أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الهادي خليفي - تونس:الامكانيات الوافرة والغبن الدائم















المزيد.....

تونس:الامكانيات الوافرة والغبن الدائم


الهادي خليفي

الحوار المتمدن-العدد: 2559 - 2009 / 2 / 16 - 06:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان ما تتمتع به تونس من مقومات الدولة الحديثة بوجود مورد بشري متعلم وتكوين حضاري متجانس ومنفتح ومجتمع طبقي متقارب ورسوخ مفهوم الدولة في مقابل غياب او اضمحلال مفهوم القبيلة اسباب تجعل من الغبن ان يكون واقع الحياة السياسية فيها بالحال التي هي عليه من اتسام بالانغلاق وكبت للحريات وممارسة للوصاية على الشعب -المحروم من حقه في تقرير اختياراته بحرية-..فمن المعيب ان تُعرف تونس في وسائل الاعلام العالمية من خلال اعتداءات امنها المستمرة على المتعاطين للشان السياسي والحقوقي والنقابي اومن خلال احكام قضائها عليهم او من خلال مصادرة رقابتها للصحف واغلاق الاذاعات الحرة ومن خلال تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية التي تعنى باوضاع الحريات العامة وانتهاكات حقوق الانسان المدينة للسلطة فيها.
كما صار من المخجل ان تواصل السلطة السير في نفس الطريق الذي كان دائما ينتهي بالبلاد الى الازمات الامنية والاجتماعية ويكبدها الخسائر ..ورغم انه ليس مكتوب عليها عدم الاعتبار من الماضي وليس قدرا لها المضي في نهج اساليب العنف في مواجهة كل من يخالفها الراي واعتبار الجرئ في المطالبة بالحق ارهابيا فانها تدمن فعل ذلك..
ان التشدق دائما بان عالمنا افضل العوالم الممكنة وان تونسنا هي افضل تونس ممكنة هو دس للراس في التراب وهروب الى الامام وتنصل مفضوح النوايا من المسؤوليات ازاء الوطن والتاريخ وازاء الشعب التونسي .. فتونس التي نجحت في محاربة الامية ،وعممت المدارس والمعاهد في كل مكان ،وعصرنت التعليم وتونس التي قضت على الترحال والنزوح ،وثبتت السكان ،وتونس التي ارست قواعد سياسة صحية مكنت من توفير اطار طبي وطني كامل وتصدير للكفاءات الى الخارج ،وتونس التي حلت الاوقاف وانهت الاحباس ،وانجزت مجلة الاحوال الشخصية لم يكن عصيا عليها يوما ولا صعبا ان تتحول الى مثال للديمقراطية والحرية ليس في المغرب العربي وحسب وانما في افريقيا والوطن العربي ككل فتونس لم يكن ليعيقها تنوع ديني او عرقي او لغوي – اذا اعتبرنا فرضا ان هذا التنوع عامل معرقل- في ظل ما يعرفه مجتمعها من تجانس ووحدة عن تكريس نظام سياسي واجتماعي ديمقراطي ،متعدد وحر.
ان ما جعل بلادنا على ماهي عليه من تردي الاوضاع السياسية وتخلفها ناتج اساسا عن تغييب متعمد للارادة والعزيمة في هذا المجال ولصرف النظر والجهد منذ سنوات الاستقلال الاولى عن التاسيس لدولة القانون والمؤسسات الامر الذي ادى الى غياب مفهوم المواطن والمواطنة وترسيخ بدلا من ذلك مفهوم الولاء للحزب الحاكم والخضوع لوصاية الحاكم الفرد.
لم تعرف تونس المستقلة مسايرة الواقع السياسي لمستويات التنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وقد كان ذلك راجعا اساسا الى وقوف السلطة عائقا ومعرقلا لاي امكانية لتطور الحياة السياسية او تكريس فعلي للديمقراطية فقد كان الرئيس الاول للجمهورية التونسية يرى في الشعب مجرد"غبار من الافراد"وهو المسؤول الاول عن حماية دستور يقول في توطئته "ان الشعب التونسي هو صاحب السيادة".
ان عدم ايمان المسؤول الاول عن البلاد بالديمقراطية تجلى في استغلاله محاولة انقلاب فاشلة في ديسمبر 1962 ليعلن وزير داخليته انذاك تعليق نشاط الحزب الشيوعي وهو الحزب الوحيد الذي يتمتع بالوجود القانوني وليبدا بذلك عصر الحزب الواحد الخادم للزعيم الواحد وفي حال كهذه يتعذر التمييز والفصل بين الحزب والدولة ولازالت تونس تعاني الى حد الان من هذا الخلط المرضي المزمن ،غير ان ما يفصح اكثر عن ديكتاتورية الرئيس الاول للجمهورية تعديله الدستور لينص صراحة في تعديل اجري عليه سنة 1975على تمتعه بالرئاسة مدى حياته مما اخرج النظام السياسي من كونه جمهوريا ولم يلحقه بالانظمة الملكية جاعلا منه بذلك جنسا ثالثا في الانظمة السياسية غريبا في طبيعته وفي استبداده.
وحتى حين تم الاعتراف بالتعددية في1981 فقد منعت الممارسات التي زاوجت بين العنف المادي ضد المعارضين السياسيين وبين تزييف ارادة الناخبين من جعل تلك الحركة نقطة تاسيس لواقع جديد يقطع مع الاستبداد .
اما واقع ما بعد 7نوفمبر1987 فقد شهد اعتماد اساليب جديدة ومبتكرة للمحافظة على طريقة قديمة للحكم تقصي الشعب بقطاعاته الواسعة عن المشاركة في وضع الاختيارات العامة والمساهمة في تسيير شؤون وطنه وتختزلهما في حزب حاكم وحاكم فرد مغلفين بتعددية شكلية ...لقد تمكن النظام من الالتفاف على مسالة التعددية وذلك اما عبر تطويع احزاب منافسة له بالاكراه او بعقد صفقات تحولت من خلالها هذه الاحزاب الى شبه هياكل تابعة للحزب الحاكم تبارك مرشحيه للانتخابات وتمارس الدعاية لانجازاته اكثر من اهتمامها بالتعريف ببرامجها واهدافها او عبر بعث احزاب جديدة بلا قاعدة جماهيرية او جدّة في طروحاتها بل هي مصنوعة لتضفي على النظام السياسي طابعا تعدديا هو ابعد ما يكون عليه
كما ان النظام راهن على تكثيف الدعاية الاعلامية في سبيل خلق صورة مختلفة عن الواقع المغرق في المشاكل (ارتفاع معدلات البطالة ،ارتفاع نسب الهجرة السرية،ارتفاع معدلات الجريمة ونسب الانتحار ، انتشار الفساد...)وفي سبيل طمس الحقائق المتناقضة مع الخطاب الرسمي يفسر هذه الحقيقة خلافات السلطة مع وسائل الاعلام الاجنبية وحجب الصحف المعارضة في الداخل وهو امر يفضح ايضا حال حرية الفكر والتعبير في تونس.
يضاف الى ما سبق تبجح النظام دائما بان له الفضل في ما بلغه المجتمع المدني من رقي وتقدم معتمدا في الدعاية على ارتفاع عدد الجمعيات وهي احد مكوناته حيث تجاوزت 9000 جمعية الا ان الواقع يكذب هذا الادعاء فقوة المجتمع المدني لا تقاس بالكثرة بل تقاس بمدى استقلال مكوناته عن سلطان المجتمع السياسي "الدولة"واذا اعتمدنا هذا المعيار فان العدد يتقلص الى عدد اصابع اليد.
ان ما يفضح تبعية مكونات المجتمع المدني في تونس وعدم استقلالها عن السلطة السياسية انخراطها في مناشدة رئيس الجمهورية الحالي للترشح لفترة رئاسية جديدة ، اذ كيف يفسر اجتماع هذه الجمعيات المتعددة والمختلفة بالنظر الى نوع الانشطة التي تمارسها او بالنظر الى الغايات التي تستهدفها من تلك الانشطة على امر واحد واختيار واحد والاغرب من ذلك انها اجتمعت على امر مخالف للقانون ففعل المناشدة لا يمكن ان يصنف الا ضمن الانشطة السياسية التي يمنع القانون على الجمعيات ممارستها ...
اما ممارسات الاجهزة الامنية والقضائية فاصبحت مفضوحة في تطويعها لطرف سياسي ضد خصومه الى حد اصبح عاديا فيه ومالوفا التحجج بمخالفة القوانين في تبرير الاعتداءات على المخالفين في الراي وانزال اقصى العقوبات بهم وفي عدم اتخاذ نفس الاجراءات او التخاذل في ذلك اذا تعلق الامر باعتداء تعرض له ناشط سياسي في حزب معارض من اطراف مسؤولة او منخرطة في الحزب الحاكم ..
ان توافر الشروط المادية للقطع مع واقع التخلف السياسي في تونس غير كافية لتحقيق النهضة بالضرورة اذا ما لم تواكبها وتترافق معها عزيمة سياسية صادقة النوايا والافعال في انجاز عملية التغيير والتحول نحو الديمقراطية ولان هذا الامر لا تشير الدلائل الى تواجده في السابق ولا الى توافره حاليا فمسؤولية التاسيس لديمقراطية حقيقية واقامة مجتمع متعدد وحر فعلا لا شكلا تفترض واجب التكاتف بين مثقفي الوطن المؤمنين برسالة التغيير والتقدم من اجل تفكيك مقومات الاستبداد الساكن في البشر وفي المؤسسات عبر بعث نواة لفكر حر يكون منارة تهدي الى الوطن الضائع ...الوطن الرائع وعبر القيام بعمليات حفر معرفي تستهدف إيقاظ قوى الابداع الكامنة وجلاء الحقيقة او الحقائق التي غيبتها اظاليل الاعلام الخشبي القائم على حكمة قوبلز النازي "ان تكرار الكذبة يجعل منها حقيقة ".









#الهادي_خليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس من حرب غزة ..في اسباب التخاذل
- ظاهرة المناشدة في البلدان العربية
- من المسؤول عن ضعف المجتمع المدني في تونس


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الهادي خليفي - تونس:الامكانيات الوافرة والغبن الدائم