أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - كيف هيمن الإسلام الفقهي على مجتمعاتنا؟















المزيد.....

كيف هيمن الإسلام الفقهي على مجتمعاتنا؟


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 2560 - 2009 / 2 / 17 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لايزال الدين يلعب دورا مؤثرا في حياة معظم البشر، ومن هؤلاء البشر المسلمون. ومن أبرز نتائج هذا التأثير في المجتمعات العربية والمسلمة هو صعود نجم الإسلام الفقهي وارتفاع درجة وصايته على حياة المسلمين وتراجع الدور المؤثر للأنواع الأخرى من الإسلام على حياتهم، ومن هذه الأنواع الإسلام الصوفي العرفاني الحاث على الإيمان وكذلك الإسلام المتمم للأخلاق الحاث على الإنسانية.
ويتفق معظم الباحثين على أنه لايمكن اختزال مفهوم الإسلام في الفقه. فالدين الإسلامي يحتوي على مناهج دينية عدة تعكس صورته ووجهه. بمعنى أنه إذا احتوى الدين على فقه، فهو يحتوي أيضا على عقائد وعرفان، وعلى أخلاق. لذا من غير الطبيعي اعتبار الإسلام الفقهي هو الممثل الشرعي والوحيد للدين الإسلامي، ولا اعتباره العنصر الأبرز في الدين. إن التعريف البسيط للدين الفقهي هو بمعنى الدين الذي يطغى فيه الفقه على عناصر الدين الأخرى، إذ هناك تأكيد من قبل المدرسة الدينية الفقهية على أن الفقه يعتبر العنصر الأبرز في الدين. وفيما لو تمعنّا في الشأن الديني عند المذهبين السني والشيعي، وفي مدارسهما المختلفة، سوف نجد بأن الفقه يلعب دورا مسيطرا ومؤثرا فيه، وأن الأخلاق والعرفان يحتلان مرتبة متأخرة من هذا التأثير. لذا أي حديث عن دور بارز للإسلام العرفاني أو الإسلام الأخلاقي في المجتمعات العربية والمسلمة يعتبر حديثا غير واقعي، حيث الإسلام الفقهي يسيطر على الوضع الديني في معظمه، بل على الحياة بشكل عام. فإذا ما تمعنا في البرامج الدينية على شاشات الفضائيات سوف نستكشف طغيان الفقه عليها، وسوف لن نجد إلا أثرا بسيطا للبرامج الدينية الأخلاقية أو الإيمانية العرفانية فيها. كذلك لو تمعنّا في الخطاب الديني السائد في الوسط الاجتماعي لأحسسنا ضعفا شديدا لناحية التعبئة الروحية المعنوية وفراقا شاسعا عن الجانب الأخلاقي، ولوجدنا منهجا فقهيا مليئا بالأوامر القانونية المستندة إلى ظاهر الدين وقشره. وتدل التجارب على الارض أن الإسلام السياسي الفقهي يتبنى مواقف بعيدة عن أبجديات الأخلاق والصورة الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها أنصار أي دين. فالمواقف الطائفية الدينية والعمليات الإرهابية الدينية ودفع الدين في أتون المصالح الدنيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جعل ممكنا تبرير أي تصرف غير أخلاقي وغير إنساني تجاه الآخر واعتباره مجازا شرعا استنادا إلى الأدلة الفقهية، خاصة إذا ما كان هذا التصرف يصب حسب مزاعم الفقهاء في صالح قضايا الإسلام والمسلمين. إن ذلك وغيره ساهم في أن يصبح الدين أسيرا في سجن الفقه والمصلحة، بعيدا عن أطره الأخلاقية الإنسانية والإيمانية.
لكن، ما الذي جعل هذا النوع من الإسلام يهيمن على مجتمعاتنا فيما ضعف دور الأنواع الأخرى؟
مما لاشك فيه أن من أسباب ذلك هو سيطرة الفقه على الدين وتزايد نفوذ رجال الدين الفقهاء على المجتمعات العربية والمسلمة وتراجع الدور المؤثر للمنهج الديني الأخلاقي والإيماني. كما أن الغالبية العظمى من المعرفة الدينية التي يكتسبها رجل الدين الراهن في المراكز الدينية التي يتخرّج منها هي معرفة فقهية، فيما المعرفة المتعلقة بالأخلاق والإيمان، رغم أنه يتلقاها إلا أنها لايمكن أن تُقارن في حجمها وأهميتها بكمّ وأهمية الفقهية. لذا من الطبيعي وصف الفقه غصبا بأنه "أهم المعارف الدينية". أضف إلى ذلك أن الإسلام الفقهي يسير وفق نظام قانوني وقشري لايقبل السؤال، إذ هناك أوامر فقهية (فتاوى وأحكام) من جهة وتنفيذ صارم لهذا الأوامر (تقليد) من جهة أخرى. وبعبارة أخرى فإن الطبيعة القانونية للفقه ترفض السؤال، في حين أن الإسلام الأخلاقي والإسلام الإيماني هما في الضد من التقليد ويحثان على النقاش الحر الطبيعي الرافض للتبعية العمياء حتى يحققا غاياتهما المعرفية. فالإسلام الفقهي لايمكن إلا أن يعيش في ظل التقليد وفي إطار رفض السؤال والنقد، فيما الإسلام الأخلاقي والإسلام الإيماني لايمكن أن يتعايشا مع التقليد حيث يمتلكان مساحة واسعة من التعايش مع السؤال والنقد.
بالنسبة لأنصار الإسلام الفقهي فإن الدين يتلخص في الفقه، وفي قيام الفرد المسلم "الملتزم" بتقليد الفقيه في كل ما يصدر عنه من فتاوى وأحكام، ولا مجال لأي نقاش بين الطرفين. فهناك جهة لديها مسؤولية إصدار الفتاوى والأحكام، وجهة أخرى ملزمة بتنفيذ تلك الفتاوى والأحكام ولا خيار أمامها للسؤال أو النقد. بمعنى أن المنهج الفقهي يلغي إرادة الإنسان ودوره المسؤول في المحاسبة والنقد والتدقيق والتمحيص والمشورة قبل الإقدام على أي عمل.
للأسف فإن أنصار الإسلام الفقهي عادة ما يعتبرون أنصار الإسلام الأخلاقي والإيماني منحرفين عن طريق الدين، لأنهم في اعتقادهم رفضوا ثقافة الرضوخ الكامل والانصياع التام للفقه والفقهاء وسعوا لسؤالهم ونقدهم وعدم تقليدهم. وفي واقع الأمر لا يمكن لحلاوة الإيمان وتعدد طرقها أن تتعايش مع "الواحدية" الفقهية الجازمة، أي مع التقليد واللاسؤال. كما لا يمكن الحث على الإبداع في المسائل الثقافية والروحية والمعنوية إلا من خلال الحرية والتعددية واللاتقليد، فيما الإيمان الذي يحث عليه الفقه لا يمكن إلا أن يكون إيمانا موجّها وآليا غير قابل للتعايش مع التطوّر والإبداع، لأنه إيمان موجّه وقشري، أي مرتبط بالقانون الفقهي القائم على التقليد والغير منطلق من أرضية الحرية والتنوّع.
من الضرورة بمكان الحفاظ على إيمان الناس، لأنه يساهم في الحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه. لكن من الضرورة أيضا ألاّ يسيطر الإسلام الفقهي على إيمانهم وطرق عيشهم، لأنه يأسرهم في نهج الرضوخ الأعمى لكل ما يصدر عن الفقيه من فتاوى وأحكام وآراء ومواقف، وبالتالي يبعدهم عن نهج السؤال والنقد. في حين لابد أن يكون ارتباط الناس بالدين مستندا إلى الحرية، وأن تصب مخرجاة الدين في الأطر الإنسانية والأخلاقية، وهذا ما لا نراه في الإسلام الفقهي. فممكن للناس أن يكونوا متوافقين مع النظام الديني الفقهي ومنسجمين معه في حياتهم، لكن هل سمعتم عن شعوب حققت التقدم والتطور فيما تسيطر عليها الثقافة الدينية الفقهية القائمة على التقليد واللاسؤال؟ فلا نستطيع أن نعبّد طريق التطور إلا بطرح خليط يحتوي على عناصر عقلية علمية تكنولوجية وعناصر ثقافية معنوية روحية من خلال استناد ذلك على الحرية والتعددية والنقد. نحن هنا لاندعو إلى إلغاء الفقه من الدين، فهذا ما لا نريده ولا يمكن أن يحدث. إنما ندعو إلى الحد من هيمنة الفقه على الشأن الديني، والحد من هيمنة الفقهاء على الحياة، والدعوة إلى التعلّق بالمسائل الأساسية التي يحث عليها الدين وهي الأخلاق والإنسانية والإيمان. إن الإسلام الفقهي حوّل الصورة الروحية المعنوية للدين إلى عادات طقوسية قشرية تنزع إلى التخويف والترهيب والإجبار منها إلى التعلّق بالإيمان كصورة من الصور الحاثة على النزعة الإنسانية الأخلاقية. فالإسلام الفقهي يحث على ممارسة الطقوس الدينية المنزوعة من روحها المعنوية، لأن منهجه يفتقد إلى علاقة واضحة مع نهج الإيمان، بمعنى أن المنهج الفقهي لا يؤسس للإيمان إنما يؤسس لشعائر قشرية فارغة المحتوى، لا الشعائر المحفزة على الإيمان الأصيل في سبيل خدمة الإنسان وتشجيع مكارم الأخلاق. والذي يتعايش بين أنصار الإسلام الفقهي سوف يستشعر مقدار التشدّد في الحث على الصلاة والصوم والحج وفق صوره آلية ميكانيكية قشرية، في حين من السهولة بمكان استكشاف كمّ السلوكيات غير الاخلاقية في أوساطهم من دون أي إحساس بالذنب، كالكذب والغيبة والنميمة والخيانة وتحقير الرجل للمرأة وتحقير الكبير للصغير وتحقير المسلم لغير المسلم وتشجيع الطائفية وكأنها همّ ديني.



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في العلاقة بين -الجمهورية- وولاية الفقيه
- سلطة فوق كل السلطات
- هل كان موقف الإسلام السياسي من حرب غزة إنسانيا؟
- مسلم.. ولا ينتمي للمؤسسة الدينية
- لماذا التفريق بين عدو وآخر ما دامت نتيجة الظلم واحدة؟
- ردود شجاعة على مقال -عاشوراء دعوة للنقد-
- عاشوراء: دعوة للشباب لممارسة النقد
- الدين.. والموروث السياسي والاجتماعي
- في الصراع بين الوصاية والتنوّع
- الدين.. والدليل العقلي.. والإلغاء
- حول الدين والاعتقاد والدليل العقلي: الإمام المهدي نموذجا
- الفقهاء.. والعالم الجديد
- الإسلام.. والعالم القديم
- حول جدل -التبشير- السني والشيعي
- شعبية رجال الدين
- آل الصباح.. والمطلق الديني.. ومستقبل العراق
- في الجدل حول الدين والتديّن
- الديموقراطية.. والدين والدنيا
- حرية الفكر ضحية لهيمنة الإسلام السياسي
- نظام التقليد.. والتبعية


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - كيف هيمن الإسلام الفقهي على مجتمعاتنا؟