أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - مجموعة مقالات













المزيد.....

مجموعة مقالات


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 781 - 2004 / 3 / 22 - 09:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هل صار العراق مستعمرة إيرانية؟

د.عبدالخالق حسين

يبدو أن تاريخ البرامكة سيعاد في العراق في القرن الحادي والعشرين. إذ قرأنا في التاريخ أن العباسيين اعتمدوا على الإيرانيين (الموالي) في إسقاط الدولة الأموية وتأسيس دولتهم التي اتخذوا من بغداد عاصمة لها. وتوسعت نفوذ البرامكة الفرس في إدارة الدولة  حتى بلغت الذروة في عهد هارون الرشيد الذي اعتمد عليهم كثيراً إلى حد أن أصيبوا بالغرور والطغيان فتوجس الرشيد منهم الخطر على سلطته، لذلك انقلب عليهم وأبادهم عن آخرهم.

لقد اضطر العراقيون في عهد صدام حسين، الذي يشبه نظامه حكم الأمويين وخاصة في عهد الحجاج، أن يفروا إلى شتى أنحاء العالم لينجوا بأنفسهم وينظموا معارضاتهم للنظام الجائر. وتلقى الإسلاميون العراقيون في إيران دعماً سياسياً واسعاً خلال أكثر من عشرين عاماً. ولكن مع ذلك لم تستطع المعارضة، سواء الإسلامية منها أو الوطنية الديمقراطية، إسقاط النظام لوحدها لولا قوات التحالف الأمريكي-البريطاني.
وقد خططت أمريكا أن تجعل من العراق الجديد نموذجاً للديمقراطية والإستقرار السياسي والإزدهار الاقتصادي، يحتذا به في الشرق الأوسط، على غرار ما حصل في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. ولكن احتمال نجاح هذا النموذج الديمقراطي صار يقض مضاجع أعداء الديمقراطية وقوى الظلام في المنطقة. لذلك جن جنونهم فعقدت التحالفات غير المقدسة بين إيران وسوريا وفلول صدام حسين والمنظمات الإسلامية الإرهابية مثل القاعدة وأنصار الإسلام والمرتزقة العرب المخدوعين من عبيد الاستبداد، لمواجهة العراق الجديد، وعرقلة مسيرته وإجبار أمريكا على الرحيل.
ورغم أن النظام الإيراني هو من أكبر المستفيدين من سقوط صدام، إلا إن الملالي يخافون أن يأتي دورهم ويلتحقوا بنظام صدام حسين، لذلك وضعوا كل ثقلهم لتدمير العراق مهما كلفهم من أموال ورجال. فاستغل المتشددون الإسلاميون في إيران الظروف القاهرة التي بعيشها العراق وصعوبة السيطرة على الحدود، فبعثوا بعشرات الألوف من رجال مخابراتهم بحجة زيارة العتبات المقدسة، وشكلوا منظمات سياسية واجتماعية تحت أسماء وواجهات مختلفة، بل ونجحوا حتى في اختراق الأحزاب السياسية العراقية بغية السيطرة عليها وعرقلة مسيرتها الوطنية.
كما فتحت إيران أكثر من عشرة محطات إذاعية وثلاث محطات فضائية تلفزيونية، تبث باللغة العربية على مدار الساعة، تؤلب الشعب العراقي على قوات التحالف وتروج لقيام نظام إسلامي تابع إلى نظام الملالي في طهران، مستفيدة من المشاعر الدينية عند الشيعة الذين نالوا القسط الأوفر من جور النظام البائد.
كذلك تعتمد إيران على رجال الدين الإيرانيين في العراق وفي الكويت. وهذا الوضع هو امتداد لمئات السنين عندما أرغم الشاه إسماعيل الصفوي في القرن السادس عشر الشعب الإيراني السني آنذاك على التشيّع. فاعتمد في ذلك على السيف والقلم، على حد تعبير العلامة علي الوردي. فقتل ما يقارب المليون من الإيرانيين وجلب رجال الدين العراقيين الشيعة لتثقيفهم ونشر مبادئ المذهب الشيعي في إيران وحقق في ذلك نجاحاً باهراً. إلا إن تشيُّع الشعب الإيراني صار وبالاً على شيعة العراق. إذ يحاول الإيرانيون فرض الوصاية عليهم وعلى العتبات المقدسة، الأمر الذي جعل السنة العرب يشككون في ولائهم الوطني ويطعنون في عروبتهم ونالوا بسبب ذلك كثيراً من التعسف والاضطهاد من الحكومات المتعاقبة.
وبعد قرون، صار الإيرانيون هم الذين يصدرون رجال الدين الشيعة إلى العراق وأحكموا قبضتهم على الحوزة العلمية في النجف. فلرجال الدين الإيرانيين تواجد مؤثر في النجف وعاشوا وكأنهم في بلادهم مستفيدين من كرم الضيافة الذي اشتهر بها العراقيون وحتى نجحوا في منافسة أقرانهم من رجال الدين العراقيين. وبا للمفارقة، فأغلب اشيعة صاروا يقلون رجال الدين الإيرانيين بدلاً من نظرائهم العراقيين.
و يشكل التأثير الإيراني الآن على الرأي العام العراقي، خطراً كبيراً على مستقبل العراق. فإيران تلعب ورقتها في العراق بذكاء وخبث ودهاء على ثلاث جبهات: الإستخبارات، الإعلام ورجال الدين.

وقد عاش الفقيه الإيراني، آية الله السيد علي السيستاني في النجف حياة هادئة في عهد صدام حسين، متفرغاً للدين دون أن يتدخل في السياسة، آثر السكوت على جرائم النظام، رغم علمه بما ناله العراقيون من ظلم على يد النظام الجائر. بينما رجال الدين العراقيين، من آل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وغيرهم كثيرون ومن جميع المذاهب في العراق، لم يستطيعوا السكوت عن جرائم النظام الفاشي، فعارضوه وتعرضوا بسبب ذلك إلى القتل والتنكيل والتشريد.
ولكن بعد أن أسقط الحلفاء النظام الفاشي وتحرر الشعب من العبودية وتوفرت الحرية لكل الناس، وصار من حق كل إنسان أن يمارس النشاط السياسي بالشكل الذي يريد وفي ظل هذه الظروف الجديدة بدأ السيد السيستاني يمارس السياسة في العراق الجديد. كما عمل بحكمة فائقة في تهدئة الجماهير الشيعية في عدم استخدام العنف ضد قوات التحالف وحذر من خطر تسلل البعثيين إلى الحوزة العلمية والتلبس بلباس رجال الدين كما ونصح رجال الدين بعدم تسلم مناصب حكومية أو سياسية. وكان صائباً ومفيداً في مواقفه تلك التي أكسبته مصداقية واحترام وتقدير الشعب العراقي والسياسيين والأمريكان وقادة قوات التحالف وبريمر. فبدأ هؤلاء يتسابقون على زيارته والتقرب إليه. وراح رجال الحكم الجدد يقدمون له الاحترام والتقدير ويسألونه المشورة في شؤون البلاد في كل صغيرة وكبيرة. وتطور الأمر بسرعة إلى حد أن وجد الرجل نفسه وكأنه أية الله خامنئي العراق وأن الحكام الجدد لا يستطيعون إدارة الحكم بدونه. وكما برى الأستاذ مالوم أبورغيف في تغيير موقف السيد من السياسة فيقول: (لكن مسألة عدم إشراك  الدين بلعبة السياسة عند السيد السستاني كانت على ما يبدو تكتيكا تطلبه الموقف في زمن الحكم البعثي الاستبدادي، وليس موقف فكري او فلسفي أو استناد على آيديولوجية تقترب من الفكرة العلمانية الرافضة لاي نوع من التاثير المتبادل ). 
وهكذا شعر الرجل الذي كان حتى وقت قريب يرفض زج الدين بالسياسة او إبداء أي رأي فيها علناً في الماضي، صار يمثل مركز الثقل في القرار السياسي في العراق. فاعترض على مسودة قانون الجنسية الجديد فيما يخص تبني اللقطاء الذين ولدوا في العراق، علماً بأن هذه الفقرة هي إنسانية كانت موجودة في القانون القديم منذ العهدين الملكي والجمهوري، ولم يعترض عليها أحد من رجال الدين.
كذلك راح يطالب بإجراء انتخابات في اختيار لجنة كتابة الدستور وأعضاء مجلس الحكم الذي سيحل محل المجلس الحالي في نهاية شهر حزيران القادم دون أي اعتبار للأوضاع الأمنية في العراق التي لا تسمح بذلك.
يعتقد البعض أن إيران هي وراء تدخل السيد السيستاني في النشاط السياسي. وقد بلغت خطورة التدخل حداً أن صرح السيد (حين قابل رؤساء عشائر الفرات الأوسط قبل إسبوعين وحرضهم على المطالبة بالانتخابات العاجلة ووعدهم بالعمل على أن يتسلموا الحكم بدلا من "القادمين من الخارج"). فهل هذه هي العدالة أن يقرر الإيرانيون دور العراقيين في شؤون بلدهم؟ ولماذا فر العراقيون إلى الخارج، هل من أجل السياحة والتجارة أم فراراً من الظلم والطغيان وتنظيم المعارضة من الخارج؟ والأنكى من ذلك أن هدد رجل دين إيراني آخر في الكويت وهو السيد المهري بقوله:  (إن المرجع، السيد السيستاني قد يصدر فتوى يحظر على العراقيين! مساندة مجلس الحكم واعتباره مجلس غير شرعي إذا تجاهل الحاكم المدني الامريكي بول بريمر دعوته الى انتخابات عامة مباشرة في جميع مناطق العراق ...). وهذا نوع من التهديد العلني لمجلس الحكم العراقي من قبل إيران عن طريق رجال الدين الإيرانيين. وهذا يعني أن الإيرانيين هم الآن يتصرفون بمصير العراق والعراقيين، مستغلين مشاعرهم الدينية وما على أعضاء مجلس الحكم غير التودد والخضوع والاستجابة لهم.
والجدير بالذكر أن الإسلاميين العراقيين الذين لهم امتداد مع إيران هم الذين يلحون بلجاجة على إجراء الانتخابات في الظروف الصاخبة وغياب الأمن والخدمات، اعتقاداً منهم أنهم سيفوزون بالسلطة ويفرضون حكم الشريعة الإسلامية ويجعلون العراق تحت حكم ولاية الفقيه بإمرة المرشد الإيراني علي خامنئي وبذلك سيسحبون البساط من تحت أقدام الأمريكان ويفشلون مخططهم في دمقرطة العراق والمنطقة. والغريب أن السيد السيستاني بوافق على تأجيل الإنتخابات فقط إذا أيد ذلك بقرار من الأمم المتحدة وكأن الذين في نيويورك هم أعرف بظروف العراق منه هو وأعضاء مجلس الحكم وغيرهم من السياسيين الذين يعيشون في العراق.
وأخيراً أود التأكيد، على أن لا ديمقراطية بدون انتخابات ولكن يمكن أن تكون هناك انتخابات بدون ديمقراطية، كما كان في عهد صدام. فالانتحابات لها شروطها مثل إجراء إحصاء السكان وتحديد الدوائر الإنتخابية وتوفير الأمن والخدمات وفسح المجال للأحزاب في بناء تنظيماتها ونشر مبادئها، وإلا ستؤدي هذه الانتخابات في ظروف غير ملائمة إلى إجهاض الديمقراطية وهذا بالضبط ما تريده إيران ومعظم دول الجوار ومعها الإسلاميون العراقيون. لقد حرِّم الشعب العراقي من الإنتخابات النزيهة طوال تاريخه، فما الضير إذا أجريت، كما خطط لها، بعد عام بدلاً من بعد ستة أشهر؟
إن المطالبة بالانتخابات تحت شعار (أن لا حكم إلا للشعب) في الظروف الراهنة تشبه مطالبة الخوارج الذين رفعوا المصاحف وهم يصرخون (لا حكم إلا لله). والآن تخرج المظاهرات في بغداد والبصرة  والمدن العراقية الأخرى وهي رافعة صور السيستاني والخميني، مطالبة بالإنتخابات, فما أشبه البوم بالبارحة وكما قال الإمام علي (ع): (قول حق أريد به باطل).

 

 

 

 

هل الانتخابات ممكنة الآن في العراق ؟

د. عبدالخالق حسين

يدور سجال محتدم بين العراقيين منذ أشهر حول تشكيل الحكومة القادمة التي ستحل محل مجلس الحكم وتستلم السيادة من قوات التحالف في بداية شهر تموز القادم وفق الاتفاق المبرم بين مجلس الحكم الانتقالي والإدارة المدنية لقوات التحالف في 15 تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي. والسجال يدور حول، هل ستشكل الحكومة الجديدة عن طريق انتخابات عامة مباشرة أوانتخابات غير مباشرة من قبل لجان تراتبية في المحافظات والبلديات في أنحاء القطر على شكل مراحل.

وانقسم العراقيون إلى فريقين: فريق يدعو إلى انتخابات مباشرة، ويتزعمه رجل الدين الشيعي آية الله السيد علي السيستاني ويؤيده في ذلك جميع الأحزاب الإسلامية الشيعية وعدد قليل من الشيعة الديمقراطيين. وسبب دعوة الأحزاب الشيعية للإنتخابات المبكرة هو اعتقادهم بأن يمكن الاستفادة من حمى المشاعر الدينية العالية في أوساط الشيعة بعد سقوط النظام الفاشي، طالما يسيطرون على الشارع في المناطق الشيعية، خاصة وأنهم يشكلون الأغلبية. فالانتخابات، في هذه الحالة، ستوفر لهم الفرصة الذهبية لاستلام السلطة وإقامة نظام إسلامي في العراق عن طريق الانتخابات وعندها لا يستطيع أحد أن يعترض عليهم في تطبيق حكم الشريعة وسيسيطرون على الحكم و يوجهون المجتمع بالشكل الذي يريدون، كما الحال في إيران.

أما الفريق الثاني الذي يدعو إلى إرجاء الانتخابات وعدم إجرائها قبل نهاية حزيران (يونيو) القادم، فيتألف من جميع السنة العرب والأكراد والتركمان والكلدو-آشوريين ومعظم الشيعة العلمانيين الديمقراطيين, ويعتقد هؤلاء أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العراق حيث غياب الأمن وتفشي الفوضى والإرهاب وحوادث القتل والانفجارات اليومية. فالحدود مازالت مفتوحة أمام تدفق الإرهابيين الأجانب والناس يعيشون في حالة رعب متواصل. كذلك هناك أسباب فنية مهمة منها: عدم توفر سجلات بأسماء الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية. كذلك الأحزاب السياسية العلمانية والإسلاموية السنية مازالت في مرحلة التشكل ولم يتاح لها الوقت الكافي لنشر مناهجها وتشكيل فروعها في المدن والحواضر. بينما أحزاب التيار الإسلاموي الشيعي يسيطرون على المساجد والحسينيات ويسيرون المظاهرات وحتى عندهم مليشياتهم المسلحة في توجيه الجماهير بالوجهة التي يريدونها و مدوا سيطرتهم حتى على المدارس والجامعات والمعاهد مستفيدين من غياب الأمن. كما راحوا يرعبون بعض الأحزاب العلمانية، فقاموا بتفجير مقر الحزب الشيوعي في بغداد الجديدة في الشهر الماضي وقتل اثنين من أعضائه، كذلك أرغموا الحزب المذكور على غلق فرعه في مدينة كربلاء بالقوة.
 
أما سبب تأييد بعض العلمانيين الديمقراطيين من الشيعة للانتخابات المبكرة، فإنهم، كما قال السيد نصير الجادرحي عضو مجلس الحكم وزعيم الحزب الوطني الديمقراطي: «... ينطلقون من وجهة نظر سياسية ودينية بحتة، خاصة بعد ان تحول اقتراح السيستاني الى فتوى دينية، ... وان هؤلاء البعض اتبع السيستاني خوفا من ارهاب الشارع». (الشرق الأوسط، 13/2/2004).

دور الأمم المتحدة:
وفي خضم هذا الصراع بين المؤيدين والمعارضين للانتخابات، طلب آية الله السيستاني من الأمم المتحدة إرسال وفد لها لتقدير الوضع الأمني في العراق والحكم فيما إذا كان ملائماً للانتخابات أم لا. وفعلاً استجاب السيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة فأرسل وفداً برئاسة السيد الأخضر الإبراهيمي قبل أيام والتقى بالسيد السيستاني وبمجلس الحكم وبمختلف الأطراف العراقية. وصرح السيد الإبراهيمي بعد تلك اللقاءات إلى وكالات الأنباء فأعلن اتفاقه مع السيستاني على إجراء الانتخابات ولكن بعد «تحضير جيد لها». وهذا يعني أن عامل الأمن ضروري جداً لهذه الانتخابات. وردد السيد كوفي عنان ما قاله السيد الإبراهيمي، بأنه لا يمكن إجراء الإنتخابات ما لم تتوفر لها شروطها. والسؤال هو: هل سيقتنع الداعون للانتخابات بحكم الإبراهيمي أم سيطعنون به لأنه جاء مختلفاً مع ما كانوا يتمنون؟

الديمقراطية والانتخابات:
نعم، لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في أي بلد بدون انتخابات, ولكن صحيح أيضاً أنه يمكن إجراء انتخابات بدون ديمقراطية، كما كان يجري في الدول الشيوعية وحتى في العراق في عهد نظام صدام حسين وكذلك الحال في جمهورية إيران الإسلامية. كذلك من المفيد القول أن الذين يدعون إلى إرجاء الانتخابات هم ليسوا ضدها، ولا يريدون نظاماً ديكتاتورياً كما يزعم البعض، بل يرون أن الظروف التي يمر بها العراقية غير مواتية لها في الوقت الحاضر.
فلأجل إجراء انتخابات حرة وعادلة، يجب توفر الشروط اللازمة لإنجاحها. وأهم هذه الشروط هي الأمن وسجلات الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية وفسح المجال أمام الأحزاب السياسية لتنظيم نفسها وتعريف مرشحيها وبرامجها الانتخابية للشعب كما ذكرنا آنفاً. لذلك، اعتقد أن الوضع الذي يمر به العراق لا يسمح بذلك في الوقت الحاضر.
أما إذا أجريت الانتخابات وفشلت في تحقيق الحد الأدنى من النجاح، فسيكون الفشل ضربة قاصمة للديمقراطية ذاتها وهي  مازالت في المهد. لذا فالذين يدعون للانتخابات على عجل دون التفكير بالمخاطر، فإنهم يخططون لوأد الديمقراطية، سواءً عن قصد أو بدونه. وهذا يقدم خدمة لا تثمن إلى أعداء الديمقراطية، ليس في العراق فحسب بل وفي المنطقة كلها.
وبالمناسبة، فإن الحكومة البريطانية قد أرجأت الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2002 لعدة أشهر، لا لغياب الأمن ولا الخوف من الإرهابيين ولا لوجود الفوضى في البلاد وعدم توفر الخدمات، بل بسبب تفشي وباء الحمى القلاعية بين الأغنام في تلك الفترة. فإذا كان هذا هو الموقف من الانتخابات في بلاد تعتبر قلعة الديمقراطية الحديثة وأجلت الحكومة الإنتخابات فيها بسبب الحمى القلاعية بين الأغنام، فماذا نقول نحن عن الوضع الهش في العراق الذي صار ساحة للحرب ضد الإرهاب العالمي حيث القتل وأعمال التخريب والفوضى ونقص الخدمات وغياب الأمن والاستقرار السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا هذه العجلة للانتخابات، خاصة وأن العراق لم ير طوال تاريخه انتخابات عادلة، ناهيك عن انتخابات حقيقية، فلماذا كل هذا الإستعجال الآن؟ صبرنا كل هذه القرون بدون انتخابات حقيقية عادلة، ألا يمكن الانتظار لعدة أشهر أخرى إلى أن يتعافى العراق من جراحه وتتوفر فيه الظروف الملائمة وعندها يمكن إجراء الانتخابات بسلام ونجاح.
إن الإدعاء بأن الذين لا يريدون الانتخابات الآن يخططون بإبدال ديكتاتورية البعث بديكتاتورية أخرى، كلام غير صحيح القصد منه إثارة مخاوف لا أساس لها من الصحة. فالأمريكان عندما جازفوا بجنودهم وأموالهم وسمعتهم السياسية باحتلال العراق وقبلوا بالمخاطر، كان في مخططهم إعادة ترتيب النظام الدولي الجديد وفق متطلبات العولمة التي شاءت الأقدار أن تقودها الولايات المتحدة, وهذه تتطلب دمقرطة المنطقة والعالم. وبسبب وجود نظام دموي إرهابي في العراق، كان من نصيب العراق أن تبدأ منه عملية دمقرطة العالم كله. فالعملية الديمقراطية في العراق مسألة لا رجعة عنها مطلقاً. أما الذين يتعلقون بأهداب مسألة واحدة من الديمقراطية وهي الانتخابات فقط فإنهم يخططون لوأد الديمقراطية من أجل قيام نظام إسلامي شمولي باسم الانتخابات. فلا يمكن الجمع بين الديمقراطية والآيديولوجية الشمولية. وكما قال الأخضر الإبراهيمي، الانتخابات ضرورية ولكن بعد التحضير الجيد لها.
13/2/2004


مجازر باسم الإسلام... ألا تعساً لكم !!!

د.عيدالخالق حسين

أثارت مجزرة أربيل البشعة يوم 1/2/2004 مشاعر الحزن والسخط والغضب والاستنكار لدى البشرية المتحضرة في العالم أجمع ضد مرتكبيها والذين خططوا لها والذين حشوا أدمغة الشباب بالأفكار الشريرة لتحويل أجسادهم إلى قنابل انفجارية لقتل الأبرياء وخدعوهم بأنها أقصر السبل إلى الجنة وحور العين وولدان مخلدين. ألا تعساً لكم أيها المجرمون القتلة السفلة الجهلة المخدوعون الذين استرخصتم حياتكم وحياة آلاف من البشر الأبرياء بسبب غبائكم وجهلكم. أية أفكار شريرة هذه التي تحيل الإنسان إلى قنبلة انفجارية للتضحية بالنفس وقتل أبناء الشعب الشرفاء. لماذا لا يرسل المحرضون "الإسلاميون" أبناءهم الذين يتنعمون في الغرب، ويستغلون فقط التعساء فيخدعونهم لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية باسم الدين؟

لا شك إن الذين خَدعوا هؤلاء الشباب التعساء الجهلة وزيَّنوا لهم جرائمهم المنكرة أقنعوهم بأن عملهم هذا هو في سبيل الله وإقامة حكم الإسلام وأن أبواب الجنة قد فتحت لهم و72 حورية لكل منهم في انتظارهم. إنهم طالبان العرب والأكراد الذين يحلمون بإقامة "الإمارة الإسلامية" في العراق بعد أن انهارت إمارتهم الكارتونية الهمجية في أفغانستان وصار "أمراؤها" يتنقلون بين جحور تورا بورا ويعيشون الآن مع الجرذان كما عاش صدام حسين في أحد جحور العوجة يتغذى به القمل.

إن الأعمال الإنتحارية هي ليست من فلول صدام، لأنهم أجبن من أن يضحوا بأنفسهم. فهؤلاء بعد أن يأسوا من عودة سيدهم للحكم ليكافئهم بالمناصب والامتيازات، راحوا يعملون على تدمير البلاد انتقاماً من الشعب الذي لفظهم، عن طريق القصف من بعيد وزرع الألغام وتفجيرها بالريموت كونترول. أما الأعمال الإنتحارية فهي من صنع المخدوعين من عبيد بن لادن وجماعة القاعدة وأنصار الإسلام ومن يروج لهم ويحرضهم على تدمير العراق من أمثال الرنتيسي والذين يصرخون ويزبدون في الفضائيات العربية والإسلامية. كذلك أولئك "الأئمة" الذين حولوا مساجدهم في العراق إلى مخازن لأدوات الموت والدمار وأماكن لتدريب الإرهابيين وكرسوا خطاباتهم الدينية لتحريض الشباب على القتل ونشر الخراب في البلاد وقتل العباد بإسم الله والإسلام.

لا جدوى من محاورة هؤلاء القتلة بالمنطق والأدلة القاطعة والآيات القرآنية الكريمة لنثبت لهم أنهم على خطأ وأنهم مجرمون، يعملون على الضد من تعاليم الإسلام الإنسانية السمحاء، فهؤلاء جهلة وهم مجرد أدوات صماء لتنفيذ الجرائم (صم بكم عمي فهم لا يعقلون).

إن مجزرة أربيل التي راح ضحيتها خيرة المناضلين من أبناء شعبنا في كردستان، هي ضمن سلسلة الجرائم التي وقعت ضد شعبنا في بغداد والنجف وكربلاء والموصل وكركوك وغيرها من وطننا الحبيب والتي استشهد فيها أية الله محمد باقر الحكيم وصحبه الأبرار وبعثة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والمئات من أبناء شعبنا البررة من الشرطة الأبطال والمدنيين الأبرياء. وقد تزامنت مجزرة أربيل مع البيان الإجرامي الذي أصدرته 12 منظمة إسلامية إرهابية، يهددون بالسيطرة على المدن العراقية بعد انسحاب قوات التحالف منها والانتقام من أبناء شعبنا وفرض نظامهم السلفي المتخلف البغيض عليها.
نؤكد لهؤلاء المجرمين أن شعباً قاوم أبشع نظام في التاريخ مثل نظام صدام حسين الإجرامي، لما يقارب أربعة عقود والذي ملأ العراق بالمقابر الجماعية، سوف لن ترهبه جرائمكم ولن تثنيه عن عزمه تهديداتكم في المضي قدماً لبناء وطنه العراق وإقامة نظام ديمقراطي حضاري والتعويض عما فاته من الزمن الضائع واللحاق بالعالم المتحضر. إن هذه الأعمال الجبانة ما هي إلا دليل على يأسكم وأنكم تحتضرون وعما قريب ستلفظون أنفاسكم الحقيرة ومصيركم كمصير صدام حسين، في مزبلة التاريخ ويلعنكم اللاعنون.

إن هذه المناسبة الحزينة تدعونا لنؤكد مرة أخرى على قياداتنا السياسية المخلصة وبالأخص القيادة الكردية ومجلس الحكم أن أولى الأولويات هي سحق الإرهابيين أعداء شعبنا والعمل الجاد على استتباب الأمن في كل البلاد وتوفير الخدمات والقضاء على البطالة والفساد الإداري. والأمن يأتي على رأس الأولويات. دعوا الأمور الخلافية والطموحات الفئوية جانباً الآن رجاءً وركزوا على الأمن والأمن ثم الأمن قبل كل شيء.
ونقدم إلى الأستاذين المناضلين، مسعود البارزاني وجلال طالباني وإلى الشعب الكردي المناضل وعوائل الشهداء، تعازينا الحارة وندعو لهم بالصبر والسلوان. نتمنى لجرحانا الشفاء العاجل.
الخزي والعار للمجرمين السفلة.. فاللعنة تلاحقهم وتلاحق كل من يتعاطف معهم ويحرضهم على إلحاق الأذى بشعبنا باسم ما يسمى بالمقاومة. إنهم مجرمون قتلة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والنصر لشعبنا.
2/2/2004

 


خطاب مفتوح إلى آية الله السيستاني حول قتل المسيحيين في العراق
د. عبدالخالق حسين*
سماحة أية الله العظمى السيد على السيستاني دام ظله
السلام عليكم،
يساور العراقيين قلقٌ شديد، عما نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) الدولية الواسعة الإنتشار، في عددها الصادر 31/12/2003، من تقرير موثق عن جرائم مروعة ترتكبها جماعات شيعية مسلحة في البصرة تحمل أسماء مثل «ثأر الله» و«حزب الله» و«منظمة قواعد الاسلام» ضد طالبات المدارس والجامعات وفرض الحجاب عليهن بالقوة بمن فيهن المسيحيات ومضايقة السافرات في الشوارع بعدوانية فضة. والأسوأ من ذلك أنهم يقومون بترويع المسيحيين وحتى تهديدهم بتغيير دينهم وقتل باعة الخمور منهم بطرق عشوائية. إن مهنة بيع الخمور مورست في البلاد الإسلامية منذ فجر الإسلام، مروراً بجميع مراحل دولة الخلافة الإسلامية وإلى الآن ولم تصدر أية مرجعية دينية فتوى بهدر دم من يمارسها أو حتى منعهم من ممارسة هذه المهنة.
إن فرض الحجاب على النساء بالقوة أمر مدان وقد أدانه حتى الشهيد السيد محمد باقر الحكيم بأسابيع قبل استشهاده، حينما قال، بأنه ولو يفضل الحجاب إلا إنه ضد فرضه قسراً.
إن ما تقوم به هذه العصابات المتطرفة وبسم الشيعة بترويع وقتل مواطنين عراقيين مسالمين عاشوا في هذا البلد آلاف السنين، لا يشرف أبناء الطائفة الشيعية بشيء، بل يجلب لهم السمعة السيئة وهم الذين كانوا ضحايا الاضطهاد في جميع العهود السابقة. إن قتل الأبرياء أمر مخالف للإسلام «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا».
لقد فرض هذا النفر أنفسهم فوق القانون والدولة مستثمرين الفراغ السياسي والأمني، رغم مرور تسعة أشهر على سقوط النظام الجائر. وهذا مخالف لما كنا نسعى من أجله حيث كنا نحلم بقيام دولة العدالة والقانون، يأمن فيها الناس على كرامتهم وأمنهم وأعراضهم و بمارسوا طقوسهم الدينية بحرية، وليس دولة العصابات المنفلتة تنشر الرعب بين الناس وتنتهك الحرمات بسم القومية تارة، كما كان في عهد صدام حسين أو بسم الدين تارة أخرى كما يجري الآن. إن سيادة حكم القانون مسؤوليتنا جميعاً يجب أن لا نتساهل فيها، وإلا ستغرق البلاد في فوضى عارمة تهلك الحرث والنسل ولا يعرف نتائجها إلا الله سبحانه وتعالى. وبالتالي فستترحم الناس على عهد صدام حسين، بل البعض منها بدأت تترحم عليه من الآن، لأن الحكمة تقول (الاستبداد خير من الفوضى).
نحن نعرف أن الإسلام دين حنيف سمح يحترم حقوق الإنسان ويجعله مسؤولاً أمام الله عن أي قرار يتخذه وبملء إرادته. أي أن الإنسان في الإسلام مخير وليس مجبر وفق ما جاء في محكم كتابه الكريم:
(لا لإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) علماً بأن أخوتنا المسيحيين ليسوا من الكفار بل هم من أهل الكتاب كما جاء في القرآن الكريم:( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) . والإسلام يرفض الإكراه: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، (إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) صدق الله العظيم. وكل هذه الآيات الكريمات تؤكد على عدم الإكراه في الإسلام وضمان حرية الإختيار عند الإنسان.
فإذا كان هذا هو الإسلام الحنيف، إذاً، فبأي حق يقوم هذا النفر الضال بقتل أخوتنا من المسيحيين وإجبارهم على تغيير دينهم؟ ما الفرق بين هؤلاء المتشددين وبين الطالبان في أفغانستان؟ تفيد الأنباء أن بلغ الوضع في محافظة البصرة حداًُ بحيث (.. دفَعَ الخوف من المستقبل اكثر من 2000 مسيحي في البصرة من بين اكثر من 100 ألف على الرحيل وتوجه اغلبهم الى مدن في شمال العراق مثل الموصل حيث كان يعيش أسلافهم.-الشرق الأوسط، 31/12/2003). إن أهل البصرة، وأنا منهم، معروفون بروح التسامح و الانفتاح على الآخرين ومن يختلف عنهم في الدين والمذهب أو القومية. ففي الستينات من القرن الماضي عندما قامت عصابات البعثيين في الموصل بحملة اغتيالات ضد المواطنين وأغلب الضحايا كانت من المسيحيين، رحلت الألوف منهم إلى البصرة. والآن تقوم العصابات الشيعية المتطرفة في البصرة بدور البعثيين في اضطهاد أخوتنا المسيحيين وإرغامهم على الرحيل إلى المدن الشمالية. فهل يقر الإسلام هذا السلوك؟
لذلك فإننا نهيب بسماحتكم، وجميع رجال الدين الأفاضل، لما لكم من تأثير روحي على هؤلاء الشباب الذين أساءوا فهم الإسلام واتخذوا منه ذريعة لإشباع نزواتهم العدوانية وجعلوا من أنفسهم أوصياء على الناس وفوق القانون والدولة، فقاموا بالإعتداء على الآخرين، وحرصاً على سمعة الشيعة من سلوك هذا النفر الضال الذين يرتكبون جرائم القتل وترويع الناس بإسم الإسلام والمذهب الشيعي بالذات، نناشدكم بالتدخل الشخصي وذلك بإصدار فتوى تمنعون فيها هذه العصابات من ارتكاب الجرائم ضد أخوتنا المسيحيين وغير المسيحيين والكف عن فرض الحجاب بالقوة وترويع النساء السافرات، ومنعهم من العبث بأمن الناس والتدخل فيما لا يعنيهم وترك هذه الأمور إلى السلطات المخولة بإسم القانون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*- كاتب عراقي مقيم في إنكلترا
31/12/2003

 

 

البديل عن السلطة الانتقالية  المنتخبة

د. عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالنا السابق في 14/2/2004 بعنوان (هل الانتخابات ممكنة الآن في العراق ؟)• حصلت تطورات  بهذا الشأن حيث اصدر السيد الأخضر الإبراهيمي، رئيس بعثة الأمم المتحدة تقييمه للأوضاع الأمنية في العراق ورأى بأن الانتخابات العامة فيه تحتاج إلى تحضير جيد وأنه من الصعوبة إجراءها قبل الثلاثين من حزيران (يونويو) القادم، التاريخ المتفق عليه لنقل السلطة السيادية إلى العراقيين.

والغريب في الأمر، أن الداعين للانتخابات كانوا قد أكدوا على أنهم سيقبلون بقرار الأمم المتحدة مهما كان، ولكن لما صدر القرار خلافاً لتوقعاتهم رفضه البعض منهم وراحوا يهددون بانتفاضة ما لم تتم الانتخابات قبل موعد نقل السلطة. أعتقد هذه الصيحات عاطفية وليست في صالح العراق الجريح وهو يمر بمنعطف تاريخي خطير يراهن أعداءه على إشعال فتنة طائفية وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ومن هنا فعلى عقلاء العراق من السياسيين أن يبذلوا كل ما في وسعهم لرد سهام المراهنين على تدمير بلادنا إلى نحورهم والعمل بالحكمة والروية للخروج من هذا المأزق والعمل بفن الممكن. لذا نطرح في هذه المداخلة بعض البدائل عن السلطة المنتخبة للخروج من المأزق ونناقشها بموضوعية حسب الإمكان.

الخيارات المطروحة:
1- سلطة منتخبة مباشرة من قبل الشعب ،
2- حكومة مؤقتة منتخبة وفق ما اقترحته الولايات المتحدة أن تختار مؤتمرات انتخابية اقليمية تحكم العراق حتى عام 2005،
3- تسليم السلطة إلى الأمم المتحدة،
4- إبقاء مجلس الحكم الحالي مع توسيعه بعد عقد مؤتمر وطني موسع،
5- إبقاء مجلس الحكم الحالي كما هو حتى عام 2005 حيث إجراء الانتخابات العامة .

مناقشة الخيارات:
1- سلطة منتخبة من الشعب: حجة أنصار هذا الخيار هي أن السلطة السيادية المنتخبة من الشعب مباشرة سوف تسقط الطعن بشرعيتها لأنها خيار الشعب بوسائل ديمقراطية. أعتقد إن أعداء العراق وأعداء الديمقراطية سيطعنون بالحكومة القادمة في جميع الأحوال، حتى وإن كانت وليدة انتخابات حرة ونزيهة طالما أجريت في ظل قوات الاحتلال. فهناك أصوات نددت بالحكومة الديمقراطية القادمة وحتى قبل إسقاط النظام البعثي بحجة أن إسقاط النظام تم على أيد قوات أجنبية. والتشكيك في الشرعية طال حتى خلفاء الحكم الراشدي، فما بالك  بحكومة منتخبة بوجود قوات أجنبية؟ أعتقد، يجب أن لا تهتم السلطة القادمة بهذه التهمة ويجب أن تهملها جملة وتفصيلاً، فالطريقة الوحيدة التي يمكن إرضاء هؤلاء هي عودة صدام حسين ونظامه المقبور. وكما ذكرنا آنفاً، فخيار سلطة منتخبة غير ممكن حسب ما أقره ممثل الأمم المتحدة السيد أخضر الإبراهيمي. والإصرار عليه والتهديد بالمقاومة السلمية أو الانتفاضة المسلحة ليس في صالح الشعب العراقي بل يصب في خدمة أعدائه ودعوة للانتحار الجماعي. وعليه حكومة منتخبة قبل 30 حزيران خيار غير عملي.

2- سلطة منتخبة من قبل مؤتمرات انتخابية اقليمية (كوكس). هذه الطريقة معقدة تتبعها الولايات المتحدة في بعض الحالات، وتصلح للبلدان الديمقراطية المتطورة ومن الصعوبة تطبيقها في بلد مثل العراق لم تمارس فيه الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة طيلة تاريخه. في رأيي هذا السيناريو فاشل ولا يقدم حلاً للمعضلة.

3- تسليم السلطة إلى الأمم المتحدة: هذا الخيار كارثة ويمثل أسوأ الخيارات، لأن تاريخ الأمم المتحدة بهذا الشأن غير مشجع، وإذا حصل لا سمح الله، فهذا يعني أن مصير العراق سيبقى بيد هذه المنظمة الدولية إلى أجل غير مسمى ويتم نهب ثرواته باسم الشرعية الدولية. وأرجو أن لا يفهم بأننا نرفض مساهمة الأمم المتحدة في مجالات أخرى مثل تقديم الخدمات الإنسانية والمساعدة في الإحصاء والإشراف على الانتخابات في المستقبل عندما يحين وقتها المناسب. لذلك يجب إسقاط هذا الاحتمال مرة وإلا الأبد.

4- إبقاء مجلس الحكم الحالي مع توسيعه بعد عقد مؤتمر وطني موسع. هذا الخيار قابل للجدل ولكنه لا يخلو من بعض العقبات المخيبة للآمال. فيا ترى ما هي الجهات التي ستدعى لهذا المؤتمر؟ إذ هناك أكثر من مائة حزب جديد تأسس بعد سقوط النظام. وأغلب هذه الأحزاب صغيرة وبعضها لا يتجاوز عدد منتسبيها المؤسس وأبنائه أو أصدقائه. ومن الممكن أن تكون بعض هذه الأحزاب واجهات لحزب البعث المنحل فيتخذون منها وسيلة للتسلل إلى السلطة الجديدة وتحقيق بعض المكاسب واحتلال مواقع النفوذ للتخريب. ومن الصعوبة في هذه العجالة فرز الأحزاب المشكوك في ولائها للوطن عن الأحزاب الحقيقية المخلصة له. ومن جهة أخرى، كلما أضيف عدد أكبر من الأعضاء الجدد زاد عدد الساخطين والمحتجين لعدم شمولهم في المجلس الموسع. كذلك كلما توسع المجلس كلما زادت الخلافات والمصاعب في أخذ القرارات، خاصة والعراق يمر في مرحلة صعبة تحتاج إلى الحد الأدنى من الاختلاف والصراعات السياسية داخل المجلس. لذلك أعتقد أن من الأفضل إسقاط هذا الخيار وتبني الخيار الخامس والأخير ألا وهو:

5- إبقاء مجلس الحكم الحالي كما هو دون تغيير. ومبررات هذا الخيار هي: أن أعضاء المجلس يمثلون معظم مكونات الشعب العراقي وأغلبهم قادة أحزاب ومنظمات سياسية عريقة وشخصيات وطنية مخلصة أثبتوا جدارتهم إ ذ قادوا معارضة واسعة وفعالة ضد أشرس نظام دموي في أشد الظروف صعوبة، سواء داخل العراق أو خارجه. وقد قاد هذا المجلس السلطة في ظروف صعبة وحالكة بجدارة وحقق الكثير من النجاحات. وهذا لا يعني أن المجلس خال من نقاط ضعف وبعض النواقص، أو إصدار قرارات غير حكيمة مثل القرار 137، ولكن في رأيي هذا هو أفضل الموجود وفق مقولة: (ليس بالإمكان أفضل مما كان). وفي جميع الأحوال، فدور هذا المجلس هو موقت وانتقالي، سينتهي بإجراء الانتخابات البرلمانية بعد التحضير الجيد لها وانبثاق حكومة ديمقراطية شرعية منتخبة من الشعب وإلى الشعب.

وعليه أرى إبقاء مجلس الحكم على وضعه الحالي لاستلام السلطة السيادية والعمل الجاد للتحضير الجيد للانتخابات العامة بعد استتباب الأمن وإجراء الإحصاء وتهيئة السجلات بأسماء الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية. وقد تجرى هذه الانتخابات أما في نهاية هذا العام أو في بداية العام القادم حسب ما تسمح به ظروف البلاد وتحت إشراف الأمم المتحدة وشخصيات دولية مرموقة.

 

 

إلغاء قانون الأحوال الشخصية تكريس لعبودية المرأة

د. عبدالخالق حسين

فوجئ الشعب العراقي يوم 1/1/2004 ب"مكرمة" غير متوقعة من مجلس الحكم بمناسبة العام الجديد، وذلك بإصداره القرار 137 ألغى بموجه (قانون الأحوال الشخصية) الذي أصدره الزعيم العراقي الأسبق الشهيد عبد الكريم قاسم في أوائل الستينات من القرن الماضي واعتبر تقدميا ينصف المرأة العراقية ويمنحها حقوقا واسعة. وتفيد الأخبار أن الأعضاء الإسلاميين في مجلس الحكم استغلوا غياب الأعضاء الآخرين (العلمانيين) ومرروا قرارهم المذكور بتطبيق الشريعة الإسلامية في المحاكم الشرعية «الذي يكرس الطائفية والانشقاق في المجتمع والأسرة العراقية». إن تصرف هؤلاء يوحي وكأنهم يعملون عن قصد لخلق المزيد من الأعداء لهم ودفع الجماهير إلى جانب المعارضة وعزل أنفسهم في هذه المرحلة الصاخبة من تاريخ العراق الجديد التي تتطلب منهم وحدة الصف والحكمة في إصدار القرارات.

لقد أصدر الزعيم عبدالكريم قاسم هذا القانون قبل أكثر من أربعين عاماً وبعد مداولات طويلة وجادة مع خيرة المتضلعين في القانون المدني وعلم الاجتماع والمهتمين بحقوق الإنسان. واعتبر القانون في وقته من قبل التقدميين أنه أفضل قانون تقدمي إنساني صدر في العالم الثالث في معالجة الأمراض الإجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي. ولكن، استغل القانون من قبل طيف واسع من المعارضة الداخلية والخارجية التي ناصبت العداء لثورة 14 تموز المجيدة، فنجحوا في استدراج رجال الدين الذين أصدروا الفتاوى ضده قائلين بأنه مخالف للشريعة الإسلامية، وهو ليس كذلك بطبيعة الحال.
فمن المعروف، منذ كتابة التاريخ وإلى الآن، أن الرجال هم الذين يهيمنون على الحكم ويسنون القوانين التي تخدم مصالحهم المادية وتشبع غرائزهم الجنسية. إن هيمنة الرجال على مقاليد الحكم ناتجة عن مرحلة تاريخية معينة حيث لعبت القوة العضلية وليس العقلية، دوراً أساسياً في هذا المجال. فاستحوذوا لأنفسهم على حصة الأسد في الأرث وأربعة زوجات وما لا نهاية له من زواج المتعة والمسيار والإماء بما ملكت أيمانهم. واعتبار المرأة ناقصة عقل ودين وأن شهادتها في المحاكم تساوي نصف شهادة الرجل... الخ
لا شك أن ما جاء في الإسلام قبل ما يقارب 15 قرنا، كان إجراءً تقدمياً يناسب ظروف المرحلة. ولكننا نعرف أن الإسلام فتح باب الاجتهاد سمح بموجبه إجراء تغييرات وفق ما تفرزه ظروف المراحل اللاحقة من مستجدات. وهناك قول مأثور للإمام علي (ع) يتجنب ذكره الإسلاميون وهو: (لا تقسروا أولادكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ). وهذا دليل على أن الإمام كان مدركاً لمتطلبات المستقبل.
كما ويخبرنا التاريخ أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أجرى أكثر من أربعين تعديلاً في الشريعة الإسلامية فقط بعد عشر سنوات من وفاة الرسول (ص). ورغم القول أن (لا اجتهاد في النص) إلا إن عمر قد اجتهد في النص مثل الغائه زواج المتعة وحصة المؤلفة قلوبهم في الغنائم وغيرها كثير. ونحن إذ نسأل: إذا كان عمر شعر بالحاجة الماسة إلى هذا الكم من التغيير بعد عشر سنوات فقط من وفاة الرسول، فكم من الأمور الأخرى التي سيقدم على تغييرها إذا ما جاء اليوم وبعد ما يقارب 15 قرناً من الزمان؟
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: هل التعرض لقانون الأحوال الشخصية في هذا الظرف المتأزم بالذات هو من أولويات متطلبات المرحلة الراهنة؟ فجميع السياسيين بمن فيهم الإسلاميين، صرحوا مراراً وتكراراً بأنهم يريدون نظاماً ديمقراطياً في العراق الجديد، وعليه، أما كان الأجدر بهم ترك هذا الموضوع الحساس إلى البرلمان المنتخب في المستقبل المنظور وفق الجدول الزمني، كما جاء في اتفاق 15 أيار الماضي، وعندها ستعرض لائحة أي قانون جديد على الرأي العام العراقي لمناقشته وبعد ذلك يتم التصويت عليه في البرلمان المنتخب ليصبح قانوناً وكفى الله المؤمنين شر القتال. إذَنْ، لماذا هذه العجلة والحماس في إلغاء هذا قانون الأحوال الشخصية بالذات والعود بالعراق إلى العصور الغابرة؟

إذا كانت المرأة حقاً، ناقصة عقل ودين، كما يدعي الإسلاميون، فكيف كان الرسول (ص) يستشير زوجاته في كثير من الأمور وخاصة أم سلمة التي كانت تمتاز بالحكمة؟
المرأة هي الأم والأخت والزوجة والإبنة والزميلة والصديقة والرفيقة.. المرأة العراقية ناضلت كما ناضل أخوها الرجل وتحملت الكوارث. وتشكل النساء في العراق الآن حوالي 60% من الشعب. إن النظرة الدونية للمرأة هي امتداد للتراث البدوي الماضي المتخلف، عندما كان الإنسان يكسب عيشه بقوة عضلاته وليس بقوة عقله، أي كان يعيش بالطرق البدائية والهمجية كالغزو والقتل والنهب والسلب والإغتصاب والإختطاف وبيع الأسرى في أسواق النخاسة. والمرأة بطبيعتها لا تجيد هذه الأعمال البربرية لكونها أقل قوة من الناحية العضلية. ولكن أثبت العلم، أن المرأة تتمتع بقدرات عقلية لا تقل عن الرجل وقد تفوقه في العديد من المجالات. وبصورة عامة، تعتمد القدرة العقلية عند الإنسان على عدد الخلايا العصبية neurons في الدماغ. وقد وجد العلماء أن عدد الخلايا العصبية في دماغ المرأة أكثر مما في دماغ الرجل. كذلك فإن المرأة أكثر قابلية لتحمل الأمراض والمحن والصبر في الظروف القاسية من الرجل. كما وبينت نتائج الإمتحانات ما قبل الجامعة (A-level ) في بريطانيا وأمريكا تفوّق الإناث على الذكور, كذلك نسبة البنات في العديد من الكليات وخاصة المتخصصة منها بالعلوم الطبية في أغلب البلدان أكثر من الذكور. وفي روسيا تشكل النساء أكثر من سبعين بالمائة من الكادر الطبي.
كما وشكلت المجندات ما يقارب 100 ألف في القوات الأمريكية في حرب الخليج الثانية التي حررت الكويت من الغزو الصدامي. ونلاحظ نفس النسبة الآن في قوات التحالف التي حررت العراق. فإذا كان هذا هو الوضع ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، فما هي امتيازات الرجل على المرأة كي يستمر في استعبادها؟
إن القرار 137، سابقة ليست في صالح العراق الجديد وأساء إلى سمعة مجلس الحكم وأصاب أنصاره بخيبة أمل فضيعة. ومن المفرح أن السيد بول بريمر باشا قد استخدم حق النقض (فيتو) على القرار المذكور سيئ الصيت وأبطل العمل به، وأثبت لنا مرة أخرى أنه أكثر حرصاً على مصلحة الشعب العراقي والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق الجديد من بعض السياسيين العراقيين وخاصة الإسلاميين منهم. فتحية للسيد بريمر وأعزه الله ونصره.

ومن نافلة القول، أن الحقوق الديمقراطية لا توهب إلى الشعب من أحد، "ولكن تؤخذ الدنيا غلابا". لذلك نرى أن الحقوق التي تحققت للشعوب الغربية الديمقراطية لم تأتِ لهم على طبق من ذهب، بل من خلال نضالات جماهيرية عبر قرون. لذلك على جماهير المنظمات النسائية، شن نضال شديد بلا هوادة لنيل الحقوقهن، ومعهن جماهير شعبنا وخاصة المثقفين التقدميين والصحافة الحرة.
كما وندعو السادة الذين أصدروا القرار 137 أن يسحبوا هذا القرار ويعيدوا النظر في مواقفهم السياسية وآيديولوجياتهم الشمولية وأن يستخلصوا درساً من مصير صدام حسين وما آل إليه من نهاية مذلة. فمهما بلغ حكام اليوم الذين يعملون تحت تأثير آيديولوجياتهم الشمولية ويخططون لفرض نظام إسلامي في العراق الجديد، نقول أنه لا يمكن لهم أن يصلوا إلى جبروت صدام حسين. انظروا ما حل بالطالبان في أفغانستان وما حل بالشعب الإيراني الذي يناضل اليوم للخلاص من النظام الإسلام الذي أثبت فشله وحتى حفيد الخميني صار يدعو إلى نظام علماني ديمقراطي. فقد خرج الجني العراقي من القمقم ولا يمكن إعادته كما كان. نصيحتي لهم أن يقرأوا التاريخ جيداً ويستوعبوا دروسه القاسية، فالتاريخ لا يرحم ويعامل المغفلين والجاهلين في السياسة كمجرمين.

وختاماً، أحيّي ما قامت به "الناشطات العراقيات اللائي يمثلن حوالي 80 جمعية نسائية، بينهن وزيرة الاشغال العامة نسرين برواري من مظاهرات في ساحة الفردوس للاحتجاج على قرار مجلس الحكم... ورفع شعارات منددة بالقرار المذكور مثل: «لا للتفرقة، لا للتمييز بين المرأة والرجل في عراقنا الجديد» و«نرفض القرار 137 الذي يكرس الطائفية والانشقاق في المجتمع والاسرة العراقية».
فإلى الأمام ونحي نضالكن وما ضاع حق وراءه مطالب.
15/1/2004
عبدالخالق حسين

 


وثيقة للقاعدة تدعو لإشعال حرب طائفية في العراق

د. عبدالخالق حسين

نشرت صحيفة ( النيويورك تايمز) في عددها الصادر اليوم 9 شباط/فبراير الحالي مقالة بقلم دكستر فيلكنس، ملخصاً لتقرير المخابرات الأمريكية في بغداد تقول فيه أنها حصلت على وثيقة إثناء غارة على بيت في بغداد تابع لجماعة القاعدة. وقد تم إيقاف رجل من هذه الجماعة ومعه قرص مدمج CD، كان الرجل ينوي نقله إلى قيادة القاعدة في أفغانستان. ووجد الأمريكان في هذا القرص وثيقة كتبها كادر قاعدي متقدم يطالب قيادة القاعدة بالموافقة على إشعال حرب طائفية ضد الشيعة في الأشهر القادمة وأن تبدأ قبل تاريخ تسليم السلطة إلى العراقيين في نهاية حزيران/يونيو من هذا العام. ويعتقد الأمريكان أن (أبو مصعب الزرقاوي) الأردني الجنسية والموجود حالياً داخل العراق هو الذي كتب الوثيقة هذه والتي تقع في 17 صفحة.
وقد بعث المسؤولون الأمريكان بالتقرير بنسختيه العربية والإنكليزية إلى صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد (8/2/2004). ويذكر التقرير أن المتطرفين فشلوا في الحصول على الدعم في البلاد كما وفشلوا لحد الآن في تجنيد السنة العرب لهذه العملية وقد أصيبوا بخيبة أمل في تخويف الأمريكان وإرغامهم على الرحيل. لذلك فقد تبنوا تكتيكا جديداً وهو شن حرب طائفية على الشيعة.
والتقرير يلقي باللائمة في الصعوبات على عدم وجود جبال في المناطق العربية من العراق ليلجأ إليها المتطرفون. يرى كاتب الوثيقة أن شن حرب على الشيعة سيدفع إلى هجوم معاكس على السنة العرب وبذلك يمكن إقناع السنة على المشاركة في هذه الحرب الطائفية وبالتالي يمكن إنقاذ حركة المجاهدين الإسلاميين من الهزيمة.
ويضيف التقرير إن "حرب طائفية" كهذه، ستحشد أهل السنة العرب وراء المتطرفين الإسلاميين وأن الحرب ضد الشيعة يجب أن تبدأ حالاً في "ساعة الصفر" قبل تسليم الأمريكان السيادة إلى العراقيين في نهاية حزيران/يونيو من هذا العام. ويقول الأمريكان أنهم متأكدون من أن الزرقاوي هو كاتب هذه الوثيقة، ويدل على قوة وطبيعة وجود المتطرفين الإسلاميين في العراق ومدى خيبة أملهم وكيف أنهم يخططون لمعارك قادمة.
والوثيقة تقدم دليلاً قاطعاً على قوة العلاقة بين المتطرفين في العراق وجماعة (القاعدة) وهذا لا يعني أن هذه العلاقة كانت موجودة خلال حكم صدام حسين ولا تكشف التعاون مع فلول صدام، حسب قول الأمريكان.
وتكشف الوثيقة أن جماعة القاعدة بدأت تشن هجوماً على أهداف شيعية منذ مدة وتعزز الاعتقاد لدى الأمريكان أن الزرقاوي مازال يعمل ويخطط العمليات الإرهابية بنشاط من داخل العراق. وبعد إجراء التحقيق مع الرجل الموقوف، كشف أن الزرقاوي هو كاتب الوثيقة وأنه كان ينوي نقل القرص إلى أفغانستان لعرضه على القيادة ويعتقد أنها بن لادن وأيمن الظواهري.
وامتنع الأمريكان الكشف عن هوية الشخص المقبوض عليه ولكن اكتشاف الوثيقة تزامن مع توقيف حسن غول، الباكستاني في العراق والذي وصف من قبل أنه كان يعمل كساعي بريد لشبكة تنظيم القاعدة والذي يعتبر أول شخص مهم تم القبض عليه لحد الآن داخل العراق.
وكتبت الوثيقة بلغة تحريضية نارية ضد الأمريكان تصفهم بأنهم "أجبن خلق الله" ولكن في نفس الوقت لا يرى الكاتب أملاً في إخراج الأمريكان من العراق بالقوة. إلا إنه يرى أن "الحل، إن شاء الله، هو في جر الشيعة إلى المعركة" حسب تعبيره. ويضيف: "إنها الطريقة الوحيدة لإطالة المعركة بيننا وبين الكفار. فإذا نجحنا في جرهم إلى حرب طائفية، فهذه توقظ السنة النائمين الذين يخافون القتل والدمار على أيدي الشيعة".
ويخاطب الكاتب قيادة القاعدة قائلاً: " أيها الأخوة النبلاء، قادة الجهاد، نحن لا نعتبر أنفسنا منافسين لكم، ولسنا طلاب المجد لأنفسنا، لذلك إذا توافقون على الوثيقة ومقتنعين بفكرة قتل الفئات الضالة، فنحن مستعدين كجنود تحت قيادتكم ولتنفيذ أوامركم"
ويؤكد كاتب الوثيقة دوره في قيادة الأعمال الانتحارية في العراق فيقول: "الحمد لله، لقد أنجزت لحد الآن 25 عملية، بعضها ضد الشيعة وقياداتهم، والجنود الأمريكان وقوات الشرطة العراقية وقوات التحالف". كما يعرب الكاتب عن الصعوبات التي يواجهونها في التعرض للأمريكان الذين لا ينوون مغادرة العراق. والعراقيون لا يرغبون في استضافة المجاهدين في بيوتهم ويضيف " هناك بعض العراقيين يقبلونك كضيف وأخ مسلم، ولكنهم لا يسمحون لك أن تتخذ من منازلهم قاعدة للعمليات أو ملاذ آمن" كما ويذكر الكاتب أن الأمريكان نجحوا في تشكيل جهاز الأمن العراقي القادر على حرمان المقاومة من كسب الأنصار. ويرى أن أكثر قوات الشرطة والأمن تربطهم علاقة القرابة فيما بينهم ومع أهل المناطق التي يحمونها، "لذلك من الصعوبة السيطرة على هذه المناطق من قبلنا بعد انسحاب الأمريكان منها والذي بدأ من الآن". ويواصل الكاتب قوله: "لذلك في نهاية المطاف يمكن أن نحمل أمتعنا ونغادر العراق بحثاً عن بلد آخر لمواصلة الجهاد، كما حصل لنا في بلدان جهادية أخرى. إن عدونا يزداد قوة يوماً بعد يوم، ومخابراته تنمو بوتيرة متصاعدة ". ولكن الكاتب لم يفقد الأمل تماماً فيقول: "مازال هناك مجال لشن حرب ضد الشيعة لتوسيع المقاومة، خاصة إذا حصلت قبل نقل السيادة في حزيران، وبذلك سينظر إلى الهجوم على الشيعة كأعمال عنف من العراقيين ضد العراقيين، وهذه الأعمال ستلاقي دعماً قليلاً من الناس". ويضيف: "يجب تحديد ساعة الصفر للسيطرة على الأرض في الليل في البداية ومن ثم إثناء النهار إن شاء الله... يلزم تحديد ساعة الصفر أربعة أشهر قبل تشكيل السلطة الجديدة". فهذا هو الجدول الزمني الذي تحدده الوثيقة التي تبرر بالقول: "وإلا كيف يمكن أن نقتل أبناءهم وأبناء عمومتهم؟".
*********
أيها العراقيون، هذا ما يخططه لكم "المجاهدون الإسلاميون" باسم الله وباسم الإسلام. وإني أسوق هذا التقرير إلى اليسار الطفولي واليمين الفاشي من العراقيين، الذين يعملون على تدمير بلادهم وقتل العراقيين بإسم "مقاومة الاحتلال" لا حباً بالعراق، لأنهم يواصلون تدميره وإنما كرهاً للأمريكان. فهل ما زلتم في غيكم تعمهون؟
أسمعت لو ناديت حياً   ولكن لا حياة لمن تنادي
15/2/2004

 

 

اللهم أحفظِ العراق من العراقيين

د.عبدالخالق حسين

قال الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بعد أن حررت قوات الحلفاء بلاده من الإحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، إنه يريد أن يحمي فرنسا من الفرنسيين. إن مقولة ديغول التاريخية هذه تنطبق على حالتنا العراقية الراهنة المؤسفة. فما أن حررت قوات التحالف العراق من الفاشية البعثية حتى تسابق العراقيون في تنافس شديد شاهرين خناجرهم، يريدون تقطيع العراق إلى أوصال وهو مازال يئن في غرفة الإنعاش بعد العملية الجراحية الكبرى لاستئصال سرطان البعث الفاشي منه.

إن الخطر الأكبر على العراق الجديد ليس من الإحتلال الأجنبي، كما يدعي الإعلام العربي والمثقفون العرب والمتشددون الإيرانيون الذين يعملون بنشاط في تحالف شرّير مع قوى الظلام لتحويل العراق "إلى مستنقع يمرغون فيه غرور أمريكا" كما يدعون ويحلمون، وليس من الإرهابيين العرب المتسللين من خارج الحدود، وليس من فلول صدام حسين المعروفين بدمويتهم، والذين يحلمون بعودة صنمهم المعبود إلى الحكم ليغدق عليهم بالإمتيازات، فكل هذه المخاطر رغم أهميتها، يمكن التغلب عليها، ولكن الخطر الأكبر آت من العراقيين الذين هم من ضحايا النظام البعثي الفاشي المقبور، من عرب وأكراد وسنة وشيعة وغيرهم.

لا أحد ينكر أن جميع العراقيين، بمختلف انتماءاتهم السياسية والعرقية والمذهبية، قد عانوا من جور الفاشية لما يقارب الأربعة عقود، من الظلم والقهر والاستلاب والتدمير الممنهج للنسيج الإجتماعي والاخلاقي والسياسي والفكري والاقتصادي. لقد اعتمد صدام حسين في استمرار حكمه على سياسة فرق تسد، بإثارة النعرات الطائفية والأثنية، بحيث قضى على شعور الإنسان العراقي بالمواطنة والإنتماء الوطني للعراق وتم التركيز على الهوية الأثنية والطائفية أكثر من الولاء للوطن. لا بل هناك منافسة بين مكونات الشعب العراقي في القول بأن الظلم الذي لحق بأبناء هذه الفئة كان أكثر مما أصاب الفئات الأخرى وكأن بقية الأقوام والطوائف الأخرى كانت تعيش في نعيم في ظل الحكم المباد.

يبدو أن العراقيين لا يدركون بعد حجم الخراب الذي تركه النظام البائد وعلى رأسه الخراب البشري والفكري. يبدو أن هناك فئات واسعة من العراقيين مصابون بالشلل في القدرة على التفكير السليم في إدراك المخاطر المحدقة بهم ومواجهتها حسب ما تقتضيه مصلحتهم الوطنية. فقد أعطوا الأولوية إلى المصالح الفئوية الحزبية والطائفية الضيقة على المصالح الوطنية. فكل فئة تريد تحقيق كامل أهدافها السياسية وطموحاتها القومية والدينية والطائفية، وحل جميع المشاكل المتراكمة عبر قرون، دفعة واحدة وبعصا سحرية، حتى ولوتعارضت مع المصالح الوطنية وفي هذه الظروف الخطيرة التي يمر بها العراق وكأنهم في سباق لإشعال حرائق لا تبقي ولا تذر.

فالشيعة يريدون نظاماً إسلامياً وتطبيق الشريعة وحكم ولاية الفقيه أو ما يشبه ذلك على غرار النظام الإسلامي في إيران كما هو واضح من مظاهراتهم الصاخبة في المدن الشيعية. وقد برز ذلك جلياً عندما أقدم السيد عبدالعزيز الحكيم، الرئيس الدوري لمجلس الحكم في الشهر الماضي، فأصدر القرار 137 الذي ألغى بموجبه قانون الأحوال الشخصية المدني، المعمول به منذ اكثر من 40 عاما، وأقر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي تكرس عبودية المرأة، وكأن مجلس الحكم قد حقق كل ما أراد تحقيقه من إنجازات للشعب العراقي بعد سقوط الفاشية، فحقق الأمن والإستقرار ووفر الخدمات، فجاء الآن دورهم لإغتيال هذا القانون التقدمي الذي حقق إنسانية المرأة العراقية ولم يتجرأ حتى صدام حسين على إلغائه، فأية كارثة هذه التي نواجهها الآن؟ فشكراً للسفير بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية المؤقتة لقوات التحالف، على استخدامه حق النقض (فيتو) فأبطل القرار. وبموقفه المشرف هذا، اثبت السيد بريمر أنه أعمق إدراكاً بالمخاطر و أكثر حرصاً على مصلحة الشعب العراقي من بعض السياسيين العراقيين وخاصة الإسلاميين منهم. وعملاً بروح الديمقراطية والشفافية، فإننا نطالب الأعضاء الديمقراطيين وخاصة النساء العضوات الثلاث، توضيح الأمر عن ملابسات تمرير السيد عبدالعزيز الحكيم قراره المجحف هذا وخذل جميع من دعم المجلس من الديمقراطيين.

والأخوة الكورد يريدون دولة شبه مستقلة تحت شعار الفيدرالية تظم لهم كل من كركوك وخانقين وجلولاء ومندلي والسعدية وبدرة وجصان وحتى تخوم بغداد والعديد من نواحي وأقضية الموصل، الآن الآن وليس غداً. ومن المؤسف القول أنه ما أن يتجرأ أحد على تقديم مجرد نصيحة أخوية لهم، طالباً منهم التأني وتأجيل هذه المطالب إلى أن تحل المشاكل الآنية الملتهبة التي تهدد مصير العراق كدولة في الظرف الصاخب الراهن، وترك هذه الأمور الخلافية لتحل بالوسائل الديمقراطية من خلال البرلمان المنتخب مستقبلاً، حتى يسرع الأخوة الكورد بتوجيه رشقات متتالية له من التهم الجاهزة، بالقومجية العروبية الشوفينية الصدامية والعداء والكراهية للقومية الكوردية!!

أما السنة العرب وتحت تأثير إدمانهم على انفرادهم بحكم العراق طوال قرون، والخوف غير المبرر من تهميشهم في العراق الجديد، يطالبون بالحفاظ على نفس الدور الذي مارسوه في العهود الماضية والإدعاء بأنهم أولى من غيرهم لأنهم يملكون الخبرة في حكم العراق وإلا فخطر الحرب الأهلية الطائفية. وها قد بدت غيوم سوداء تظهر في سماء العراق تنذر بالشؤم على شكل انفجارات قرب المساجد الشيعية في بعقوبة وبغداد غيرهما.

ما العمل؟ هل هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه أم نغسل أيدينا من العراق ونقف مثل الكثيرين، متفرجين على ما يهيئ له الأخوة الأعداء من حفلات رقصات الموت الجنونية، تنذر بكارثة ماحقة؟ هل تصل السفينة العراقية إلى ساحل النجاة وهي تشق عباب بحر صاخب وعواصف هوجاء أم يصر كل بحار على تدمير حصته من السفينة والإصرار على إغراقها؟

أناشد الشيعة، كمواطن عراقي حريص على مصلحة الشعب، كل الشعب وليس فئة معينة منه، أن لا ترتكبوا أخطاء عام 1920 وتركبوا رؤوسكم وتصروا على سياسة (كل شيء أو لا شيء). فالذي يصر على "كل شيء" ينتهي بلا شيء. أدعوكم لقراءة الواقع جيداً وبذكاء واستفيدوا من عبر التاريخ. فالحل الوحيد الذي في صالحكم هو الحل الديمقراطي الذي يكفل المساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين دون تمييز. لقد فشل النظام الإسلامي في أفغانستان وهاهو الشعب الإيراني يناضل من أجل الخلاص من نظام حكم ولاية الفقيه كما هو واضح من الصراع المحتدم بين الإصلاحيين والمتشددين وموقف السيد حسين الخميني، حفيد الإمام روح الله الخميني، الذي طالب أمريكا بتحرير بلاده على غرار ما عملته للعراق، كدليل ناصع على صحة ما نقول.

السنة العرب يحتاجون إلى التأكيد، أن ليس هناك خطر تهميش أحد أو أية مجموعة عراقية في العراق الجديد. ليس في العراق طائفية اجتماعية، بل كانت هناك طائفية سياسية من صنع سياسيين علمانيين لا علاقة لهم بالاختلافات الفقهية، المذهبية أوالدينية. فهناك شيعة وسنة ضمن العشيرة الواحدة، كما توجد في العراق مئات الألوف من الزيجات المختلطة. لا نريد ديمقراطية طائفية على غرار ديمقراطية لبنان.. إن ما حصل في تركيبة مجلس الحكم ما هو إلا إجراء مؤقت نتيجة رد فعل الحكومات السابقة التي عزلت الفئات الأخرى من الشعب العراقي وحرمتهم من حقوق المواطنة السليمة. فالديمقراطية هي الكفيلة في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومعاملة الجميع بالتساوي في الحقوق والواجبات. فإذا تريدون ضمان مصالحكم عليكم بالنضال من أجل نظام علماني ديمقراطي.

كما أهيب بالأخوة الكورد، أن يدركوا أن مصلحتهم مرتبطة عضوياً بمصلحة العراق. أعتقد إنه ليست الجبال وحدها أصدقاؤكم كما يردد البعض منكم، بل الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي معكم في تحقيق طموحاتكم القومية في الفيدرالية وحقكم في تقرير المصير في تكوين دولتكم المستقلة إذا سمحت لكم الظروف بذلك. ولكن كما تعلمون، أن السياسة فن الممكن، يجب أخذ ظروف المرحلة في الحسبان. إن الظروف الحالية التي يمر بها العراق تشبه فترة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم مع بعض الفوارق. لقد نجح أعداء الشعب العراقي في خلق الهوة بين حكومة الزعيم والأكراد وإشعال الحرب التي أدت إلى كارثة على الجميع. فكما قال الأستاذ مسعود البارزاني: (كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم). ما أشبه اليوم بالبارحة، إنها فرصة تاريخية نادرة لكم لتحقيق طموحاتكم القومية بالوسائل السلمية في ظل عراق ديمقراطي فيدرالي موحد. ولكن وكما يقول الأوربيون: (لم يتم بناء روما في يوم واحد).

لقد علمتني مهنتي الطبية التي مارستها لثلاثين عاماً، أهمية الأولويات في معالجة الإصابات الخطيرة. فإذا واجه الطبيب مريضاً مصابا بحادث خطير في مختلف أنحاء جسمه، عليه أن يلتزم بقاعدة الأولويات، فيبدأ بمعالجة ما يهدد حياة المريض مثل عدم قدرته على التنفس فيوفر له الأوكسجين، أوالنزف الدموي، فيوقفه ويعوض الدم المفقود...الخ وبعد أن ينتهي من كل ما يهدد حياة المريض، عندئذٍ يعالج الإصابات الأخرى الأقل خطورة مثل الكسور وغيرها. العراق الآن في خطر يهدد وجوده كدولة. وعلى أبنائه التركيز على ضمان وجوده كدولة أولاً، ومن ثم التفكير بحل المشاكل الفئوية الأخرى, هل كركوك مدينة كردية أم لا؟ ممكن حل هذه المعضلة بالوسائل الديمقراطية بعد أن تستقر الأمور. فإذا كنا فعلاً ديمقراطيين، فلنعتمد الديمقراطية التي هي الضمانة الكبرى لحل جميع مشاكلنا.

إن مجلس الحكم هو مجلس مؤقت مهمته العمل على معالجة المشاكل الآنية التي تهم أمن المواطنين وتوفير الخدمات لهم، وتهيئة الظروف اللازمة لنقل السلطة والسيادة الوطنية إلى العراقيين والتحضير للإنتخابات البرلمانية وانبثاق الحكومة الديمقراطية. لذلك فمجلس الحكم غير مخول للخوض في القضايا المصيرية الكبرى مثل الفيدرالية وحدودها أو إلغاء قوانين تقدمية مثل قانون الأحوال الشخصية وفرض حكم الشريعة الإسلامية...الخ. يجب ترك هذه الأمور إلى البرلمان المنتخب وبعد أن تهدأ العاصفة ويهدأ التاريخ من عربدته.

وأخيراً، أرجو من أصحاب الشأن أن يفكروا جيداً، أن أمريكا التي ضحت بدماء المئات من جنودها وعشرات المليارات من دولاراتها، لا يمكن أن تنسحب من العراق أو تتخلى عنه قبل تحقيق جميع أهدافها الإستراتيجية من هذه الحملة وسوف لن تسمح بقيام نظام ديني على غرار النظام الإيراني مهما كلف الأمر. لقد راهن صدام حسين على أن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا شعب، كما راهن آخرون أن الشعب العراقي لا يصلح إلا لطاغية مستبد قوي يحكمه بالنار والحديد مثل الحجاج وصدام وإلا سيتمزق بالحروب الأهلية. والآن فالشعب العراقي وأحزابه وقواه السياسية أمام امتحان عسير، فإما أن ينجح في قيام نظام ديمقراطي علماني يعامل الجميع بالعدل والمساواة دون هيمنة فئة على أخرى ويعيش الجميع بسلام، أو يفشل ويعود إلى نظام ديكتاتوري جائر يحكمه بالنار والحديد.
17/1/2004

 


 نعم، الإرهابيون أجانب

د.عبدالخالق حسين

كمعظم العراقيين، أصبت بذهول عندما قرأت مقالة سمير عطا الله بعنوان (عرب وأجانب) المنشورة في الشرق الأوسط يوم 20/2/2004 والتي تهجم بها على العراقيين ودافع بضراوة عن الإرهابيين. وسبب ذهولي هو ليس لأنه قال رأياً مخالفاً لآراء معظم العراقيين وأصدقائهم من الكتاب العرب وغيرهم من أعداء الديكتاتورية في العالم، أو لأنه دافع عن النظام الساقط، وإنما قسوة لهجته وعدم مراعاته لمشاعر العراقيين، دون أي اكتراث بما يصيبهم من كوارث وصراحته المتناهية في دفاعه المحموم عن صدام حسين وعن القتلة الذين تم غسل أدمغتهم وما انفكوا يواصلون ارتكاب المجازر ضد العراقيين الأبرياء ويدمرون بلادنا انتقاماً للنظام البعثي الصدامي المقبور. نحن لسنا ضد الرأي الآخر، خاصة وإننا نعرف مسبقاً، أن صدر الصحيفة واسع، يتقبل مختلف الآراء وتعددية الاتجاهات وهذا سر نجاحها ومصداقيتها واحتلالها موقعاً ممتازاً تنافس به أشهر الصحف الغربية المحترمة، ولكننا استغربنا كذلك من اللغة الهابطة التي تستخدم لأول مرة في هذه الصحيفة المحترمة دفاعاً عن الإرهابيين. إذ يعتقد البعض أن هذا التحول المفاجئ في موقف الصحيفة من القضية العراقية له علاقة برحيل الأستاذ عبدالرحمن الراشد من قيادتها. أتمنى أن لا يكون كذلك.

لقد انزعج الأستاذ سمير عطا لله من موقف العراقيين من العملية الإرهابية الأخيرة في الفلوجة، لا لأن أغلب الضحايا كانوا من أبناء مدينة الفلوجة ذاتها، ولا لأن السجناء الذين أطلق الإرهابيون سراحهم كانوا من المجرمين العاديين من  قطاع الطرق، ولا لأن هؤلاء يدمرون مؤسساتنا الإقتصادية وحتى ألقوا السم في مياه الشرب لقتل العراقيين، بل لأننا قلنا: أن (جميع القتلة «اجانب»). وينكر الحقيقة الساطعة أن القاتل لا يعرف عن القتيل.. لا لشيء إلا لأنه وكما يقولها صراحة: (والحقيقة انني لا اعرف شيئاً عن هذا النوع من القتل). وكأن الإرهابيين الذين قتلوا عشرات الأطفال والنساء والشباب في العمليات الإرهابية في طول العراق وعرضه، كانوا على معرفة تامة بضحاياهم مسبقاً وجهاً لوجه وبينهم ثأر مستفحل. لا بل لم يتردد الكاتب في تسمية هذه المجازر ب "...المقاومة" او "البطولة". ويقول بفخر واعتزاز: " ونحن هنا، في لبنان، لنا حصة زاهرة في المقاومة العراقية ". فأي درك هبط إليه الكاتب عندما يسمي هذه الجرائم ب "مقاومة زاهرة" خاصة وأن الذين يرتكبون هذه المجازر في العراق هم من نفس الجماعات التي ارتكبت الإرهاب في المغرب والسعودية. فلماذا تسمون أعمال هؤلاء في تلك البلدان بالإرهاب وتمجدونها في العراق وتسمونها بمقاومة بطولية زاهرة؟

والأنكى من ذلك، أن الكاتب غاضب علينا لأننا نسمي القتلة أجانب فيقول: ( الحقيقة ما يزعجني في المسألة كلها هو مصطلح «الاجانب»، ففيما تبلغ الوحدة العربية اعلى ذراها واعمق وهادها، ..) . إذن القتلة اللبنانيين والبمنيين وغيرهم من شذاذ الآفاق، يجب أن نسميهم "الوطنيين الغيارى أو الأشقاء الأحباب ".. وتقديراً ل"جميلهم"  علينا أن نقدم لهم الجنسية العراقية ونعاملهم كمواطنين عراقيين!!! وإمعاناً في هذه السريالية يصف الكاتب الإرهابيين بقوله:( اي «اجانب» هم هؤلاء؟ انهم اكباد الأمة ومحرروها. انهم صورة المستقبل وبصيص النور وطلائع الأمل). سلام على مستقبل هذه الأمة إذا كان بن لادن والزرقاوي وأتباعهما من مغسولي الأدمغة هم أكباد هذه الأمة وصورة مستقبلها وبصيص نورها وأملها!!! يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!

في الحقيقة، أني أول ما قرأت مقالة السيد عطا الله ظننت أنه يسخر ويتهكم على أيتام صدام حسين من مثقفي كوبونات النفط خاصة عندما قال: (ففيما تبلغ الوحدة العربية اعلى ذراها واعمق وهادها). أية وحدة عربية هذه، وكما يقول الأخوة المصريون (هو بيهزِّر واللا أيه؟)، أي هل هو يهذي أم ماذا؟ أية وحده عربية هذه التي "بلغت أعلى ذراها وأعمق وهادها" التي  تتحدث عنها يا رجل؟ يتخيل لي وكأن الكاتب قد خرج تواً من الكهف، لا يعرف ماذا حل بهذه الوحدة المرحومة التي انتقلت إلى رحمة الله يوم 5 حزيران (يونيو) عام 1967 على يد بطلها المرحوم جمال عبدالناصر وقد أهالوا عليها وعلى أيديولجية القومية العربية التراب وتم توقيع شهادة وفاتها في كامب ديفيد عام 1978 على يد السادات وكارتر ومناحيم بيغن.
إن سمير عطا الله بتأكيده على الوحدة العربية، يذكرني بذلك العريف الياباني الذي هرب في الحرب العالمية الثانية واختفى في كهف في إحدى الجزر اليابانية وبقى هناك عشرات السنين إلى أن تم العثور عليه صدفة قبل خمسة أعوام وأول ما نطق به سائلاً: (هل مازالت الحرب مستمرة وهل انتصرت اليابان على أمريكا ؟).
ولم يتردد الكاتب عن صب سمومه على قادة العراق الجدد فيقول: ((.. يصرّ انتهازيو المجلس الانتقالي مثل آل الحكيم وآل الباججي وآل الربيعي، على وصف المنقذين العرب «بالاجانب». تعبير امبريالي ذيلي من قاموس الخونة والجواسيس والعملاء البائد.)). وهل تحتاج هذه الفقرة إلى تعليق؟ أليس هذا الكلام أشبه بالأنين القادم من أعماق القبر وهذيان محموم؟

كما وراح الكاتب يمجد ب 600 محامي أردني انبروا للدفاع عن ولي نعمتهم صدام حسين وزبانيته المعتقلين. ويقول: (هل يجوز لنا نقد هذه المبادرة الفروسية الشهمة النبيلة الحنونة الابوية،؟). ثم يستغرب من عدم وجود أي محام عراقي واحد يدافع عن صدام. وربما استغرب من عدم وجود محام كويتي واحد أيضاً. ولكن هل عرف لماذا فرح الشعبان، العراقي والكويتي بسقوط صدام؟ لأن هذين الشعبين عانيا كثيراً من جور هذا "الزعيم العربي". فهل كان من الضروري أن يقوم صدام حسين باحتلال كل البلدان العربية ويضطهد شعوبها لكي يعرفوا ويعرف معهم السيد سمير عطا الله، ماذا يعني حكم صدام حسين لهم كما عرفه العراقيون والكويتيون؟

يظهر جلياً أن الكاتب يعتبر الحرب التي شنها صدام حسين على إيران وغزوه للكويت والمقابر الجماعية التي تم اكتشاف 270 منها في العراق لحد الآن وتبذير اقتصاديات هذه الدول في الحروب وتشريد 5 ملايين عراقي إلى الشتات وتعطيل التنمية العربية لعشرات السنين، كلها بطولات خارقة مبررة قام بها "فارس الأمة والزعيم العربي". عجبي لِمَ هذا الإصرار على أخذ العزة بالإثم.

والغريب أيضاً أن العروبيين مازالوا يمجدون بالأعمال البربرية العشائرية التي ارتكبتها عشيرة صدام حسين ضد صهريه بإسلوب همجي مقيت ونحن في بداية الألفية الثالثة.. وكأنه كتب على هذه الأمة أن تبقى في كهوفها القبلية إلى أبد الآبدين وصارت هذه القيم والأعراف البدوية مصدراً للتفاخر والإعتزاز. ويظهر هذا واضحاً عندما يقول: " ولا يجوز ان يبقى هذا الزعيم العربي في الاسر ولا ان تذهب مآثره واعماله وامجاده ضحية الاحتلال وانتقامات آل الحكيم او كل من خطر له الحزن على روح اب او شقيق او حتى ام، مثل ام حسين كامل المجيد التي ذبحت من الوريد الى الوريد، لفظاظتها وقسوتها و«ادعائها» على السيد الرئيس لمجرد انه امر العشيرة بقتل ولديها الخائنين، اللذين صدف انهما ابوا احفاده ". فذبح أم حسين كامل من الوريد إلى الوريد يدعو للتفاخر. أليس هذا تمجيداً للإنتقامات العشائرية التي كانت تجرى أيام الجاهلية الأولى؟

وقد بلغ السيل الزبى في دفاع سمير عطا الله عن "السيد الرئيس" في مسك ختامه صارخاً: (( بعد كل ذلك يسمى مهاجمو مخافر بغداد وبعقوبة والفلوجة والموصل «اجانب». وتسمى النجدة الحقوقية القانونية الانسانية في الاردن «اهانة لضحايا صدام». اين هو العدل في هذه الدنيا؟ ماذا حدث للشرفاء والنبلاء وذوي القلوب واهل الانسانية؟ حقاً، ماذا)). مرة أخرى لا أرى حاجة للتعقيب على هذا الهذيان المحموم، لأن الكاتب قد أساء لنفسه وكشف حقيقته. ولكن يكفي أن نسأل، أين كنتم يا عرب عندما كان صدام يملأ العراق بالمقابر الجماعية؟ لماذا سكتم؟ ولماذا تدافعون عن المجرم بدلاً من الضحية؟ ولماذا تلوموننا والكويتيين عندما يأسنا منكم فطلبنا النجدة من الأجانب؟ وهل هذه المواقف المخجلة هي من شيم العروبة وعزها التليد؟ ألا يدل ذلك أن الأجانب أرحم بحالنا من الأشقاء؟
ثم لماذا يلومنا الكاتب عندما نسمي الإرهابيين العرب أجانب؟ نحن نقدر للأجانب ما قدموه لنا من دعم وكرم الضيافة لا ينكره إلا الجاحدون. فعندما يسافر العراقيون إلى أي بلد عربي يعاملون كأجانب، أو حتى دون الأجانب، بل يعاملون أسوأ معاملة. والعراقيون لم يتلقوا أي ترحاب من العرب عندما فروا من اضطهاد صدام حسين، بل وحتى منعوا من دخول بلدانهم، بينما تلقوا العيش الكريم في البلدان الغربية. أعرف طبيباً عراقياً يحمل الجنسية البريطانية، حصل على عمل في بلد عربي عن طريق وكالة، ولما سافر إلى ذلك البلد منع في المطار من الدخول لأنهم عرفوا من جوازه أن مسقط رأسه مدينة النجف وأعيد إلى بريطانيا على ظهر نفس الطائرة. بالله عليكم، أي بلد أرحم بهذا العراقي المشرد، العربي أم الأجنبي؟ ولدينا أمثلة لا تحصى ولا تعد من هذا القبيل. وصدق الشاعر عندما قال: وظلم ذي القربى أشد مضاضة  من وقع الحسام المهندِ



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة مقالات
- مراجعة بعد عام على حرب تحرير العراق
- التداعيات المحتملة لجريمة اغتيال الشيخ ياسين
- نعم للمصالحة والمسامحة والاجتثاث!
- هل إلغاء قانون الأحوال الشخصية أول الغيث... يا مجلس الحكم؟
- رسالة إلى آية الله السيستاني حول قتل المسيحيين في العراق
- حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟
- حول تصريحات السيد الحكيم بشأن تعويضات إيران من العراق
- عذق البلح - وعقلية أيتام صدام التآمرية
- سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية
- تهنئة لشعبنا العراقي العظيم
- تهنئة حارة وباقة ورد للحوار المتمدن
- لماذا يخاف العرب من الشيعة والديمقراطية في العراق؟
- لا للملشيات الحزبية في العراق
- الانتخابات تحت سيف الإرهاب وسيلة لإجهاض الديمقراطية
- العرب والسياسة
- العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟
- فرنسا تسعى لعودة حكم البعث للعراق
- مجلس الحكم ضحية لنجاحاته
- حزب البعث والإرهاب


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - مجموعة مقالات