أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رغد علي - كذبة اللحظة المتألقة - قصة قصيرة














المزيد.....

كذبة اللحظة المتألقة - قصة قصيرة


رغد علي

الحوار المتمدن-العدد: 2565 - 2009 / 2 / 22 - 05:00
المحور: الادب والفن
    



فتحت حدقة عينيها بشده , بحلقت فيه كثيرا , تشك بانه هو, سألته بصوت يحمل صدمة الفرحة المباغته العميقة: أأنت فعلا فلان؟؟, سألها بدوره نفس السؤال أحقا أنت فلانه ؟؟ , ضحكت ملىء قلبها, وقالت له مازحة : اذن دعني أتأكد من الهوية ؟؟
سرعان ما وجدت نفسها في عناق حار مثقلا بشوق عتيق لزمن مهاجريطوقها ثانيه, ترى أكانت تشتاق اليه ولا تعلم ؟,
نحتت الايام على هيئتيهما فتغيرت ملامحهما , فهي أكثر أنوثة ونضجا واغراء , وهو أكثر رزانة وهدوءا , الشيب يخط خطوطه علي راسه, تاركا مساحة فارغه بمنتصف رأسه لم يملأها احد , بدا متعبا أمامها بالكاد يلتقط أنفاسه ,كمن أرهقه الجري لمسافات طويلة ,استيقظ فيها شعورا جارفا بالحنان عليه , شعور لم تعرف هي كيف تمنع تدفقه , وكأنه سيل من المياه كان مختنقا , وأخيرا تنفس الصعداء..

انه هو ...صديقها القديم , لم تره منذ عشرين عاما , من يصدق ها هي معه وجها لوجه دون موعد , وحدها مصادفة القدرجمعتهما ,هب اليها خطف كف يدها عانقه قبل جوفه ,قال لها دعي هذه القبلة تنام بسلام بالداخل , فالخارج يعرضها لعوامل تعرية الرياح !! , ثم احتضن كفه كف يدها بحرص وحنان أم تحمل طفلها لأول مرة , رأت بعينيه صورة لأجمل أميرة , أليست هي في بلاط مملكته أخيرا .. ها هي ولدت أنثى متكاملة من كف يده, من قال أن المراة وحدها التي تلد !!

لم يجول بخاطرها يوما انها ستلتقيه بكل هذه الضجه من الاحساس ,لقد نسيته بالزحام , لكنه اليوم امامها , لينفض الغبارعن كل كامن ومغمور فيها, لعله الحس القديم المتعطش ,لا شى يموت بذاكرتنا أبدا, انما تتوارى الأشياء تنتظر لحظتها المتألقة لتبرزفيها, على شكل انبهارأو انكسار يزلزل النفس بكل الأحوال .

بذاك الزمن الغابرهي مستودع لأسراره,كم كلمها عن ليلى وسلوى, وهي دوما تخلص بالاصغاء له, بالأمس هي متعقلة جدا , والعقل ان تجاوز حده صار ضربا من الجنون , لم تجرؤ يومها على تجاوزحدود ما رسمه هو لها, لذا رضيت بالموقع الذي اختاره هو لها , كان يسميها وفاء ويناديها وفائي ,لوفائها الدائم بالسؤال عنه,وهي تخرس صوتا بأعماقها وتخنقه كلما حاول الاحتجاج لتمنعه من الوصول الى حنجرتها , فتضحك على مغامراته حين يقصها عليها , ثم انقطعت بينهما وسائل الاتصال زمنا طويل .

اليوم شان مختلف لم تعد هي تلك المراهقة العاقلة , ولم يعد هو الشاب الطائش , ويبدو اننا حين نكبريكبركل المخزون الذي بداخلنا ولا ندري , انها تجد فيضا بأعماقها لا يرتوي ولا يشبع ,لا يصمت ولا يهجع , انه اللحن القديم نفسه لم يعد ينتظرموافقتها ليبدأ العزف هذه المرة ,لقد تمرد اللحن عليها ويريد ان يحطم كل قيوده لم يعد بالعمر متسعا لقيود أكثر .

سارا سوية وكفا يديهما متعانقان لا يفترقان , طيورالنورس ترقص على صفحة البحر, بهجة بوجودهما معا , كأنها تسمعهما يتصفحان أوراق الماضي, ضحكا كثيرا ..بكيا ايضا ,وحنين الماضي يصاحبهما بكل خطوة يشدهما أكثر,والخيط الرفيع القديم يحيطهما ببريق من هالة الفرح الحزين , نظراتهما حين تلتقيان تتعانقان الف مرة ولاتهدأ , كانهما لم يفترقا يوما , فما زال هو يقرأ أفكارها ,مازالت هي تسعد بروحه الساخره العابثه , من يدرك ان الارض صغيرة بحجم كف يده .

حدثها كثيرا عن حياته ومعاناته, وهي تستمع ,وتجد متعة أكبربمراقبة حركات يديه ولفتاته وحسراته , تتأمله يتكلم وفي داخلها رغبة لترسمه ,ليبصره الاخرون بعينيها , حين يفلسف نظرته للعمرتضحك هي تسميه افلاطون زمانه, منذ القدم متعتها بصحبته لا تضاهيها متعة أخرى, فلديه كل شىء تحتاجه, يؤكد هو حاجته للقاءها بين فينة وأخرى يسرقانها من الزمن كلاهما يجد بالاخرشيئا مكملا له , لكنها كانت تستوعب الموقف أكثرمنه و فتقول له امنحني من عمرك فقط هذه اللحظة لست أملك غيرها دعني أعيشها ممتلئة بكل ابعادها وكل ألوانها .

لم تساله عن أي تفاصيل و لم تكن تريد ان تسأل , فلا شى يهمها الا ان تضيف بريقا وبهاء أكبر لتلك اللحظة المتألقه ,انها مكتفية جدا بها, فليس أجمل من ان تكتشف أن خيوطك الرفيعه الخفية ما زالت بمكان ما بالوجود تنبض بالحياة , واذا بكف يده رفيقتها حبيبتها ,وكل ما ملكت لحظتها في عالمها ,أليست هي التي ولدتها ثانية .

صار الرجل الذي فيه يحطم قيودها اكثر , ليحرك كل رغباتها الراقدة الساكنه, وفجأة لمحت هي نظرات الوداع بعينيه مبكرة, جاءت منه قبل أوانها , لتهدد لحظتها اليتيمة ,واجهته بها فأنكر , هي تقرأه تماما ,تشعرانه ينوي أمرا, لكنها لم تشأ ان تعكرضحكة قلبها , لم تكن تبالي فما زالت كفه تحتضن كفها , قنوعة بالفتات الذي يقدمه لها, هي تعي تماما ان هذه اللحظة راحله, لذا قررت بأعماقها أن تعيش الجنون كله فمن لا يمنح الجنون كل جنونه لا يكن عاقلا , ما دامت لحظة الوداع لا محالة قادمة ستجعلها مختلفة بكل شىء.

بقيت تفكر كيف تخترع لأجله طريقة مبتكرة للوداع ..أرادت وداعا لا يمنح الا له , سيكون الحزن الذي يمنح العمر كله فرحا وحياة ,عطرا تعلق رائحته للأبد, من قال ان الوداع مؤلما قدرما يكون تسجيلا لموقف اثباتا لوجود ,واعلانا عن حقيقة , ظلت تفكركيف تمنحه شيئا مميزا بحجم تميزه بداخلها ؟ ما الذي ستفعل؟؟ كيف ستسرق من نبرات صوته قليلا لتضعها بزجاجه تحملها معها أينما حلت ؟ ، كيف ستجمع من أصابعه قطرات ماء تبلل صحراء أيامها؟ , حارت اكثر كيف تجعل اللحظة تفيض وتفيض كل ما أمكن ؟؟ فأي قحط بعدها لن يؤثر.

ستبتسم بوجهه وتربت على كتفه كيلا يتألم ستقول له انها تكتفي بوجوده بهذا العالم ,حتى وان ابتعد كوكبه أبعد, ستقول له ان لحظة واحدة متألقه تجعل العمر يستحق الاستمرار دهرا , ستثبت له ان هناك وداعا يمتد ظله ويمتد، ليمنح القامه سحرا، ويبقى سره سرا .
بينما هي تستعد لهذا الوداع , تشتعل ولاتنطفىء , فتحت كف يدها لم تجد كفه , اكتشفت انه رحل ولم يودعها كما يجب, لم يمنحها الا الوهم وكذبة وجوده بهذا العالم , كذبة اللحظة المتألقه .



#رغد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة البلورة الفضية - قصة قصيرة
- العراق هو الرواية التي تحتاج النقد البناء
- تلك قضيتنا
- الهاتف
- انا وعرافتي والايقاع
- حقيبة سفر وحفنة ذكريات
- الي ابي وامي والذكري
- الي أمي وأبي والذكري
- أحلم بأمرأة تقلب المعادلة
- أم وطفل مشاكس
- مدينة من دم لا نار - اهداء للاستاذ لطفي حداد
- انتخبناكم ليستمر البث لا لينقطع
- اخفاق المراة العراقية
- كفتا الميزان ...السلطة ...الشعب
- لكم مسؤولون يا امة محمد
- ارفعوا المصاحف بين اياديكم لا علي رماحكم
- سيدة عراقية من الطراز القيادي الاول
- صرخة من قلب بغداد
- المراة العراقية والمستقبل
- اين الراس؟


المزيد.....




- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رغد علي - كذبة اللحظة المتألقة - قصة قصيرة