أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها















المزيد.....

في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2553 - 2009 / 2 / 10 - 09:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أحد المواقع المهملة عادة الذي يمكن منه تتبع الأوضاع السورية وتحولاتها هو الإيديولوجية الرسمية، مضمونها وحضورها في المجال العام. هي مهملة لأن من قد يتكلمون في الشأن السوري هم إما موالون يصدرون عنها ويعتبرونها معطى طبيعيا، أو معارضون يعتبرونها عموما ركاما من الأكاذيب. ليست هذا ولا ذاك، إنها ...إيديولوجية. وظيفتها أن تخفي أو تموه العمليات الواقعية الجارية بأن تضفي صفة عامة على ما هو خصوصي، وضرورية على ما هو عارض، وكلية على ما هو جزئي، ومستمرة على ما هو متقطع أو متقلب، وتناغمية على ما هو صراعي، بالطبع وطنية على ما هو متصل في حقيقة الأمر بمواقع نخبة السلطة ومصالحها. ولهذه الاعتبارات يفترض عموما أنه "ليس للإيديولوجية تاريخ" ذاتي، ما دامت وظيفتها الجوهرية إنكار التحول والانقطاع، وتأكيد توافق الواقعي (الجزئي والخصوصي والعارض والصراعي والمتقطع..) مع الحقيقي (العام والضروري والمستمر والمنسجم والوطني..). ومن أجل ذلك على الإيديولوجية أن تصون ثباتها هي قبل الجميع، أي أن تحجب تحولاتها الذاتية وتبرز لنفسها ديمومة لا انقطاع فيها. وإذ تتصل الإيديولوجية السورية ببنى السلطة ونمط ممارستها (هي إيديولوجية الحكم السوري) فإنه تحرص على نسبة اتساق ودوام لسياساته (الحكم) وتوجهاته قلما تتصف بهما الشؤون الإنسانية عامة، ولا يندر أن تتعارض تعارضا تاما مع واقع الحال السوري.
ولعل الوظيفة الاتساقية للإيديولوجية السورية هي ما أخفت تحولات مهمة في بنية هذه الإيديولوجية ذاتها تحيل بدورها إلى تحولات في المجتمع السوري وفي تكوين طاقم الحكم في البلاد.
التحول الأبرز في الإيديولوجية السورية يتمثل في تراجع الإحالات الاشتراكية في الخطاب الرسمي لمصلحة تصور تعاوني للمجتمع، يبرز الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع لما فيه خير البلاد و"المصلحة الوطنية". الكلام على العمال والفلاحين والجماهير الشعبية الكادحة لم ينقرض، لكن حضوره اليوم أقل من أية أوقات سابقة. وهو لا يكاد يحضر على لسان مقرري السياسية الفعليين. ويعكس هذا التحول مزيجا من لبرلة الاقتصاد السوري ودورا متناميا للرأسمالية الخاصة في الناتج الوطني ونفاذا واسعا لها إلى الحكومة والبرلمان، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى تراجع وزن ودور النقابات، اتحاد العمل واتحاد الفلاحين بخاصة، في صوغ السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية. بل ربما يمكن الكلام على تراجع نسبي لدور حزب البعث نفسه، حتى كأداة حكم.
إن الشرائح التي كانت تتعرف في الخطاب الشعبوي على رموز عالم ألفته وسكنت إليه: موظفي الدولة، عمال القطاع العام، معلمي المدارس ومدرسي الجامعات، عموم عناصر الأجهزة الأمنية والجيش، فلاحين متوسطين وصغار في الأرياف والبلدات الصغيرة والمتوسطة، تخبر تراجعا في دخولها وفي نفوذها العام، بينما يصعد وزن وحضور "أبناء المسؤولين" وشباب من الطبقة الوسطى أفضل تأهيلا، وتبرز أنماط حياة "بيروتية" في دمشق بخاصة، وبدرجة أقل في مدن سورية أخرى.
لكن هل يجري التخلي بسهولة عن الخطاب الشعبوي ومفرداته الاشتراكية؟ ليس بسهولة. الواقع أن المرء يسمعه بين وقت وآخر على ألسنة قياديين بعثيين لا يندر أن يعبرون عن وجهات نظر ومواقف متحفظة أو حتى معادية للفريق الاقتصادي في الحكومة؛ ويجد تعبيرات عنها في الصحف الرسمية، كما في صحف التنظيمين الشيوعيين في "الجبهة الوطنية التقدمية"، تعكس قلقا متزايدا من لبرلة الاقتصاد.
التحول الثاني في الإيديولوجية السورية، والذي ربما يسهم في تفسير التخلي النسبي عن الخطاب الشعبوي، يتمثل في النزعة الوطنية السورية عالية النبرة التي يتبينها المرء في وسائل الإعلام الحكومية جميعا، لكنها أعلى بعد في وسائل الإعلام الخاصة (فضائيات، صحف،..). الوطنية السورية المتماهية مع النظام هذه لا تفصل نفسها عن العروبة، لكنها ذات تمركز سوري غير مسبوق. يستبطن هذا التطور ظروفا خاصة، تمثلت في شعور منتشر بخطر داهم في السنوات الخمسة أو الست الأخيرة مع احتلال الأميركيين للعراق والمسار الخطير الذي انزلق فيه لبعض الوقت، لكن بخاصة مع الخروج القسري للقوات السورية من لبنان ومهاجمة لبنانيين لسوريين في لبنان ولسورية بعامة، وعلاقات متردية مع مصر والسعودية. إلا أن الشيء الأهم هو تشكل من نوع ما لداخل سوري: اقتصاد مستقل نسبيا، إعلام مستقل نسبيا، جامعات مستقلة نسبيا، طبقة وسطى محدودة ومستقلة نسبيا، شباب سوري مستقل بعض الشيء.. ومحصلة هذا التشكل اتساع دائرة الاهتمام العام، وانضمام خواص مستقلين إليها من مواقع موالية للنظام أو قريبة منه، دون أن تكون بعثية أو جبهوية. الوطنية السورية تبدو هي الإيديولوجية المنسابة ليتوحد هذا المجموع ويعي ذاته. القومية العربية أقل صلاحية لهذا الغرض.
هذه هو الشيء الأساسي، لكن ربما نتبين عاملا مكملا وراء علو النبرة الوطنية: ليس لدى السلطات الكثير مما تقدمه غير البلاغة الوطنية لجمهور تتفكك شبكات الضمان الاجتماعي الشعبوية التي كانت تحميه جزئيا دون أن تتكون شبكات جديدة. الوطنية هنا منبع مفترض للتماسك الاجتماعي الذي يهدده تحرير الاقتصاد. ولعلها كذلك تعويض عن تراجع الخطاب الشعبوي.
ولعله ثمة أيضا عنصر تكنولوجي كذلك، أو بالأدق ميديولوجي، وراء السورية الصادحة اليوم: الحيز المهم نسبيا للإعلام الإلكتروني والإذاعات الخاصة (موجات "إف إم"، لا تبث أخبارا، تتوجه إعلاناتها نحو المستهلك السوري، وتتكلم بالمحكية السورية العامة) والصحف الخاصة. تبدو مواقع الانترنت السورية سورية إيديولوجيا، لا تكاد تهتم بأي شأن غير سوري إلا من وجهة نظر تأثيره المحتمل على الشأن السوري. والأمر نفسه ربما يصح على الصحف والمجلات الخاصة. وعلى استقلاليتها المحدودة جدا، تعمم الصحف والمجلات هذه بلاغة وطنية قصوى، أكثر تشددا حيال خصوم النظام العرب، بينما يبدو الإعلام الرسمي أكثر تحفظا و"رصانة".
هل من دلالات مستقبلية يمكن نسبتها إلى هذه التقديرات؟ لقد اقترن تأميم الاقتصاد بالإيديولوجية العروبية وبتأميم السياسية (احتكارها من قبل "الدولة الحزبية"، ممثلة "الأمة"). ويبدو أن تغيرات الاقتصاد تتوافق مع تغيرات إيديولوجية، فهل يحتمل أن تكون مضادة للعروبة السياسية؟ نرجح أن تستوي الوطنية السورية أداة تعبئة وتوحيد محليين، لكن من غير المحتمل أن يكون ذلك على حساب العروبة، حتى وإن نشأت موجات إيديولوجية عابرة مضادة لها. هل يحتمل أن تواكب هذه التحولات الاقتصادية والإيديولوجية تحولات سياسية؟ ليس على المدى القصير. أما على المدى الأبعد، فمن يدري؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره
- البوشية وتحطيم الديمقراطية
- الصراع الوجودي والصراع العدمي
- ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي
- في نقد لبنان.. خواطر في شأن بيروت والثقافة والحرية
- أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!
- كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً
- .. لكن أين يوجد -العرب-؟!
- بلى، هناك بديل فلسطيني!
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!
- حماس وعبّاس والشيطان
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها