أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - الطيِّب صالح يهاجرُ جنوباً














المزيد.....

الطيِّب صالح يهاجرُ جنوباً


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 07:46
المحور: الادب والفن
    



لم أقرأ رائعة الطيِّب صالح موسم الهجرة إلى الشمال إلاَّ مؤخَّرا قبلَ عدةِ شهور وكم عاتبتُ نفسي لذلكَ.. منذ سنينٍ وأنا أتلهَّفُ لقراءتها ولم أفعلْ رغم ما كنت أسمعُ عنها من أهميَّةٍ أدبيةٍ رفيعة منذ سنواتٍ عديدة وأنها تضيفُ لقارئها الكثير.. حتى أنها اختيرتْ عام 2002 ضمن أهمِّ مائة رواية عالمية وقد اشترك مئةُ ناقد وكاتب عالمي من أكثر من 50 دولة لتقييمِ الأعمال المختارة.
موسمُ الهجرةِ إلى الشمال روايةٌ تستحوذُ على كلِّ مشاعركَ بلا استئذانٍ وتضربكَ كأنها إعصار إفريقيٌّ قادمٌ من الشمالِ حيثُ عاشَ بطلها وغامرَ وقاربَ بينَ جسدِ أوروبا البضِّ الفائرِ المنادي بألفِ فمٍ المشتعلِ بالرغباتْ وجسدِ أفريقيا الذائبِ شوقاً ولهفةً إلى حريَّةِ المعرفةِ وحريَّةِ الحبِّ والحياةْ.
تعتبر هذه الرواية الخالدة من أروع الروايات العربية التي تناولت الصراع الإنساني بين عقليَّة الغرب وروحانية الشرق حتى أن بعض النقاد ومنهم الناقد المصري رجاء النقَّاش قد تعاطفَ جدا مع هذه الرواية بزعمِ أنها فريدةٌ في موضوعها وطريقة سردها وفلسفتها بين الرواياتِ العربيةِ الأخرى المعاصرةِ لها حينها. وقالَ أيضاً أنَّ لها بعداً خفيَّاً لا بدَّ من الوصولِ إليه.
بينما ربطَ البعض بينها وبين توارد أفكار أو خواطر في روايات أخرى مثل قنديل أم هاشم للكاتب المصري يحيى حقِّي وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم . والحيُّ اللاتيني لسهيل ادريس وقارنَ البعض بينها وبين مرتفعات وذرنغ للكاتبة الإنجليزية إميلي برونتي .
بطلُ رواية الطيِّب وهو مصطفى سعيد شخصية عميقة وغامضة تجمعُ في كيانها العبقري والشرقي الرومانسي والإفريقي الباحث عن ذاتهِ والرجلُ المتمرِّد.
ويقول الطيِّب صالح أن بعض النقاد والدارسين وجدوا في الرواية ثقافات من مختلف الأجناس ولمسوا أيضاً فلسفات لشعوبٍ كثيرة ولم يستطيعوا أن يجدوا أثرَ المتنبي كبريائهِ العربيِّ فيها. أي لم يعثروا على العنصر العربي في تكوينها.
يبدو الكاتب في روايتهِ تائها يبحثُ عن نفسهِ في كيانِ غيرهِ. كبحثِ مصطفى سعيد عن أسئلتهِ في علاقتهِ بجين موريس... وفي أجسادِ نسائهِ الأخريات اللواتي تهاتفنَ على سمرةِ جلدهِ وبريقِ عينيهِ وحدَّةِ عقلهِ وطقوسهِ السحريةِ الغرائبيَّةِ.
لا أريدُ أن أثقلَ الروايةَ بالبعدِ الجنسي الذي اعتمدتهُ الرواية في بعض تصريحاتها وتلميحاتها هنا وهناك على لسان بنت مجذوب أو ود الريِّس . فهنا يشفعُ للكاتب جمالُ تصوريهِ الواقعيِّ للحاضر السوداني الرامز إلى الشرق العربيِّ بكلِّ ما يحتوي من خرافات وسحر وضلالات وتجاوزات.هيَ مواجهة بينَ انسان العالمِ الثالثِ بكلِّ ما لديهِ من أدواتٍ وخصائصْ وبينَ انسانِ العالمِ الأوَّلِ المتقدمِ .
في حديث للطيَّب صالح يقولُ فيهِ أنه التقى بجين موريس بطلةِ روايتهِ موسمِ الهجرةِ إلى الشمالْ واحتسى معها القهوة في متحف الفنون بلندن. وهناكَ دارَ بينهما حديث طويل حولَ الحضارة الغربية والشرقية وأسباب الخلاف وأوجهِ الشبهِ وحولَ مفاهيمِ الحريَّةِ والحبِّ. وافترقا بعد ذلك ولم يلتقيا. وكان ذلكَ الحديث هو الخيط الرفيع الذي راحَ الكاتبُ ينسجُ بهِ أولى أحلامِ الروايةِ العظيمة. التي كانت نقطة تحوُّل في الروايةِ العربية الحديثة .
موسمُ الهجرةِ إلى الشمال رغم رصانةِ لغتها العربيةِ وجدَّتها روايةٌ حديثة بكلِّ ما في الكلمةِ من معنى ذلك أنها تلتصقُ التصاقاً وثيقاً بالواقعِ من حيثُ الصور والإيحاءِ وتسلسلِ الأحداث بينما هيَ تبحثُ موضوعاً فلسفياً رمزيَّاً وتحملُ أفكاراً ساميةً تعبرُّ عنها بزخمٍ وحسٍّ كونيين من منطلق الحبِّ والمعرفةِ واللذةِ والموتِ وهذا ما منحها عالميتها وشهرتها إذ تُرجمتْ إلى أكثر من ثلاثين لغةٍ حيَّةٍ . وأظنها كانت جديرة أن توصلَ صاحبها إلى مصافِ نوبل التي زهدَ بها لتطَّفلِ العرب عليها حسبَ قولهِ.
إذن الطيِّب صالح هو مصطفى سعيد أو ربمَّا هو جزءٌ لا يتجزَّأُ منهُ. أو يجوزُ القولُ أنَّ مصطفى سعيد شخصيةٌ مثيرةٌ للجدلِ من صنعِ الطيب صالح قد جعلَ منها خلطةً غريبةً مزجَ فيها تجاربَ من عرفهم من سياسيين وأدباءْ وأصدقاء سودانيين في لندنْ.
في هذهِ الشخصيَّةِ استلهمَ الكثير من الأفكار الناجحةِ أدبيَّاً وعلى المدى البعيد.
وهذا رأيي الشخصي.. أذكرُ منها تمسكَّهُ بواقعهِ وحضارةِ شعبهِ وتمازجَ الأضدادِ في موضوعاتهِ والبحثِ عن وسيلةٍ جديدةٍ يعرضُ من خلالها حلمَهُ باكتشافِ الغير وهو في قمةِ اعتدادهِ بنفسهِ وحضارتهِ وفي أوجِ طموحهِ ورغبتهِ المتأججةِ المُحرقةْ.
لا تهمُّني تفاصيل الرواية بقد ما يهمُّني مغزاها المُبهم والمفتوح على الاحتمالات فلا هيَ رمزية في نظري لا هيَ واقعية صرفة هي تمازج بين هذا وذاك وإناء شفَّاف عرفَ كيفَ يستعملهُ الطيِّب بحيثُ يصبُّ في داخلهِ ما يشاءْ من رؤيةٍ جديدة مفعمةٍ بالأملِ والندِّيةِ تجاهَ الغربِ المتعجرف وعنجهيتهِ واستعبادهِ للرجلِ الأسودِ وموطنهِ أفريقيا . هيَ وثبةٌ في وجه الظلمِ والإستعلاءِ الغربيينْ .وردُّ اعتبارٍ للكرامةِ الإفريقية المستلبةِ منذُ قرونٍ عديدة على يدِ ذاتِ الجمالِ والحضارةِ والسطوةِ والنفوذِ ( الإمبراطورية البريطانيةْ ) .
عودةُ مصطفى سعيد إلى الوطن بعد مغامراتهِ العاطفيةِ ورحلتهِ العلميةِ العريقةِ في بلادِ الضبابِ فيها الكثيرُ من الغموض وموتهُ في قريتهِ فلاحاً فقيراً يجعلُ الروايةَ من أعصى الرواياتِ وأعظمها في آنٍ واحد. بل أنَّ موتهُ على ترابِ وطنهِ أخيراً يذكرُّني اليومَ بهجرةِ الطيِّب صالح الأخيرةِ إلى وطنهِ جنوباً بعدما ملأَ الدنيا وشغلَ الناسَ ووطنَّ النفسَ لينامَ قريرَ العينِ في ظلِّ نخلةٍ عاشقةٍ على ضفةِ نهرِ النيلِ الذي أحبَّهُ بكلِّ كيانهِ... فوداعاً أيُّها الطيِّبْ .

[email protected]



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترانيم غجرية
- فراشةُ قلبكِ المائيّْ
- نشيدُ طواويسِ الشعر
- مرثيَّة متأخرَّة لمحمد الماغوط
- شيء عن الأيديولوجيا الضالَّة والحُبِّ والحربْ
- لماذا تسكبينَ دمي على الشطآنْ ؟
- حنانكِ غزَّة
- ثلاث قصائد
- قصيدتان
- أقمارٌ مائيَّةٌ لشرفةِ السيَّابْ
- هي شهقةٌ أخرى
- قصائد مبتلة بالضوء / قصائد مختارة
- شمسُ يوشع
- كلمات في وداع أجمل الفرسان محمود درويش
- كلُّ هذا البهاءِ المراوغِ حريَّتي ليسَ لي
- عذابات وضَّاح آخر
- خطىً لظباءِ القوافي على القلبِ
- قصائد مختارة من ديوان أوتوبيا أنثى الملاك
- كأني سوايْ
- إنفلاتُ هوميروس العرب إلى الأزرقِ الورديّْ


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - الطيِّب صالح يهاجرُ جنوباً