أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عدنان الصباح - الاعلان اليساري مقدمات ضرورية















المزيد.....



الاعلان اليساري مقدمات ضرورية


عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)


الحوار المتمدن-العدد: 2558 - 2009 / 2 / 15 - 08:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لقد غادر العالم القرن العشرين وهو يعيش حالة فريدة من نوعها في التاريخ بعد أن تمكنت قوى الظلام والرأسمالية من تحقيق الانتصار بهزيمة الاشتراكية لذاتها في بلدانها ومن خلال نفس أدواتها دون أن تجد حتى من يترحم عليها من أبناءها أو أولئك الذين تعلقوا بقضبان قطارها من الخلف كذبا وقبل أن يوارى الميت التراب تنازلت الغالبية العظمى من الأحزاب الشيوعية عن أسمائها حتى, وتنكرت لمبادئها وراحت تفتش عن أسماء جديدة وعناوين جديدة وبات ما كان في الأمس من الجرائم والمحرمات ممكنا ومقبولا ومرحبا به اليوم, ولم تعد اليسارية والليبرالية والاشتراكية الديمقراطية تهمة وبات التفريق بين شيوعيي الأمس وليبراليي اليوم أمرا ليس يسيرا لا بالشعارات فقط ولكن في البرامج والسلوك والتحالفات والتناقضات التي بدأت تنتشر بشكل مريب وغريب في أوساط رواد الحركة الشيوعية سابقا.

لقد أكدت أحداث العقود الثلاث الأخيرة أن طريق اليسار هو المسلك الوحيد الذي يمكن للمظلومين والفقراء والمضطهدين أن يسلكوه للوصول إلى غاياتهم للتحرر من مختلف أشكال الاستعباد الجديدة والمبتكرة والتي وسعت رقعة الظلم الواقع على البشر وكثفته أكثر بكثير إلى جانب أنها تمكنت من توريته وتغليفه بلغة عصرية جديدة تؤكد أن الرأسماليين لم يعد بإمكانهم استخدام نفس أدواتهم القديمة في استغلال البشر, كما أن عامل الأمس ليس هو نفسه عامل اليوم, فنفس الأدوات التي يستخدمها الرأسمال لترسيخ سلطته, من أدوات الثورة الرقمية, وما تبعها من ثورة في عالم الاتصال والإعلام, هي نفسها اليوم التي باتت البوابة التي تفتح أعين المظلومين على فعل ظالميهم, لكن الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن احد, أن الرأسمالية لا زالت تملك القدرات والقدرات, على المراوغة والإفلات من كل نشاط ضعبف هنا أو هناك في مواجهتها وان وحدة جبهتها لا زالت أقوى بكثير من قدرة الآخرين على الانتظام في مواجهتها, أو قدرتهم على ابتكار أساليب جديدة للانقضاض عليها, ولذا فان اكتشاف حقيقة ريق اليسار هو مسلك المظلومين ضد ظالميهم يظل منقوصا للأسباب التالية:
1- إن أصحاب الدرب وسالكيه يتيهون بلا هدى, ودون أدوات استرشاد بعد أن اسقطوا الاشتراكية العلمية من حساباتهم, أو باتوا يخشون من إشهار إيمانهم بها, خصوصا في بلدان العالم الفقير, أو التي تسيطر في أوساطها المعتقدات الدينية ولذا فان فالمطلوب تحديد فكر اليسار ومعتقداته وابتكار مرشد للعمل يتوحد من حوله البشر ويمسكون به في سبيل حريتهم.
2- إن أصحاب الدرب وسالكيه لا زالوا مفرقين, وابعد ما يكونوا عن القدرة على توحيد حتى جهدهم المبذول, وهم حتى اللحظة لم يتمكنوا من تحديد الجهة المستهدفة أو المدعوة للانخراط في هذا الطريق وبسبب من غياب أدوات الفكر فهي إذن ل تحدد أساس الفرز الذي يجب اعتماده أكان طبقيا أم غير ذلك.
3- كل من يعتقد انه يسير على درب اليسار يؤكد انه وحده صاحب النظرة الصائبة, والرؤية الثاقبة, ومالك الحقيقة المطلقة, رغم أن أية محاولة لفرز وفحص أدواته ومعتقداته, لن تجدها أكثر من شعارات طنانة بلا مضمون.
بناء على ما تقدم فانه لا بد لنا ن أن ننجز تحديد معالم الطريق الذي بات طريقا اختاره كل المظلومون بإرادتهم على انه الوسيلة الممكنة لمناكفة ظالميهم دون أن يتمكنوا من تحويله إلى أداة مناسبة للثورة الشاملة ضد الظلم الواقع عليهم وممثليه ويكمن السبب في ذلك إلى الضبابية الشاملة التي تلف دربهم وأدواته وهم لذلك لم يجدوا البوصلة بعد وكل المحاولات السابقة ذهبت أدراج الرياح أو انضوت تحت بند الظلم بأشكال مختلفة فلا محاولات الثورة الفرنسية آلت إلى تصويب أوضاع الطبقات الفقيرة, أو الشعوب المظلومة, ولا فعلت ذلك سائر الثورات القومية والحروب ضد المستعمرين بتلاوينهم المختلفة, بل تكرست دوما أسس التراتبية القائمة على ظلم القلة أو النخبة للأكثرية تارة باسم الملكية للثروة, وتارة بسرقة هذه الملكية واحتكارها, عبر سرقة السلطة من بين أيدي الشعب والقفز فوق الثورات الشعبية والحلول مكانها وذلك ما فعله العسكر في بلدان العالم الثالث حيث تمكنوا من خلق طبقة طفيلية جديدة تقف شوكة في حلق الطبقات جميعا فلا هي أنجزت تحولا رأسماليا حقيقا, ولا صاغت مجتمعا برجوازيا بكل مقوماته, ولا هي تركت للطبقات الفقيرة فرصة للانقلاب على أوضاعها, وانجاز تحول ثوري لصالح مجتمع اشتراكي أو ديمقراطي اشتراكي, آو حتى مجتمع أكثر عدالة وذلك اضعف الإيمان وكل ما قات به أنها جاءت بفئة جديدة تحولت إلى طبقة فيما بعد لا علاقة لها بالعملية الإنتاجية ولا هي موجودة في تراتبيتها ولذا اضطرت لاستخدام السلطة وسيلة للثروة بعكس سلطة الرأسماليين أنفسهم التي تتشكل في العادة لحماية ثروة أصحابها وبدل أن تصبح هذه الطبقة الحاكمة وسيلة لتطوير بلدانها أصبحت معيقا حقيقيا في وجه هذا التطور وحتى بعض تلك القوى التي ادعت انضوائها تحت لائحة الاشتراكية واليسار فهي لم تتمكن حتى من إرساء أسس حقيقة لوجودها وظلت بعيدا عن أية عقائدية أو منهج عقائدي وبعض هذه الأنظمة تراوح بين اليسار واليمين والقومي ومعاداة القومي ومعارضة الامبريالية تارة والارتماء في أحضانها تارة أخرى كالنظام الليبي وبعضها تحول إلى نظام ديكتاتوري فردي ملغيا الحزب والشعب لصالح فئة ن رفاق السوء دمروا البلد بكاملها والمنطقة كنظام الرئيس الشهيد صدام حسين الذي من حقه علينا التذكير ببطولته في مواجهة جلاديه وناهبي العراق ومستعبدي شعبه في نهاية حياته مع أن شعبه وأمته وسائر الشعوب المظلومة كانت أحوج بكثير لهذه البطولة في حياتها, والأمثلة كثيرة على الأنظمة المعادية للامبريالية التي لم تتمكن من مواصلة طريقها في البناء الوطني أو القومي كنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي ترك بنفسه بذور اختفاءه ونهجه من الوطن العربي بمجرد وفاته.
من جانب آخر فان الأنظمة التي ادعت انتمائها للبقة العاملة ( البروليتاريا ) أو ادعت إيمانها بدكتاتورية طبقتها قد تحولت تدريجيا إلى عبء على هذه الطبقة وحل الحزب محل الطبقة وحلت قيادة الحزب محل قاعدته بل وحل الرجل الأول محل القيادة والحزب والطبقة والشعب وتحولت أيضا إلى ارستقراطية شيوعية حاكمة تعيش بعيدا عن الشعب والطبقة والحزب ولذا لم يكن غريبا الانهيار المريع لتراث الثورة الشيوعية الذي عاش عقودا وعقود فالأنظمة التي لا تمثل مصالح شعبها ولا تنتمي لهذا الشعب لن يكون لدى الشعب أدنى استعداد لحمايتها أو الكفاح في سبيل بقاءها والنظام الاشتراكي في اليمن الجنوبي ونظام صدام حسين في العراق وحتى نموذج السلطة الفلسطينية في غزة كل تلك نماذج لأنظمة انهارت بسرعة أمام ضربات أعدائها دون أن تجد من يدافع عنها رغم أن الظروف متباينة ففي اليمن سقط النظام الاشتراكي أمام ضربات نظام عشائري يميني وفي العراق سقط النظام الفردي أمام ضربات مستعمر أجنبي بتحالف مع غالبية قوى وأحزاب البلد بكل تلاوينهم من إسلاميين إلى شيوعيين وفي غزة سقط نظام جنيني علماني أمام ضربات حركة دينية علما بان الأجهزة الرسمية العسكرية وشبه العسكرية والمدنية كانت جميعا تخضع لإرادة تلك السلطة التي انهارت أمام ضربات مجموعات مسلحة لا تملك لا العدد ولا العتاد الذي تملكه السلطة وأجهزتها.
إن تاريخ الصراع لا زال نفسه وهو لم يتغير أبدا فهو تاريخ صراع الطبقات لكنه دوما ظل يعبر عن نفسه بأدواته الفكرية أو الروحية أو الفلسفية فلا يمكن فصل الأديان السماوية عن صراع الفقراء ضد الأغنياء بدءا من اليهودية وانتهاء بالإسلام ولا حتى الأديان الأخرى كالهندوسية والبوذية فعادة ما تنشأ الأديان لتدافع عن حقوق الفقراء والمظلومين كما فعلت وتفعل الثورات والفلسفات الأرضية إلا أنها جميعا كانت ولا زالت تقع بين أنياب أولئك القادرين على لي عنقها وتحويلها لخدمة أغراضهم وقد تعرضت الشيوعية لذلك كما تعرضت من قبلها الأديان السماوية والتاريخ يذكر جيدا سيرة الكنيسة وظلاميتها والحالات نفسها وبأشكال مختلفة تندرج على الأديان الأخرى, فالثورة على الظلم إذن تعيش في رحم كل الأديان والفلسفات بل أن وجودها في الأصل جاء لنصرة المظلومين على الظالمين فلا وجود لدين أو لفكر إنساني يميني على الإطلاق بل هناك أسياد للفكر هم الذين ينتمون إلى درب اليمين ويتحولون إلى خدم للرأسمالية وأدواتها ومنفذين أمناء لأهداف الامبريالية والاستعمار على شعوبهم وبلدانهم وذلك نفذ في أنظمة دينية وأنظمة علمانية وأنظمة شيوعية فالفارق ظل كبيرا بين شيوعية تيتو وشيوعية كاسترو ونظام شاه إيران العلماني كان خادما للاستعمار بينما نظام الثورة الإسلامية في إيران جاء معاديا للاستعمار وأدواته وحزب الله في لبنان شكل رأس الحربة للمقاومة في الوطن العربي بينما شكلت أحزابا أخرى علمانية أدوات لأميركا ومشروعها في المنطقة وجاءت حركة المقاومة الإسلامية حماس كقوة ثورية مقاومة لتضيف جديدا لأهمية الإسلام السياسي وآليات استخدامه.
إن طريق اليسار إذن هو طريق المظلومين ضد الظالمين, الفقراء ضد الأغنياء, الشعوب المقهورة ضد المستعمرين والمحتلين, وكذا الشعوب الفقيرة ضد ناهبي ثرواتها وخيراتها وفقريها من البلدان الاستعمارية وهذا سيقود حتما إلى خلق حالة من التعارض يجب إيجاد الحلول لها بين الشعوب المقهورة بالمجمل وبين أولئك العمال والفقراء إن جاز التعبير في البلدان الاستعمارية فحقيقة وجود فقراء وعمال في الولايات المتحدة الأمريكية سيقود حتما إلى السؤال الأخطر وما علاقتهم إذن باحتلال العراق وإفقار الصومال وحالة الدمار في السودان والحرب على أفغانستان ومحاصرة القوى اليسارية الناهضة في أمريكا اللاتينية, وكيف يمكننا أن نطالب فقراء الصومال بالتحالف مع عمال واشنطن من أصحاب الدخل العالي والتامين الصحي والوطني وأنواع الضمان المختلفة والنقابات التي تشارك في تمثيلية الديمقراطية الرأسمالية في الولايات المتحدة وابرز نماذجها اختيار الرئيس وما هي العلاقة بين حزب العمال البريطاني المتحالف مع الولايات المتحدة في احتلال العراق وأفغانستان وشيوعيي العراق وإسلامييه المشاركين في احتلال بلادهم وأين يقف اليسار اليوم من المقاومة الوطنية والإسلامية في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والصومال أو من دعاة الثورة اللفظية أو المتساوقين مع الاحتلال من أدعياء اليسار.
لم يعد هناك وصفة جاهزة لليسار وفكره وبأحكام مسبقة, بل إن ما يقرر الجهوية في الموقف أو الفكر هو دور هذا الفكر أو الموقف في السلوك العملي المباشر على الأرض وبالتالي فان الأفكار تنتمي للأفعال وليس العكس فطريق اليسار إذن هو طريق الثورة ضد أعداء التقدم وأعداء الشعوب وضد المحتلين والمستعمرين وناهبي خيرات وثروات البشرية.

لقد ولد تعبير اليسار أصلا كمفهوم للدلالة على الموقف من قضايا ومصالح الجماهير الشعبية وبالتالي فان الأبسط في تحديد من هو اليساري يكون في تحديد موقعه فكرا وأداء من قضايا ومصالح هذه الجماهير في مواجهة السلطة, أيا كانت, فكل سلطة هي قلة, وعادة ما تمارس حكمها على الغالبية العظمى من الشعب وحين تتعارض مصالح السلطة ومصالح غالبية الشعب فان الموقف من هذا التعارض هو الذي يعطي الحق أو عدمه بالانتماء إلى خندق اليسار أي خندق الشعب.
ليس من حق احد الادعاء المسبق بامتلاك اليسار فكرا ما دام لا يعيشه سلوكا بل إن اليسار واليسارية باتت من حق أولئك الذين يعيشون الكفاح على الأرض وقد ملك اليساريون الطفيليون دوما القدرة على الانزواء بعيدا عن الجماهير وخصوصا في البلدان النامية والفقيرة أو البلدان التي لا زال الدين يلعب دورا رئيسيا في حياة الناس, فقد قات القوى اليسارية والشيوعية بعمل استباقي غير مبرر بمعاداة الفكر الديني وتركته نهبا للآخرين يفعلون به ما يشاءوا دون أن تحاول حتى التدخل في ذلك وترفعت بلا معنى عن الفكر القومي ولم تتمكن من تقدي حلول حقيقة للمسالة القومية وخلقت بغباء تعارضا بين القومية والأممية بدل أن تجد طريقا للانطلاق نحو فعل أممي حقيقي انكفأت على مسألتها الوطنية ولم تتمكن من تقديم حلول أكثر جذرية باعتبار القومي خطوة متقدمة نحو الاممي عن الوطني وبذا تركت الحلقة الأهم ضعيفة في السلسلة وينطبق هذا أكثر ما ينطبق على اليسار العربي, الذي قام بدور التسخيف لأخطر مسالتين هما الدين والقومية وبدل أن يحتل موقعه الطبيعي في المقدمة وجد نفسه ينزوي بعيدا ويفسح المجال للقوى القومية والدينية لاحتلال وقع الصدارة وقد فعلت ذلك القوى القومية الحية في النصف الثاني ن القرن العشرين وبتحالف غير متكافئ مع قوى اليسار أحيانا وانتهازي نفعي مع مركز هذا اليسار ممثلا في الاتحاد السوفيتي في كثير من الأحيان, وبدل أن يشكل الاتحاد السوفيتي رافعة حقيقة لتحقيق الانجازات لصالح الحركة اليسارية اكتفى بأحزاب شيوعية رسمية تنفذ مصالحه وتستجب لها بينما راحت القوى الدينية ترسخ جذورها في أوساط الطبقات الفقيرة والمحرومة وتنشط في أوساط الشعوب المقهورة لتجد نفسها في نهايات القرن العشرين البديل العملي والفكري لليسار شكلا ومضمونا وأيا كانت التحليلات التي يقدمها المنظرون اليساريون اللفظيين لدور الحركات الدينية ونشاطها فهم لن يغيروا من حقيقة أن التعارض الاممي الحالي هو بين أممية دينية وأممية رأسمالية وان أمميتهم الشيوعية أو اليسارية لا وجود فعلي على الأرض لها, وبعيدا عن الانجازات التي تتراكم يوميا لصالح اليسار في أمريكا اللاتينية, وبعض حالات الإنعاش ومعاودة النهوض التي تعيشها القوى اليسارية في أوروبا الشرقية, وقدرة اليسار الأوروبي على التلاؤم مع أوضاع بلاده ومعاودة الانطلاق من جديد بعد الكارثة, فان اليسار في البلدان العربية والإسلامية يعيش في غرفة الإنعاش بلا أمل والسبب أن أحدا بعد لم يتمكن من تقديم رؤية إبداعية لبرنامج يساري أممي يستجيب للاحتياجات الحقيقة للشعوب والطبقات المقهورة بدل الإبقاء على حالة الادعاء الكاذب بيسارية لفظية بلا مضمون فكري أو عملي, فهم طلقوا الشيوعية في لحظة خوف ورعب من تأثيرات هزة انهيار المعسكر الاشتراكي التي أطاحت بالرأس واكتفوا بالعويل دون أدنى محاولة لخلق آليات فكرية وعملية جديدة في محاولة للإبقاء على مقعد اليسار إما فارغا أو مملوءا بهم حسب اعتقادهم, وهم حتى لم يحاولوا قراءة التجربة الكوبية التي واصلت طريقها كأن شيئا لم يكن ولا التربة الصينية التي وجدت آليات للاحتفاظ بمكانتها وإحداث تطويرات ايجابية بأنماط إبداعية جديدة دون أن تتخلى عن طريقها الإيديولوجي, ولم يسعوا عمليا ولا فكريا لمراكمة فعل جديد في سبيل الخروج من تحت الركام, والبعض منهم وجد نفسه تدريجيا يتحول إلى أداة في يد القوى الرأسمالية والامبريالية ومؤسساتها, بل وانخرط بعضهم في حالة تطبيع فكري وعملي مع الامبريالية والصهيونية والرأسمالية العالمية, وذهب البعض منهم إلى ابعد من ذلك بكثير, بان أعلن تخليه حتى عن الاسم الذي كافح تحت رايته ما يقارب القرن, في اعتراف عجيب متأخر منهم أن الشيوعية هي اسم غير مناسب لواقع الحال العربي والإسلامي مثلا, إذن فان أدعياء اليسار لم يتمكنوا من الاحتفاظ بيسارية هشة كاذبة غير عملية وليس لها أساس فكري مناسب لثقافات شعوبهم, ولم يكونوا قد عملوا على ذلك أو أسسوا له من قبل بانتظار الحالة الجديدة, وفي نفس الوقت وجدوا أنفسهم في مواجهة مكشوفة مع أولئك الذين رفضوهم بالمطلق يوما كقوى تقف على رأس المواجهة مع الأعداء الحقيقيين لشعوبهم, وبمعنى فان محاولاتهم القديمة في إزاحة الآخرين من دربهم وإظهارهم على أنهم من صنيعة الامبريالية والرأسمالية باتت هزيلة أمام النشاط التصاعد للقوى الدينية في معارك متفرقة شكلا موحدة مضمونا في مواجهة المشاريع الامبريالية كلا في منطقته وذلك يشمل المنطقة العربية والدول الإسلامية بينما تنامت من جديد قوى الثورة واليسار وعاودت الصعود في أمريكا اللاتينية وعادت لتنظيم صفوفها من جديد في بلدان المعسكر الاشتراكي سابقا, وفقط فان حال الهزيمة لليسار طالت إلى جانب البلدان العربية والإسلامية قوى اليسار والشيوعية في أوروبا التي وجدت نفسها أمام حالة جديدة بحاجة لإبداع جديد في الفعل الثوري, ومن المفيد لتلك القوى التي لم تتمكن من إحداث صحوة في حالتها أن تعلم أن التاريخ لا ينتظر أحدا وان الطبيعة تكره الفراغ ولأنهم لم يكونوا موجودين وجدت الناس ضالتها في من هم على ارض الفعل فكر مقبولا وقريبا ومعروفا وعملا حيا فاعلا ومؤثرا, وقد كان الإسلاميون هم ذاك البديل مذكرين أن الإسلاميون لم يعملوا يوما برؤية وطنية أو قومية بل انطلقوا مباشرة إلى رؤيتهم الإسلاميين قد أتقنوا حقا المزج بين العام والخاص أو بين العالمي والمحلي وحركة الإخوان المسلمين كانت النموذج الأبرز لذلك فهي تعمل ببرنامج عالمي موحد مع القدرة على الحركة والمناورة في ما هو محلي وبشكل لم يملكه اليساريون في البلدان العربية والإسلامية يوما فتلك الحركة ثورية بلا حدود في بعض المناطق مثل فلسطين بينما تتحالف مع المحتلين في العراق وتشارك في حكومة الاحتلال هناك ومع أن الإخوان المسلمين أعداء حقيقيين للحكم في سوريا إلا أن حماس وهي جناحهم الفلسطيني حليف استراتيجي للحكم في سوريا دون أن يبدو ذلك مناقضا لمواقفهم أو برامجهم أو مشروعهم العالمي.

لقد أحدثت المتغيرات الجديدة في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية وأنماط الإنتاج السلعي الجديدة انقلاب حقيقي في المفاهيم القديمة للطبقات والفقيرة منها بالتحديد, فالمفهوم الكلاسيكي للبروليتاريا في النصف الأول من القرن العشرين وما قبله لم يعد قائما بشكله القديم في أوروبا خصوصا, فالبروليتاريا هناك لم تعد تتعرض لنمط الظلم القديم الذي ساد قبيل النصف الثاني من القرن العشرين, وغاب النمط الآسيوي القديم للإنتاج, وبات نمط الإنتاج الغربي مختلفا كليا وأحدثت النقابات واتحادات العمال نقلة نوعية في التأسيس لقبول الاستغلال بأنماطه الجديدة وحل الظلم المباشر الواقع على الشعوب الفقيرة كمصدر للاثراء الفاحش لحفنة الرأسماليين في العالم الغربي وعلى هامشهم حفنة قليلة من الحكام والمنتفعين والوكلاء في الشرق, وبديل عن الظلم المباشر على العمال في أوروبا وأمريكا والبلدان الصناعية الكبرى, وبذا تم تحييد الطبقة العاملة في الغرب من الإحساس المباشر بالظلم, وأصابها حالة فريدة من الانتهازية بالصمت العملي عما يجري في البلدان المنهوبة وحالة شعوبها وتمكنت من استبدال ذلك بحالة من التعاطف والمساعدات الإنسانية وأشكال التضامن بل إن تلك الحركات العمالية ساهمت في التعمية التي تؤسس لها القوى الامبريالية وراحت تنضم بأفواج من المتطوعين لنقل المعركة إلى بلدان تلك الشعوب نفسها ونموذج التضامن الشكلي مع الشعب الفلسطيني أو قوافل كسر الحصار عن غزة بمساعدات إنسانية وقبلها نموذج العراق تعتبر مسعى لتغطية الشمس بغربال فبدل الالتفات إلى الدور الأخطر الذي تقوم به حكوماتهم راحوا ينتقلون للكفاح ضد الأطراف متناسين أن مصدر قوة ووجود هذه الأطراف سواء في أنماط الاحتلال أو الاستغلال عبر أنظمة مهترئة جاء صالا بفعل الدعم المباشر أو الفعل المباشر من قبل قوى الامبريالية والاستعمار والصهيونية, وبات من الصعب اليوم التحدث بنفس النمط الكلاسيكي عن دور الطبقة العاملة في الثورة ضد مستغليها, ونمى لدى البقة العاملة في الغرب والدول الصناعية شعور جديد بالتعالي وتوازت ادوار النظام الرأسمالي في الغرب كمدافع وحامي ومساعد للأنظمة والاحتلالات في الشرق مع دور مساعد وإسنادي شكلي وإنساني عاطفي من قبل العمال وحركاتهم مع نظرائهم في الشرق أيضا, وبات الشرق اليوم مسرحا لدورين متكاملين ناهب مستغل ومدمر من قبل الرأسمال ونظامه السياسي وأدوات القوة العسكرية لديه, ومسكن مساند ومعين للفقراء والمظلومين من قبل الطبقة العاملة ومؤسساتها الرسمية وكلاهما معا يشكلان قطبين لمعادلة واحدة وهي مواصلة إخضاع هذه الشعوب من جهة وتخفيف الألم عبر نقل صورة غير موحدة لدوري الرأسمال والعمال في الغرب وهذا يشبه تماما حالة ذر الرماد في العيون, فالطبقية اليوم هي طبقية شعبوية على الأرض فشعوب البلدان الفقيرة هم الطبقة المظلومة المنهوبة وان حدث في أوساطهم بعض التمايزات الطبقية عبر وكلاء منتفعين لا يمكن أن يكونوا نموذج لدور في الإنتاج الوطني وبنيته بل أداة للمصالح الخارجية ضد شعوبهم وعلى الطرف الآخر فقد بات التنوير الثوري والقدرة على التقاط الأذى الكامن للرأسمالية على مواطنيها هي المخرج الوحيد الضروري لإعادة تنظيم قوى الثورة في الغرب على أساس الرؤيا وحجم التفاوت الطبقي لا على أساس الجوع بل على أساس نمط العيش واحتياجاته وطبيعة الأدوار المناطة بكل طبقة لتحقيق الثروة ونمط توزيعها وبالتالي فان هناك نموذجان لقوى الثورة في العالم, الأول هي الشعوب المقهورة برمتها والثاني هي القوى الحية فكرا ورؤيا والقادرة على نقل هذه الرؤيا وهذا الفكر إلى دائرة الفعل العملي داخل مجتمعاتهم لإحداث حراك فاعل نحو اجرء تغييرات على الأرض تؤسس لغد مختلف عادل وديمقراطي وموحد لثروات الأرض لصالح قاطنيها جميعا وبنفس القدر.
عدد محدود جدا من الأفراد اليوم هم الذين يمركزون النسبة العظمى من ثروة البشرية في أيديهم وهم أصحاب عشرات المليارات إن لم يكن المئات منها والى جانبهم أو على هامشهم يقف عدد من حكام البلدان النامية كفاحشي الثراء بين شعب من الجياع وهم يقومون بدور المالك المطلق وأسرهم لثروات أوطانهم وشعوبهم ويتصرف البعض من هؤلاء بهذه الثروات تصرف المالك بملكه دون أن يتكرم ويقدم حتى تقريرا كاذبا عن الميزانية العمومية لبلده وحكومته أو عن دور الشركات الأجنبية والعقود التي ابرمها معها لاستثمار ثروات البلد والنفطية منها على وجه الخصوص, وإذا استثنينا المجاعات في بعض الدول الإفريقية والآسيوية فان المشكل اليوم هو في توزيع الثروات الوطنية والقومية والإنسانية بوجه عام فاستمرار احتكار عدد من الأفراد لثروات البشرية وتركهم فتات الفتات للغالبية المطلقة من الناس وانتقال الاستثمار والاستغلال إلى أنشطة مثل الصحة العامة والعلاج وتجارة الدواء والتعليم إلى جانب الاستثمار الأكبر في أدوات الحرب ن شتى أنواع أسلحة الموت هو واحدة من اخطر الكوارث في النظام الرأسمالي وكذا فان الأخطر يظهر في تشكيل الجيوش من أبناء الشعب وتجييشهم لتحقيق طموحات وأهداف الأغنياء المالية هنا وهناك من بقاع الأرض وما يحدث مع جيش الولايات المتحدة يبين بجلاء آليات استخدام البشر ويعيد إلى الأذهان الانتهاك الصارخ قديما لإنسانية الإنسان في الأعمال السوداء كالمناجم والمصانع والورش وغيرها, واليوم وبعد أن ظهرت الأنظمة والقوانين ونقابات العمال وبات من الصعب مواصلة الاستغلال بنفس الطريقة استعاض الرأسمالي عن جيش العمال بجيش الوطن أو جيش الشعب أو جيش البلاد, وراح يستخدم أجساد هؤلاء الشبان كجسر للعبور إلى مصالحه من مناطق النفوذ أو منابع النفط أو مراكز المواد الخام أو الأسواق الواسعة دون أن تهتز له رقبة لمئات الآلاف من الجنود المغلوب على أمرهم خارج بيوتهم وحدود وطنهم وغلف هذا النط الجديد من الاستغلال بأنماط جديدة من الدعاية الفارغة عن حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وغاب عن الفكر الإنساني وحركات التغيير في العالم الراسالي أن مهمة تغيير النظام في العراق فيما لو كانت ضرورة إنسانية فهي مهمة شعب العراق وكذا في أفغانستان أو غيرها من بقاع الأرض وان إبقاء مئات الآلاف من الشبان بعيدا عن أسرهم في قواعد عسكرية منتشرة فوق بقاع الأرض للقيام بمهمات قذرة تطال حياة الناس ومصالحهم دون أن تكون هناك مصلحة حقيقية لهذا الجندي سوى الراتب الفتات الذي تقدمه له إدارة بلاده الرأسمالية والذي يأتي في معظم الأحيان ثمنا لحياته ودمه المراق على ارض غير ارض وطنه ولأهداف لا تمت لأسرته أو لشعبه أو لطبقته بصلة.
لقد تمكنت القوى الرأسمالية المسيطرة في البلدان الاستعمارية من الالتفاف على الطبقات الفقيرة من أبناء جلدتها وبدل أن تستخدمهم كوقود موت مباشرة في المصانع راحت تستخدم أبنائهم بدلا عنهم كوقود للحرب والموت للحصول على الثروة التي بواسطتها نفسها يتم رشوة الطبقات الفقيرة وإسكاتها, وبمعنى أوضح فان العامل الأمريكي المرفه لم يدرك بعد أن رفاهيته الكاذبة التي يعيشها, لم يكن ليحصل عليها لولا دوامة الحرب والقتل التي وقودها أبناء الفقراء في الدول الاستعمارية وجماهير الشعوب المستعمرة ومكاسبها دوما لصالح الرأسماليين وأدواتهم, وان ما يقدم له الموت كفتات لمتابعة الحياة هو نفسه ما كان يقدم له لمعاودة إنتاج جهده بما يكفي لتقديمه من جديد في خدمة الرأسمالي ومصالحه, واليوم ازدادت وتنوعت حاجات الرأسمالي فازدادت وتنوعت الخدمات المطلوبة من نفس الطبقات الخاضعة للاستغلال, اليوم الرأسمالي بحاجة مثلا لإعلامي لتجهيل العامل بحقوقه وهو لن يجد أفضل من ابن العامل نفسه ليظهر بوجه احمر على شاشته ليدعو أسرته للخضوع من جديد, الظاهر يقول أن الوضع تغير, هاهو ابن العامل في النور يظهر كنجم تلفزيوني مثلا مشهور ومرفه, والحقيقة انه وفي سائر الخدمات الأخرى والتي على نفس الشاكلة ما هي إلا سياط جديدة حريرية الشكل والمظهر, يضعها الرأسمالي في يده, لجلد الفقراء وإخضاعهم دون أن يشعروا بنفس الألم المباشر القديم, إنها جراح من نوع آخر وأكثر تأثيرا واستمرارية إن لم يتم كشفها وحرقها, وهذا ما تحتاجه الطبقات الفقيرة اليوم إذن, لغة ثورية جديدة قادرة على حرق الغلاف الحريري الوردي عن نفس السياط القديمة لتظهر على حقيقتها.

عادة ما تحتاج الثورة ومركزها إلى الحالة الثورية لكي تصبح الثورة ممكنة وقد عرفت الحالة الثورية بأنها تلك اللحظة التي لا تكون بها الطبقات الغنية أو السلطة الحاكمة قادرة على مواصلة الحكم بالطريقة السابقة ولم تعد الطبقات الفقيرة مستعدة لتحمل ذلك, تلك هي لحظة الصدام اوانفجار الثورة وذهابها إلى النصر, وإذا حاولنا فحص الأمر على الأرض اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين فان الرأسمالية في بلدانها الصناعية الأم وفي المقدمة الولايات المتحدة وأوروبا لازالت تملك القدرة على مواصلة الحكم بنفس الأساليب رغم أزماتها الاقتصادية المتكررة هنا وهناك والتي في حقيقة أمرها تزيد من مركزة الثروة أكثر فأكثر وهي وان كانت تسرع من اقتراب اللحظة الثورية تلك إلا أن ذلك لن يحدث إن لم يجد البؤرة الثورية القادرة على إدارة أوسع تحريض ثوري بين أبناء الطبقات الفقيرة وهي نفسها أيضا القادرة على تقديم تعريف جديد للفقر فلم يعد الكفاف فقرا في زمن باتت فيه أكثر الكماليات هي حاجات ضرورية للإنسان وحياته, وما تقدم يعني أن البروليتاريا في البلدان الصناعية لم تعد هي مصدر الثورة اليوم ولا محركها ولا المحفز لوجودها بسبب من حالة الترهل التي أصابتها ونمط البحبوحة الكاذبة من العيش التي تحققت لهم على خلفية إفقار شعوب بأسرها في مناطق مختلفة من الأرض, ولذا فان الشعوب الفقيرة والمحتلة هي أكثر الشعوب تضررا ومعاناة وبالتالي فهي التي من المفترض أن تشكل البؤرة الثورية الحديثة على الأرض وتملك القدرة على تثوير الوضع الإنساني إن هي أتقنت إدارة المعركة بفكرها وتحالفاتها وتناقضاتها وان تمكنت من خلق حالة ثورية شعبية متماسكة وقادرة على تقديم النموذج العصري الأفضل للبشرية واحتياجاتها وشعارات التحرير الوطني هي نفسها الشعارات التي ينبغي لها أن تصبح شعارات تحرير البشرية من خطر الرأسمالية وينبغي لفكر حركات التحرر الوني وشعاراتها أن يصبح فكرا إنسانيا قادرا على القيام بدور المحرر للبشرية من خر الاستغلال تماما كما هو فكر التحرر من خطر الاستعمار والاحتلال وهذا يعني أن يكون فكرا إنسانيا بالمعنى الواسع للكلمة دون أن يقيد هذا الفكر نفسه بنصوص وقوالب جاهزة ودون أن يفترض مسبقا العداء للفكر القومي أو الديني أو الوطني بل يترك الأبواب مفتوحة للبشرية لاستخدام معتقداتها بما يضن تحررها من خطر مستغليها وأدواتهم المادية والبشرية.
إن الشعوب المقهورة والواقعة منها تحت الاحتلال المباشر تحديدا كشعوب فلسطين والعراق وأفغانستان وتلك التي تتعرض للتهديد المباشر أو لاحتلال جزء من أراضيها كسوريا ولبنان والسودان أو البلدان التي تتعرض لأنواع من العقوبات والتحريض والحصار ككوريا الشمالية وفنزويلا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية المقاومة والرافضة لهيمنة نظام القطب الواحد ككوبا وبوليفيا وتشيلي أو البلدان الناشئة صناعيا والتي تتعرض لمنافسه خطرة من الغرب الصناعي كالهند والصين, كل تلك البلدان مجتمعة لها مصلحة حقيقة في مقاومة السيطرة الرأسمالية على العالم وتقف في المقدمة الشعوب الأكثر قهرا وهي التي تخضع لصنوف القهر الأقسى كالاحتلال المباشر لأرضها والسيطرة على خيراتها وتجويع شعبها ولذا فان من المفيد القول أن الأمة العربية بشعوبها ومعها بلدان العالم الإسلامي هي مركز المواجهة المتقدم اليوم في مواجهة الأطماع الرأسمالية ونتائجها وهي الأقدر على القيام بدور رأس الحربة لإسقاط الأحلام الرأسمالية والتأسيس لتسهيل الحركة الشعبية الداخلية في هذه البلدان نفسها شريطة أن تمتلك أدوات الثورة الأممية وان تسقط عن نفسها ما الصق بها من تهم العنصرية ورفض الآخر الإنساني وان تحدد عدوها المتمثل بالامبريالية الاستعمارية وأدواتها الصهيونية والأنظمة المرتهنة بإرادتها كليا.

الاستعمار الجديد القديم والشعوب المقهورة هما اليوم الطرفان الرئيسيان لمعادلة القهر والثورة بعد أن تمكن النظام الرأسمالي الحديث من السيطرة على منظمات العمال وتقديم الرشاوى للطبقة العاملة وبعد أن حلت الآلات الحديثة والمتطورة بدل الأيدي العاملة وتضائل إلى حد بعيد شكل القهر الأسود الذي تعرض له العمال في القرون السابقة وحل استغلال الشباب في الحروب الرأسمالية والقتل الذي يتعرضون له بديلا لقهر العمال, وحتى الآن لا زالت الرأسمالية قادرة على ذر الرماد في العيون وتحويل الموت بأوساط شبابها خارج حدود أوطانهم إلى نماذج عظيمة للمدافعين عن الحرية والديمقراطية وما شابه وتقف الطبقات العاملة في أوروبا وأمريكا والدول الصناعية الأخرى موقفا انتهازيا في صمتها عن جرائم القتل والموت في حروب ليس للعمال ولا لأبنائهم أية مصلحة منها, ودون أن تدرك أن الوقود الحقيقي للحروب الاستعمارية والرأسمالية تلك هم أبناء نفس الطبقة العاملة التي مات أبنائها تحت ركام المناجم ذات يوم أو بسبب الأشغال الشاقة التي اخضعوا لها على أيدي نفس المستغلين وان ما يجري هو تغيير لنمط القتل وأسماء الموت لدى أصحاب نفس السلعة, ودون أن تدرك الطبقة ولا سارقي دورها من الأحزاب والنقابات الصفراء أن أدوات الموت التي تصنع في بلادهم هي نفسها التي يستخدمها أبنائهم لقهر الشعوب الأخرى وهي نفسها التي تستخدم لقتلهم أنفسهم.
الشعوب المقهورة اليوم تقع تحت أبشع أنواع الظلم المركز, فهي من جانب تتعرض لظلم الطغاة والديكتاتوريين في الداخل الذين يمارسون بحق شعوبهم أبشع صنوف القهر والاضطهاد والظلم, وينشرون الفساد والإفساد حيثما حلو ويوفرون لشعوبهم الفقر والبطالة والمرض, ويحمون ثلة من المنتفعين واللصوص, بينما تقع الغالبية المطلقة من الشعب تحت سياط الجوع والقهر, والأبشع من ذلك أن أولئك الطغاة إما أن يقوموا بدور الوكلاء للغزاة الأجانب, أو أن يوفروا الأسباب للغزو بأبشع أشكاله, وفي كلتا الحالتين فان الضحية هم فقراء الشعوب المقهورة ومعهم المتنورين من البرجوازية الصناعية الجنينية والمثقفين المؤمنين بحرية البشرية من خلال حرية أبناء جلدتهم.
الحالة الموصوفة هذه منتشرة في سائر بلدان العالم غير الصناعي الرأسمالي, وان كانت بعض البلدان قد تمكنت من الإفلات من السيطرة المطلقة لعولمة القطب الواحد البشعة, كما في أمريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا كالصين والهند وماليزيا إلا أن مستوى الفقر في هذه البلدان وتحديدا في الصين والهند لا زال يوفر الأساس للاقتناع بان حتى هذه البلدان لا زالت تخضع لتأثيرات العولمة الرأسمالية في حياتها الاقتصادية الداخلية ورغم قدرة الصين والهند تحديدا على دخول سوق المنافسة الحقيقية مع الإنتاج الصناعي الرأسمالي, إلا أن ذلك لم يأت من خلال رفاهية الشعب بل من خلال كد وعمل متواصل لا يوفر لجماهير هذه البلدان حياة أكثر بحبوحة ورفاهية, ولا يعطيها القدرة على التساوي مع الأوضاع التي تعيشها الجماهير المشابهة لأوضاعها في بلدان العالم الرأسمالي.
لقد أدى غياب المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي إلى ظهور حاجة ملحة لدى الغرب الرأسمالي لعدو جديد وقد وجد ضالته في العروبة والإسلام لأسباب عديدة منها:
1- أن الرأسمالية بحاجة لفكر معادي حتى تجد ما يبرر فكرها وأيديولوجيته, وقد وجدت في بعض الاتجاهات الإسلامية المتطرفة ضالتها وساهمت أحداث 11 سبتمبر المفتعلة بذلك, بعد أن وجدت من يقبل بتلبيسه تهمة القيام بها عن طيب خاطر, رغم أن كل المؤشرات والدلائل تبين براءته المطلقة منها, وفي غضون فترة قصيرة زرعت الرأسمالية الامبريالية في عقول شعوبها خطرا جديدا داهما هو خطر الإسلام وقدمت نماذج القاعدة وأسامة بن لادن وطالبان النموذج الأبرز كإثبات على صحة ما ذهب إليه الغرب, ووفر بعض الأشخاص الذين يحتمون في الغرب نفسه للإعلام الغربي مادة دعائية غنية لإثبات أن الإسلام والعرب دعاة قتل واحلاليين شموليين يرفضون الآخر شكلا ومضمونا, وظهر على شاشات التلفزة الغربية أشخاص يدعون لقتل الصليبيين والنصارى علنا بل وبرز منهم أشخاص ساهموا أو أعلنوا أنهم ساهموا في أنشطة كهذه ودافعوا عنها علنا وقدموا العروبة والإسلام كنمط عنصري بشع.
2- إن الرأسمالية بحاجة للثروات المميزة التي تملكها البلدان العربية والإسلامية وفي مقدمتها النفط, ولذا صبت جام غضبها على العراق حتى احتلاله وتدميره وأتمت السيطرة على منابع نفطه بالكامل, والوقوف من خلال الأرض العراقية على بوابات منابع النفط في إيران والسعودية, واحتلت أفغانستان وهي البوابة الأخرى لمنابع النفط في بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا, ونقطة متقدمة في مواجهة الدب الروسي إذا فكر بالعودة للحياة من جديد, وصبت جام غضبها على قوى الثورة والمقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا, كإطار محيط بالقوة الصهيونية, الشرطي الامبريالي المتقدم في المنطقة.
3- الموقع المتوسط للوطن العربي بين قارات العالم فهو رابط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا, كما أن ما يربطه في العالم من أدوات ثقافة وفكر بكل جنينيتها تؤهله للقيام بدور مختلف عن باقي الأمم على الأرض, وهذا يعني أن السيطرة على الوطن العربي تعني الإمساك بمفاتيح التواصل بين سائر أمم الأرض والسيطرة على المرات والنافذ الضرورية لتسهيل حرية التجارة الرأسمالية عبر القارات.
4- القومية العربية بسبب من تلونها الثقافي ولكونها تضم أكثر من دين سماوي, ولكون الدين الإسلامي الأكثر انتشارا وسيطرة هو دين بطبيعته يقبل الآخر, بعيدا عن الأفكار العنصرية لبعض المتطرفين الطارئين على الإسلام, كما أن الإسلام نفسه منتشر في أوساط الغالبية المطلقة من أمم وقوميات الأرض بشكل متفاوت, بما في ذلك الأمم والقوميات في البلدان الرأسمالية الغربية نفسها, فهو إذن مؤهل للقيام بدور الند للفكر الرأسمالي.
5- حالة التفتت والصراعات التي تعيشها الأمة العربية والبلدان الإسلامية توفر مناخا ملائما لتسهيل السيطرة عليها, ويساعد على ذلك وجود أنظمة مرتبطة عضويا بالغرب الاستعماري, تساهم في تسهيل وتوفير أجواء السيطرة وتعميق النفوذ الغربي الرأسمالي على بلدانها, وما حدث في حرب الخليج واحتلال العراق والحرب على إيران واحتلال أفغانستان والحرب الدائرة في الصومال وأحداث السودان وحصار فلسطين ومحاولة تحطيم المقاومة في لبنان وحصار سوريا, كل ذلك يشرح بوضوح سبب اختيار الغرب الرأسمالي للوطن العربي كنقطة اضعف للسيطرة عليها.
هناك جبهتان اليوم على الأرض إذن, جبهة الامبريالية الرأسمالية ومعها كل مكوناتها من الصهيونية ومجموع الأنظمة المرتهنة بها والوكلاء والطبقات الحاكمة الطفيلية, وعلى الجهة الأخرى جبهة الشعوب المقهورة والفقراء والطبقات المحرومة والجنود وصغار الضباط من جيوش البلدان الاستعمارية والجيوش المرتبطة بها ممن باتوا يشكلون وقودا لنار الإثراء الرأسمالي على حساب دمهم وثروات الشعوب المقهورة, إن هذا التناقض غير الظاهر أحيانا كما هو الحال مع جموع الجنود والضباط الصغار في تلك الجيوش الاستعمارية بحاجة لنشاط تحريضي دعاوي مرافق لأنشطة المقاومة الحية والفاعلة لترسيخ القناعة لدى أولئك الجنود أنهم لا يموتون في سبيل حرية الآخرين بل في سبيل ملايين الدولارات الجديدة في جيوب حفنة من القتلة الحقيقيين الذين يثرون على حساب دمهم المراق خارج أوطانهم وبعيدا عن بيوتهم.

دوما كان الاعتقاد السائد وفق أسس المنهج الثوري, أن مركز الثورة يكمن في قلب البلدان التي تهيمن على العالم, وان طبقاتها الثورية هي الأقدر إذن على تحقيق الانقلاب الثوري, عبر معاودة تشكيل السلطة والإمساك بأدوات الإنتاج, لكن التغيرات في عصر الثورة الرقمية, ليست قطعا نفسها في عصر الثورة الصناعية, وما حصل عليه العمال بسبب من ظهور الاستعمار الحديث يشبه نفس الكارثة القديمة, في السابق كان الاستعمار الوحشي الرأسمالي يضرب في الخارج بنفس السياط التي يضرب بها في الداخل, اليوم تغيرت المعادلة, بنفس الوتيرة نحو استعمار جديد له ألف لبوس ولبوس, ومعظمها تذهب بأشكال استخدام أدوات من نفس البلدان المحتلة, أو المستعمرة أو المسيطر عليها, أو عبر شركات عابرة للقارات ومتعددة الجنسيات تستخدم في واجهاتها وجوها بل وشركاء محليين, لممارسة نهبها بشكل يبدو قانونيا أو غير ظاهر بشكل مباشر للعيان, ومن خلال ذلك أيضا تم تغيير أسلوب التعامل مع الجبهة الداخلية في بلدانها.
مركز الثورة اليوم قطعا ليس في البلدان الرأسمالية نفسها, وان كان ذلك لا يعني أن الثورة غائبة, الحقيقة أنها في حالة سبات قسري, أو أن مقوماتها لم تطفوا على السطح بعد, هناك في البلدان المحتلة والمستعمرة مركز الثورة حي وهو إن أحسنت إدارته سيكون نواة الثورة العالمية الحقة, وان ملك البرنامج الاممي المنطلق من الرؤى الوطنية والقومية سيجد في فقراء الغرب وثورييه حلفاء حقيقيين , وان أمكنه الانتقال إلى حالة من التعالي في رؤيته ورفض دور المساند له في بلده الذي يقوم به فقراء البلدان الرأسمالية ويسارييه ومثقفيه, وطالبهم بإسناده من الداخل بإضعاف الرأسمالية من الداخل, وأنجز التناغم بين الطرفين بشكل منهجي تكاملي, فنكون قد وضعنا الحصان الحقيقي في مقدمة العربة الحقيقية وأنجزنا خطوة إلى الأمام أكثر جذرية.
التحالف المطلوب إذن, يقوم على قاعدة اعتبار الثورة في البلدان المستعمرة والمحتلة هي المركز, وقيام الطبقات الفقيرة في البلدان الرأسمالية بالتأسيس للثورة من الداخل إسنادا لقوى الثورة في الجبهة الخارجية, حين تنتشر المظاهرات في أمريكا وبريطانيا وغيرها ضد الحرب على العراق مثلا وينطلق الشعار الموحد ( أعيدوا أبناءنا من جبهات الموت الخارجية ) سوف تجد الرأسمالية نفسها في مواجهة حية مع شعبها ( فيتنام نموذجا ), ذلك يعني ضربات أقسى من قوى المقاومة والثورة في البلدان المستعمرة والمسيطر عليها, ونداءات تشبه ما أطلقته وزيرة خارجية الثورة الفيتنامية في وجه كيسنجر وهو يستجدي وقف إطلاق النار, حين قالت ( نحن لن نطلق النار على جندي أمريكي من ظهره وهو عائد إلى بيته ) تلك هي لغة الثورة الجديدة للشعوب المكافحة في سبيل حريتها, نحن نقاتل الجنود الغزاة مع إدراكنا أنهم ضحايا يرزحون تحت نفس الظلم, ويجب أن نعلن ذلك ونوضحه وان يتشارك التحريض السياسي مع البندقية المقاومة, وعلينا أن نتعلم كيف نرثي لحالهم وندعوهم لتجنب الموت برفض القتال بعيدا عن أبواب بيوتهم, كما يفعل الثوار في البلدان التي تقع تحت احتلالهم, على قوى الثورة أن تتعلم القول أن رصاصها لن يطال جنديا كان محتلا إن هو قرر العودة إلى موطنه الأصلي, ذلك سهل على المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية وغيرها, وهو سيجعل مهمة الثوريين في أمريكا أسهل, حين يتناغمون بشعار شبيه موجه لرأسمالييهم ( انتم ترسلون أبناءنا للموت رغما عنهم وفي سبيل مصالحكم ), ورسالة إلى أبنائهم في الجبهات البعيدة ( القوا سلاحكم وعودوا إلى بيوتكم ولا تموتوا, ولا تقتلوا غيركم في سبيل ملايينهم ), وهذا قطعا سيوحد صفوف الفقراء والثوريين في كفاح متواصل, الهدف منه تجفيف منابع الرأسمالية من الأطراف, وإعادتها مكبلة إلى المركز, لتجد نفسها في مواجهة مع شعوبها وفقرائها وجها لوجه, بدون قفازات وبدون أقنعة وبدون أدوات مضللة.

لأمد طويل ظل لدى الدارسين والمراقبين على شبه اقتناع بان الفكر الثوري صفة تقف حكرا على الفكر الشيوعي, وحتى داخل هذه المدرسة وجد من حاول احتكار الصفة ونزعها عن الآخرين, تماما كما حدث ويحدث مع سائر الأديان والفلسفات, ولذا ظهر من سمى نفسه بالماويين, أو التروتسكيين, أو أصحاب فكرة الثورة الدائمة, أو البؤر الثورية هنا وهناك, أو مدرسة تيتو ويوغسلافيا, ومدرسة شاوشيسكو ورومانيا, أو خوجا وألبانيا, أو كوبا وكاسترو, والبعض اتهم الاتحاد السوفيتي بصاحب الفكر المحافظ, المهم أن لا إجماع حتى على طبيعة ودور واستخدام هذا الفكر, وطوال تلك المرحلة ظل لقب اليساري مرتبط لدى الشيوعيين بالليبرالي أو المتخاذل, أو المتحالف مع الرأسمال, وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن هناك ما يربط أبدا بين اليساري والشيوعي, بل إن الشيوعيين كانوا يرفضون إلصاق لقب اليساري بهم, فتارة هو رجعي متواطئ, وأخرى هو مغامر مضر بمسيرة الثورة ومصالح الطبقات الفقيرة, والى جانب ذلك أيضا ظل الشيوعيون ينأون بأنفسهم عن العلاقة بالمسالة القومية والوطنية, ويعتبرون الانتصار لها إضرار بالثورة الأممية, وأن الحل القومي مستحيل بعيدا عن الحل الاممي, وظهر الشيوعيين الفلسطينيين أصحاب النموذج الأبرز في تلك المسالة من خلال أهمية المسالة الفلسطينية بالشأن الوطني والقومي, بل والإسلامي أحيانا, ومع ذلك لم يتمكنوا من إيجاد آلية توافق بين الرؤى جميعا.
الحقيقة انه لا يوجد فكر ثوري مطلق وقادر على التواصل مع كل العصور والظروف والمتغيرات, إن لم يتمكن أتباعه من جعله قادر على مواصلة الحياة والانتماء للمتغيرات, وان لم يأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة بكل حالة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بما في ذلك التراث القيمي ومجمل البنى الفوقية التي يعيشها كل مجتمع من المجتمعات وحجم تأثيرها ودورها في حياته ونشاطه, وكذا فان الإجابة على المسائل الوطنية والقومية تعتبر ذات أولوية قصوى لقدرة أي فكر على مواصلة الحياة والاستمرارية, من جانب آخر فان ترك الفكر أو العقيدة دوما لعبة في أيدي نفس الجهات والشخوص لفترات طويلة, سوف يعني بالضرورة تسخير هذا الفكر أو هذه العقيدة لتصبح أداة بأيدي المتنفذين ولخدمة أغراضهم فقط, وبعيدا عن مصالح الجماهير الشعبية, التي من المفترض أن يقوم على خدمتها, وهذا ما حصل مع الفكر الشيوعي بعد تحول الاتحاد السوفيتي إلى دولة وتغليب مصالح الدولة على مصالح الثورة والحزب وتجيير الرفاق والحلفاء لخدمة الدولة السوفيتية وكذا تحول الحزب وقيادته إلى ارستقراطية حزبية مقيتة ومتحجرة عند مصالحها ومصالح المؤسسة الرسمية التي يمثلونها.
إن المطلوب اليوم إعادة قراءة التاريخ الإنساني فكرا على ضوء انتماء الفكر للفعل, أو الوعي للواقع, أو النظري للمحسوس, والانطلاق عبر المتغيرات فلا مسلمات في الفكر الإنساني ولا حتى في معطيات العيش والعمل والحراك المجتمعي في الفكر الديني, وحدها المطلقات والمسلمات هي في مسلمات الغيب والمطلقات عند الأديان السماوية, وبذا يمكن للبشرية وفي مقدمتها أبناء المركز في البلدان العربية من إعادة صياغة الفكر الإنساني بعيدا عن المطلقات, وبعيدا عن النفي أو الفيتو لأي فكر كان, وبالتالي فان سائر الفلسفات الإنسانية والأديان هي مصدر ملهم وهام لإعادة صياغة هذا التشكيل الضروري للانطلاق نحو تحرير البشرية من سيطرة الرأسمال وأدواته وجبروتهم, وبالتالي الوصول بالبشرية إلى العدالة والسلم للجميع, دون امتياز لأحد فوق احد سوى التمايز الإنساني الطبيعي في القدرات الفردية والصفات الخاصة التي تؤهل الفرد للتمايز لا للسيطرة على الآخرين.
فكر الثورة القادم والمطلوب إذن, هو فكر البشرية المنتمي للعدالة والحرية والسلم والمساواة وتكافؤ الفرص ومنع الاستغلال والهيمنة والسيطرة ونهب حقوق الآخرين, أو مصادرتها, سواء كانت مادية أو معنوية, ومن خلال هذه المحددات فان كل ن يقبلها وينطوي تحت عناوينها فكرا وسلوكا فهو بالضرورة يقف في خندق اليسار والعكس صحيح بغض النظر عن المسميات والقوالب النظرية الجاهزة, وبالتالي فان فكرا إنسانيا لا ينفي الآخر ويقبل التمايز لا التمييز بين أبناء البشرية أفرادا وجماعات هو الأقدر على رفع راية اليسار كفكر يمثل مصالح الفقراء والمقهورين أيا كانوا.

ذلك يعني بالضرورة الإجابة على سؤال مهم, وهو ما الموقف من الفكر الديني والتراث الثقافي لمختلف الأمم والشعوب, وهل الثورة تعني رفض الموروث الديني بالمطلق والانقلاب عليه وإدارة الظهر له, أم أن هناك في التراث الثقافي للأمم ما هو أهل للانتماء إلى مسيرة الثورة والتغيير, وان الأديان في جوهرها جميعا هي ثورات حقيقة على الظلم والظالمين وقهرهم, وهي انتقال بالإنسان من عال الظلم والقهر إلى عالم العدالة والخير سعيا نحو السعادة الأبدية, وان إدارة الظهر لموروث الأمم بكل تجلياته, هو بالضرورة إدارة للظهر للأمم نفسها وقضاياها وصالحها, وذلك ينطبق أيضا على الطبقات الفقيرة والمقهورة, وبدلا من إقحام الأمم والشعوب منفردة, أو البشرية مجتمعة, بمنطلقات نظرية رافضة للأسس التاريخية التي تقوم عليها بناها الفوقية فان من المفيد والضروري استخدام الهياكل الأساسية والبنى الرئيسية لهذا الأساس من جانبه الثوري الساعي للعدل, أساسا لخلق رؤى جديدة واليات فعل ثورية قادرة على إحداث التغيير المطلوب, ذلك سيوفر على قوى التغيير, معارك جانبية وسيمنع عنها العزلة المتوقعة, في حال أشغلت نفسها بمعارك جانبية, من نوع الرفض المسبق لما هو قائم فكرا, بل الإمساك به على قاعدة فحصه واستخدامه, أداة للتغيير بعيدا عما هو عالق بفكر البشرية الثوري من معيقات أتى بها ونظر لها, أصحاب المصلحة في وقف التغيير ومنعه من المواصلة حتى النهاية.

هذا أيضا يقودنا إلى موضوعة الموقف من الآخر, وأهمية قبوله والتعاون معه بدل رفضه ومحاربته, والآخر هنا هو الذي ينتمي لنفس الدرب وان اختلفت الرؤى والأساليب والأفكار أو العقائد, فما دام الهدف هو إحداث التغيير الثوري لصالح فقراء الأرض وشعوبها المقهورة, فان المنطلقات الفكرية والاعتقاد حق مطلق للجميع بعيدا عن التشهير والرفض والتخوين والتكفير, فالطريق إلى الحرية وإسعاد البشرية والعدل واحدة وكل المركبات المستخدمة في الانتقال إلى هناك, وهي جميعا مركبات ضرورية لتسهيل الطريق, ولا يوجد للثورة وصفات جاهزة يملكها احد دون غيره, ومع ذلك فان الحق بإدارة أوسع نقاش حول الفكر وقدراته وصلاحيته, هو ضرورة للتطور والإصلاح لجميع الاتجاهات, فلا يمكن للباب المغلق أن يساعد في تغيير هواء البيت دون تشريعه على مصراعيه, فجديد الريح ضرورة لقديمه حتى يواصل الحياة والتجدد.

إن الايجابية الوحيدة لغياب الاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية, أنها ألغت مركزية الحركة الثورية العالمية وقدرة بلد دون غيره على التأثير على مسيرة الثورة العالمية, وفتحت الآفاق على مصراعيها لقوى الثورة وحركات التحرر لإبداع الفعل والتأثير على أرضها وفي واقعها بعيدا عن تشابك واختلاف المصالح وظروف الصراع العالمي, ومصالح الدول الكبرى, فلقد شكل الاتحاد السوفيتي في أوقات عديدة وبسبب تضارب مصالح الدولة والثورة معيقا لحركات وأحزاب وقوى الثورة في سائر أنحاء العالم, وخصوصا في بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية, وضربت بلدان صغيرة نموذجا للقدرة على الانتصار والعيش وخصوصا التجارب في بلدان أمريكا اللاتينية, إن قوى الثورة في البلدان المستعمرة, والواقعة تحت الاحتلال ملزمة اليوم على صياغة برامجها وفعلها بقدراتها الذاتية, وان التحالفات في معظمها متوازنة حتى لو جرت مع بعض البلدان والأنظمة الرسمية, فلا احد اليوم يقف بموازاة أمريكا وهيمنتها كما فعل الاتحاد السوفيتي سابقا, وبالتالي فان الأبواب مشرعة للفكر والفعل في أداء الثورة العالمية نحو الحرية والاستقلال والعدالة على الأرض للبشرية, عبر تجفيف المنابع الخارجية للاستعمار والرأسمالية.

وحدها شعوب الأرض المقهورة, وخصوصا تلك الواقعة مباشرة تحت الاحتلال بكل أشكاله, هي الأقدر على امتلاك أداة الثورة الوطنية والقومية وخلق الظروف المناسبة لكل فقراء الأرض وخصوصا أبناء البلدان الرأسمالية والاستعمارية للتخلص من الطوق المحكم على رقابهم من أبناء جلدتهم, وبالتالي فان وحدة المقهورين جميعا من فقراء الأرض والشعوب الواقعة تحت الاحتلال, هي وحدها الطريق الكفيلة بخلق المناخات الضرورية لتحقيق الانتصار على الحفنة الظالمة والناهبة لثروات البشر, والقابضة على حرياتهم, والمانعة لسعادتهم وسلمهم, نحو تحقيق الانتقال لعالم أفضل يحقق للجميع العيش في ظل ظروف عادلة تمنع التمييز بكل مواصفاته, وتقبل التمايز لصالح المجموع والغد الأفضل, وفي سبيل ذلك فان النداء الأهم اليوم لتحقيق النصر هو,

يا فقراء الأرض وشعوبها المقهورة اتحدوا ضد جلاديكم



#عدنان_الصباح (هاشتاغ)       ADNAN_ALSABBAH#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاسع من كانون الثاني - ميلاد دويلات فلسطين
- الى اليسار در
- وحدة اليسار فلسطينيا ( رواية بلا نص )
- نحو اداة تنظيمية جديدة
- بصدد ما ينبغي تعلمه - دراسة لتجربة الطبقة العاملة الفلسطينية
- ليس لنا ما نسوقه
- نحن أسياد المؤقت
- غياب الرئيس عباس ضرورة اسرائيلية
- من يكره غزة يكره نفسه
- مديح الاغتيال...هجوم التوريط
- أعيدوا لنا أبناءنا
- أم قيس...قرية حدودها السناء
- عصرنة التأصيل في مواجهة تحديات التحديث
- البشرية مقابل حفنة لصوص
- المقاومة والجبهة المفككة
- عالم بلا حب
- أو شرعنة الاحتلال
- اتهام علني
- مأزق ومليار حل غائب
- اقرب السماء...اعمق الارض


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عدنان الصباح - الاعلان اليساري مقدمات ضرورية