أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!














المزيد.....

أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2567 - 2009 / 2 / 24 - 10:15
المحور: حقوق الانسان
    


"رحلَ بعد صراعٍ مع المرض." كرهتُ هذه الجملة دومًا. ليس لأن إنسانًا رحل، بل لأنها تشي بتمسّكٍ مفرطٍ بالحياة! حتى الأمس، كنتُ أنظرُ إلى الألم بغضبٍ. وحدَه ألمُ المسيحِ مبرَّرٌ وقُدُسيٌ ونبيل. وعدا هذا عَسْفٌ وظلمٌ. لماذا على الأحياءِ أن تتألم؟ لماذا لا ترحلُ في سلامٍ كما جاءتِ العالمَ في سلام؟ لذلك خلا بيتي دائما من المبيدات والصواعق. وفي رحلتي مع مرض أمي، ظللتُ أنظرُ إلى جهاز الغسيل الكُلويّ بحُنقٍ وعداء! أليس يؤلمُها؟ حتى وإنْ أطالَ عمرَها أيامًا أو شهورًا! ولذا عاهدتُ نفسي دائما، لو ألمَّ بي مماثلٌ أنْ أُنهي الأمرَ في لحظةٍ، على مذهب رصاصة الرحمة. تغيّرت نظرتي للألم بعد تجربةٍ أمرُّ بها الآن. بدأ ذراعي الأيسرُ يفقدُ طاقتَه على العمل. وبعد الأشعّات ورسْم الأعصاب اكتشفَ طبيبايْ: الجرّاح د. هاني عيسى، وأخصائي الأعصاب د. ياسر عبد المطلب، (من نماذج مصر الشابة الواعدة، إضافةً إلى الممرضة إلهام الشناوي، التي ذكرتني "بالمرأة ذات المصباح"، فلورانس نايت-آنجيل) أن فقرات العنق انضغطت، فبدأت ترسلُ إشاراتٍ وأوامرَ للكفّ اليسرى بالتوقف عن العمل. الكفُّ التي، لأنني عسراء، تكتبُ، وتُقلّبُ الصفحاتِ، وتتحمّل مهامَ يومي ومصاعبه، ولا تستريحُ إلا وقتَ مصافحة الناس، التي تؤديها الكفُّ اليمنى وهي تبتسم فرِحةً بالراحة والكسل. غضبتُ، وبكيتُ، واعتبرتُ الأمرَ تعسّفًا ضدّ مشروعي الكتابيّ (تقولش حاجيب الديب من ديله مثلا!) وفورا، سَلّمتُ د. محمد عناني كتابي الجديد عن فرجينيا وولف، الذي تلكأتُ فيه طويلا، حتى أخلصَ من همّه، وكيلا تشهدَ وولف النبيلةُ وجعي. يكفيها وجعُها! لكن المدهشَ أن هذا الألمَ الفيزيقيّ، على قسوته، صاحبَه شيءٌ من الراحة الميتافيزيقية غير المبررة. شيءٌ من البهجة الروحية! واكتشفتُ، بعد إعادة النظر، أن كلَّ ما هنالك أن هذا العنقَ الطيب (كلُّ أعضائنا البشريةِ طيبةٌ) لم يعد يتحمّلُ رفْعَ هذا الرأس المثْقلِ بالهموم والحَزَن والقراءة والقنوط، والفرح والبهجات أيضًا. هذه الكتيبةُ الضخمةُ من الأصدقاء الصامتين: أعضائنا، يُسيّرون حياتَنا ويتحمّلون سخافاتِنا دون أن نلتفتَ إليهم لنشكرهم! كمْ واحدًا منّا شكر يومًا كبدَه الذي يُنقّي جسدَه من السموم، أو ألقى التحيةَ على قدمه التي تحملُه ليجولَ العالم، أو أصابعِه التي تحملُ الفأسَ والقلم، ثم الأوردة والخلايا وكراتِ الدم، الخ، الخ. أو ذلك العنق النبيل الذي يزهو برفعِِه كنزَ الإنسان الأبديّ: المخ؟ لا ننتبه إلى هؤلاء الأصدقاء إلا حين يقعُ أحدُهم تحت وطأة العمل الشاق، فنكتشفُ أنه "كان" موجودا. كأنما لديك مئاتُ الأطفال، وأنتَ لاهٍ عنهم بشؤونك الخاصة، فيلكزُك طفلٌ منهم برفق في كتفك، ثم يشيرُ بإصبعه إلى نفسه ليقول لك: أنا هنا، فانتبهْ لي! لكنه في الواقع يزفرُ همسًا وهو يتهاوى أرضًا قائلا: لقد "كنتُ" هنا دائما، وأنتَ لم تنتبه لي، فدبّرْ حياتَك دوني! لتبدأ رحلةُ الصراع. ليس مع المرض؛ بل هو نِزالٌ نبيلٌ لمحاولة ردّ الاعتبار لهذا الصديق الذي لم نشكره أبدًا. حتى سقط. أدعوكم، مثلي، أن تشكروا أجزاءكم النبيلة، وألا تنظروا إلى المريض بحزنٍ، بل بتقدير واحترام، لأنه في عراك تَطهّريٍّ أرسْطيٍّ لردّ الاعتبار لعضوٍ سقط. مثلما ننظر إلى الجنديّ باحترام، يقتربُ من الحسد. المصري اليم 23/2/09




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصرُ التى لا يحبُّها أحد!
- قديسٌ طيبٌ، وطفلٌ عابرٌ الزمن
- رُدّ لى ابتسامتى!
- ومَنْ الذى قتلَ الجميلة؟
- كانت: سيفٌ فى يدِها، غدتْ: شيئًا يُمتَلَكُ!
- بالرقص... يقشّرون أوجاعَهم!
- الجميلةُ التي تبكي جمالَها
- صخرةُ العالِم
- يُعلّمُ سجّانَه الأبجدية في المساء، ويستسلم لسوطه بالنهار
- حين ترقصُ الأغنيةُ مثل صلاة
- من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!
- هنا فَلسطين!
- لا يتكلمُ عن الأدبِ مَنْ عَدِمَه!
- سارة
- المرأةُ، كبشُ الفداءِ اليسِرُ
- لِمِثْلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ
- أغنيةٌ إلى فينسينت
- هذه ليستْ تفاحة!
- هذه هي الكواليس، سيدي الرئيس
- أنا مؤمن والمؤمن مُصاب، بس انتم لأ!


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!