أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - من جواهر المعاني















المزيد.....



من جواهر المعاني


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 08:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه الّذی قد حرّك أفلاك الذوات بحركة جذب صمدانيّته و قد موّج ابحر الكينونات بما هبّت و فاحت عليها من ارياح عزّ فردانيّته و قد طرّز الواح الوجود بالنقطة الّتی اندرجت و اندمجت فيها الحروفات و الكلمات و اقمصها الطراز الاوّليّة بما سبقت الممكنات فی الوجود و قابلت الفيوضات و التجلّيات قبل كلّ شئ عن الحضرة الاحديّة و البسها القميص الآخريّة بما كانت مكمّل الكلمات اللاهوتيّة و منتهی كلمة التوحيد فی الجبروت الاثباتيّة و جعلها مبدء الكلمات التامّات بما ظهرت و برزت عنها الحقائق و الاعيان فی الملكوت البدئيّة و قدّرها مرجع كلّ شئ بما رجعت اليها الحروفات العالية و دارت الدائرة حول نفسها و ظهرت الاوّليّة و الآخريّة فی القميص الواحديّة و اتّحدت الظاهريّة و الباطنيّة فی النقطة الاحديّة و انكشف جمال هذه الآية الفرقانيّة فی المرآت الكينونيّة هو الاوّل و الآخر و الظاهرو الباطن و انّا للّه و انّا اليه راجعون و اصلّی و اسلّم علی اوّل جوهر قام به كلّ الشئون الجوهريّة فی ملكوت الاسماء و الصفات و علی اوّل نور استنارت به زجاجة القلوب عند تجلّی الذات و اوّل نفس هاج من مهبّ عناية اللّه و احيی به هياكل التوحيد و حقائق التجريد من لطائف المجرّدات و آله الّذين بهم اشتعلت سراج المعرفة فی قلوب العاشقين و كانوا فی سماء العلم شموساً لائحات و فی حقّهم نزلت الآيات المحكمات و الكلمات التامّات من لدی اللّه خالق الارضين و السموات.
اما بعد، ان الناظر لهذه الكلمات والواقف لهذه الاشارات معلوم ومشهود لديه ، بأنه طبقا لطلب سالك مسلك الهداية ، وطالب الاسرار الغيبية الالهية والمطلع على الاشارات الخفية الربانية ، والمحب لآل البيت حضرة المصطفى وصديق الدراويش، والمتوسل بعروة الله الوثقى والسبب الاقوى ، علي شوكت باشا ابن المرحوم آغا حسين باشا وفقه الله لما يشاء ، قام هذا الدرويش بطلب شرح مختصر وتفسير موجز ومفيد عن الحديث القدسي المشهور " كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي اُعرف".
رغم ان في صدف كل كلمة من هذه النغمة الإلهية والرنّة الربانية تستتر لئالئ علم مكنون لا نهاية ، وتكمن في اوعية كل حرف منها بحور المعاني اللامتناهية ، ولكن سيقال رشحا من ذلك البحر المواج وقطرة من ذلك اليّم تلبية لطلب الاصدقاء، وارجو ان يشمل التأييدات الخفية لحضرة رب العزة في شرح تلك الكلمات القدسية والاشارات اللاهوتية، وتظهر اعانته ورحمته المكنونة ، وانه لهو الملك المستعان.


لقد كنزت في الكنائز المستورة والخزائن المخفيه لهذه الكلمات اللاهوتية ، اسرار الخليقة وعلة خلق الموجودات، وبعث الممكنات. اعلم يا طائر حديقة التوحيد ويا عندليب بستان التجريد ، انه من اجل معرفة هذا الحديث " " كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" يستلزم معرفة اربعة مقامات ، هذا الحديث مذكور في افواه الخواص والعوام ومسطور في كل الصحائف والكتب .
انما معرفة المقامات الاربعة ، الاول هو الكنز المخفي ، والثاني مقامات ومراتب المحبة ، والثالث مقام الخلقة وامثالها، والرابع مقام المعرفة.

اعلم بانه مذكور في عُرف الصوفية ان غيب الهوية في مرتبة الاحدية منزه عن جميع الأسماء في ساحته المقدسة، ويعرف بدون اسم وصفة، لان اسماء الحق مرايا الصفات ، وصفات الحق في مرتبة الاحدية عين ذات الحق بدون تفاوت وامتياز، بحيث تفضل سلطان عرصة العلم والحكمة وملك مدينة الولاية حضرة علي ابن ابي طالب عليه التحية والثناء : " كما التوحيد نفي الصفات عنه" . نعم ان الاسماء والصفات الذاتية الثبوتية لن تسلب من ذات الحق في أي رتبة ،ولكن في ذلك المقام ، لا تنفصل الاسماء والصفات عن بعضها البعض ولن يمتازوا عن تلك الذات، ولن تنفصل او تتميز حقائق الشؤونات الالهية بعضها عن البعض و عن تلك الذات غير المتعين، لا علماً ولا تعينّاً، مثلا لا يوجد فرقا بين اسم العليم والبصير والسميع والاسماء الاخرى ، و هذه الصفات الذاتية عن الذات والحقائق والاعيان التي قابلة ومنفعلة من هذه الاسماء والصفات، بل ان الاعيان والحقائق وماهيات الاشياء في رتبة عز الاحدية هذه ، هي شؤونات للذات بدون شائبة الغيرية عن كمال الوحدة و الفناء ، ويتفضل ذات الاحدية في هذه الرتبة الاكبر قوله : " كان الله ولم يكن معه من شئ " الذي يعبر عنه بالكنز المخفي ، غيب الهوية ، صرف الاحدية، ذات البحت ،لا تعيين صرف، غيب الغيوب ،الغيب الاول ،المجهول المطلق، مجهول النعت ، المنقطع الوجداني واسماء اخرى. فذكر المقصود والملاحظات التي ذكروها في كل واحد من هذه التعابير سيكون سبباً في إطالة الكلام.

على أي حال سنذكر مثالا لهذا المقام كي يكون مشهودا ومعلوما ،ان حقيقة هذه الرتبة والمقام ، رغم انه لا يمكن الاتيان بمثال لذات الاحدية بأي وجه من الوجوه، لانه أعلى وأجلّ من العقول والادراك، وأعظم من التشبيه والتمثيل.
كما يتفصل " ليس كمثله شئ " , هناك ادلة وبراهين كثيرة على هذا المطلب ولكن كي يهب نفحة من روائح قدس الاحدية ونسيماً من رضوان الحكمة والمعرفة على مشام سالكين سبل الهداية وطالبين اسرار الحقيقة، وتطير اطيار العقول والادراك من عش الحيرة والاضطراب، لذا يتم تشبيه خمر حيوان اسرار الحقائق والمعارف في كأس منير ، وكأس رقيق ليسقي ظمآى بادية الحيرة. مثلا لاحظ في النقطة ، والكلمات المطوية والمكنونة في هوية وحقيقة النقطة في غاية المحو و الفناء ، بشأن لا يشهد آثاراً للوجود من الحروف والكلمات ، ولن تتميز بعضها عن البعض بل هو محو صرف وفناء بحت ، ولا وجود سوى ذات النقطة ، وكذلك الاسماء والصفات الالهيه والشئونات الذاتية في مرتبة الاحدية فناء صرف ومحو بحت ـ بشأن لا يستشم رائحة الوجود العيني ولا العلمي ، وهذه النقطة الاصلية كنز مخفي لهذه الحروفات والكلمات، ومندمجة ومندرجة فيه وظاهره منه ، كما يتفضل بدر افلاك العلم والمعرفة ونقطة ومركز دائرة الولاية ، اسد الله الغالب ( علي بن ابي طالب) عليه التحية والثناء : " كل ما في التوراة والانجيل والزبور موجود في القرآن وكل ما في القرآن في الفاتحة وكل ما في الفاتحة في البسملة وكل ما في البسملة في الباء وكل ما في الباء في النقطة وانا النقطة".
لاحظ كذلك في عدد الواحد ، جميع الاعداد ظاهره منه وهو ليس في الاعداد، لانه مبدأ جميع الاعداد هو الواحد واول تعّين وظهور للاحد هو الواحد ، وتوجد جميع الاعداد من الواحد ، في حين ان هذه الاعداد كانت مطويه في الاحد بكمال البساطة والوحدة، وكان كنزا مخفيا لكل الاعداد التي ظهرت منه ، لاحظ اذاً ، رغم ان جميع الحروفات والكلمات ظاهره من النقطة ، والاعداد مشهوده من الواحد ، إلا انه لم تتنزل النقطة الاولية من علو مقاماتها ولا الاحد توقف من مراتب تقديسه.
هذا هو الكنز المخفي المشهور والمذكور على لسان طيور رياض التوحيد وعنادل حدائق التجريد، وعندما تحركت الحركة الحبّية في غيب الهوية واقتضى الميل الذاتي لكمال الجلاء والاستجلاء، وكمال الجلاء لدى بعض العرفاء هو ظهور الحق سبحانه بنفسه على صورة الاعيان والاستجلاء ،وهو مشاهدة الجمال المطلق ، تجليات نفسه في مرايا الحقائق والاعيان ، لهذا تظهر الشئونات الذاتية بواسطة الفيض الاقدس من مرتبة الذات في مرتبة حضرة العلم . وهذا هو اول ظهور للحق من الكنز المخفي في حضرة العلم ، ومن هذا الظهور يوجد الاعيان الثابتة بوجود علمي، وكل واحد منه يتميز على ما هو عليه في مرآت العلم الالهي ، وهذه الرتبة الثانوية تترتب على الرتبة الاوليه وهو غيب الاحدية، وهذه الرتبة تعبّر عنه بالغيب الثاني والواحدية ورتبة الاعيان الثابتة، والاعيان الثابتة هي الصور العلمية الالهيه التي لم تستشم رائحة الوجود، ولكن لها وجود علمي ومتمايزه عن بعضها البعض ، وهذه الرتبة الثانوية تعّبر ايضا بالكنز المخفي، لان الاعيان والحقائق التي هي معلومات الحق تدمج وتدرج في مرآت العلم بكمال الخفاء والبساطة والوحدة في الذات ، لان لو كان على شكل الكثرة، فلم يخرد عن قسمين ، اما كانوا من الاجزاء عن الذات، وفي صورة الاجزاء يستلزم التركيب في ذات الحق ، والتركيب يستلزم الاحتياج ، لان في الوجود هناك حاجة للاجزاء ، والاحتياج شأن الممكن ، والحق سبحانه غني بالذات، وفي صورة غير الاجزاء هو قديم او حادث ، لو كان قديما ، يلزم تعدد القدماء , ولو هو حادث فهو باطل ايضا لان العلم من صفات القديم ولن يكون العلم بدون المعلوم ، اذن هذه المعلومات لم تزل موجوده في مرآت العلم الالهي ، وعلاوة على ذلك يستلزم للذات ان يكون محلاً للاحداث ، وهذا ايضا باطل. ولكن بعض عرفاء الرموز الغيبية والواقفين على الاسرار الخفية الالهيه الذين اغمضوا العين عن حدودات التشبيه والتمثيل في عوالم الكثرة ، واحرقوا الحجبات النورانية بالنار الموقدة الربانية ، ونظروا دقيقا بالبصر الحديد في مقامات التوحيد ، لاحظوا ان جميع الاعيان والماهيات والحقائق والقابليات بعيدة عن ساحة قدس حضرة العلم الذي هو عين ذات الحق.
انشاءالله في بيان مراتب واقسام الخلقه سيذكر مجملا في هذه الرسالة ، على أي حال كانت تلك مرتبة ومقام الكنز المخفي ، وبما ان تجلى غيب الهوبة بذاته لذاته ، وظهر بنفسه لنفسه ، ظهر شاهد المحبة الذي كان مخفيا وراء الستار في سرادق ذات الاحدية .

اعلم ايها الشارب خمر العشق والمحبة الالهية ، وسكران من كأس منير الجذب والخلّه الربانية، أن مقام العشق والمحبة يطير فوق عالم الاحصاء والبيان، وتعجز طيور العقول والافكار عن ادراكه ، واقفي الاسرار الخفية وعرفاء رموز الاحديه لم تنبس ببنت شفه ،عن جهة من حقيقة هذه اللطيفة الربانية والدقيقة الصمدانية ، لأن العشق والمحبة في ذات الحق يرتفع عاليا ، قبل ظهور الشؤونات الذاتية من مرتبة الاحدية الى مرتبة اعيان العلم ، وغيب الهوية تعاشق بجماله في نفسه ، الذي أصبح مبدأ كل عشق وشوق، ورأس مال كل انواع المحبة والاثاره، فذاك العشق والمحبة عين ذات الحق ، لم يكن خارجا عن الذات ، وذات الحق لم يزل غير معروف وغير موصوف ، ولن يدركه اي مدرك بالمعرفة الحقيقة او الوصول لكنهه. ولو يطير طيور العقول والافكار دهورا لا حد ولا حصر لها في هواء معرفة تلك الذات الاحديه ، لن يتخطوا شبرا.

سيصل العقل الى كنه ذاته لو غاصت القشة في البحر الى قاعه.

لقد اشتعلت نار العشق والمحبة التي هي من تجليات وفيوضات هذه المحبة الغيبية الالهيه، في قلب وروح عشاق جمال ذو الجلال، واحرقت جميع السبحات والحجبات باشعاع واضاءه، بشأن لم يبقى من حقائق هؤلاء المخمورين من شراب ألست ، والحائرين من عبيد الخمر، سوى ذكر الحبيب ، ويرفعوا علم القدرة والعزة ( اذا جاء الحق و زهق الباطل ) على اتلال وجود هذه الاظلال الفانية . ما لم يسقى نفسا من هذا الكأس الالهي المحيي للروح ، لن يعرف لذّته، ومالم يشتعل قلبا بهذه النار الموقدة ، لن يتصوره " من لم يذق لم يدر" . ان طيور العقول والافكار التي لم تطر من اسفل دركات المُلك ، كيف لها ان تطير في جو سماء الملكوت وفضاء روح اللاهوت، إلا لوتحيطه بدائع الرحمة الالهيه ولوامع المكرمة السبحانية ، ويطير بجناح عز التوحيد في رياض قدس التجريد ، كي يَرِد على كوثر العذب الفرات، ويروى من عين الحياة هذه ، ويرزق من فواكه الجنة القدسية، ولكن بعضا من المتغمسين في ابحر المعاني وراكبين فلك الحكمة اللدنية الربانية، قالوا رشحاً من طمطام المعاني وطفحاً من غمام المعرفة السبحانية في مراتب ومقامات المحبة ، شوقا للطالبين وجذبا للسالكين، في مراتب ومقامات المحبة ، واشتروا دُرّ العلم والحكمة بألماس التبيان ، وعينوا مراتب المحبة إلى اربعة مراتب، وهذا العبد ذكر في هذه الرساله خمسة مراتب ، ولو ان عند هذه العبد الفاني ، مراتب المحبة لاحد ولا حصر لها ، ومن جهة تبدو في قميص الوحدة، لان اختلاف مقامات المحبة من اختلاف المراتب والمقامات ، لانه يشاهد في كل عالم من العوالم مرتبة من مراتب مغناطيس الاحدية، الذي يكون جذب حقائق كل شئ تحمل رقائق الكينونات في قبضة اقتداره ،و مغناطيس الاحدية تلك هو مقام المحبة والخّلة، لو أمكن احصاء و انتهاء للعوالم والمراتب ، لكان من الممكن احصاء مراتب المحبة وتعيينها بمقامات معدوده ومراتب محدوده، لذا فان اختلاف مقامات المحبة هو من اختلاف المراتب وليس من الذات والحقيقة ، لذا لو تنظر بنظر دقيق وتغمض البصر عن ملاحظة الاعداد والكثرة ، وتنظر الى منظر الوحدة الاكبر ، وتعبر من مفازة التحديد المُهلكة وتدخل شاطئ بحر التوحيد، حينها لن يقدر قلم الامكان ان يرقم شيئا في هذا المقام الروحاني ، ولن يجرؤ لسان العالم الفاني ان ينبت ببنت شفه عن هذه المرتبة الربانية .
على اي حال ، بعض من مطلعين اسرار التوحيد ترنموا في بيان حقيقة المحبة بهذه النغمة الالهية والرنة الصمدانية ، بأن المحبة هي ميل حقيقي بجمال النفس جمعا وتفصيلا ، وتلك المحبة الروحانية والميل الرحماني ، إما من مقام الجمع الى الجمع وهو شهود جمال الهوية وكماله بذاته بدون واسطة مجالي ومرايا الكائنات، وهذا هو تجلي وظهور الذات في نفس الذات ، كما ان العشاق مستورين في كتم العدم ، ولكن ذات الاحدية يفرش عَلم العشق والمحبة ، واعيان المجتذبين مخفيه في سرادق الهوية، ولكن معشوق الحقيقة تعاشق جمال وكمال نفسه .
او من الجمع للتفصيل، مثلما يشاهد تلك الذات الاحد في مظاهر لا حد وحصر لها من انوار جماله ، وتعكس غيب الاحديه في مرايا مصقوله ومجالي قدسيه ، طلعته اللامثال ، او من التفصيل للتفصيل ، كما يشاهد اكثر افراد البشر الجمال المطلق في مرايا حقائق الممكنات ، ويلاحظوا اشراقات انوار الصبح الالهي في مجالي الموجودات، وهذا هو المقام الذي يتفضل " سنريهم آياتنا في الآفاق " الذي هو مقام علم اليقين. واعلم بانه يتجلى على عشاق جمال اللامثال ومجذوبي حضرة ذو الجلال ، في بعض الاوقات حسب المجالي والمرايا، كما ان حضرة موسى عليه السلام شاهد لمعان وبوارق تجليات غيب الاحدية في الشجرة اللاشرقية ولا غربية ، واستمع نداء الروح لذات الهوية من النار الموقدة الربانية ، واشتعل من هذا النداء الالهي وتجليات انوار الفجر الرباني في قلبه المبارك سراج المحبة ومصباح الخّلة والمودة، واحرق حجبات الغيرية والكثرة بين المظهر والمُظهر، كما ان سلطان سرير العزة ومليك عرصة الولاية حضرة امام الحسن عليه التحية والثناء يتفضل في هذا المقام : "وعندي جوهر علم لو ابوح به لقيل لي هذا يعبد الوثنا " _ وقال غمام الفائض ابن فارض " وكل مليح حسنه من جمالها معار له بل حسن كل مليحة " . بعض العرفاء عّبروا عن هذا المقام بالعشق المجازي، ولكنه ليس كذلك ، بل العشق المجازي شبح وصورة لهذا المقام ، لان هذا المقام من ساذج التجريد ولطائف التوحيد، ويعّبر في عُرف العشاق والعرفاء بالتوحيد الشهودي . يحكى ان عارفا كان ينظر الى عوالم الملك والملكوت بنظر صاف، ومّر بقبر ، سأل سائل ، ماذا تفعل ، قال افعل غير ما يفعله الناس ، لانهم يطلبون الله ولا يجدونه ، وانا لا اطلب ولا اجد غير الله .

او ان ذلك الميل والمحبة يكون من مقام التفصيل الى الجمع، وهي مشاهدة ومحبة العاشقين والمجتذبين ،لجمال تلك الذات الاحدية والمعشوق الحقيقي، ولكن منزهه عن غبار الوسائل والوسائط ، وبراء من كدورة المجالي والمرايا، والسالكين في هذا المقام ينظرون من كثرات الوجود الى الواحد الحقيقي، ويستغرقون في تجليات جمال القديم واشراقات شمس طلعة المحبوب الجميل بشأن يسهون عن الكائنات ، ويتعدين الممكنات ، ليستقروا في الفضاء المبهج للقاء جمال ذات الاحدية، يرجعون من القطرة الفانية الى البحر الباقي ، ويطفئون سراج التحديد، ويشعلون مشعل التوحيد، يطهرون البصر لمشاهدة اشراقات وتجليات شمس الحقيقة في التراب، ينظرون في شمس الافلاك وينقطعون عن ملاحظة البدر المنير في جسم الماء، يشاهدون القمر المنير في السماء الرفيع بانوار لاحد لها ، وهذا هو المقام الذي يتفضل : " أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " . كانت هذه الرتبة الرابعة من المحبة ، اما الرتبة الخامسة هي الميل الروحاني والمحبة الوجدانية لعشاق جمال الاحدية بجمال نفسه في ذاته، وهذا هو مقام ومرتبة المحبة من الجمع للجمع ، لان هذا هو المقام الذي خلق من العنصر اللاهوتي ، ووجد من اللطيفة الربانية ، ان الحقائق الملكوتية والماهيات الجبروتية لن يكون لها نصيب من رائحة رضوان الاحدية هذه ولا من نفحة حديقة الهوية، والنفوس المقيدة والارواح المحدودة لن تستفيد من هذه المائدة القدسية. ويتجلى في هذا المقام تجليات الغناء البحت والاستغناء المحض، تتجلى ممالك التوحيد من سلطان الاحدية في حقائق سلاطين الممالك ، ويبدو الغناء الحقيقي والدولة الدائمة لـ " "يغني الله كلا من سعته " في هذه المرتبة الاعز الاعلى ، يدخل السالك في هذا المقام من بادية المحو والحيرة الى شاطئ البحر اللانهائي ، والقلزم اللامحدود " وفي انفسكم افلا تبصرون" ، وفي حديقة الحقيقة وبستان الهداية " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " ، ويشاهد لمعات تجليات جمال الاحدية من فجر جماله ، ويرى سطوع روائح رضوان الحقيقة من رياض التوحيد وحديقة التجريد في قلبه المبروك الخضر النضر، يجد الدولة الباقية من الفقدان الصرف، ويصل من الفقر الكلي والمسكنة الواقعية الى الغناء الحقيقي والثروة الدائمة الابدية ، يرى جميع الاسماء مشرقة من اسمه الظاهر، ويجد جميع الصفات من مطلع ذاته الباهر، ينظر الى جمال نفسه فانيا في جمال الحق ، ويجد جمال الحق باقيا في جمال نفسه ، كما سمع شمس فلك التوحيد وبدر سماء التفريد حضرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم في عروج معارج الاحدية من مزمار نداء المعشوق الحقيقي المبهج وغيب الهوية ، " قف يا محمد انت الحبيب وانت المحبوب " ، وتغنى في روضة الملك والملكوت وحديقة الحقيقة واللاهوت بهذه النغمة الالهية بأن " لي مع الله حالات هو أنا وأنا هو إلا هوهو وأنا أنا" ، وفي هذا المقام تتوارى نجم الوجود المقيد في مغرب الفناء والعدم ، وتبزغ وتطلع شمس الوجود المطلق من فجر الاحديه بلا نقاب ، وتظهر للعيان اتحاد الساقي والشراب والشارب ، فنعم ما قال :
اين روح القلب ، انه مخمور الكأس القدسي ، هو الشراب وهو الكأس والساقي
ان هذا المقام الاعظم الاكبر في المرتبة الأولية تختص بشموس الحقيقة الطالعه من الفجر الالهي ، وطلوعهم ليس بطلوع وغروب ، انهم غربوا في المغرب الرباني ، وغروبهم لا افول ولا نزول لها بل لم يزل تلوح وتضيء انوارجمالهم من الصبح الالهي على هياكل التوحيد ،ولا يزال شمس طلعتهم في وسط الزوال تحيي الروح لحقائق التجريد ، ولكن تجليات هذا المقام من هذه الشموس اللائحات ، تجلت على مرايا حقائق السالكين والطالبين ، بحيث لو ان مرآة القلوب تتميز من كدورات عوالم الكثرة ، ستنطبع تجليات هذا المقام فيها، ولو تصفى زجاجة النفوس و مشكاة الصدور بقوة النفوس القدسية ، سيشتعل سراج الفيوضات الالهية فيها.

ايها السالك سبيل الهداية دقق النظر ورقق البصر ، كي تدرك جميع مقامات المحبة التي هي مندمجة ومندرجة في كل عوالم الجمع والتفصيل ، والجمع الجمع ، والتفصيل التفصيل ، كذلك يقولون بعض المطلعين على الاشارات القدسية بان محبة الحق للعباد هي ظهور تجليات الالوهية وابقاء الصفات اللاهوتية في الهياكل والمجالي الناسوتية ، ومحبة العبد للحق هي انعدام الوجود وافناء الصفات الناسوتية في بقاء اللاهوتية وظهورات الالوهية، كما قيل : "محبة الله للعبد ابقاء اللاهوتية في فناء الناسوتية ومحبة العبد لله افناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية"، واختصروا بهذه الرتبتين ويرون ان نسبة المحبة لحضرة رب العزة هي حقيقة ، انما نسبتها الى العبد مجازي ، لان محبة الحق هي الاصل وتسبق محبة العباد ، كما يتفضل في الآية المباركة : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " .
عموما ، لو يتغنى هذا الطير الفاني حتى قيام الساعة في بستان العشق على غصن الشوق ببدايع النغمات الروحانية ، لن تنتهي تلك المراتب والمقامات، ولن تصل للنهاية ، لذا اختصرنا بكم كلمة .
اما مقام الخلقة ، اعلم بان المخلوقات على عدة أقسام ، منهم خلق الارحام ومنهم خلق الساعة الذي يتكون بنفسه مثل الحيوانات التي تتولد في الاثمار ، ومنها توجد في البيضة ، وهذه اقسام الخلقة الجسمانية ، ولكن الخلق الباطني الالهي والبعث الخفي الرباني فهو خلق آخر وبعث آخر ، انها خلق الأرواح القدسية في هياكل الموحدين وفي افئدة العارفين، وخلق الاعيان والحقائق في ملكوت السموات والارضين ، رغم ان بعض العرفاء لا يعتبرون الاعيان والقابليات والحقائق والماهيات مخلوقة بعدة ادلة ، الدليل الاول ، يقولون ان شأن المخلوقات والمجعولات هو الحدوث ، والحادث هو ما كان غير موجودا يظهر للوجود، وهذه الحقائق والاعيان لم يزل موجودا في مرآة علم حضرة رب العزة وثابت ، لانه لا يمكن ان يكون علماً بدون معلوم ، والعلم من الصفات الذاتية الذي هوعين الذات ، وهو قديم ،اذا لو قلنا ان هذه الحقائق والقابليات حادثة ، استغفر الله ان نكون قد اعتقدنا بالجهل لذات واجب الوجود، لان وجود العلم منوط بوجود المعلومات، ولو كانت المعلومات حادثة لكان من اللزوم ان يسلب ذات الحق العلم قبل خلق المعلومات ، وهذا كفر صريح .
والدليل الثاني انه ثبت وبرهن بالادلة العقلية والنقلية ان الجبر باطل ، وفي خلق الحق لابد من الاجبار والجورواثبات العدالة الالهية ، لاننا لو قلنا ان الحق سبحانه خلق كينونة على السعادة وكينونة على الشقاوة ، فيلزم الاكراه والاجبار في الخلقة، في حين ان جعل وخلق الممكنات بالنسبة لسلطان الوجود سيان، كما يتفضل :"ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" وكذلك " وماخلقكم وما بعثكم إلا كنفس واحدة "، وبما انه ثابت بان حضرة رب العزة لم يخلق الموجودات والممكنات عن طريق الاجبار والاكراه، اذن يجب ان يخلق طبقا لمقتضاء قابليته ، كي لا يحدث خللا في العدل الكلي الالهي ،وفي مقام اعطاء كل ذي حق حقه، في هذه الصورة لا يجوز ان تكون القابليات موجوده ، وماهيات الممكنات كانت معدومة ثم وجدت، وما هو مقتضاه الذاتي لحضرته يطلبه من السعادة والشقاوة، لان في هذه الحالة تلك الماهيات والقابليات لم يكن شيئا بل عدم صرف ، فكيف تكون قابلا للوجود ، والعدم لم يكن قابلا للوجود ، لان الاتصاف بشي لا يمكن ان يكون بنقيضه ، اذن بهذه الادلة العقلية يعبرون عن هذه الحقائق بالاعيان واحيانا بالماهيات والقابليات ، لم تزل موجوده بالوجود العلمي ومندمجة ومندرجة في مرآت ذات الحق على نحو البساطة والوحدة. وليس على نحو الكثرة ، لان وجود الكثرة في ذات واجب الوجود عبارة عن نقص حسب الأدلة التي ذكرت من قبل ، ولكن بعض المطلعين على الاشارات الخفية والمتعارجين الى معارج الاحدية يقولون بان الحقائق والقابليات مخلوقة ومجعولة ، والاعيان والماهيات حادثة ومعلول، انهم لم يستشموا رائحة من روائح القدس اللا أولية، ولم يستنشقوا نسيما من رياض عز القدم ، فتغنوا في رضوان التوحيد على اغصان التجريد وافنان التفريد بهذه النغمة اللاهوتية والرنة الملكوتية في كشف الاشكالات ورفع المحذورات التي ذكرت سابقا فيما يتعلق بعلم المعلومات، وتمسكوا وتشبثوا بعدة ادلة متقنة وبراهين محكمة في ان العلم الالهي لا يستلزمه المعلومات، الدليل الاول الذي استدلوا به هو ان الصفات والاسماء الذاتية الثبوتية مثل العليم والبصير والسميع وسائر الصفات الذاتية ، في عالم الأحدية هي عين ذات الحق بدون شائبة الغيرية والتمييزبين الصفات والذات بشأن انه لايوجد في مرتبة الذات علماً غير الذات، ولا يوجد ذاتا دون العلم ، بل ان في تلك المرتبة العلم عين الذات ، والذات عين السمع ، والسمع عين البصر ، والبصر عين الحياة ، والحياة عين الذات ، كما تمت الاشارة الى هذا المطلب الاعلى في كتب الشيخ الاكبر من الفتوحات والفصوص كثيرا، واطلاق هذا التعدد والتكثر على ذات الاحدية من السميع والبصير والعليم هي تعبيرات كمالية وعناوين شيء واحد، وإلا في تلك المرتبة الاكبر ، لا يوجد صفاتا اعظم غير الذات ، كما يتفضل ملك عرصة الولاية ، وعنقاء مشرق العلم والحكمة ، حضرة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: " كمال التوحيد نفي الصفات عنه" ، حيث انه لو كان هناك فرقا او امتيازا ظاهرا بين الصفات وتلك ذات الاحدية ، لما كان يخرج عن جهتين ، اما كانت الصفات جزءا من الذات ، او انها خارجه عن الذات ، في هيئة الاجزاء يستلزم التركيب، وذلك باطل بالادلة العقلية والنقلية، وفي صورة غير الاجزاء يلزم تعدد القدماء، وتلك ايضا باطل بالادلة العقلية والنقلية،اذا ثبت وبرهن بان جميع الصفات الثبوتية هي عين ذات الاحدية بدون تميز واختلاف، ولم يصل احد الى كنه ذاته ، أو ادراك حقيقة جوهر الجواهر تلك، لم يزل كان في علو التقديس وسمو التسبيح ، منزها عن ادراك الموجودات ومقدسا عن احاطة عقول الممكنات ، كما تغنى شمس سماء التفريد وشمع ليل التوحيد خلاصة المرسلين خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، في مقام معرفة تلك الذات الاحدية بنغمة " ما عرفناك حق معرفتك " في سماء الملك والملكوت، وترنم برنة " رب زدني فيك تحيرا" على اغصان شجرة الوجود. لآن العلم بأي شيء لابد من الاحاطة ، ومالم يُحط نفساً على شيءٍ لن يستطيع ادراك حقيقتها، كما يتفضل:" ولا يحيطون بشيء من علمه " وكذلك يتفضل : " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه". وهذا واضح وبيّن ليس بإمكان اي موجود ان يحيط ذات الاحدية.
اذن بعد ان ثبت ان معرفة ذات الحق ممتنع ومحال ، وايضا المعرفة العلمية التي هي عين ذات الحق ايضا ممتنع ومحال، لانه لا يوجد فرق بين الذات والصفات بأي وجه من الوجوه، في هذه الصورة ، لن يصل اي نفس الى العلم الذي هو عين الذات، ولن يستطيع اداركه وتعقله ، او يلاحظ كيفية علم الحق بالأشياء، هل تستدعي المعلومات ام لا، او تابع لحقائق وقابليات الاشياء ام لا ، نعم ان في حيز الامكان لن يكون العلم بدون معلوم، ولكن في الذات ، لن يستطيع اي نفس ادراكه ، وفي امتناع معرفة الشئون والصفات التي هي عين ذات الحق ، تفضل بلبل بستان التمجيد وعندليب حديقة التجريد أسد الله الغالب ( علي بن أبي طالب ) كرم الله وجهه بأكمل بيان وافصح تبيان ، وكشف هذه الحقيقة العالية بكلمات لطيفة ، حيث يتفضل قائلا: " من سئل عن التوحيد فهو جاهل، ومن أجاب عنه فهو مشرك، ومن عرف التوحيد فهو ملحد ، ومن لم يعرف التوحيد فهو كافر". يعني لو يسأل نفساً عن التوحيد الذي هو عين ذات الاحدية وغيب الهوية، فهذا دليل على جهل السائل ، لان السؤال عن شيء ممتنع ومحال يدل على الجهل وعدم المعرفة، واي نفس يجيب على هذا السؤال فانه اوجد شريكاً ومثيلا للواحد الاحد، لانه تصور بعقله وادراكه صورا خيالية من تصوراته العقلية، فتلك غيب الغيوب ليس معروفا لاي نفس، ولا معلوما لاي عالِم، اذاً فأي ادراك وتصور فكأنه أشرك بحضرة الحق سبحانه ، وكل من ادعّى معرفة التوحيد الذي هو عين ذات الحق ، فهو ملحد ، لان ما ادركه وأعقله فهوغير ذات الحق فيكون في معرفته ملحدا، وكل من لم يعرف توحيد تلك الذات الفرد ، عن طريق النظر الى الآثار والافعال فهو كافر، كما انك لوتنظر الى ذرات الملك والملكوت ترى الجميع آيات مدله على توحيد سلطان الاحديه .

أما الدليل الثاني على ان علم الحق سبحانه وتعالى لن يتبع المعلومات ، قالوا بالادلة السابقة تم اثباته وبرهانه، بان العلم عين ذات الحق بدون تخالف وتغاير، اي ان الذات بتمامها عليم والذات بتمامها سميع ، وكذلك سائر الصفات الذاتية ، رغم ان بعض العلماء قالوا انها ليست عين الذات وليست خارجة عن الذات ، لاننا لو قلنا عين الذات بدون تميز يستلزم نفي العلم ، وهذا نقص ، ولكن ليس هذا هو المقصود ، بل ان العوالم الالهية لا نهايه لها، وفي كل عالم تكون الاسماء والصفات لها حكما، ففي عالم الاحدية عين الذات، وفي عالم الواحدية تتميز عن الذات ، وهذه المراتب ، من الاحدية وعماد الواحدية والالوهية لم يزل باقيه ، كما انه عندما قال شخصا في حضور احد الاولياء حديث " كان الله ولم يكن معه من شيء"، فقال ذاك الشخص الواقف على الاسرار المكنونة : " الان يكون بمثل ما قد كان" ، على اي حال لو كان علم الحق سبحانه يستدعي ويستلزم المعلومات ويقتضي قابليات الاشياء ، لكان ذاته مستدعيا ومقتضيا، وهذا باطل ، لان الطلب والاقتضاء يستلزم الحاجة، والحاجة صفة الممكن وليس الواجب ، والحق سبحانه غني بالذات .

أما الدليل الثالث ، الذي قالوا ان علم الممكن تابع ويقتضي المعلومات وبدن المعلوم يكون ممتنع ومحال، فلو كان علم الواجب ايضا تابعا ويستدعي المعلومات ، فيكون ذلك علم الممكن، وهذا واضح بان كل ما في الامكان يكون محالا في الحق ، لانه لا يمكن ان يكون بأي وجه من الوجوه المماثلة والمشابهة والمجانسة والموافقة بين الخالق والمخلوق ، والوجوب والامكان ، والحق والخلق، ولن يكون، لان لم يزل كان صفة الحق سبحانه القدرة والعزة والغناء البحت ، وشأن المخلوقات والممكنات ، الذلة والمسكنة والفقر الصرف، وما هو ثابت للممكنات والموجودات عن الصفات الذاتية ، فيكون جوهر الجواهر وحقيقة الحقائق في علو تنزيهه وسمو تقديسه منزهه عن تلك الصفات وبراء منها، ففي هذه الصورة اي نسبة تكون بين الوجوب والامكان ، والحق والخلق ؟ اذا بهذا الدليل لا يكون علم الحق تابعا للمعلومات ولن يكون، لان علم الممكن يستدعي ذلك.

واما الدليل الرابع انهم قالوا لو ان الاعيان وقابليات الاشياء موجوده في ذات الحق فهي عين ذات الحق، لذا فهي ليست قابليات وحقائق، لانه من الواضح و المبرهن ان العالم غير المعلوم، نعم ان العالم عين المعلوم، وهذا هو علم الشيء بنفسه ، انما بغير نفسه بالطبع فهو غير معلوم ، اذا لو كانت هذه الحقائق والاعيان عين الذات بدون تكثر واختلاف ، فهي ليست بمعلومات ، فكيف يطلبون الوجود في وجود ذات الحق سبحانه ، ولا يكونوا بحاجة الى وجود الباري ؟ . طبقا لهذه الادلة التي ذكرت ، تمسكوا وتشبثوا بان علم الحق لم يكن تابعا للمعلومات كي يعتقد نفسا ان الحقائق والاعيان ليست مخلوقه ومجعوله، لانهم استدلوا بان العلم من صفات القديم، والمعلومات كانت موجودة في حضرة العلم وثابتة بالوجود العلمي ، ولن ينسب الجعل للقديم لان المجعول يستلزم الحدوث.
خلاصة المطلب ، انهم لاحظوا شيئين في العلم، الأول: العينية والحقيقة ، والاخر ، الفعلية ، كما يقصدون من ذكر العلم ، هو العلم الذي عين ذات الحق، والثاني : الحادث وعين الاشياء ، وذكروا ادلة كثيرة في هذا الخصوص ولكن لن تسع ذكرها الان في هذه الرسالة.
على اي حال ، انهم يعتبرون العلم المتعلق بالمعلومات حادث ، وايضا المعلومات التي هي حقائق وقابليات الاشياء حادث ومجعول ومخلوق، وقالوا ايضا ان القابليات والمقبولات وجدت في زمان واحد، واصبحوا منجعل في حين واحد ، مثلا ، قالو ان جميع الاشياء مركبة من شيئين ، القابل والمقبول ، القصد من المقبول هو المادة والهيولا ، والمقصود من القابل ، الهيئة والصورة ، التي تنقل تلك المادة من حيز اللاتعّين والاطلاق الى التقيّد، ومن اللاحّد الى عرصة الحدود، وتعّينها بصورة خاصة معينة ، مثلا لاحظوا في الحروفات والكلمات ، انها مركبة من شيئين ، احدها المادة وهي الحبر والمداد، مقبول، والاخر هيئة وصورة الكلمات والحروفات وهي قابل، نجد ان هذه المادة الخاصة والهيئة خلقا في زمان واحد، رغم ان المادة الكلية خلقت قبل الهيئة الخاصة، كما هو مشهود ان قبل وجود هذه الصور والاشكال المخصوصة كان الحبر له وجود خارجي ولكن لم يتعين بصورة معينة وهيئة خاصة ، وكان له لياقة صور كل الحروفات واستعداد وصلاحية التشكل بهيئة جميع الكلمات ، ولم تكن منحصرة في صورة معينة خاصة، وكذلك الهيئة والصورة الكلية كانت موجوده قبل المادة الخاصة ، كما ان قبل وجود المادة الخاصة التي هي الحبر والمداد، كانت الهيئة والصورة الكلية للحروفات والكلمات موجودة في ذهن الكاتب بالوجود الذهني ، ولكن خلقت الهيئة الكلية والمادة الكلية معا ، لانه لم يكن من الممكن ان يكون للشيء وجود خارجي ولن تكون له هيئة ،لان المادة والهيولى تحتاج الى الصورة في الوجود، والهيئة والصورة بحاجة الى المادة للظهور....
بما انه من المشهود ان المادة المخصوصة والهيئة المخصوصة خلقتا في حين واحد، وايضا الهيئة الكلية والمادة الكلية خلقت في آن واحد ، اذن القابليات والمقبولات وجدت في زمان واحد، ولا يوجد تقدم بينهم سوى بالذات. ولكن من ما سبق ، لو يتعلق الايجاد والحدوث بالحقائق والقابليات ، سيلزم الاكراه والاجبار في خلق الحق والغني المطلق ، وهذا ينافي العدالة الكلية والرحمة المنبسطة الالهية ، لو ان الحق سبحانه يخلق قابليةً من السجين وقابلية من العليين ، لن تكون العدالة الالهية مشهودة ، هذا الكلام تام، ولكن القائلين بحدوث الحقائق والقابليات ، يعتبرون الخلق والايجاد وفعل الحق نسبة لجميع المجعولات والمخلوقات بشكل واحد بدون فرق وتفاوت، ولكن كل واحد من المجعولات والمفعولات قبل برضاءه وطلبه رتبة من الوجود، لاحظ مثلا في الشمس وأشعتها، حيث افاضتها وفعلها نسبة لجميع الاشعة واحدة ولكن بعض الاشعة بطلب ورضاء نفسها تستقر بعيدا عن الشمس بألوف المسافات، وبعضها تطوف قرب وحول الشمس،لاحظوا الان في الاشعة التي تنتشر من شمس السماء في الاطراف والاكناف والبعيد والقريب، لا يعني ان الشمس وضعت بعضها في قرب جمالها والبعض الاخر بعيدا عنها ، بل انها لم تجعل تفاوتا في افاضتها بأي وجه من الوجوه، واظهرت الكل بتجلي واحد، ولكن كل شعاع بطلب نفسه قبل مقاما ومرتبة. وكذلك مما سبق لو ان حقائق الموجودات كانت معدوم صرف كيف يمكنها ان تكون موجوده، في حين ان العدم لا يستحق الوجود، لانه لا يمكن الاتصاف بشيء نقيض ، قيل في الرد ، بأن هذه الحقائق والقابليات لم تكن معدوم صرف ، بل كانت موجوده في مرتبة الامكان بالوجود الامكاني، وليس بالوجود الاعياني ، وهناك فرق كبير بين الوجود الاعياني والوجود الامكاني، ولكن ذكر ذلك سيطول.
بعض العرفاء الذين عرجوا الى سماوات المعاني ، اعتبروا الاعيان والحقائق والقابليات قديمه وغير مجعوله، والبعض الاخرمن اصحاب الشريعة والعلم والحكمة ، اعدوا الماهيات والحقائق مجعوله ومخلوقه وحادثه، وهذا العبد الفاني ذكر بيانات واستدلالات الطائفتين باتم بيان واكمل تبيان في هذه الرسالة، ولكن عند هذا العبد ، جميع هذه البيانات والمطالب والمقامات والمراتب هي تامة في مرتبتها ومقامها ، بدون مشاهدة الخلل والفتور، ولو ان المنظور واحد ، انما آراء العرفاء ومقاماتهم متفاوتة ، وكل رأي بالنسبة للمقام والمرتبة التي ينظر لها من ذلك المقام فهو تام وكامل.
اعلم ايها العاشق لجمال ذي الجلال، ان اختلاف اقوال الاولياء هي من اختلاف تجليات اسماء الحق واختلاف المظهرية، لان تتحقق سلطنة صفات الحق في كينونة كل مرآة من المرايا وفي حقيقة كل مظهر من مظاهر الغنى المطلق ، تتجلى اسما من أسماء الحق على سائر الاسماء، ولو أن الانسان تشرف بخلع " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم" وتردى بالقميص الروحاني " فتبارك الله أحسن الخالقين " لان الحق سبحانه تجلى في كل شيء من الممكنات والموجودات باسم من الاسماء ، مثلما قالوا اولي العرفان ان الملائكة هم مظاهر السبوح والقدوس والشياطين هم مظاهرالمضل والمتكبر، وكذلك سائر الاشياء كل واحد موجود في ظل تجليات اسم من اسماء الحق، ولو تنقطع هذه اللطيفة الربانية والدقيقة الصمدانية في آنٍ، سيصبح معدوم صرف ومفقود بحت، ولكن الانسان هو مطلع الفجر ، اي بداية يوم الوحدة والهداية وانتهاء ليل الكثرة والضلالة ، ومرآة تنطبع فيها جميع الاسماء المتضادة المتغايرة، ومنبع ظهور كل صفات الالوهية والربوبية، لان العالم الانساني هو عالم الكلمات التامات، لذا يتفضل : " خلق الله آدم على صورته" اي على هيئة اسمائه وصفاته.
بالرغم من انه مطلع ظهور كل الاسماء الالهية ومشرق طلوع كل الصفات الربانية ، ولكن اسما من الاسماء الالهية يبرز فيه اشد ظهورا و اكبر بروزا، الذي كان بدءه وعوده من ذلك الاسم. خلاصة المطلب ان بعض اولياء الله ، لاحظوا تشعشع انوار جمال الباقي في علو التنزيه ورفرف التقديس بالعين الباقية، لذا يسبحون ويقدسون شئونات كل عوالم ذات الاحدية، لان في كينونة هذه الهياكل الصمدانية تجلت اسماء التقديس والتنزيه، وبعض عرفاء الاسرار الخفية هم مظاهر الالوهية والربوبية ،لهذا لا يشاهدون في هذا المقام انوار جمال رب الارباب بدون وجود المربوب، والخالق بدون المخلوق ، والعليم بدون المعلوم. انما بعض المطلعين على رموز الاحدية رغم ظهور اسما من الاسماء في افئدتهم وحقائقهم اشد ظهورا، ولكن يُشاهد صورة من كل اسم من اسماء الحق وصفة من صفات الغني المطلق، وانوارا مشهورا في كينونتهم، لذا يتفضل في مقام التنزيه الصرف والتقديس البحت : " كان الله ولم يكن معه من شيء " يشاهدون ذات الاحدية قديم بالذات والصفات ، انما منزها عن وجود المعلومات وحقائق الموجودات، وفي هذه الرتبة يعدون ما سوى الله معدوم صرف ومفقود بحت ، في هذا شالمقام يشاهدون الحقائق والموجودات و الممكنات حادثا، لا يجدون قديما سوى ذات الحق، وفي مقام آخر الذي هو مقام تجليات اسم العليم واسماء الالوهية والربوبية ، يعتبرون حقائق الاشياء ايضا قديما، ويلاحظون العلم تابعا للمعلومات.
يا ايها السالك مسلك الهداية توارى في مغرب العدم والفناء، كي تطلع من مشرق الوجود والبقاء، وادخل راسك في قميص الفقر والافتقار عن ما سوى الله ، كي ترفع راسك من جيب رحمة ذو الجلال ، وطِر في هواء العشق والجذب كي تعرد الى رفرف العلم والحكمة الصمدانية ، ونزه بصرك عن غبار عوالم الملك المظلمة، وشاهد بعين الله الناظرة والبصر الحديد في الصنع الجديد البديع الالهي ، كي تلحظ هذه الاسرار المستورة والرموز الخفية الالهية بدون حجاب ونقاب ، وتدخل في جنة الاحدية التي هي مقام اتحاد كل الكثرات نظرا للرجوع الى الواحد الحقيقي ، هذا هو نصيب النفوس التي آنست بالانفاس القدسية، اذا فاسع بذاتك وروحك وقلبك وفؤادك الى هذا المعين الذي تجري منه سلسبيل حكمة الله الملك العزيز الوهاب.

اما المقصود من المعرفة ، اعلم ايها السالك سبيل الهدى ، ان ابواب المعرفة لكنه ذات الحق على كل الوجود مسدود، والطلب والامال في هذا المقام مردود، أنّى لعناكب الاوهام على اغصان عرفان حقيقة العزيز العلام ان تنسج بلعابها ، والحشرة الترابية لن تصل الى اطراف عقاب الافلاك، كيف لحقيقة العدم ان تدرك هوية الوجود، والفناء الصرف كيف يطلع على جوهر البقاء، لان لطائف الحقائق وجوهريات الموجودات وبدائع الجواهر المجردة للممكنات خلقت بكلمة امره وآية من آياته، ووجدت بتجلي من اشراقات شمس مشيته ، ولو يطير المتعارجين الى سماء العرفان والمتصاعدين الى ملكوت الحكمة والايقان ببقاء ذات الاحدية في هواء معرفة كنه جوهر الجواهراللانهائي، لن يتخطون شبرا ، ولن يصلون الى الحقيقة ......

لهذا اعتبرسيد الاولين والاخرين العجز والفقر في هذا المقام ، كمال العلم والغاية القصوى هي الحكمة، وأعد هذا الجهل هو جوهر العلم ، كما يتفضل " ما عرفناك حق معرفتك " وكذلك يتفضل :" رب زدني فيك تحيرا" ولن يتحقق في هذا المقام سوى الحيرة الصرفة ،لان ادراك الشي للشيء منوط بشيئين، الاول الاحاطة ، اي مالم يكن للشيئ احاطة لن يستطع ادراك كنهه ، وهذا معلوم انه ليس باستطاعة اي نفس الاحاطة على ذات الحق كي يصل الى كنهه ، أو يستشم رائحة من رياض عرفان حقيقة ذاته ، ولن يتحقق العلم والادراك دون الاحاطة، الثاني، المشابهة والمماثلة ، اي الشيء مالم يكن له شبيه، لا يمكن تصور حقيقته، لانه فاقد مراتبه وعوالمه، كيف يمكن ان يتصوره ويتعقله. مثلا الحيوانات والنباتات والجماد لا يمكنهم ابدا ان يتصوروا حقيقة الانسان لان من حيث الحقيقة لا يوجد اي مشابهة بين الانسان وتلك الاجناس بأي وجه من الوجوه، وهذا واضح وثابت بانه لا يوجد شبيه ولا مثيل لذات الحق ، وليس له نظير لان المشابهة عند الحكماء هي التوافق مع الكيف، وما لم يتوافق شيئان ويتطابقان لا يمكن ان يقال انها مشابه ، فلن يمكن ان تشبه النهار المضي النوراني بالليل الحالك الظلماني، ولا يمكن ان نشّبه النار المشتعلة الموقدة بالمياه المنجمد ، لانه لن يتوافق او يتطابق في الكيف من حيث التلئلؤوالظلمة ، والاشتعال والجمود، ولكن لو تقول ان هذا الياقوت الاحمر مثل السراج المنير المتلئلأ ، فهذا التشبيه موافق ، لان الكيفية الموجودة وهي التلئلأ مطابقة، والكيف من جملة الاعراض ، التي يتعرض للاجسام، وهذا محقق وثابت ان ذات الحق ليس بجسم كي يكون محل الاعراض ، ولن يمكن ان يتصور من ناحية الكيف مشابها له كي يتمكن ذلك الشبيه من ادراك كنه ذات الحق سبحانه، ويعرف حقيقته، فسبحان الله عما يقول الواصفون في وصفه علوا كبيرا.
اذا المقصود من العرفان في هذا الحديث الشريف لم يكن معرفة كنه ذات الحق ، لانه خارج عن حيز الامكان، بل المقصود معرفة آثار وتجليات الغيب الاقدس الامنع، لان مهما تطوي العقول المجردة والنفوس الزكية الصافية عوالم العرفان ، لن يدركوا سوى مراتب الآية المدلة عن سلطان الاحدية التي اودعت في الحقائق الانسانية، وكلما يطيرون بجناح النجاح الى فضاء العلم والشهود اللانهائي ، لن يقرأوا سوى احرف كتاب أنفسهم، لذلك يتفضل :" اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" .لاحظ في الدائرة ، مهما يتحرك الفرجار لن يدور سوى حول تلك النقطة التي هي مركز الدائرة ، وتلك الآية المتجلية في حقيقة النفوس الملكوتية بعينها لها حكم تلك النقطة ، التي تطوف حول تلك الاية اللاهوتية جميع حواس ومدارك الانسان ، ولكن هذه الاية المتجلية من شمس الهوية وامانة سلطان الاحدية مستورة في حجبات وسبحات الانفس ومحتجبة ومكنونة ، ومادام نير سماء التوحيد هذا متواريا في مغرب الحقائق الانسانية ، لن يطلع نفسا عن الشئون اللاهوتية المكنونة في غيب حقيقة الانسان، لذا عندما تشرق شمس الهوية من مشارق القيومية وتطلع وتلوح ، النفوس التي تفوز بعرفان مطالع عز الاحدية ومشارق الصبح الالهية ، يتربون في ظل تربيتهم ، كي تظهر وتلوح آية الرحمن كصبح الانوار من جيب حقائق النفوس المطمئنة، وترفرف راية الظهور على اعلام القلوب ، فانها مشارق الانبياء والاولياء الحقة التي تفيض شمس الحقيقة من هذا الافق على كل شيء بالفيوضات اللامتناهية. وعندما يفوزر السالك بهذا المقام الاعز الأعلى ، يصبح مهبط الاسرار المكنوة الالهية ، ومطلع الانوار الغيبية الصمدانية، يدخل في كل آن جنةً بديعة، ويرزق في كل لحظة بنعمة جديدة، الصدر المنشرح يلحظ اللوح المحفوظ الالهي المستور فيه اسرار ما كان وما يكون، والقلب المنير يلاحظ المرآة الصافية المنعكسة من صور كل العوالم، يحرق جميع حجبات عوالم الكثرة والظلمة بشعلة نار محبة الله .
الخلاصة ، ان المقصود من المعرفة في هذا الحديث القدسي هي معرفة ظهور الحق من هذه المشارق القدسية الاحدية ، اي انبياء واولياء الله ، وإلا فإن كنه الذات لم يزل غير معروف لأي نفس ولن يكون .

يا ايها السالك سبيل المحبوب ، اعلم اصل المقصود من هذا الحديث القدسي هو ذكر مراتب الظهور وبطون الحق في اعراش الحقيقة التي هي مشارق عز الهوية، مثلا ، قبل اشتعال وظهور نار الاحدية بنفسها لنفسها تكون في هوية غيب المظاهر الكلية، هذا هو مقام الكنز المخفي ، وعندما تشتعل تلك الشجرة المباركة بنفسها لنفسها ، وتنير تلك النار الموقدة الربانية بذاتها لذاتها، ذاك هو مقام " فأحببت أن اعرف " ، وعندما تشرق من مشرق الابداع بجميع الاسماء والصفات اللامتناهية الالهية على الامكان واللامكان ، ذلك هو مقام ظهور الخلق البديع والصنع الجديد وهو مقام " فخلقت الخلق " . وعندما تخرق تلك النفوس المقدسة حجبات كل العوالم وسبحات كل المراتب ، ويسرعن لمقام المشاهدة واللقاء، ويتشرفون بعرفان مظهر الظهور ، ويفوزون بظهور آية الله الكبرى في الأفئدة، في ذلك الوقت تصبح علة خلق الممكنات التي هي عرفان الحق ، مشهودا.

لقد ثبت بالبرهان ان المقصود من العرفان ، هو معرفة مظاهر الاحدية، لان جميع المراتب والمقامات تتيسر بعنايات هذه الهياكل المقدسة، وهذه الابواب لم يزل كان مفتوحا على وجه العباد، ولكن الناس حرموا انفسهم بانشغالهم بالشئونات المؤتفكة ، عن عنايات يوم الوصال ، مثلما اليوم ان شمس الولايه من الافق الابهى مشرقة ولائحة ، وناطقة بهذه الكلمات اللاهوتية :" قد فصلت نقطة الأولية وظهرت ولاية الله المهيمن القيوم"، ولكن الكل غفل عنه ومنشغل بهواه. فوالله الذي لا إله إلا هو ، لويستشم نفسا رائحةٌ من هذا الرياض ، سيسعى بالتاكيد بروحه كي ياخذ نصيبا من هذا البحر اللانهائي ، رغم ان في هذه الايام احتجب العباد من جوهر المقصود بشأن يصعب ذكره ، فلا يجدون علوا سوى في اكتساب الشئونات الدنية الزائلة ، ولن يطلبوا عزة سوى جمع الزخارف الفانية ، ابتعدوا عن الحصن المحكم الحصين ، وآووا في بيت العنكبوت الذي هو اوهن البيوت، مروا من عذب بحر البحور المواج ، بقطرة ماء منتنة اجاج ، وغفلوا عن ضياء النير الاعظم الاعلى ، بظلمة ليل دهماء، رغم ان في كل حين يشاهدون بالبصر الظاهر فناء هذا الدار الفاني ، فوالله ، لو يتفكروا باقل من لمح البصر ، سيمرون كالبرق الساطع عن الامكان، وعلاوة على ذلك لجئوا لهذا العقل الجزئي الناقص ، لكي يدركوا المقامات والمراتب التي هي مستوره عن العقول الكلية، وبما ان هذه المراتب لم تسع عقلهم السقيم ، انكروه ، مع ان جميع اعضاءهم وجوارحهم و اركانهم تشهد على حقيقة تلك المراتب والمقامات ، انشاءالله اتمنى ان تحشر نفوسا في ظل الحق من انفاس قدس الرحمن الساطع عن يمين السبحان، كي يمروا بقدمٍ عن سدرة منتهى عوالم العرفان " وليس ذلك على الله بعزيز" ، كم هو موضع الحسرة والأسف للانسان ان يبقى محروما من الفضل الاكبر في فصل الربيع الالهي ، الذي تزينت اشجار الجنان باوراق ورياحين الحكمة ، وتتغنى وتترنم عنادل رياض الهوية ببدائع الالحان على افنان شجرة طوبى، وسلطان الكل كشف النقاب وخرق الحجاب في مجلس البلابل العاشقة ، فطوبى للفائزين.
يا ايها الحبيب ، اسقط عنك هذا الجناح والريش المكسور المنغمس بالطين الذي يحكي عن قدم العالم ، كي تطير باجنحة عز التوحيد في هذا الفضاء الوسيع والسماء المنيع ، اسعى بالروح كي تتنعم من المائدة البديعة النازله من سماء الهوية ، وترزق من الفواكه القدسية من الشجرة اللاشرقية ولا غربية ، فلهذه الطيور الحائرة عشق اخر في الرأس ، ولهذه اللاجئين سبل المحبوب جذب اخر في القلب ، يجب ان تكبر اربعة تكبيرات على ما كان وما يكون وتعزم نحو مقام المحبوب ، يجب ان تغمض العين عن غير الصديق وتفتح على جمال المشهود، وتطهر السمع عن الأذكار كي تستمع من مزامير آل داود الحان المليك المحمود البديعة. (حضرة عبد البهاء المبين لتعاليم حضرة بهاءالله المظهر الإلهى لهذا العصر)



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زخْم رحمته
- الخلق الجديد
- نزع السلاح وأثره على البيئة
- ستعرفون الشجرة من ثمارها
- بين القرن التاسع عشر والعشرين
- صفحات تاريخ من نور
- ماهية النظام العالمي الجديد
- من أسباب تخلف العالم العربي وسبل الخروج منها
- يا أهل الشرق والغرب هلموا لنزع السلاح وكفانا حروب وعنف وأهلا ...
- السلام هو الأساس في حياة الإنسان
- العولمة والمجتمع البهائي في العالم الإسلامي
- السلام العالمي وعد حق من الله للبشرية
- جناحا الإنسانية
- الطبيعيين ومقولة-(أن الطبيعة خالقة للإنسان)
- محو التعصّبات بجميع أنواعها
- الدين الإلهي هو النور المبين والحصن المتين
- هشاشة النهج السياسي
- المنظورات الروحانية
- العلاقة بين الإنسان والطبيعة
- تحريف الكتب


المزيد.....




- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - من جواهر المعاني