|
رحلة
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 2565 - 2009 / 2 / 22 - 05:01
المحور:
الادب والفن
قبل يومين قررت العودة إلى عرين الأسرة بالمضيق ، يومها كانت الأجواء جد مكهربة المطر يهطل بغزارة منبأ بفيضان مرتقب قد يحط على المدينة في أي لحظة ، و الرياح شديدة الهبوب تصاحبها صافرة تنتج عن تلاقي التيارات الهوائية ، و البرق يسطع بين الحين و الأخر مقدما بذلك إشارة إنذار إلى كل من في الشارع بالتوجه مسرعا إلى البيت متجنبا بذلك تبلل الجسد بقطرات الماء القوية التي قد تسبب له حمى زكام فيما بعد .
الطريق إلى المضيق سهل بعض الشيء بحكم أننا كن قادمين من وسط المغرب ، طريق شبه خال من الالتواءات ، و المطر صاحبنا ساعة الانطلاق إلى أن بلغنا الدار ، بين الحين و الأخر كانت نسرين مرافقتي في السفر تشعل سيجارة مارلبوبو حسبما قالت لي حتى تتمكن من التركيز في الموضوع الذي ستشتغل فيه مساء ذلك اليوم ، عندما تنتهي نسرين من تدخين سيجارة ما تفتح نافذة السيارة و تلقي بطرف السيجارة في الخارج ، عندها تكون موجة البرد قد تسللت إلى داخل السيارة و منها إلى جسدينا النحيفين اللذان بالكاد يستطعان البقاء على وجه البسيطة ، و بسرعة تستدرك نسرين الموقف فتغلق النافذة و تشغل جهاز التكييف الحراري بالسيارة ، ساعتها نستدفئ قليلا ثم ما تلبث أن تعود الكرة من جديد عندما تشعل نسرين سيجارة جديدة ، و رغم أني لا أدخن و لاكني بشكل تلقائي أحس بنوع من المتعة عندما أشترك في طقس التدخين مع نسرين ، ليس لروعة أو فائدة تنم عن السجائر و لكن فقط بحكم الأجواء المصاحبة لطقس التدخين هذا ، كلام كثير و في مواضع عديدة تبدأ بالشأن المحلي المعيش لتنتهي بشؤون دولية عامة ، تحدثنا عن الأوضاع في قطاع غزة بعد الهجمة الشرسة التي قادها زعماء الدمار و الخراب الاسرائلي ،نسرين تعتبر أن الهجوم على غزة هو بمثابة ورقة أو حملة انتخابية ينهجها قادة الكيان الصهيوني في الانتخابات القادمة ، و أنا أقول أن الهجوم على غزة هو في سبيل تحقيق مسح بشري و القضاء على العرق الغزوي ، طبعا هذا لن يتم لان ضراوة المقاومة هناك أسمى بكثير من أن تقضي تحت صوارخ هي بالأساس نهج فاشل في إسكات صوت حق ساطع . من غزة انتقلنا للحديث عن وضعية الأحزاب بالمغرب ثم مثيلتها في أوروبا طبعا الفروق كثيرة لا داعي لذكرها ، المهم أن الكلام حول مشاكل الوطن تقلل المسافة لأي مسافر حيث أن الحديث عن المشاكل يؤدي إلى إنتاج وصفة غير متجانسة من المسافة و المشاكل و التعليقات و كلام أخر يتم طرحه بين الحين و الأخر ،و بعبارة تنم عن تضجر من هذا الكلام العشوائي ، حاولت نسرين الانتقال بي إلى الحديث عن موضوع أخر ضاربة بذلك خارطة الحديث التسلسلي المنظم عرض الحائط ، لتسألني عن الذوق الموسيقي المفضل لدي، طبعا لم أكون لأجيبها بشكل مباشر و مختزل ، فرحت مقدما لها طبق غير متجانس من الأذواق الموسيقية ، أغاني الراي مع خالد و طه وفضيل و مامي ، قليل من الشرقي مع ماجدة الرومي و فيروز و مارسيل ، و بعض من شباب الشرقي المعاصرين ، ثم الطرب الأندلسي و الغرنطي ، و للسماع الصوفي مكانة خاصة في طبق الأذواق الموسيقية هذا ، كذلك و مثال حينما يتعلق الأمر بالغربي مع شاكيرا و جينيفر لوبيز ، مادونا و ديجي بوبو ، ثم أغاني الجيل التي بهرت و جلبت ورائها كما هائلا من العشاق في السبعينات من القرن الماضي سيما أغاني جيل جيلالة و ناس الغيوان ، لمشاهب و لرصاد . طبعا نسرين ظلت حائرة ، فاستدركت الأمر ، واصفا لها ذوقي الموسيقي بالراديو ، حيث يتم التركيز على جميع الأذواق حتى يتم كسب أكبر عدد ممكن من الجمهور .
بعد حوالي خمس ساعات متواصلة من الطريق وصلنا مدينة المضيق و الشمس ساعتها تنحوا منحى الغروب ، و هي لحظة من الزمن تحبها نسرين كثيرا ، عندها بالضبط طلبت مني نسرين الوقوف قليلا أمام شاطئ المدينة لتبصر غروب الشمس كعادة تعودت على ممارستها أيام الصبى عندما كانت تزور المدينة رفقة عائلتها قادمين من مدينة العرائش ، و تلبية لرغبتها وقفنا قليلا قرب الشاطئ ، بعيون متطلعة للأفق حيث النوارس تقود مراكب الصيد الساحلي في اتجاه البحر ، و أيادي تضع بين الحين و الأخر على الجبين كدليل واضح على تعب رحلة دامت خمس ساعات متتالية .
عندما أشبعت نسرين رغبتها المتأججة في الوقوف على شاطئ المدينة دعتني للتوجه إلى البيت ، فروحنا مباشرة على بيت الأسرة الذي لا يبعد كثيرا عن شاطئ المدينة ، و بابتسامة جميلة شكرت نسرين صنيعتي هذه معها، دونما أن تعلم أني بدوري كنت في حاجة إلى ذلك ، و طبعا كما عودتني دوما قبلة حارة على مستوى الشفتين تعبيرا منها عن فرحها لشيء ما لا يعرفه أحد سواها .
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كسكس شبابي
-
التسول فيه و فيه
-
في مفهوم السلطة
-
نصف قرن على مرور الثورة الكوبية ... فمتى تأتي الثورة العربية
-
معبر مسدود
-
غارة و مات الحراس
-
احتفالات بألوان الدم و الجزن
-
هبة من أصيلة
-
يا الرايح
-
يوميات مهاجر سري : الهجرة بعيون من عاشوها
-
سجارة مارلبورو
-
أوراق من زمان البستان
-
تجربة موت
-
ودعا أية
-
عندما يسطع شمس الهند يحق لنا الافتخار و التقليد
-
العالم بين 1929 و 2008 / 1
-
مئة عام من العزلة : رواية الصراع بين الواقع و الخيال التي بي
...
-
مئة عام من العزلة رواية الصراع بين الواقع و الخيال
-
رجال في المغرب
-
يعني
المزيد.....
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
-
رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات
...
-
بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ
...
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|