أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جواد بشارة - حوار مع جواد بشارة















المزيد.....


حوار مع جواد بشارة


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 785 - 2004 / 3 / 26 - 09:31
المحور: مقابلات و حوارات
    


بطاقة تعريفية بالدكتور جواد بشارة
*ليسانس علوم سينمائية من جامعة باريس 1976.
*ماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس 1977.
*دبلوم دراسات معمقة من جامعة باريس الأولى 1980.
*دكتوراة الحلقة الثالثة في السينما من جامعة باريس 1982 عن اللغة السينمائية ونظرياتها في ضوء منهج السيميولوجيا أي نظرية الإشارات والرموز والمعروفة بالنظرية الدلالية.
*دكتوراة دولة في الأدب الفرنسي وعلاقته بوسائل الإعلام من جامعة باريس 1983 عن البنى السردية في روايات وأفلام مارغريت دوراس.

من مؤلفاته:
-كتاب نقد العقل اليهودي الغربي (بالغة الفرنسية) صدر عن دار المدى 1992.
-كتاب إيران تحديت العقيدة والثورة صدر عن مركز الدراسات العربية الأوربي 1999.
-كتاب السياسة السينمائية في العراق من سنة 1940 إلى 1990 صدر عم دار المدى 2000.
-المشاركة في كتاب ثلاثون عاماً على السينما التجريبية في فرنسا لدومنيك نوغيز.
الكتب المترجمة:
-المحرقة تحت المجهر ليورغن غراف صدر عن دار المدى1994.
-الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية لروجيه غارودي دار عطية 1997.
-محاكمة الحرية لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002.
-العنصرية كما شرحتها لابنتي للطاهر بن جلون 2001.
-دروس في الإخراج السينمائي لسيرغي آيزنشتاين وزارة الثقافة سوريا 2002.


تقديم

لأنه آل على نفسه أن يتخلى عن الترف الأوربي فقد جاء إلى بغداد، التي أبعد عنها قسراً، بغداد التي تحطمت الكثير من بناها التحتية والفوقية ليشارك مع زملائه الذين أتوا من الخارج والذين في الداخل في إعادة بناء ما تحطم دون أن يبتغي، كما فعل ويفعل الكثيرون، منصباً أو جاها. بل آثر الانغمار في العمل الوطني الحقيقي ولم يرتض لنفسه التفرج على أحداث بلاده المحتدمة من على شاشة التلفاز أو ربما يأتي كعابر سبيل أو حتى مثل سائح.
الناقد والباحث العراقي المغترب جواد بشارة واحد من النقاد الذين تعمقوا في دراسة الفن السينمائي العالمي وله في ذلك بحوثاً ودراسات وفي الوقت ذاته قدم بحوثاً كثيرة في الفكر السياسي، وقد عمل لفترة طويلة في مركز الدراسات العربي الأوربي بباريس.
في هذه المقابلة نتحاور معه عن شجون السينما العراقية والعربية والآفاق التي توصلت إليها السينما العالمية:



* أريد أن أسالك بداية أين تضع الفيلم العربي في خارطة السينما العالمية؟
ـ السينما العربية ذات تاريخ عريق وقد بدأت عمليا في نفس وقت انطلاقتها في بلدان العالم الأخرى كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لكنه لم تستمر بالتطور في نفس الوتيرة من التقدم لا من الناحية الشكلية والجمالية والتقنية ولا من ناحية المضامين والجوهر . فالسينما العالمية تطوّر باستمرار أساليب الإبداع وابتكار المدارس الجمالية والتعبيرية في مجالات الإخراج والتصوير وكتابة السيناريو والمونتاج والخدع السينمائية في حين نلمس العكس حيث تقهقرت السينما العربية عموماً والمصرية خصوصاً وصارت تنتج أفلاماً متردية وتجارية بحتة تهين ذوق المتفرج وتؤثر على المتلقي سلباً عدا بعض الاستثناءات في هذا البلدة أو ذاك لكنها نادرة مع الأسف ولم يكتب لها الانتشار ولم تخرج عن كونها محاولات فردية خاصة لم تستطع أن تفرض نفسها كنموذج يحتذى لخلق مدرسة أو تيار أو حركة جمالية داخل السينما العربية ويمكن ذكر بعض الأمثلة عن تلك الاستثناءات كفيلم المومياء لشالدي عبد السلام وبعض أفلام يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح وكذلك بعض تجارب شباب السينما الجديدة في مصر في سنوات الستينات وحتى أواسط السبعينات .
• لايكاد المرء أن يشاهد عرض أفلام عربية في مهرجانات عالمية لماذا هذا الغياب برأيك؟
ـ الجواب بديهي وهو أن المستوى الفني والمهني لأغلب الأفلام المنتجة في العقد الماضي ضعيف جداً لايؤهلها للمشاركة في المسابقات الرسمية ، بل ولا حتى في سوق الأفلام التجارية الموازي في المهرجانات الدولية . ومن جهة أخرى هناك الحرب النفسية والإعلامية التي تواجهها السينما العربية الجادة من جانب القوى المهيمنة على بنيات وهياكل مؤسسات الانتاج السينمائي الرسمية في العالم العربي وأنظمة الرقابة الصارمة التي تحد من حريتها وتكبل المبدعين الحقيقيين ، إلى جانب سيطرة قوى النفوذ واللوبيات الصهيونية على مجمل الصناعة السينمائية العالمية وبضمنها الهيمنة على المهرجانات الدولية بالطبع والتي لاتريد للسينما العربية الجادة أن تنجح وتخرج للجمهور العالمي .
• ماهي إشكالية المخرج العربي وما هي العوائق ؟ هل هي إنتاجية ، مزاجية،أم سياسية، أم عوائق حكومية ؟
ـ العوائق أمام المخرج السينمائي العربي ذات وجوه عديدة منها سياسية بالدرجة الأولى ، فليس بوسع المخرج العربي معالجة وتناول أي موضوع يريده بحرية مطلقة فذلك أمر مستحيل في ظل الظروف السياسية القمعية التي تقف في وجه الإبداع السينمائي في كل مكان في العالم العربي. وهناك أيضاً القصور الذاتي لدى المخرجين والعاملين في المجال السينمائي في العالم العربي وعدم مواكبة التطور الإبداعي والجمالي والتجارب الإخراجية الحديثة والجريئة جداً حيث يبدو المخرج العربي بالمقارنة مع ما نراه على الشاشات العالمية وكأنه منقطع عن الساليب والمدارس الإخراجية الجديدة أو كأنه محصن ذدها بمقولات ومسلمات واهية وأيديولوجية على غرار أن ما تقدمه السينما العالمية لايناسب مستوى المشاهد العربي أو بذريعة عدم توفر الإمكانات المالية والتقنية اللازمة لمثل هذه الأفلام المكلفة جداً . أي أن هناك عوائق إنتاجية حقيقية تواجه المخرج العربي بالفعل وتمنعه من تقديم الفن الهادف والجاد لأن المنتج العربي في القطاع الخاص تاجر خردة ويهمه الربح السريع والكثير على حساب المستوى الفني فهو يريد أن ينتج أفلاماً بأرخص مايمكن زيبرح أقصى مايمكن وبأسرع مايمكن لذلك نراه يرفض أية فكرة جادة لأنه يخاف من عزوف الجمهور عن الفيلم وعدم ضمان العدد اللاومة من المشاهدين لتغطية تكاليف الانتاج وتحقيق الأرباح المرجوة من استثماره المالي بدون التعرض لأية مخاطر مالية . وهذا برأيي أهم عائق يقف في وجه السينما العربية وتطورها في ظل اختفاء القطاع العام وتنصله من عملية الانتاج وتحويل مؤسسات السينما الى دوائر لتمضية الوقت والتخلي عن عمليات الانتاج السينمائي التي تمولها الدول دون فرض شروط تعجيزية .
• في مقالتك التي نشرتها في جريدة الجريدة عن السينما الإيرانية قلت فيها أن هذه السينما تقدمت بخطوات جيدة بعد الثورة الإيرانية ، هل مدة عشرين سنة كافية برأيك لخلق سينما ناضجة كما هي السينما الإيرانية؟ وإذا كان الأمر كذلك فالسينما العربية بلغت الثمانين من عمرها ولم تبلغ سن النضج بعد ، كما أعتقد فما هو تفسيرك؟
ـ فيما يخص السينما الإيرانية ، المسألة ليست مسألة وقت ، بل هي توفر أو عدم توفر المناخ الصحي الملائم لنمو سينما جادة وصالحة لاقتحام الأسواق العالمية ومواجهة الجمهور في مختلف بقاع العالم وكسبه . العمر الطويل للسينما العربية ، الذي تجاوز المائة عام وليس الثمانين عاماً ، ليس شرطاً في نضوجها ، المهم هو توفر الأسس السليمة والصحية للآلة الإنتاجية وتوفر الكادر السينمائي الكفوء والواعي المتمكن من الوسائل الإبداعية وهذا لايمكن أن يتم بدون توفر مناخ الحرية الكاملة وبدون توفر مصادر التمويل والانتاج والثقة في المشاهد المستهلك للمادة السينمائية وعدم الانجرار وراء مقولة شباك التذاكر أو " الجمهور عاوز كده" كما يقول المصريون.
• من الملاحظ أن السينما الجادة في العالم متراجعة إزاء السينما التجارية ، من يقف وراء ذلك برأيك؟
ـ حتى لانردد نفس الحديث عن كل سؤال يمكن تلخيص الجواب بالقول أن وراء تراجع السينما الجادة هو أساليب الإنتاج وطغيان الطابع التجاري عليها إذ أن السينما الجادة والملتزمة بشؤون الإنسان ومشكلاته هي في نظر المنتجين التجاريين ليست سوى مشروع خاسر سلفاً بالمنظر التجاري ويشكل مغامرة مالية خطيرة لايشعر المنتجون أنهم مرغمون على خوضها والمخاطرة بأموالهم.
• تهيمن السينما الأمريكية في هوليود على السينما العالمية إنتاجاً وربما حتى نوعاً ألم يحاول المسؤولون عن السينما في دول أخرى منافسة هوليود؟ أو هل يمكننا القول تحديداً أن السينما في روسيا وفرنسا وبريطانيا تمتلك مقومات منافسة هوليود؟
ـ إن هيمنة السينما الأمريكية على العالم ليس بالأمر الجديد ولا توجد هناك دولة تمتلك مقومات المنافسة للسينما الهوليودية الآن أو قادرة على مواجهتها أو منافستها كما ونوعاً ربما تتفوق عليها السينما الهندية من ناحية الكم أحياناً ولكن بالقطع لاتوجد سينما في العالم يمكنها ان تنافس أو تتجاوز المستوى التقني للسينما الأمريكية فهوليود إمبراطورية ذات إمكانات هائلة وتنوع مذهل وتمتلك مفاصل العجلة الإنتاجية من الألف إلى الياء من الفكرة إلى شاشة العرض ولديها سطوة جبارة داخل معظم دول العالم من خلال شبكات الانتاج والتوزيع والاستغلال والدعاية والإعلان العملاقة .وبالتالي فهوليود تمسك بيديها عجلة الانتاج والتوزيع الدولية برمتها بلا منازع . هناك دول مازالت تقاوم وتحاول حماية خصوصيتها الثقافية والفنية مثل فرنسا ولكنها ليست بالمستوى الذي يؤهلها لتقديم البديل أو منافسة الصيغ والأساليب الهيوليودية في الإنتاج والتوزيع واختراق الأسواق العالمية بل هي كغيرها من الدول خاضعة للاحتكارا الأمريكية في مجال الصناعة السينمائية.
• ماذا عن السينما في الهند واليابان وغيرها من دول العالم؟
ـ السينما في البلدان الأخرى نوعان أما أن تكون سينما جادة وملتزمة وذات طروحات ولغة جمالية راقية لكنها تشكل استثناءات وإمنا سينما تجارية هزيلة تنتج أفلاماً للاستهلاك المحلي فالهند تعتبر هوليود العالم الثالث من ناحية الكم لكنها رديئة جداً من ناحية النوع ولايستهلكها سوى متفرجون من الهند نفسها أو من الدول الفقيرة وهي تنافس الأفلام الأمريكية فقط في دول العالم الثالث حيث تتمتع بشعبية كبيرة . ولكن يوجد لدى الهند كخرجون عظام من أمثال ساتياجيت راي وميرال سين وغيرهم لكنهم ضائعون في هذا الموج الهادر من الانتاج السينمائي التجاري الهابط والضحل الذي تفرزه الآلة الإنتاجية التجارية المهيمنة . وفي اليابان هناك بضعو أفلام ممتازة لكنها تنتج بأموال غربية أو بفضل الانتاج المشترك تقديراً لبعض الأسماء اللامعة في عالم الإخراج كالمخرج الراحل آكيرو كيراساوا وغيره ممن يعدون على أصابع اليدين . كما يوجد سينمائيون مبدعون في أمريكا اللاتينية وأفريقيا استطاعوا أن يخترقوا الحواجز ويفرضوا أنفسهم في المهرجانات الدوةلية وينالوا الجوائز الكبرى وهم موزعون على بلدان كثيرة كالبرتغال واسبانيا وبريطانيا والسويد لكنهم قلة ولايتجاوزون مقولة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة .
• تعثر السينما العراقية أسبابه معروفة . ماهي مقترحاتك لتنشيط السينما العراقية خاصة بعد زوال النظام الديكتاتوري وتوفر عامل الحرية الذي يشكل متنفساً واسعاً للفنان؟
ت الحديث عن السينما العراقية ذي شجون فهي غائبة كلياً اليوم عن ساحة العمل الفني والإبداعي عكس المسرح والفن التشكيلي والموسيقى وما تحقق منها إلى يوم الناس هذا ليس سوى تجارب متعثرة تبحث عن نفسها ولايشكل مدرسة سينمائية إنما هي مجرد محاولات وأفلام متفرقة متفاوتة المستوى فنياً عراقية الجنسية إنتاجاً وبالتالي لايمكننا الحديث عن وجود سينما عراقية بالمعنى العملي للعبارة . لقد ألفت كتباً تحت عنوان " السياسة السينما في العراق من سنة 1945 إلى 2000 لم يطبع بعد حللت فيه البنية الانتتاجية في العراق وتناولت كل مايتعلق بهذه السينما من جميع الجوانب . إن توفر مناخ الحرية شرط أساسي وجوهري للفنان لكي يبدع بحرية وإطمئنان بعيداً عن الخوف ولكن الحرية وحدها لاتكفي .
الذي نحتاجه اليوم في العراق هو وضع أسس جديدة ومعايير جديدة لإنتاج سينمائي سليم والبدء من نقطة الصفر تقريباً مع استغلال طاقات وخبرات الكادر السينمائي الوطني المتوفر حاليا والذي درس السينما وتعلم أصولها الجمالية أكاديمياً في أعلى المعاهد السينمائية العالمية من أجل خلق وتنمية كوادر وأجيال جديدة من السينمائيين الشباب المطلعين على السينما العالمية والمواكبين لتطورها والواعدين والمتمكنين من أدوات مهتنتهم الإبداعية لكي يستغلوا هذا المناخ الملائم من الحرية والديموقراطية كما يجب توفير الوسائل لهم لكي يبدعوا في مناخ حر ومستقل بعيداً عن الضغوط المادية والتجارية . من هنا علينا أن نعيد النظر في برمجة وإعادة هيكلة أقسام السينما والفنون السمعية البصرية في معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون أو استبدالها بمعهد عالي للدراسات السينمائية المحترفة في مختلف الاختصاصات يكون بديلاً عن هذا التشرذم على غرار المعهد العالي للسينما في القاهرة وتوفير الطاقم التدريسي المؤهل له وتزويده بكافة المعدات والأجهزة الضرورية ووضع أسس ومعايير وشروط صارمة للقبول في المعهد بعيداً عن الواسطة والرشوة والمحسوبية والمنسوبية حيث يكون المعيار الوحدي للقبول هو الموهبة والدافع الفني الجقيقي والصادق للطالب مع توفر الثقافة السينمائية العالية لديه ، وهذا يقودني إلى موضوع تنشيط وتأسيس سبل الثقافة السينمائية عبر نوادي السينما والحلقات الدراسية السينمائية ونوادي الهواة وتنظيم الملتقيات والدورات التدريبية البسينمائية وتوفير الكتب السينمائية وترجمة ما يخرج منها من جديدة في كل لغات العالم ودعوة كبار المخرجين والتقنيين في العالم للمشاركة في حملة التثقيف السينمائية الوطنية وتوفير الأفلام الحديثة والجادة ومايكتب عنها من دراسات وتحليلات لموكابة الأساليب الحديثة في مجالات الإخراج والتصوير والخدع السينمائية والمؤثرات الصورية والصوتية وإصدرا مجلة سينمائية متخصصة التي تنشر التجارب السينمائية وتعرّف بالمخرجين العالميين القدماء منهم والجدد وتقدم التجارب العالمية الشابة والجريئة وتشجع المحاولات التجريبية العراقية لتعبر عن نفسها سينمائياً من أجل خلق مدرسة سينمائية عراقية متميزة أو خلق تيار سينمائي أو موجة جديدة من السينمائيين الشبان يكونون قادرين على إعادة الروح لهذه السينما الغارقة في غيبوبة .
وكلما كان الفيلم عراقياً أصيلاً وعريقاً في معالجته وطبيعة موضوعه المحلية ألأصيلة كلما كان يمتلك الحظ والفرصة لكي يصبح عالمياً ويفرض نفسه بين أقرانه من انتاج مبدعين في دول أخرى من العالم ، جيل يمتلك أدوات الإبداع ويمتاز بالاتقان في الصنعة ويحترم الأسس الجمالية للغة الإخراجية . يكون المخرج جيداً ومبدعاً عندما لاينقاد للسهولة ويضع كاميرته في أي مكان وفي أية زاوية بصورة عشوائية وبدون دراية أو تبرير جمالي مقنع ولا يستخدم عشوائيا العدسات والمرشحات والخدع السينمائية بغية الإبهار واستعراض العضلات التقنية ولا يهمل الجانب التعبيري للإنارة والحركة والإيقاع وتكوين الكادر وتوجيه الممثل الخ .. باختصار ألا يستسلم للسهولة في تصوير اللقطة كأي هاوي توضع بيده كاميرا سينمائية لأول مرة يلتقط فيها صوراً لايتدخل في تشكيلها وتطوينها وتركيبتها ومفرداتها الجمالية والتعبيرية بغية إنتاج وإبداع معنى محدد .
• كيف للنقد السينمائي أن يخدم الفيلم السينمائي بالاتجاه الذي يجعل من السينما مادة ثقافية مؤثرة في المتلقي؟
ـ النقد السينمائي مجال واسع من مجالات الثقافة السينمائية ورافد من روافد التجربة السينمائية الحديثة في العالم. هناك مجلات سينمائية ونقاد سينمائيين في العالم تمكنوا من خلق سينما بديلة وزرع أسس جمالية للغة الإخراجية الحديثة ولدينا في تجربة الموجة الجديدة الفرنسية أكبر برهان فقد بدأت عبر حفنة من النقاد السينمائيين المتولهين بعشق السينما ومشاهدة الأفلام جمعتهم مجلة كراسات السينما " كاييه دي سينما" حددوا المعايير الجمالية للسينمائي التي يريدونها بديلا عن السينما الكلاسيكية السائدة آنذاك في أواخر الخمسينات من القرن الماضي ثم انتقلوا بعد ذلك إلى ميدان الإخراج السينمائي وقدموا افلاماً رائعة خلدها تاريخ السينما وكانوا رواداً لمدرة الموجة الجديدة الفرنسية من أمثال جان لوك غودار وفرانسوا تروفو وكلود شابرلو وإريك رومير وألان رينيه وغيرهم كثيرون لايسعنا المجال لذكر أسمائهم وافلامهم التي دمغت تاريخ السينما بطابعها الخاص والمتميز .نفس الشيء يمكن أن نقوله عن مجموعة النقاد السينمائيين المصريين مثل سمير فريد ويوسف شريف رزق الله ورفيق الصبان وغيرهم الذين كتبوا في مجلة السينما المصرية وشجعوا على خلق موجة السينما المصرية الشابة في بداية الستينات من القرن الماضي . أي أن للنقد السنمائي دوراً إيجابياً في عملية التقويم الجمالي والنقدي للفيلم ورفد الثقافة السينمائية بالمعلومات والدراسات النقدية والمتابعة الجمالية للسينما العالمية .


ـ جمعت السينما عند مجيئها الكثير من الفنون والحرف ، وبعد ثورة الكومبيوتر صارت هذه الفنون أميل الى الانصهار تدريجيا الى فن يعتمد على تقنيات الكومبيوتر . هل تتوقع مستقبلا أن تكون السينما فناً كومبيوتريا ؟


*إن السينما منذ نشأتها فن جمع كافة الفنون التي سبقته وقد سمي بالفن السابع ففيه نجد الموسيقى وتنوعاتها وإيقاعاتها كما نجد الفن التشكيلي في تكوين اللقطة وتركيباتها الجمالية ، وبالطبع نجد أيضاً فن التصوير الفوتوغرافي وهكذا باقي الفنون إلا أن التلفزيون لم يعد فناً قائماً بذاته فهو وسيلة اتصال لا وسيلة تعبير، والشيء نفسه ينطبق على الكومبيوتر فهو اختراع تقني استعمل على أنه وسيلة أو أد
اة لعرض ومعالجة النتاجات الفنية الأخرى وعليه لايوجد هناك خطر حقيقي مباشر على السينما من هاتين الوسيلتين بينما من المفترض أن تستفيد السينما من التقنيات العالية والمتطورة لهاتين الوسيلتين المتطورتين للارتفاع بمستواها الفني مثل تطوير الخدع السينمائية والمؤثرات البصرية والسمعية وتسهيل عملية الاتصال الجماهيري والوصول إلى الجمهور بطرق أخرى غير حالات العرض السينمائية كالأقراص الليزرية أو البرامج الكومبيوترية وأجهزة التلفاز ذات الدقة المتناهية في نقل الصورة، من هنا يمكننا القول أن السيما لايمكن أن تكون فناً كومبيوترياً لكن عملية المونتاج الإبداعية في السينما يمكن أن تتم بوساطة أجهزة كومبيوتر متطورة وبرامج خاصة تساعد في إتمام عملية المونتاج على الكومبيوتر.
ـ تسعى الفنون جميعا الى التسامي الى فن الموسيقى ، هل تظن أن السينما هي ايضا من الممكن أن تصل الى مستوى التجريد على الرغم من أنها فن موضوعي وليس ذاتي ؟
*من المتعارف عليه أن الموسيقى هي أرقى الفنون وأنبلها، وهي فن يمتلك لغته الخاصة وطرقه الخاصة في الولوج إلى الوجدان البشري. أما السينما فهي بالفعل فن موضوعي وليس ذاتي، كمما هي حال الموسيقى، كما أن هناك أنواع من السينما تسمى بالسينما التجريبية تتعامل مع الصوت والصورة كما تتعامل الموسيقى مع النغمة واللحن،فهي سينما سيمفونية، من يراها يشعر كأنه يسمع كونشرتو لواحد من كبار المؤلفين الموسيقيين وكل شيء فيها محكم كالموسيقى، لكنها سينما مقتصرة على النخبة وليست جماهيرية كما هو حال السينما التقليدية أو السينما الاستعراضية الهوليودية.
ـ جمعت السينما الناس ووفرت لهم فرصة الاستمتاع المشترك والجماعي لمشاهدة أفلامها وكونت بذلك طقسا عصريا يغذي روح الانسان وعقله بآخر ما استجد من ابداع في هذا المجال وحين جاء التلفزيون فرق الناس من جديد وخلق العزلة . ثم جاء الكومبيوتر والانترنيت لتزداد عزلة الانسان وليس من المستبعد ، في اعتقادي أن يؤثر ذلك فيؤدي الى برودة العاطفة لدى الانسان المعاصر . هل تظن ان السينما قادرة على ان تكون منافسا جديا للتلفزيون والكومبيوتر والانترنيت وتعيد الانسان الى الانسان؟
*بالفعل، عندما ظهرت السينما في أواخر القرن التاسع عشر كانت حدثاً مذهلاً جمعت حولها الناس من كل مستوياتهم الاجتماعية والطبقية، ووحدتهم في طقس جميل هو طقس المشاهدة. كان المشاهدون بمختلف انتماءاتهم ومستوياتهم الثقافية يتغذون من ابداعات هذا الفن الجميل الجديد في ذلك الوقت. وعندما ظهر التلفاز في أواسط القرن العشرين لم يتمكن من القضاء على طقس المشاهدة السينمائي بل غير من طبيعة تعامل السينما مع الجمهور إذ فضل الكثير من المشاهدين البقاء في بيوتهم ومشاهدة الأفلام السينمائية من على شاشات التلفاز الصغيرة مضحين بذلك بنوعية الصورة وجمالياتها مكتفين بالاطلاع على الموضوع وفحوى الأفلام. إن السينما من الممكن لها أن تعيش بدون التلفاز ولكن لا يمكن للتلفاز أن يعيش بدون السينما، فوسيلة استقطاب التلفزيون للمشاهدين هو عرضه لأكبر عدد ممكن من الأفلام السينمائية أما الكومبيوتر والإنترنت فلها حديث طويل. صحيح أننا يمكن من خلال الكومبيوتر والإنترنت مشاهدة الأفلام ونسخها على الأقراص المدمجة لكنها لا تغنينا عن مشتهدة الأفلام داخل صالات عرض متخصصة لأن المتعة لا يمكن أن تقارن بين الوسيلتين أو مكان العرض. من هنا كانت السينما وستظل المنافس الأكبر لكل الفنون الأخرى بما فيها التلفاز والكومبيوتر والإنترنت.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيار الديني معضلة واشنطن في العراق
- جدلية القوة والضعف في أعمال المخرج الألماني فيرنر هيرزوغ
- على مفترق الطرق : العراق وآفاق الحل
- العراق : اليوم وما بعد اليوم هل يمكن أن تصبح بلاد الرافدين ف ...
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- تداعيات من داخل الجحيم البغدادي
- الإسلام يهدد الغرب أم يتعايش معه ؟
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- رؤية أمريكية للوضع في الشرق الأوسط
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- أمريكا ومنهج التجريب في العراق : قراءة في تحليلات وسائل الإع ...
- الرؤوس المفكرة الأمريكية في خدمة الدولة العبرية
- التيار الديني معضلة واشنطن في العراق
- تقرير عن حقوق الإنسان في العراق
- حلول اللحظة الأخيرة للمحنة العراقية
- عراق الأمس وعراق الغد : بين طموحات التحرر ومطامع الإمبراطوري ...
- حرب النفط الأمريكية وإعادة رسم خارطة العراق والعالم العربي
- مأزق واشنطن في العراق: نظرة تجديدية
- تحية إلى الحوار المتمدن نافذة مضيئة للرأي الحر


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جواد بشارة - حوار مع جواد بشارة