أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض العصري - في تفسير التاريخ ( 4 )















المزيد.....


في تفسير التاريخ ( 4 )


رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)


الحوار المتمدن-العدد: 2572 - 2009 / 3 / 1 - 09:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



في هذا المقال وهو الرابع والاخير من سلسلة مقالاتنا في تفسير التاريخ سنطرح على طاولة النقد التفسير الاسلامي للتاريخ , فنبدأ مقالنا بالتطرق الى مبدأ ( الايمان بالقضاء والقدر خيره وشره ) والذي هو من المباديء الاساسية في الفكر الديني الاسلامي , وفقا لهذا المبدأ تعتبر افعال الانسان ليست صادرة عن ارادته وانما تنفيذا لقضاء الله وارادته , وان كل ما يصيب الانسان وكل ما يحدث له خلال حياته كنتيجة لأفعال صادرة عنه شخصيا او صادرة عن الاخرين تجاهه كلها مدونة في سجل القدر ( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا ) فالانسان هنا ليس له ارادة او حرية اتخاذ القرار ليصنع أفعاله , ومن هنا فان القوى المحركة للشعوب وللتاريخ هي مشيئة الله وارادته , اي بمعنى ان مشيئته وارادته المدونة في سجل القدر هي التي صنعت تاريخ البشر, فالتاريخ حسب هذه النظرية ماهو الا قراءة لسجل مدون مسبقا من قبل الخالق , وتفسر هذه النظرية احداث التاريخ على انها تحقيق لتلك المشيئة ( قضى الله وما شاء فعل ) فالتاريخ ليس من صنع البشر , البشر ليس لهم اي دور في تحديد مسار حركة التاريخ لان هذا المسار مرسوم مسبقا ومعد سلفا , البشر هنا اشبه بممثلين يؤدون ادوارهم وفقا لسيناريو معد مسبقا من قبل مؤلف ومنتج ومخرج فلم الحياة وهو خالق الكون , وبالنسبة لشخصيات صانعي الاحداث الرئيسيين والذين هم القادة التاريخيون فما هم الا أدوات الله الذين اختارهم وفقا لشروط نجهلها ليقوموا بتنفيذ ارادته في قيادة شعوبهم وفق ما هو مرسوم في سجل القدر , ويصرح الفكر الاسلامي بان الغاية من خلق البشر هو لكي يحققوا رغبة الخالق في تعمير الارض بالعمل والعبادة , حيث يولد الانسان ويحيا ليعمل وفقا لما هو مدون له في سجل القدر ثم يموت فيأتي الذي بعده ليواصل نفس المشوار وعلى نفس هذا المنوال تمضي بخطاها الاجيال الى ان يحين موعد الحشر العظيم الذي نجهل موعده حيث تقوم القيامة وتدمر الارض وما عليها وينتهي تاريخ البشر وينتهي المخرج من فلمه هذا الذي لن يتفرج عليه احد سواه في النهاية , ولكننا في الحقيقة لم نجد تفسيرا لهذه الرغبة الغريبة والعجيبة لدى الخالق في تعمير الارض بواسطة مخلوقاته من البشر التعساء في هذه الرواية ومن ثم تدمير الارض لاحقا ؟ وما الغاية من خلق البشر بأدمغة تفكر اذا كانت افعالهم مقيدة بسجل القدر ؟ وهل جعل الله من كوكب الارض حقل تجارب واختبارات لمخلوقاته من البشر وهو الذي جردهم من ارادتهم لكي تتم في نهاية الاختبارات معاقبة من كتب له الفشل مسبقا ومكافئة من كتب له النجاح مسبقا ؟ هل يجرب الله قدرته على التحكم في مخلوقاته التعيسة بمنحهم فرصة الحياة ومن ثم يميتهم ليرمي بقسم منهم في نار جهنمه بناءا على رغبته ليتسلى بتعذيبهم , ويدخل القسم الاخر في جنته بناءا على رغبته ايضا ليتسامر معهم ؟ ورغم ذلك يدعي الفكر الاسلامي ان مشيئة الله لا تلغي حرية الانسان ولا تغيّب ارادته , عجبا ! الافعال كلها من صنع الله ( يهدي من يشاء , يرزق من يشاء , ينصر من يشاء , يمنح الملك لمن يشاء , ما رميت ولكن الله رمى ) فأين هي موقعها اذن ارادة الانسان , لا نعرف كيف يتم التمييز بين الافعال التي هي بارادة الله والافعال التي هي بارادة البشر , لانه لم يوضح هذا الفكر حدود مشيئة الله وحدود مشيئة الانسان وارادته , وبما ان الحدود بين الارادتين متداخلة فان التفسير سيكون انتقائي , فهل نعتبر مثلا ان قيام القرامطة بالهجوم على مكة واتنهاك حرمة الكعبة ( سنة 929 م ) حيث سرقوا الحجر الاسود من الكعبة ليبقى في حوزتهم اكثر من عشرين عاما قبل ان يسترد , هل كان ذلك العمل بارادة الله عقابا لاهل مكة , أم كان بارادة القرامطة فتركهم رب الكعبة ليحققوا مشيئتهم رغم انتهاكهم لحرمة كعبته ؟ وهل ان قيام الحجاج بن يوسف الثقفي بضرب الكعبة بالمنجنيق ابان ثورة عبد الله بن الزبير في مكة ( سنة 692 م ) كان تعبيرا عن الارادة الالهية ومشيئته غضبا من الله على تمرد ابن الزبير على خليفة المسلمين , أم ان الله لم يتدخل لفرض ارادته لان القضية لا تعنيه رغم انتهاك حرمة كعبته ؟ هل حقا تخلى الله عن الدفاع عن كعبته في تلك الواقعة من اجل الخليفة امير المؤمنين عبد الملك ابن مروان ؟ ولماذا تدخل الله لحماية كعبته في حملة ابرهة الحبشي على مكة ( سنة 570 م ) ؟ وهل تخلى الله عن نصرة الحسين حفيد رسوله في واقعة عاشوراء ( سنة 680 م ) من اجل الخليفة يزيد ابن معاوية ؟ هل معقول ان ارادة الله تتجه مثل هذه الاتجاهات فينصر من لا يستحق النصر ويخذل من لا يستحق الخذلان ؟ ( ان ينصركم الله فلا غالب لكم ) كلام جميل ولكنه خداع وتضليل , اذا كانت ارادة الله ان ينصر طرفا ما في نزاع مسلح فهل هذه الارادة تخضع لشروط محددة أم هي مجرد رغبة عشوائية ليس مهما من يكون المنتصر فيها وماذا يمثل بالنسبة للعقيدة الدينية ؟ واذا كان قضاء الله فيه الخير وفيه الشر فما هو دور الشيطان اذن ؟
ما هو تفسير الدين لتقدم أمم على أمم اخرى ؟ هل هي مشيئة الله ان يفرق بين احفاد آدم من حيث القدرات والمواهب والمميزات وهو الاله العادل ؟ الا تعني الاية ( وفضلنا بعضكم على بعض ) وجود تمييز من رب السماء تجاه مخلوقاته من البشر ؟
ما هو تفسير الدين لحوادث مقتل عشرات الالوف من البشر من جراء موجات الاوبئة المعدية ( الطاعون , الكوليرا , وغيرها ) التي كانت تحدث في العصور السابقة وما زالت ؟ هل هي ارادة الله خالق كل شيء ان تموت هذه الاعداد الهائلة من البشر وبهذه الطريقة التي تشبه أسلحة الدمار الشامل ؟ اين موقع الارادة الالهية في معركة الانسان ضد الاوبئة والكوارث البايولوجية ؟ من هو الرحمن الرحيم في طرفي هذه المواجهة : هل هو خالق الجراثيم والفايروسات والاوبئة أم هو مكتشف اللقاحات والامصال الواقية لانقاذ ( بني آدم ) من الموت ؟
الفكر الاسلامي يقدم تفسيرا للمصائب والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية التي تنزل على ديار المسلمين بانها ابتلاء من الله وهذه مشيئته لاختبار صبر المسلمين وايمانهم واخلاصهم ورضوخهم لقضاء الله , فالغرض اذن من هذه النكبات هو للاختبار , اذا كان هذا الاسلوب مبرر فان حكام الدول الاسلامية يصبح من حقهم ان يقومو بتعذيب رعاياهم لغرض اختبار طاعتهم واخلاصهم لحكامهم , وكذلك من حق كل أب ان يعذب ابناءه لكي يختبرهم ويتعرف على المطيعين والمخلصين له , ويقدم لنا هذا الفكر تفسيرا آخر يختلف عن الاول في حالة حدوث الدمار في ديارغير المسلمين نتيجة للكوارث الطبيعية وغير الطبيعية , اذ يفسره بأنه عقاب من الله وتلك مشيئته لانهم لم يعتنقوا الدين الاسلامي خاتم أديانه ( ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ) وبالتالي فهم مخالفون لرغبته واوامره ويستحقون العقاب باسلحة الدمار الشامل الطبيعية , وواضح هنا ان مفهوم التعذيب في الفكر الاسلامي له غرضين متناقضين : للاختبار مع الاحبة وللعقاب مع العواذل , ويقدم هذا الفكر أمثلة من التاريخ عن هلاك الامم السابقة واندثار حضاراتها ( مثلا : قوم لوط , قوم عاد , قوم ثمود وغيرهم ) بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وعدم طاعتهم للانبياء الذين ارسلهم الله اليهم فأهلكهم الله جميعا كبارا وصغارا , نساءا ورجالا , لا يميز بين البريء والمذنب , اذن حسب هذا الفكر فان الكوارث الطبيعية قبل الاسلام كان سببها معصية الناس لأنبياء الله وبعد ظهور الاسلام اصبح سببها عدم الدخول في الاسلام , وبالتالي فان استقرار العالم مرهون بتطبيق الشريعة الاسلامية والتزام تعاليم الدين الاسلامي لكي لا تقع كوارث طبيعية ولا تحدث اوبئة ولا مجاعات , فهل هذا تفسير منطقي عقلاني للاحداث التاريخية ؟ ونود ان نتسائل هنا هل ان غضب الله ينصب حتى على الابرياء من الاطفال وغيرهم الذين لا ذنب لهم في ما يقترفه الحكام او المتنفذين او كبار القوم من ذنوب ؟ ما ذنب الاطفال من قوم لوط او قوم عاد او قوم ثمود الذين اهلكهم الله بجريرة الكبار ؟ واذا كانت الطفولة وحقوق الابرياء لا تؤخذ بنظر الاعتبار عند تنفيذ العقاب من وجهة نظر هذا الفكر حيث العقاب جماعي لا فرق فيه بين مذنب وبريء , كبير وصغير , رجل ومرأة , فلماذا اذن يا دعاة واتباع الفكر الاسلامي التباكي على اطفال غزة ونسائها الذين قتلتهم الطائرات الاسرائيلية في الاحداث الاخيرة ؟ لماذا هذه الازدواجية في المعايير ؟
الفكر الاسلامي ينكر عمليات التطور التي حدثت على الكائنات الحية منذ ملايين السنين والتي نجم عنها ظهور الانسان كأرقى كائن حي ويعتبرها تتعارض مع نظريته في خلق الانسان , ولكن اذا كان البشر جميعهم ينحدرون من آدم وفقا للنظرية الدينية فلماذا تنوعت اجناسهم وألوانهم وتباينت قدراتهم ومواهبهم ؟ دعونا نفترض ان آدم وحواء قد أنزلهما الله على الارض بعد طردهم من جنته قبل ثلاثين ألف سنة حسب تقديرات الروايات الدينية وكانا متشابهين في لون البشرة والشعر والعيون بحكم خلق حواء من ضلع آدم ومن نفس مادته حسب تلك الروايات , فان هذه المدة الزمنية غير كافية لاحداث هذا التنوع في الوان البشرة والشعر والعيون الموجود لدى احفاد آدم وحواء , فما هو تفسير ذلك ؟ وبما ان حواء قد خلقت من ضلع آدم ومن نفس مادته فهي بالتأكيد تحمل نفس فصيلة دمه , فكيف اذن أصبح لاحفادهما اربعة فصائل دم وكل فصيلة تقسم الى نوعين موجبة وسالبة ؟ اليست هذه التغييرات التي حدثت هي تعبير عن حدوث عمليات تطور مادي ؟ وفقا لقوانين الوراثة اذا كان البشر ينحدرون جميعهم من آدم وحواء فيجب ان يكونوا متشابهين في الشكل واللون على الاقل ( كالصينين على سبيل المثال ) وحيث ان ذلك غير صحيح بسبب تنوع اجناس البشر فان نظرية التطور تعتبر صحيحة , وان التنوع الموجود حاليا في الاجناس البشرية وفي ألوانهم وفي اصناف الدم البشري ناجم عن تنوع البيئة الحيوية للبشر والتي صنعت هذا التنوع في جميع الكائنات الحية على مدى ملايين السنين وليس ثلاثين ألف سنة , واذا آمنا بنظرية التطور فان هذا يعني ان نظرية الدين في خلق الانسان غير صحيحة
الفكر الاسلامي يعتبر الحضارات التي سبقت ظهوره بانها حضارات امم كافرة كانت تعيش في جاهلية , ولذا هو ينكر انجازات الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية والفرعونية والاغريقية والرومانية في البناء والعمران والانتاج الفكري في الفلسفة والاداب والفنون ولا يقر بقيمتها الحضارية , وحتى الامم من اتباع الديانات المسيحية واليهودية يعتبرهم الفكر الاسلامي محرفين لكتبهم ومزورين لتعاليمها ومعتقداتها , وبالتالي فهم ايضا من الامم الكافرة ومنجزاتهم الحضارية تعتبر باطلة , الفكر الاسلامي لا يؤمن بالحضارة المادية لان هذه وفقا لفلسفته كلها باطلة ولا قيمة لها طالما ان هناك آخرة وكل شيء الى فناء وان هذه الدنيا زائلة ومن العبث ان ينشغل الانسان بأمور دنياه وينسى آخرته , ولكننا نجد الذين مازالوا مؤمنين بهذه الافكار والمعتقدات في عصرنا الحالي يستخدمون المنجزات المادية للحضارة الغربية في حياتهم اليومية وفي الوقت نفسه يلعنون اصحاب هذه الحضارة وينعتونهم بالكفار , هؤلاء ناكري الجميل يعيشون في تناقض بين معتقداتهم وواقعهم , والحقيقة ان هؤلاء وكذلك الذين سبقوهم ممن على شاكلتهم قد عاشوا حياتهم عبثا , فلا هم صنعوا حضارة مادية كسبوا من ورائها الدنيا ولا هم سيجدون ربا يكافئهم على عبادتهم له في اليوم الذي فيه يوعدون , وحتى عبادتهم هذه لا يستحقون عليها مكافئة , فالفكر الاسلامي يدعي مثلا ان الصلاة تمحي الذنوب , اذن فليفعلوا من الذنوب والخطايا ما يشاؤون , فلديهم خمسة صلوات في اليوم تكفي لمحي ذنوبهم الكثيرة والكبيرة , هذا يعني ان الخروج على القانون مباح طالما هناك قرار عفو ساري المفعول , هنيئا لهم هذه العبادة وهنيئا لهم هذا الدين , ومن المناسب ان نوضح هنا ان فكرة (خلق الانسان لتعمير الارض ) في الفكر الاسلامي لا تعني حث الانسان على تعمير الارض بهدف زيادة رفاهية الانسان وتحسين ظروف حياته المعيشية , لان هذه الرفاهية انما هي متاع الحياة الدنيا وهي ترف وفسوق تفسد النفوس وتبعدها عن ذكر الله , وانما الهدف من تعمير الارض هو لتسخير مواردها لخدمة اغراض واهداف العقيدة الدينية مثل توفير مستلزمات العيش للانسان المسلم لكي يتسنى له أداء فروض العبادة , فالعبادة هي الغاية ( ما خلقت الانس والجن الا ليعبدوني ) واما حياة الانسان وعيشه فما هي الا وسيلة لخدمة هذه الغاية , ولانها وسيلة فان تحسين ظروف حياة الانسان بالوسائل الحديثة ما هو الا ترف وفتنة ولهو يشغله عن ذكر الله وعبادته , وكذلك يقصد من تعمير الارض هو العمل على بناء الكثير من المساجد ودور العبادة لأنها بيوت الله وهو صاحب الملك , وكذلك الاهتمام بتحفيظ القران ودراسات الفقه والشريعة الاسلامية فقط فهذه هي حدود المعرفة المسموح بها , اما البحث والدراسة والعمل في مجالات علوم الطبيعة فذلك محرم لانه يعتبر تدخلا في شؤون الخالق , وكنتيجة طبيعية لمثل هذا الفكر توقفت الحضارة وتوقفت حركة التاريخ لدى هذه الشعوب , بعد ظهور الاسلام قام العرب المسلمون بشن الحروب ضد الشعوب المجاورة , فمارسوا الاحتلال ضد شعوب في اسيا وافريقيا وفي اوروبا تحت شعار نشر العقيدة الدينية الاسلامية , هذه الحروب شنت تحت غطاء نشر العقيدة والتبشير بالفكر الاسلامي ولكنها في الحقيقة قامت لدوافع اقتصادية حيث الغنائم والسبايا وأخذ الجزية وتوسيع الممتلكات لزيادة الثروات , ان مبدأ الجهاد لاعلاء كلمة الله ما هو الا لافتة للدعاية تنضوي تحتها نفوس تقاتل في سبيل هدفين : غنائم الدنيا وهي ممتلكات الشعوب المغلوبة , وغنائم الاخرة وهي الجنة التي تحتوي على كل اصناف الملذات المادية كما تخبرهم عقيدتهم , وطبعا هذه اهداف مغرية لبشر عاشوا في بيئة صحراوية قاسية وعانوا من الحرمان وشظف العيش , ومثل هؤلاء البشر السذج المحرومين من السهل خداعهم بخيرات في عالم الخيال لانهم عاشوا في بيئة قاسية , مناخها شديد الحرارة لا يتيح المجال لنمو التفكير المنطقي والواقعي لساكنيها , كما ان مواردها شحيحة , فلطالما حل الجوع في ربوعها ( فليعبدوا رب هذا البيت , الذي أطعمهم من جوع , وآمنهم من خوف ) اننا نعتقد ان حال هذه الامة لن يصلح حتى تتخلص من هذه المعتقدات وتترك هذا الدين , وقد يعترض البعض فيقول بان الدين الاسلامي بحكم طول عهده على الارض العربية فانه قد تحول الى رمز او هوية لهذه الامة ينبغي الابقاء عليها , برأينا ان الهوية عندما تتحول الى عقبة امام تقدم الامة فان من الافضل تغييرها واستبدالها بهوية جديدة , ان الامم الحية لا تعجز عن امتلاك ارادة التغيير
اننا نؤمن بان الحاجات المادية هي التي صنعت تطورالانسان وبناء حضارته وليس الحاجات الغيبية , ان البيئة الغنية بمعطياتها والتي تلبي الاحتياجات الانسانية من الغذاء والماء هي المجال الحيوي لصنع حضارة الانسان ودفع عجلة التاريخ , ولكن لا يكفي ان تكون البيئة غنية بالماء والغذاء لصنع الحضارة , لان الحضارة تتطلب بشر ذوي قدرات عقلية او ذهنية متميزة , وهذه القدرات نتاج بيئة مناسبة تساعد في حدوث عمليات التطور في القدرات الذهنية للانسان على مدى عشرات الالوف من السنين , ومن هنا جاءت العلاقة الجدلية بين الانسان وبيئته وتاريخه , ان التفوق الاوربي في مضمار الحضارة المادية ليس سببه ديانتهم ولا قوميتهم , فهذه شعوب افريقيا وكذلك شعوب امريكا اللاتينية اخذت من اوروبا ديانتها ولغاتها ولكنها لم تصل الى ما وصلت اليه شعوب اوروبا , كما ان تاريخ وجود الانسان على الارض الاوربية ليس اقدم من تاريخ وجود الانسان على الارض الافريقية او الاسيوية او الامريكية , فما هو مصدر تفوقهم وريادتهم للحضارة المعاصرة ؟ هل كان ذلك بارادة ومشيئة الله ؟ الجواب كلا , برأينا ان مصدر تفوقهم هو بيئتهم التي منحتهم مناخا مثاليا لاكتساب مهارات عقلية فأكسبتهم مقدرة متميزة في التفكير والتحليل المنطقي والابداع والتفوق , فتغلغلت هذه القدرات والمواهب في جيناتهم الوراثية , تنتقل بينهم من جيل الى جيل , العوامل الجينية لها دورها في صنع تاريخ الانسان وحضارته , والبيئة هي الصانعة للعوامل الجينية , قد يفسر البعض رأيي هذا بانه نظرة عنصرية عرقية قائمة على تفضيل عرق على اخر , وانا اقول ان هذا غير صحيح , انا مجرد محلل للاحداث التاريخية لاستخلص منها الدروس والعبر , ورأيي ان المواهب والقدرات العقلية التي تميز بها الاوروبيون لم تكن ناشئة عن ارادتهم وخيارهم , فالانسان ليس بوسعه الخيار في مثل هذه الامور , وانما هذه منحة من الطبيعة بحكم توفر العوامل والظروف البيئية المناسبة لنمو وتطور مثل هذه السمات , وقد شاءت الصدفة ان يحيا في تلك البيئة التي اطلق عليها فيما بعد قارة اوروبا مجموعات بشرية اكتسبت من بيئتها المواصفات والخصائص والميزات المعروفة حاليا مثل حب العلم والمعرفة واكتشاف المجهول وتحدي الطبيعة , ولم يمنعهم فكر او عقيدة عن البحث في ظواهر الطبيعة رغم الصعوبات التي واجهها علمائهم من قبل رجال الكنيسة في بداية عصر النهضة , هذه الخصائص مع ظروف بيئتهم المساعدة مكنتهم من شق طريقهم نحو اكتشاف قوانين الطبيعة وانجاز الكثير من الاكتشافات والاختراعات في العصر الحديث والتي أحدثت نقلة نوعية واسعة ومتقدمة في حياة الانسان في كل مكان , في العصور الوسطى كانت الكنيسة في اوروبا متسلطة على كل نتاج فكري ادبي او علمي , ولكن الاوربيين بفضل خصائصهم البايولوجية واجهوا هذا التسلط بتضحيات كبيرة , كما ان طبيعة عقيدتهم الدينية لا تنطوي على تطرف و تعصب شديد في ايديولوجيتها , حمل الاوروبيون ابداعاتهم وانجازاتهم ومواهبهم معهم الى اي مكان حلوا فيه ان كان احتلالا او هجرة , فمثلا الحملة الفرنسية بقيادة نابوليون على مصر ( سنة 1798 م ) رغم قصر مدتها الا انها أفادت الشعب المصري باطلاعه على بعض من هذه المنجزات الحضارية ليصحو من غفوته وينهض من سباته فيسبق بصحوته هذه شعوب الدول العربية الاخرى , وهذه دولة جنوب افريقيا استعمرها البريطانيون بعد سيطرتهم على رأس الرجاء الصالح ثم سكنوها كمهاجرين بسبب اهميتها في خطوط الملاحة وكذلك تمتعها بمناخ مناسب لهم فجعلوها كأنها بلد اوروبي وليس افريقي , تقدمت الشعوب الاوروبية في مضمار الحضارة المادية فيما انشغلت الشعوب الاخرى في الماورائيات ( Metaphysic ) فتركزت نتاجات الاخيرين في مجالات الادب والفنون والروحانيات وعجزوا عن الانتاج الذهني في مجالات علوم الطبيعة والتي هي أساس التحول والتقدم في حضارتنا المعاصرة , بعلوم الطبيعة فقط نكتشف اسرار الطبيعة ونمتلك السيطرة على قوى الطبيعة ونسخرها لمصلحتنا , فالطبيعة لا تمنح ما لديها من الاسرار لمن يؤمن بالافكار الغيبية والمعتقدات الساذجة والاساطير والفلسفات الدينية , ان من يريد ان يحصل على افضل ما لدى الطبيعة عليه ان يمتلك العلم ليسيطر على قوانين الطبيعة ويسخرها لصالحه , الديانة المسيحية لم يكن لها اي دور في تطور الاوربيون وتفوقهم , بل بالعلم والمنطق والبحث التجريبي تمكن الاوربيون من التحكم بقوانين الطبيعة لتسخيرها حسب مصالحهم وحاجاتهم فتقدموا وتفوقوا على باقي الامم , فمن يا ترى يصنع الحضارة ويحرك التاريخ نحو الامام : المعتقدات الغيبية ام علوم الطبيعة ؟ الدين ام الدنيا ؟
البيئة لها تاثير كبير جدا على القدرات العقلية والمواهب الحسية فتطبعها في الجينات الوراثية , من الناحية العلمية البيئة ذات المناخ الحار لها تأثيرات سلبية على الجهاز العصبي للانسان وبالتالي على قدراته الذهنية , بينما البيئة ذات المناخ البارد ليس لها مثل هذا التأثير , فالعرب لم تمنحهم الطبيعة بيئة صحية ذات مناخ مناسب لتنمو لديهم قدرات التفكير العلمي والمنطقي والبحث في مجالات علوم الطبيعة , وما حصلوا عليه من المواهب والقدرات بجهود المتميزين منهم قضت عليها معتقداتهم الدينية , وقد كان دور العقيدة الاسلامية خطيرا في منع ومحاربة التفكير العلمي لدى شعوب الشرق الاوسط التي كان من الممكن ان تقدم انجازات علمية رائعة لولا هذه العقيدة الوافدة اليهم من صحراء شبة الجزيرة العربية فطبعتهم بطابعها , حيث سيطرت عليهم انماط التفكير القبلي الصحراوي بحكم الجغرافية وتوقفت عقولهم عن الابداع بسبب الفكر الديني الاسلامي الذي فسر الافكار العلمية على انها بدع وضلال فوضعها في خانة المحرمات والنواهي وحارب اصحاب التفكير العلمي وقضى على كل دعوة لحرية الفكر, فتخلفت هذه الشعوب عن ركب الحضارة قرونا بسبب بيئة صعبة وعقيدة متخلفة , ثم أطلت عليهم الحضارة الغربية بمنجزاتها العلمية والتكنولوجية مع بداية مرحلة الاستعمار فانقذتهم من تخلفهم الشديد حيث جلب المستعمرون معهم الكثير من مستلزمات الحياة المعاصرة , ولولا ميزتين مهمتين توفرت في العالم العربي لكان هذا الجزء من العالم مازال متخلفا الى يومنا هذا , وهاتين الميزتين هما أولا الموقع الجغرافي المهم على الممرات البحرية والذي جذب اليها الاوربيون كمستعمرين جالبين معهم منجزاتهم الحضارية , وثانيا وجود الثروة النفطية ذات الاهمية الستراتيجية والتي احدثت تغيرا كبيرا في معالم حياة الشعوب العربية في غضون خمسين عاما المنصرمة حيث اصبح لدى العرب الامكانيات المادية لاستيراد المنجزات الحضارية من مصدرها , ليس بفضل الدين الاسلامي تغيرت حياة الانسان العربي وتطورت , وليس بفضل العبادات ودراسة الفقه والشريعة استخرج العرب النفط من باطن الارض , لم يلعب الدين اي دور في تحسين ظروف حياة الانسان ومعيشته , وهذه مستلزمات العصر الحديث من منجزات الحضارة الغربية موجودة في كل بيت في العالمين العربي والاسلامي بينما منجزات الحضارة الاسلامية لا وجود لها في اي بيت من بيوت العالم الغربي بل وحتى بيوت العالم الاسلامي ذاته لانها غير موجودة بالاساس , نحن نبيع نفطا صنعته الطبيعة , ونحصل على اموال من امتلاكنا لمواقع جغرافية طبيعية ذات اهمية في خطوط الملاحة البحرية الدولية , ليس لنا فضل في خلق هذه الثروات , بيئتنا حرمتنا من العقل ووهبتنا المال , وبيئة الاوروبيين حرمتهم من المال ووهبتهم العقل , صاحب العقل اشطر من صاحب المال , العقل ثروة دائمة والمال لن يدوم بلا عقل , ولكي يضمن العرب مستقبلا سعيدا دائما لاجيالهم ينبغي ان يعيدوا النظر بمعتقداتهم الدينية لانها عائق حقيقي امام تقدمهم , وهذه الصين بدأت تغزو العالم بمنتجاتها والعرب كانوا قد سبقوها في النهضة المعاصرة ولكن لان ديانة شعب الصين البوذية وليس الاسلام فانهم لم يواجهوا مشكلة من دينهم تعيقهم عن تقدمهم وتطورهم الاجتماعي والاقتصادي , وفي الختام نود ان نؤكد ان صعوبة البيئة وقسوتها في بعض مناطق العالم لا ينبغي ان تكون مبررا لشعوبها للشعور باليأس او بالعجز عن تحقيق انجازات في مجال الحضارة المادية التكنولوجية , ان الاستعانة بالوسائل العلمية يمكن الشعوب من التغلب على قسوة البيئة والتقليل من تأثيرها السلبي على حياتهم وطباعهم ومزاجهم , بالاصرار على التمسك بالعلم كنهج في الحياة يمكن للشعوب التي تأخرت ان تتقدم حتى وان كانت تحيا في بيئات قاسية ولكن يجب عليها ان تعيد النظر في معتقداتها الدينية , وحتى اذا لم يكن الدين عائقا امام حركة التقدم والتطور فان وجوده لا معنى له وغير ذي جدوى وبالتالي فان الغائه خيرا من ابقائه , وليس من خيار امام الشعوب التي مازالت تسودها المعتقدات الدينية سوى اتباع نهج العلمية والعلمانية والعالمية للتحرر من الافكار والمعتقدات والخرافات والاوهام التي تزرعها الاديان في العقول والتوجه نحو العالم من غير احقاد او كراهية عنصرية او دينية , واما بخصوص وجود الاختلافات في القدرات والمواهب للشعوب فانه لا يعني ان البشر ليسوا متساوين في القيمة الانسانية , لان القدرات والمواهب منحة من الطبيعة وليست خاضعة لارادة الانسان , وما هو خارج ارادة الانسان لا يؤخذ كمعيار للقيمة الانسانية , فالقيمة الانسانية لجميع شعوب الارض متساوية رغم التفاوت في القدرات والمواهب , ان اختلاف الاشكال والخصال والطباع لا يغير من قيمة الجوهر ويبقى الانسان في كل مكان يستحق الحياة والحرية والاحترام



#رياض_العصري (هاشتاغ)       Riad_Ala_Sri_Baghdadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تفسير التاريخ ( 3 )
- في تفسير التاريخ ( 2 )
- في تفسير التاريخ ( 1 )
- حول اشكالية الوجود والعدم
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 1
- في نقد الفكر الديني
- ما هي عقيدة العصر الجديد ؟
- أضواء حول مقال - نهاية العقيدة الدينية
- نهاية العقيدة الدينية
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 3
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء السياسية في عقيدة - العصر الجديد
- العلمانية في عقيدة - العصر الجديد
- المباديء الاقتصادية في عقيدة العصر الجديد
- نقد المعتقدات الدينية
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 8


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض العصري - في تفسير التاريخ ( 4 )