماتها منثورة متناثرة في ما يمكن أن نسميه غيرية ملازمة ومحايثة أو غيرية حياة قد تنبني على اللامتناهي واللامحدود والمفتوح والمعية والمابَينيّة عبر- الشخصية ويلتقي فيها العقل بالعقل والحس بالحس والفعل بالفعل والمشترك بالمشترك ( هيرقليط، إبيكور، لوكراس, هيدوغير,فيشته, ماكيافال, نيتشه, هيوم, برغسون, سبينوزا, ماركس... إلخ.)
ما يهمنا هنا من اللامتناهي أو اللامتناهي الجديد ومن الحياة النشيطة والوجود بمعية وعلى السوية, هو هذا الإشتراك وهذا الإنشغال بالمشترك الذي هو فضيحة الوجود وفضح للوجود الذي يدّعي أنه كذا أو كذا; هوية أو إختلاف, ماهية أو وجود, واحد أو متعدد, قديم أو محدث, أنا أو آخر, إمّا وإمّا أو إختلاط غير أصيل وغير مسؤول. إنها فضيحة وجود لا يعرف إلا نفسه, لا يعرف حتى نفسه: إما يعرف الإسم فقط وإما لا يعرف حتى الإسم. فأمّا المشترك فهو وجه عام, إسم مشترك, أرجوحة يتسلى عليها الزمان. إنه تاريخ طويل, وهو ليس وادي دموع أو تاريخ دموع وإنما دموع عامة وبكاء علنيٌّ على الآخر "Lacrimae rerum" ( 2)
ليس المشترك طريقا ثالثة وإنما ثانية وبديليّة.
قد يكون قلب السؤال إذن هو هذا: ما الذي تحقق من الذاتية والبيذاتية والغيرية؟ ألم تكن وعود الحداثة والتنوير وعودا كاذبة؟ وهل أن الغيرية هي أكثر الأفكار شيوعا وتوزعا بين الناس أم أنّها مجرّد فاصل إشهاري للمغامرات الفاشلة والمكابرة والصّلفيّة؟
إنه إذا جاز لنا أن نفكر في المشترك إنطلاقا من فكرة الجماعة فإنه علينا أن نبدأ بتثمين ما تحقّق من ذلك وهي خمسة أطروحات على الاقل, واكثر, وهي:
1ـ "الجماعة المعطّلة" و"الجماعة المجابَهة" لجون لوك نانسي (3)
2ـ "الجماعة المجحودة" لموريس بلونشو (4)
3ـ "الجماعة غير المكتملة" في رأي يورغِن هابرماس في عمله حول الحداثة.
4ـ "الجماعة المقبلة" على ما يفكر جيورجيو أغمبان ( 4)
5ـ "جماعة من لا جماعة لهم" حسب عبارة جورج باطاي.
هذا دون أن نتجه هنا صوب نظريات الجماعويّة ""communautarisme كما عند شارلز تايلور وساندارس وغيرهما.

"... كيف للأثير المشترك بين الجميع أن يندفع أنّى يصير)؟(..."
برمينيدس


إننا إذا ما واصلنا التفكير من منطلق من نحن وما نحن عليه فإننا لا بد من نكابد اليوم فكرة أننا أصبحنا جمهوراMultitude , فكل فردية هي إذا جمهور متعدد وكثيف. ومن هذا المنطلق فكل جمهور سواء أكان ذاتا أو كان جماعة يفكر أن مشترك هذا الجمهور إنما يوجد داخله أو من حوله. إنه كل شيء مشترك, والمشكل العنيد ها هنا هو كيف لا تكون الغيرية أساسا للمشترك؟
إنّ الشرط الأولي المهم هو شرط فلسفي ألا وهو التعدد ومن بعده الشرط السياسي وهو المشترك بما هو إشتراك وتشارك في وضعيات تاريخية وشروط حياة أساسية وقائمة بذاتها. والمشترك هو إنتماء إلى ما نحن عليه كهويات وكغيريات صائرة إلى مشترك يتقوّم في كل مرة في إختلافه عن كل مشترك مزعوم وهو سائد. إنّ شرطا كهذا يهيئ مقاما أنطولوجيا ما بعد محدث ""Postmoderne للمشترك إذا ما نجم عنه ثالث وهو طاقة أنطولوجية يحوز فيها المشترك منزلة قوام وجود.
لا يكمن الرهان في مثل هذه المواضعة علي كيفية قدوم الآخر أو كيفية أن أكون في الآخر وللآخر وإنما في كيفية إحتماله والإشتراك معه على أية صيغة حقّت بإعتبار أنّ المشترك هو قلب الرحى تدور فيها كل صراعات ومقاومات الجمهور من أجل الحياة. وهكذا يفرض ذلك إشتراكا في لغة تقول بها هيئة الوجود التي نحن عليها وشكل الحياة الذي نقاوم من أجله. وبهذا المعنى فقط نكون جماعة أنطولوجية ."Une communauté ontologique" ( 6)تلك هي اللغة التي توفر لحما مشتركا (7) "Une chair du commun" وهي تتكون من أنماط الإستغلال الجديدة التي ليست فقط موضوع الفكر وإنما قدرة وآقتدار الجسد على أن يتحمل نفسه كفضاء مشترك وكشاهد على الما يحدث. فالمشترك إذن حدثانٌ أكثر مما هو وجــــــــود وتــــفرّد كثيف ومتنوع ومتعدّد أكثر من كونه عدد. ومــــــع ذلك يظـــــــــل هـــــذا المــــشـتـــرك مســـتجـــدّا وبـــصـــــيــــغة الــــــــجمـــع:"Les communs"،"Les communs inédits" كما يفكر سلافوي جيجاك، وهو مقدّمة أساسية لنوع من الوجود المشترك كشأن مشترك "Res communis" بحيث أكون شأنا عاما جسدا وعقلا. أي, بعبارات أخرى, أمرا جماهيريا وليس قرارا نظريا أو خطة سياسية ضابطة أو أمرا أخلاقيا أو دمقراطية توافق امني أو قضاءً ميتافيزيائيا.
فكيف أحتمل إذا أن أكون لحما أنطولوجيا (8) "Chair d ontologie" مستعدا في أي وقت لأن يكون خيرا مشتركا "Bien public" أو نعمة ومنفعة عامّة. يفترض منّي ذلك أن أقبل بوجودي على هذا النمط وأن أفهم حياتي كــهــوى مـــشــتــرك "Passion commune" وكـــفــعـــل مـــشترك "Action commune". (9)
تلك مقامرة كبرى لأنها قد تصل بي إلى حدود الإنسان العبد أو الغلادياتور"Gladiateur" أو الإنسان ـ الضحية المقدسة/المدنسة القابلة للقتل"Homo sacer" حسب التشخيص المفهومي الذي يورده أغمبان في ثالوثه عن هذا الإسم. على أن الأمر أعمق وأخطر من أن يكون يخصني لوحدي أو يخص غيريّتي أو غيرية غيري. على مشارف هذه المغامرة لا بد حينئذ من قرار حاسم.فماذا يعني أن أقرر اليوم؟ إنه حدث تفرّد, حدث متعلق بلحظة مناسبة ومواتية "Kaïros" بإعتباري ذرة من الذرات المنحرفة على كل الغيريات الأخــرى المكــونــة للمشتــرك. أن أقــرر إنطلاقــا مــن مشترك صائــر"Devenir commun" يعنـــي أن أواجـــه الإفـــــراط والـــمغــــالاة"La démesure" دون أي حساب ودون أي عقل خاص. أي أن أكون عقلا عاما ومشتركا"Général intellect" علي عبارة ماركس في الغراندريس Grundrisse. وأن أتخلى عن الغيرية ككاريكاتور لي ولغيري من جانبي أنا ومن جانب غيري. وأن أتخلى بلا رجعة عن المطلق لأنه قصة خيالية "Fiction". قرار كهذا ليس سوى التاريخ الطويل لإنتاج المشترك ولإبداعه في مسار تكوين وتوليد وتنشيء جمهور نوعي أو كائن مهارة كان تحدّث عنه ماكيافيل "L être centaure homme-homme" خلافا لما شاع من لا فهم فظيع ويتحدّث عنه اليوم باولو فيرنو وربما كمعجزة من نوع خاص هام بها فيتجنشتاين.
إن المشترك الذي حيّر عزمنا عليه أنطونيو نغري هو أكثر إشتراكا على الدوام. وهذا الجمهور الكائن النوعي هو خارج كل قياس, متمرد على كل فعل محكوم بسلطة مهما كان نوعها وإلاّ تأبدت أزمة المشترك: جمود المشترك"L hypostase du commun" بلا نزيف لا داخلي ولا خارجي. المشترك هنا هو على الاختصار وضع الحياة موضع مشترك: إعطاء الحياة لأنّه أضحى من المستحيل في هذا اليوم أن نفصل الحياة عن الفعل. لعلّ أخص هذا الأمر هو أنه بيوسياسي يعني مقاومة وحياة; صيرورة مقاومة وصيرورة حياة مشتركتين. ومن أجل أن يصبح ذلك واقعا فإنه "يجب أن تكون شروط التعبير عن المشترك موضع إمتحان على أرضية الإيطيقا والسياسة". والأمر ليس مجرّد تواصل أو فعل تواصلي وإلاّ إنتحر المشترك من فرط هشاشة التواصل وإستهلاك أدواته ومن خطورة ردّه إلى مجرّد تواصل هابرماسي.
ليس المشترك إذا هامشا أو سلبا تمّ إستيعابه و تجاوزه أو قلقا بإنتظار الآخر وليس كتابا مفتوحا ولا أفق إنتظار وليس هو ألف سطح ولا ألف برج ولا فضاء إسترخاء من التوتر ولا بوابة للإمتداد. إنّه يقاتل من أن أجل أن لا يقاتل وسيفه في يده ذلك لأنه إنفتاح متوتّر ولا حدّ له ولا يعني جنون السلام لديه هَوَانُ نفسه عليه ومن يتّبعه هكذا للحظة سيخشى هجوم الغير عليه فيدبر نحو "الهويّة القاتلة"(أمين معلوف ).
هذا المشترك قد نموت فيه وقد نحيا إلا أنه فضاء مشترك لتجربة الحياة قبل الموت بحيث يكون واقعةٌ ـ قيامة حيوية مدنية ومحايثة لا يكون الموت فيها سوى فكرة تموت أمام كل قرار عزيز على القتل عزيز على الحياة.
إنّ هذا النمط من التفكير في أساس مادي للغيرّية إذا ما ظلت صالحة للاستعمال هو نمط بيوسياسي biopolitique مضاد لكل انواع التدمير اللبرالي الجديد للحياة و هي ترزح بطبعها تحت مجتمع رأس المال سواء أكان وليد اقتصاد رأسمالي أو وليد اشتراكية الدولة socialisme d’état أو شيوعية المال communisme du capital, وهو كذلك لأنه منكب على المشترك "فيما أبعد من الخاص ومن العام" ( 10)ولأن هذا المشترك لا ينشأ إلا من صلب الجمهور وهو شرط كل تقويم إجتماعي علاوة على كونه فضاء سياسي لتشكل ولإبداع كل ذاتية. وهو فوق ذلك كله "نسيج مادي" (ص.87) لكل بناء أنطولوجي ولكل إنتاج مادي ولامادي سيّما أنه إقتدار دائم وقدرة لا متناهية على التغيير. وقبل ذلك كله "قاعدة التراكم" (ص. 89) وبعده، "نتيجة سيرورة الذّيتنة" (نفسها) فهو إذا "حاصل كل ما تنتجه قوة العمل" (ص. 91)





"كم كنت وحدك" / "أنت منذ الآن غيرك"
محمود درويش
حول ماديّة المشترك le matérialisme du commun

قد يكون مدار المشترك هو مدار الغيرية نفسها، ولكن حقيقة ما أردنا البرهنة عليه هو على عكس ذلك. يعني أن أجهزة الغيرية وأدواتها هي من أجل المشترك، وهي تاريخ المشترك الطويل والممزق إلى غيريات. وبناء على ذلك، فالمشترك هو تفكيك وبناء ريزوماتيكي ونشاط حيوي. غير أن ما يهمنا على وجه الدقة هو ما يمكن أن نسميه الإلتزام المشترك وهو يتقوم على أجهزة الإستقلالية، الإنفتاح، التعدد والخلاسية . ذلك هو أساس وسبيل الجمهور، المقاومة، المشترك، الإبداع. وتجعل هذه الأسس، التي لا تعنى بالمفهوم وحسب بل بالواقع قبلا، من الإستقلالية حقيقة (حقا) وتجعل الإنفتاح طليقا ومن التعدد صريحا ومن الخلاسية hybridité مسؤولة ورفيعة ضد كل أرهاط الإشتراك الفاسد والهجنة الخاسرة. فيبعث ذلك فينا عودا يوكرونيّا uchronique مختلفا فيه فضل هذا الإلتزام المشترك بما هو كثيف ومتفرّد وكريم وروديسالي.
الغيرية إذا عنصر من عناصر المشترك لا بد لها من أساس مادي هو عنصر المشترك ذاته. فماذا يمكن لها المشترك أن يحقق إذا ما لم يكن فائض تنوير وفائض عقل وقلب، فائض قيمة وجود وإيطيقا، توزيعا للذكاء العام المادي والحسي وإبداعا له. تصبح فلسفة المشترك ضمن هذا الأفق، أفق الإلتزام الحيوي المشترك إلتزاما بحد ذاتها، حوارا مع الجسد، إشتراكا تضامنيا، حبا للجسد وحبا للحدث حتى لا تجعل من حبها للمشترك أداة تعاليه فينقلب مخادعا مخاتلا ومفسدا لروحه ولمادته أي الجمهور; الناس.ويصبح الفيلسوف إبن السبيل وعابر السبيل صديق الجمهور وحبيب الناس.

صلاح الداودي






1ـ Félix Guattari, Chaosmose, Galilée,Paris, 2005. P.157.
2-Slavoj Zizek, Lacremae rerum. Cinq essais sur Kieslowski, Hitchcock, Tarkovski et Lynch. Paris, 2005.Editions Amsterdam.

3- Jean-luc Nancy, La communauté désæuvrée, Paris, 1999, Christian Bourgeois éditeur & La communauté affrontée. Paris, 2001. Galilée.
4 - Maurice Blanchot, La communauté inavouable, Paris, 1983. Minuit.
5 - Giorgio Agamben, La communauté qui vient. Théorie de la singularité quelconque. Paris, 1990. Seuil.
6 - Antonio Negri, Du retour . Abécédaire biopolitique, Paris, 2002. Calmann-lévy. P. 126.
7 ـ نفسه، ص.250.
8 - Antonio Negri, Kaîros, Alma venus, multitude, Paris, 2001. Calmann-lévy, P. 85.
9 ـ نفسه، ص ـ ص. 71ـ91.

10 - Paolo Virno, Paris, 1996, Miracle, Virtuosité et "déjà vu", trois essais sur L idée du Monde. Editions de l éclat.
11- Antonio Negri, Fabrique de porcelaine. Pour une nouvelle grammaire du politique, Stock, 2006.P.83.





#صلاح_الداودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلا اعضاء
- الغصن الذهبيّ,غزة 2009
- حملُ الاطفال
- وطني....
- غزّا غراد
- ضحايا وقتلى ام ابطال وشهداء
- هجرة الحواس
- سينمائيو تونس، مزيدا من الجهد لو سمحتم
- كوريغرافيا المذبوحين 2
- كوريغرافيا المذبوحين
- نحو -جمهورية الجماهير- أو الجمهور كواقعة ما بعد ديموقراطية


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صلاح الداودي - من اجل اساس مادي للغيرية :المشترك