أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الطوزي - سقم














المزيد.....

سقم


طارق الطوزي

الحوار المتمدن-العدد: 2561 - 2009 / 2 / 18 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


" تتموّج حركة هادئة على صفحة المياه، تنشر خرافتي رعبها القاتم، يرصد فعلي الساذج جنوني المقيت، هنا تحت سماء اللعنة ينتفي الوقت، و في خواء حياتي أجرّد من نداء الاستغاثة، فلا يبقى لي ما بين اللاشيء و اللاشيء، غير غياب تائه "

أدفع مصراع النافذة القديم بقسوة، الطريق يملؤه وجوه غريبة كتومة، سيّدة تصرخ، شيخ يلقي جسده على الأرض، متشرّد يغنّي، ثمل يسبّ ساعة الطريق، الرسم الباهت على جدار المتجر يبدو سخيفا، ثمّة هواء فاسد يمتزج دمي. الحشرة القديمة تسكن مخيلتي، تنشر الرعب. تداخل أصوات الطريق و الرائحة النتنة لفضاء مهمل، الألوان تتقاطع مع كلمات مبهمة على ثوب ما.
تتثاقل الرؤيا، و ينتهي زمني إلى صمت عاجز، أنفر إلى غرفتي بعد أن أغلق النافذة، و أختفي تحت سريري؛ أجهد أطرافي كي أقلّد مشهد الموت، فتهدأ نفسي مرّة أخرى.
تعطّل الحركة في محيط ضيّق، ترسخ في نقطة ثابتة لزمن طويل، موت حكمته الوحيدة السكون.
أغرق في ظلام ما تحت السرير، أتطلّع برغبة قسريّة إلى موت تمثيلي؛ فحينما يتوقف تنفسي، و ينتهي فعلي، و تخمد طاقتي في الثرثرة، تشرق راحتي العميقة بصفاء طفولي.

كائني المجهول على صخرة يعاين المدّ، ينزع ثوبه، و يرتمي إلى عمق مياه البحر.
" يحتويني ضغط قويّ يأسر حركتي، اندفع متملصا من شدّته إلى عمق أكبر، فيعتصرني بعنف. أصرخ فلا أرى غير فقاعات تتشابك في ثورة و تنطلق إلى الأعلى. يحتضنني كمّ هائل من الليونة؛ يرفعني ، يرغمني على الفعل بتحدّ عاهر، و يرميني كلعنة إلى السماء. "

- استرخي على هذا المقعد و حدثني بهدوء ما الذي تشعره
أبكي
- اهدأ لا داعي للقلق
- و لكنّي أتألم
- أفهمك
- هل سأشفى ؟
- بالطبع، و لكن في البدء حدثني عن سبب الألم الذي تشعره.
- إنّي أعي بشكل يقيني أنّ البحر لعنة تتوق قتلي
- لماذا يريد البحر قتلك ؟
- لا أدري
- حسنا، كيف يريد قتلك ؟
- لا أدري
- هكذا من دون مبرر إذا تعتقد أنّ البحر يريد قتلك ؟
- لا و لكن ...
صمت
- لماذا توقفت ؟
- لا شيء
- كنت تريد قول شيئا ما قبل أن تتوقف ؟
- لا شيء، لا شيء ...
يثقل جسدي بضغط عنيف ، يثبت أطرافي على الأرض بقسوة، يسخر من عجزي. أحاول أن أنفلت بعصبيّة هائجة إلّا أنّي أنهار ضيقا. لعنتي تسكنني؛ شيء ما داخلي يعدم حركتي، ويبعث بذرة قاتمة في صدري تخنقني، شيء منّي يخونني، يغادرني، يرسم حدودا مغايرة لعالمي.
أجثو على الأرض، أتمرغ في التراب، أصرخ ...

- أمقت شعوري بالتكرار
- أي تكرار ؟
- تكرار التواجد في الحياة
- هل يعني هذا أنك تفضل الموت ؟
- لا أدري
- و لكنك تحبذ تقليد هيئة الميت
- نعم بالفعل
- و ما سبب ذلك ؟
- لأنه يتملكني شعور أفضل
- كيف ؟
- لا أدري، شعور أفضل فحسب
سيجارة تحترق و دخان ينساب بخفّة في فضاء الغرفة.

اندفع البيدق في نقلة هادئة نحو بيت آخر، الحصان بنظرته الملتوية يعاين تقدمه. في مقام بعيد من الرقعة آثر الشاه التقدم إلى دار الحرب، متجنبا مدى الفيل الأسود. ألهى الرخ الوزير عن نداء الاستغاثة. النقلة الآتية ستغتالني إن لم أجعل البيدق وزيرا؛ لأهدم الحركة السريعة لوزيره الشاذ. أتلقف قطعة الفيل بيدي، و أشرب كوب الشاي. الموت آذن، و نظام حضور القطع لم يدلني على خلاصي. صخب القتل ينذرني؛ فخلف هذا الستار من البيادق الشاه يموت.
انتصبت واقفا وسط شعور تائه مضطرب، تطلع إليّ في دهشة و قال : ألا تواصل اللعب ؟ قلت بنبرة كئيبة : يقتلني مللي، إنّي أنسحب.
أجلس وحيدا بتبلدي الساذج، أنظر إلى الميناء القديم بعينين تحملان طيبة بلهاء. على طاولتي الخشبيّة قهوة قليلة السكر. نقرات الخطوات تمرح في خجل على الأديم الإسفلتي. بهجة الحديث المزاجي تنطقه أفواه كثيرة اللغط. بدا لي الضوء الغارق في صفرة الزمن، يعابث قتامة البنيّ الصخري. و زورقي الراحل إلى البحر اللعين يسخر من أرضيّتي.
أستلقي في استسلام على السطح الخشبي، أغمض عينيّ؛ أكون ميتا. الزورق يشقّ البحر في عنف، فيحدث اهتزازا خفيفا. أغث. سفر إلى العمق، خانة أخرى من رحلة أرهقني عيشها. حمولتي موت أو نفور إلى الضياع، رغبة في الهلاك ...
.............
- السقوط معنا يتأرجح ما بين التجاوز و الانهيار
- لا بل هو انهيار فحسب
- هو تجاوز لنظام كون الأشياء
- ترهات
- بعثرة ضروريّة لإكمال مشهد الخلق
- تأكد أنها ترهات قول
- إشراق ضروري لانبعاث من السقم
- تبرير غبن
- معنا يفيد توق الحياة
- لا تُنشأ من الفراغ أساسا
- يكفيني اغترابي معنا يصدر خلقا
- أهذا كفر ؟
- هو بداية لكوني
أفتح الباب و أخرج في صمت إلى الطريق
قفزة دائريّة في سماء الشاطئ، خطوات تتالى على الصخر في فوضى الضياع، رقصة مجنونة على تردد الموج. التفاف عنيف يلامس المطلق، يداي تنبسط في متعة الوصل. المدى العلوي يخترق أطرافي، نفسي...
رحلتي باتت حقيقتي.




#طارق_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون وقحة
- عجوز الستوت
- الكأس و المعاد
- الرحيق المختوم


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الطوزي - سقم