أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - خبر وصينية كُنافة (قصة قصيرة).















المزيد.....

خبر وصينية كُنافة (قصة قصيرة).


زياد صيدم

الحوار المتمدن-العدد: 2576 - 2009 / 3 / 5 - 01:44
المحور: الادب والفن
    



لم تكن الزوجة لتغفو ساعتها الإضافية بعد السادسة والنصف صباحا، توقيت خروج أخر صغارها للمدرسة، فقد اعتادت على أن تكسب ساعة نوم أو أكثر قليلا قبل أن تنشط كربة بيت من الطراز الأول، استعدادا لجولة ثانية من تلاميذ ما بعد الظهر في الفترة المسائية.. حتى دق جرس التليفون .. وضعت السماعة جانبا وأخذت تنادى على زوجها الغارق في بدايات نومه، فقد اعتاد على النوم بعد أذان الفجر، وأحيانا كثيرة حين تخترق طبلة أذنه زقزقة العصافير منذ خيوط الصباح الأولى القادمة من أعلى شجرة الليمونة ، تسبيحا لربها واستعدادا للبحث عن رزقها اليومي.. اقتربت أكثر حتى لامست أنفاسها وجهه هامسة : يريدونك بشكل عاجل على التليفون، من ثقيل الدم الذي يريدني الآن ؟، سألها بامتعاض وكشره و بعينين مغمضتين وقد تكدر وجهه، لم يقل ولكنه يريدك بأمر ضروري وهام ولم يفصح عن اسمه !، أشار لها بتقريب التليفون ففعلت ..نعم، صباح الخير أخ احمد.. صباح النور من تكون سأل.. لا تقلق أرجوك هو بخير وصحته جيده ولكن يتوجب حضورك لاستكمال الإجراءات فقط إلى... نعم سأحضر حالا، ولكن قلى الحقيقة كيف ؟ وهل ؟... قلت لك وأقسم بالله انه بخير ولا شيء مقلق أبدا خاطبه بصوته الهادئ والواثق من سهولة الأمر !، نعم ...انتظرني إذا هناك سأحضر حالا، مسافة الطريق فقط وألقى بالسماعة إليها وهى مندهشة من عبارات زوجها المبتورة، التي بدت وكأنه يُخفى أمرا ...

انتفض من سريره.. دقائق معدودة مرت ،كان قد ارتدى معطفه الشتوي الأسود وبنطاله فوق بيجامته، سرح شعره وبيده جراباه قد انتزعهما من دولابه ، خمس دقائق لم تزد حتى كان مستعدا على وشك الانطلاق .. بينما هو على هذا الحال، كان يجيب على معظم تساؤلات زوجته بطريقة شبه منتظمة، تكاد تكون مرتبكة لولا حفاظه على هدوئه، متمالكا لأعصابه، لا يريد أن يشعرها بان في الأمر ما يقلق، فهو نفسه لم يكن متأكدا بعد، وتعصف بفكره الظنون والهواجس ..حيث راودته الشكوك في بحر دقائق كأنه الزمن توقف عندها÷ فهواجسه تزاحمت في رأسه حتى أحس بشواكيش تطرقها .. سأكون في لقاء صديق على عجالة، يريد مساعدة طارئة لظرف حل به، وسأعلمك عبر الهاتف بالأمر لاحقا أجابها... لا يوجد ما يقلق عزيزتي خاطبها وهو يخطو للمغادرة، ثم ضحك كعادته فابتسمت له، وقد استطاع فعلا إقناعها بما هو ذاهب من أجله على غير عادته هكذا اعتقد ..

أوقف أول تاكسي قادم في شوارع ما تزال شبه خالية في صباح باكر.. يبشر بسوء فيما لو كانت تطمينات الرجل غير صادقة ولم يلطف الله به وتتسع رحمته.. خاطب سائق التاكسي في طريقه إلى مستشفى (شهداء الأقصى)، حيث جاءته تلك المكالمة من سائق الباص، الذي كان قد أخبره عبر التليفون بان ابنه حسين قد تعرض لحادث قبل دخوله بوابة المدرسة بعد ارتطامه بالباص .. نزل مسرعا من العربة متجها إلى قسم الطوارئ ، و ما يزال يتمتم متوسلا ربه طالبا لولده السلامة، لكنه توقف في الباحة أمام المدخل ملوحا بيده وقد اعترته ابتسامه ابتهاج حقيقية !.. لقد لمح حسين، كان يشير له ملوحا بذراعه الأيسر.. اتجه صوبه مسرعا ، كان برفقة رجل يحمل أوراقا ، لابد وانه السائق ، كانا متجهين بها إلى قسم الأشعة للتأكد من سلامة ذراعه الأيمن ،كما علم للتو .. بادره بتحية الصباح ومهنئا إياه على سلامة حسين.. رد عليه تحية الصباح وهو يتحسس رأس طفله ويحتضنه بلهفة، ويمسح على شعره ووجهه بكفه مكررا شكره لله مرددا: لم أكن أتصور انك بخير ومعافى يا ولدى ..بينما كان السائق يحكى تفاصيل ما حدث... كان طبيب العظام قد انهي تفحصه لصورة الأشعة، موضحا بان لا كسور في كتفه أو ذراعه وان الوضع سليم بحمد الله .

اتصل أحمد على الفور برقم المنزل: ألو عزيزتي.. الآن استطيع التحدث إليك، حسين بخير بحمد الله ،هو كالعفريت أمامي يمشى..أين ؟ وماذا تقول ؟ حسين ابني !.. ماذا حدث له؟ كان قلبي يحدثني بان أمر ما قد حدث، قالتها قبل أن تجهش بالبكاء .. أريد أن أحدثه الآن طالبته بإصرار و لهفه ، نعم ماما.. أنا بخير وذراعي سليمة لا تقلقي وسأعود بعد قليل مع أبى مع السلامة.. التقط منه الجوال بينما كانت الأم لا تزال تجهش بالبكاء ، قبل أن تبدأ بتدارك الموقف.. وتبدأ في التحدث بكلمات واضحة وهدوء تام، خاصة بعد حديثها مع ابنها لأنها تعلم شقاوته جيدا.. فله من السوابق ما شاب شعر رأسها .. حمدا على سلامة ابننا حسين يا عزيزتي والآن إلى اللقاء قالها بهدوء وثقة ..
تركت سماعة التليفون وهى تتمتم سامحك الله يا أبا احمد، لقد كان قلبي ينبئني بحدوث أمر ما، فقد شعرت بانقباض في قلبي ولكن رحمة الله واسعة ..هكذا خاطبت أولادها وابنتها الكبرى الذين كانوا يستعدون للذهاب إلى مدارسهم للفترة الثانية .. فانبرت الابنة الكبرى تقول: لم يشأ أن يُخيفك يا أمي قبل أن يرى ويتأكد من طبيعة وحقيقة الوضع، هكذا هو أبى لن يتغير أبدا، دوما حريص على شعورك.. فرمقتها الأم على الفور بفمها المضموم جهة اليمين، وباعدت من حاجبيها، ورمتها بنظرة خاصة لن تفهمها الابنة ؟..

كان يرافق السائق رجل من شرطة المستشفى و المسئول على قسم الحوادث ،انفرد احمد برئيس القسم قائلا: لقد اكر منى الله ولم يحدث أي مكروه لابني، أريد أن تكون الإجراءات سريعة بحيث لا يتأذى سائق الباص، حيث أعلمني بان تأمين المركبة قد انتهى، وضاعت الأوراق في القصف الأخير لشركتهم.. فاثني الشرطي الشاب على طلبه ،لقد كان في مقتبل العمر دمث الأخلاق ومهذب للغاية .. يُحْضر لإكمال دراسة البكالوريوس في علوم الشرطة والقانون.. فاثني كل منهما على الآخر، بينما كان سائق الباص يشكرهم حسن المعاملة خاصة من والد الطفل، وهنا طلب احمد من إعطائه فرصة من الوقت حتى المساء للاطمئنان أكثر على طفله، على أن يعود بعدها قبل نهاية خدمة الشرطي الشاب وذلك لإنهاء كل الأمور المتبعة.. حيث اتفقوا على تجميدها رأفة بالسائق وبالأوضاع الحالية لاسيما وأن الطفل معافى تماما..عاد أحمد في الخامسة والنصف مساءا برفقة السائق، وانهوا القضية قبل ترحيل السائق للنيابة.. لم يمض وقت طويل وبعد العشاء مباشرة، كان السائق وبعض من أقاربه قد حضروا لبيت احمد للاطمئنان، وتقديم واجب الشكر.. تناولوا القهوة جميعا، وكانت صينية الكُنافة بالجبن قد سبقت حضور القهوة على شرف سلامة حسين، هذا العفريت الذي لم تسلم ذراعه أو ساقه في السابق من كسور وحتى وجهه من خدوش وبقايا علامات لا تزال الشاهد على شقاوته الزائدة.. كانت زيارة عُرف وعادات متبعة تُشعر الأطراف بكرامتها وسخائها .. إنها لا تزال متبعة في مجتمعاتنا، وللحقيقة من أجمل العادات فعلا حيث تعيد الحاضرين إلى ما قبل الهجرة الكبرى (النكبة)، حيث يتركز الحديث عن الماضي الجميل.. والذكريات الطيبة.. حيث الأرض والهواء والحرية والكرم الأصيل للعائلات في بيئاتها القروية الطيبة والمتجدرة في عقول الأحفاد ومن يزال حيا من آبائنا... تناول الجميع الكُنافة بالجبن التي كان قد احضرها أحمد بعد الظهر مباشرة لجميع من يحضر للتهنئة ، فقد تقاطرت جميع النسوة على أم أحمد من الأقارب والجيران اللواتي جئن مهنئات بسلامة حسين ، ما لبث أن حضر صديقه متأخرا فطلب احمد بإعداد قهوتهم المفضلة (بلا سكر وكثير من الهيل) وإحضار ما تبقى من قطع الكُنافة بعد مساء حافل بالزيارات ، سُمعت بعدها قهقهات الصديقان خلف الجدران وكأن شيء لم يحدث اليوم ؟!...
فهمست زوجته لابنتها الكبرى: من يسمع أبيك يضحك منشرحا هكذا، لن يتخيل أبدا كيف كان وجهه في الصباح الباكر، بالرغم من كل محاولاته في التمويه.. انه لم يعد كالسابق ماهرا في إخفاء أسراره ..وأتبعتها بابتسامة ذات مغزى !، فشهقت مستهجنة أمها، أيعقل أن أبى أصبح هكذا بكل ما سمعناه عنه في الماضي.. نعم يا ابنتي، انه الزمن وحده كفيل بتغير البشر.!!
إلى اللقاء.



#زياد_صيدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمنيات رجل مختلف (1،2،3 ).
- هستيريا على أطلال الموت (4) الحلقة الأخيرة .
- هستيريا على أطلال الموت (3) قصص قصيرة.
- هستيريا على أطلال الموت (2) قصص قصيرة
- هستيريا على أطلال الموت (1)
- المهرطقة في زمن اليأس/ قصة قصيرة.
- هستيريا في الظلام ( 4 / قمة العبث )
- هستيريا في الظلام (2) قصص قصيرة


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - خبر وصينية كُنافة (قصة قصيرة).