أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-















المزيد.....

إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:35
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في كتاب ( حصيلة الأيام )* تصنع إيزابيل الليندي أرشيفاً لأسرتها.. تعرض الشخصيات، ترسمها بدقة وبراعة وتنبش أسرارها.. تعرّيها حتى لتبدو للقارئ/ الناظر نابضة، حية، تتقلب في خضم الحياة، وتندفع نحو مصائرها برغبتها أو بالرغم منها. هذا كتاب مذكرات كما تعرّفه على الغلاف، أقرب ما يكون إلى اليوميات أحياناً. لكنه، في النهاية، مقطع عريض من سيرتها الذاتية: مشاهد وحوادث جرت في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، والنصف الأول من القرن الجديد. وهي ( إيزابيل ) في القلب منها، أي في عالمها العائلي الخاص حيث هاجس وجود الأسرة موروثاً في جيناتها اللاتينية يفرض عليها أن تحرص على الإبقاء على حرارة علاقاتها مع المحيطين بها، سواء كانوا من نسلها، أو من نسل زوجها الأميركي ( ويللي ) أو من الآخرين الذين ربطوا حيواتهم وأقدارهم مع حياة وقدر تلك الأسرة، مؤقتاً، أو بشكل دائم.
وإيزابيل تتحدث عن الأسرة بحميمية وحب وشغف كما لو أنها إزاء شيء لا يقدّر بثمن، ينطوي على معنى الوجود ذاته، لكنه ويا للأسف، هش وزلق وقابل للتبدل والتفكك، للامتداد والانحسار.. وباختصار فالأسرة التي تكتب عنها تبدو في عرفها وكأنها مركز العالم وأساسه، إن انهارت انهار كل شيء بعد ذلك.
تبدأ إيزابيل كتابها بمناورة، بحيلة دفاعية ( إن كان لنا أن نستعير هذا الاصطلاح من قاموس علم النفس ) ومؤداها أنها رضخت، كما تقول، لإصرار ناشرتها ( كارمن بالثيس ) في أن تستأنف كتابة مذكراتها؛
"ـ اكتبي مذكراتك يا إيزابيل.
ـ لقد كتبتها، ألا تتذكرين؟
ـ تلك كانت منذ ثلاث عشرة سنة.
ـ أسرتي لا تحب أن ترى نفسها معروضة على الملأ يا كارمن.
ـ لا تهتمي بشيء. ارسلي لي رسالة من مئتين أو ثلاثمئة صفحة وأنا سأتولى ما سوى ذلك. وإذا كان لا بد من الاختيار بين كتابة قصة أو إغضاب الأقارب، فإن أي كاتب محترف سيختار الخيار الأول.
ـ أأنت متأكدة؟
ـ متأكدة تماماً".
وتخبرنا إيزابيل أنها تشرع بكتابة أي كتاب في الثامن من كانون الثاني، ودائماً في هذا التاريخ. وهذه، لا شك، تدرج من ضمن شطحات الكتّاب، ونزواتهم الغريبة.
إن المخاطب ( بفتح الطاء ) المروي له في هذا الكتاب ليس سوى ( باولا ) ابنتها الشابة التي فقدتها على إثر مرض مفاجئ، ولذا فمشهد إحراق جثمانها ونثر رماده في النهر هو أول ما تقدمه لنا الأم المفجوعة. ومن ثم تبدأ بسرد تفاصيل ما حدث للأسرة بعد وفاة باولا أواخر 1992. وتكمل إيزابيل مناورتها/ حيلتها الدفاعية بالتأكيد على أنها تكتب عن أخبار الأسرة لأن هذا هو ما يهم باولا. وبهذا كانت إيزابيل الليندي وفية لنصيحة كبار الكتّاب الذين يشيرون إلى ضرورة أن يكتب الكاتب عمّا يعرفه جيداً. وماذا يعرف المرء أكثر من معرفته لذاته وتاريخ أسرته ( إذا كان عائشاً بين أفرادها مدة طويلة )؟. ولذا فإن أغلب كتبها تحكي عن تاريخ أقاربها وأصدقائها، وممن كانوا في حدود الدائرة الضيقة لجغرافية حياتها. وحتى فيما تتخيل فهي إنما تستمد روح شخصياتها وحكاياتها ممن عاشت معهم، أو اطلعت على أسرارهم عن كثب. وها هي تستهل كتابها بهذه العبارة الموحية؛ "لا تفتقر حياتي إلى الدراما، لدي فائض من مواد السيرك للكتابة عنها". وفي مكان آخر تقول؛ "وقد تواصلت الميلودراما العائلية، لحسن الحظ، وإلاّ عن أية شياطين كنت سأكتب".. إنه، إذن، تيار متدفق من الحيوات الضاجة الصاخبة، الحرة والعابثة، حيث تتناغم الأرواح أو تتنافر، وحيث تتقاطع الإرادات أو تتآزر، وحيث تقود الجهود والحظوظ كلاً إلى مصيره.
وإذ تطغي الرتابة على بعض فصول الكتاب ولاسيما في الربع الأول منه فإنه لا يخلو من مواقف مثيرة وممتعة. وفي النهاية نجد الكاتبة تصوغ لنا مشهداً بانورامياً واسعاً عن حياتها وحيوات المحيطين بها. فضلاً عن تسجيلها لرؤية إزاء الأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة إبان الفاصلة الزمنية التي تتحدث عنها والتي تمتد لعقد وبضع سنين. وهكذا تفصح عن آرائها في مسائل شتى مثل علاقات الحب والزواج والجنس والشذوذ الجنسي والطلاق والصداقة والانضمام إلى الجمعيات. وقد انضمت هي نفسها إلى جمعية/ حلقة تسمى ( أخوات الفوضى الدائمة ) حيث تتبادل العضوات الأسرار والتجارب بعضهن مع بعض، وتكون كل واحدة شاهدة على حياة قريناتها إذ يتواصلن بشكل يومي عبر البريد الألكتروني.
وأروع ما في الكتاب هو تصوير الكاتبة للشخصيات التي عرفتها عن قرب والتي تكتب عنها ( على الرغم من عظم أخطاء وانحرافات بعضها ) بكثير من التعاطف والتفهم. حتى غضبها سرعان ما يتكسر عند حواف طيبتها وميلها إلى التسامح والغفران. وسأقتصر في الحديث عن شخصيات الكتاب على ( سيليا ) زوجة ابنها ( نيكو ). فمع أول لقاء بها "كانت خلال أقل من نصف ساعة قد طرحت علينا قناعاتها حول الأعراق الدنيا واليساريين والملحدين، والفنانين، والشاذين جنسياً، وبأنهم جميعاً فاسدون ومنحطون".. إنها في الخامسة والعشرين، تتحدر من عائلة تشيلية متزمتة، ترى في إيزابيل الليندي "تشيلية مطلّقة، ملحدة، شيوعية، ومؤلفة كتب تحضرها الكنيسة". غير أن سيليا تمتلك بالمقابل روحاً مرحة متهكمة، وصوتها مؤثر، تغني وتعزف على الجيتار. وتبدأ بينهما ( إيزابيل وسيليا ) الخلافات كأية حماة وكنة. غير أن ولادة أول طفل لها كانت مناسبة لتجاهل بذرة الخلاف. ولسيليا قوة شخصية عجيبة.. عنيدة وصريحة ومتمردة منذ طفولتها على السلطة الذكورية. وحين تكتشف أن لها ميولاً سحاقية تهجر زوجها وتقترن بفتاة اسمها سالي. وقد شكّل الأمر، لأول وهلة، صدمة كبيرة للأسرة، لكن علاقة إيزابيل بها لم تنقطع. ربما من أجل أطفالها الثلاثة الذين باتوا يتناوبون العيش بين أسرتين.
تقر إيزابيل أنها لا تمتلك السلطة الأخلاقية لمحاكمة أحد "فقد اقترفت في حياتي الكثير من الحماقات بسبب الحب، ومن يدري إذا ما كنت سأقترف حماقة أخرى قبل أن أموت". ومثلما قال لها زوجها ( ويللي ) فإن "ما يؤذينا ليس الحقيقة المكشوفة، وإنما الأسرار". وهذه مقولة آمنت بها أخيراً. وكانت ترى أسرتها في لحظات معينة؛ منحطة بسبب أخطاء وخطايا وانحرافات بعض أفرادها، غير أن الزوج المحامي أقنعها بالقول؛ "أنت لا تعرفين ما الذي يجري وراء الأبواب المغلقة عند أسر أخرى. والفرق أن كل شيء في أسرتنا تظهر إلى العلن".
ولأن المخاطبة ( بفتح الطاء ) المروي لها هي امرأة متوفاة ( ابنتها باولا ) فإن مسحة من الحزن الشفيف تتخلل عباراتها صفحة بعد أخرى تضفي عليها غلالة شاعرية متوامضة تأسر القارئ. إن طيف باولا يتنقل بين الصفحات ناعماً خفيفاً يغلّف السرد بالرهبة والغموض.
ومنذ كتابها الأول ( بيت الأرواح ) نراها مغرمة بعالم الماورائيات بما هو معجز وسحري. تقول؛ "الغموض السحري ليس وسيلة أدبية، ليس ملحّاً وبهاراً لكتابي، مثلما يتهمني أعدائي، وإنما هو جزء من الحياة نفسها". وهي تؤمن عن يقين كما تؤكد؛ "بأننا أرواح، وبأن ما هو مادي ليس إلاّ وهماً، وأنه شيء لا يمكن إثباته عقلانياً". وبهذا فهي تنتمي إلى تلك الكوكبة العظيمة من كتّاب أميركا اللاتينية الذين تُطلق على مدرستهم تسمية ( الواقعية السحرية ). وهي تعتقد أن حيوانها الطوطمي هو النسر "هذا الطائر الذي يطفو في رؤاي ناظراً من علو شاهق. وهذا العلو الشاهق هو الذي يتيح لي رواية القصص، لأني أتمكن من رؤية الزوايا والآفاق.. يبدو لي أنني ولدت لأروي وأروي". والعبارة الأخيرة تذكِّرنا بكتاب السيرة الذاتية الذي كتبه غابريل غارسيا ماركيز والمعنون ( عشت لأروي ). وتتبِّل ( من التوابل ) الكاتبة مذكراتها بقدر من الفكاهة، وروح السخرية والتهكم. وهذا ما يُخرج المذكرات هذه من أجوائها الكئيبة التي تفرضها طبيعتها وهي كونها كلاماً موجهاً إلى إنسانة عزيزة متوفاة. فالكاتبة تعرف كيف تجعلنا ( نحن القراء ) نتأسى حيناً ونكتئب حيناً وتنشرح صدورنا حيناً، ونضحك حيناً".
وباستطاعة قارئ الكتاب الإطلاع على طقوس الكتابة الخاصة بإيزابيل الليندي، فناهيك عن شروعها بكتابة أي كتاب بتاريخ محدد هو الثامن من كانون الثاني، فإنها تهيئ نفسها ومكتبها بالشكل الذي يلائم مزاجها ويجعل فعل الكتابة لديها سلساً وممكناً. فمع كل كتاب جديد تنظف كوخها الخاص تنظيفاً جيداً وتهوّيه، وتستبدل شموع المذبح، ولا تبقي على الرفوف التي تغطي الجدران سوى الطبعات الأولى لكتبها، وصور الأحياء والأموات الذين يرافقونها على الدوام. وتتخلص من كل ما يمكن أن يشوش إلهامها، وتستذكر ما كانت تقوله جدتها من "أن الفضاء ممتلئ بالحضورات... وفي هذا الجو الشفاف تسكن شخصياتي، ولكنني لا أستطيع سماعها إلاّ وأنا صامتة. وفي منتصف الكتاب، عندما لا أعود أنا، المرأة، وإنما أصير أخرى، الراوية، أتمكن من رؤيتهم ( الكائنات التي تحملها في داخلها ) أيضاً".
إن المرء بحاجة إلى دفق من الشجاعة لكي يعرض في النور والهواء الطلق هذا الكم من تفاصيل حياة الأسرة ( الحب والخيانة والفشل والنجاح والشذوذ والإدمان على المخدرات والتبذير وتدمير الذات ). مع التقاط لحظات الفرح والحزن والإحباط والغضب واليأس والرغبة بلغة تبتعد عن المواربة والنفاق الاجتماعي والتفنج. هذه اللغة التي لابد أن تكون كاتبة من طراز ( إيزابيل الليندي ) قادرة على إبداعها.
* "حصيلة الأيام.. مذكرات" إيزابيل الليندي.. ترجمة: صالح علماني.. دار المدى للثقافة والنشر/ دمشق ط1/ 2008.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب: ( لعنة النفط.. الاقتصاد السياسي للاستبداد )
- النخب؛ البيئة الثقافية، والمشروع السياسي
- في وداع عام آخر
- تواصل النخب والشباب
- سؤال الثقافة.. سؤال السياسة
- لمّا سقط المطر
- عالم يتغير
- -ليلة الملاك- ملعبة خيال طفل
- الحكم الصالح
- متاهة المنافي في ( سوسن أبيض )
- حين يموت الأطفال جوعاً
- من نص اللذة إلى لذة النص؛ قراءة في -دلتا فينوس-
- الدراما العراقية في رمضان
- إيكو الساخر في ( كيفية السفر مع سلمون )
- -اللاسؤال واللاجواب- محاولة في الكتابة المحايدة
- كاتب الرواية.. قارئ الرواية
- الاستثناء والقاعدة
- قراءة في كتاب: ( نساء وأطفال؛ قضايا الحاضر والمستقبل )
- ضرورة المعارضة
- قراءة الرواية: وسيلة لفهم الشأن العام


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-