أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - كاظم حبيب - كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات في غرب وجنوب العراق؟ الحلقة الأولى / الثانية - المؤشرات الأساسية للإنتخابات وعوامل انتصار قائمة ائتلاف دولة القانون















المزيد.....


كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات في غرب وجنوب العراق؟ الحلقة الأولى / الثانية - المؤشرات الأساسية للإنتخابات وعوامل انتصار قائمة ائتلاف دولة القانون


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 2553 - 2009 / 2 / 10 - 09:08
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    


انتهت الانتخابات وظهرت النتائج التي تشير إلى مجموعة مهمة من المؤشرات التي تستوجب الدراسة والتحليل السياسي واستخلاص الدروس الضرورية منها. نشير هنا ابتداءً إلى أهم هذه المؤشرات:
1. عزوف نسبة عالية جداً من الناخبين (حوالي 49%) عن المشاركة في التصويت , وهي أقل من الدورة السابقة بحوالي 20 نقطة. وإذ ازداد عدد المشاركين في محافظات غرب بغداد نسبياً , لوحظ انخفاض شديد في عدد المشاركين من محافظات الوسط والجنوب , إضافة إلى الأنبار (40% فقط). كما أن بغداد شهدت عزوفاً حقيقياً عن المشاركة , إذ بلغت نسبة المشاركة فيها 40 % فقط , وهي نسبة تستدعي التوقف عندها والتفكير الجدي بشأن خيبة أمل البغداديين.
2. حصول قوى الإسلام السياسي مجتمعة على نسبة عالية من الأصوات في مختلف المحافظات التي جرت فيها الانتخابات. وهو تعبير عن أن هذه القوى لا تزال تختفظ بتأثير واضح على الناخب العراقي , رغم التراجع الشديد في نسبة المشاركة في التصويت وتراجع نسبي محدود عن تأييد الأحزب افسلامية الطائفية.
3. القوى الإسلامية السياسية لم تحصل على ذات الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة , وهو تأكيد على تراجع تأثيرها نسبياً.
4. حصلت قائمة أئتلاف دولة القانون التابعة لرئيس الوزراء على قصب السبق في هذه الانتخابات في محافظات الوسط والجنوب , في حين لم تحقق إلا القليل في المحافظات الغربية وفي الموصل.
5. تعرض المجلس الإسلامي الأعلى إلى خسارة كبيرة وفادحة في جميع المحافظات دون استثناء ورجع إلى الموقع الثاني أو الثالث أو الرابع , كما في بغداد.
6. شهدت هذه الانتخابات تفتتاً واسعاً في قوى الائتلاف الوطني العراقي (قوى الإسلام السياسي) وغياباً مباشراً للتيار الصدري , رغم تأييده لتيار الأحرار الذي هو بالأساس من مكونات التيار الصدري.
7. تبلور وتجسد الضعف الشديد لكل القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية كل على انفراد وفي جميع هذه المحافظات , إذ لم تتجاوز نسبة ما حققه بعضها عن 2% وتراوح أغلبها بين أقل من 1% و2%.
8. إذا أخذت القوى الديمقراطية واللبرالية مجتمعة فيمكن أن تتراوح نسبتها بين 6-10 % , وهي نسب متباينة بين محافظة وأخرى.
9. حصلت القوى القومية وتلك المساندة لحزب البعث أو من جذوره على بعض النجاح في محافظات غرب بغداد والموصل , ولكنها لم تحقق إلا القليل في محالفظات أخرى في الوسط والجنوب.
وحين نتابع أجواء الانتخابات فيمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
أ . وقوع أخطاء غير قليلة من جانب المفوضية المستقلة , ومنها عدم وجود أسماء الكثير من الناخبين في لوائح من يحق لهم التصويت.
ب . ارتكاب تجاوزات من بعض القوائم الرئيسية المشاركة في الانتخابات والتي أشار إليها الكثير من المستقلين.
ج . اعتبار المفوضية المستقلة ليست مستقلة بسبب بنيتها القائمة على أساس
المحاصصة الطائفية , إذ أن أعضائها يعودود لقوائم وقوى وأحزاب سياسية.
د . عدم تكافؤ الفرص أمام المرشحين في الحملة الانتخابية , سواء أكان باستخدام أجهزة إعلام الدولة , أم بوضع أجهزة الدولة ذاتها وأموالها في خدمة قوائم معينة تابعة لقوى حاكمة أم بالغنى الفاحش للبعض والفقر الواهن للبضع الآخر. والذي تجلى في محاولات شراء الأصوات قبل يوم الاقتراع.
هـ . جرت الانتخابات بأجواء هادئة عموماً , رغم سقوط بعض الضحايا في فترة المنافسة وبعد الانتخابات.
و . شكوك لدى أغلب القوى غير الفائزة أو التي حققت نتائج متواضعة في وجود تزوير في بعض المناطق الانتخابية وقدمت مذكرات اعتراض.
ز . أشار الكثير من المراقبين الأجانب وممثل الجامعة العربية وممثل الأمم المتحدة إلى أن الانتخابات جرت في أجواء مناسبة ولم تحصل مشكلات كبيرة وتبشر بتحسن مستمر في هذا المجال.
ح . تشير استطلاعات الرأي إلى أن تحولاً نسبياً محدوداً لدى نسبة من الناخبين بعيداً عن الهوية الطائفية والالتزام بالقوى الطائفية في اختيار المرشحين والتوجه صوب الهوية الوطنية والمواطنة العراقية , إلا أن علينا أن لا نبالغ بهذا التوجه ونهلل له بشكل خاطئ ومبالغ فيه , بل يستوجب بذل المزيد من الجهد في سائر أرجاء العراق حيث تمت فيها انتخابات مجالس المحافظات. وأن هذا يعني بأن المواطن امتلك حرية أكبر في الاختيار بين المرشحين والقوائم المطروحة للانتخاب. ولا شك في أن هذا التوجه والأجواء الجديدة هي جيدة وضرورية , ولكن يفترض علينا أن نعي حقيقة الوضع والصراعات الجارية والعوامل الفاعلة في مجمل المسيرة الراهنة وما بين السطور والتغيرات المحتملة عليها.
هذه هي أبرز المؤشرات التي أمكنني التقاطها عبر نتائج الانتخابات والأجواء التي تمت فيها. والسؤال الآن هو : كيف نحلل ونفسر هذه النتائج وكيف نستخلص منها الدروس المناسبة.
حققت قائمة رئيس الحكومة التي خاضت الانتخابات تحت اسم جديد غير اسم حزب الدعوة الإسلامية , بل تحت شعار حقق للناس الأمن في العراق , وأعني به ائتلاف "دولة القانون" , ولم يكن في مقدور قائمة رئيس الوزراء تحقيق مثل هذه النسب العالية لو لم يتجاوز اسم حزب الدعوة الإسلامية. وهو أمر جيد.
وعلينا في هذا الصدد أن نتذكر بأن الانتخابات التي جرت في عهد الدكتور أياد علاوي قد منحت قائمة الدكتور العلاوي نسبة مهمة من الأصوات , في حين لم يحصل عليها حين غادر رئاسة الحكومة. فوجود السيد نوري المالكي على رأس الحكومة واستخدامه المنبر الحكومي في الدعاية الانتخابية وكذلك أجهزة إعلام الحكومة وبعض دوائر الدولة وأموال الدولة كان لها تأثير واضح على وجهة التصويت. ولكن ما هي الأسباب الحقيقية الأكثر أهمية في فوز قائمة رئيس الوزراء؟ يبدو لي الأمر على النحو التالي:
1. لقد استوعب السيد رئيس الوزراء ومجموعته الحزبية القيادية , وهو يقود الحكومة خلال الفترة المنصرمة , بأن السكوت عن جرائم المليشيات الطائفية المسلحة وتركها تعبث بأمن البلاد يقود إلى المزيد من الموت والدمار في العراق , وأنه يغامر بمستقبله السياسي إن واصل السكوت. فعمد بصواب إلى تلك الحملات لفرض دولة القانون التي تعاون فيها مع القوات الأجنبية , فحقق نتائج كبيرة في الحفاظ على الأمن والاستقرار , وحصل على تأييد واسع من الأوساط الشعبية ورئاسة الدولة وبعض القوى السياسية على صعيد العراق كله. إن تراجع الموت اليومي الواسع إلى عدد قليل يومياً وتراجع الدمار والخوف الدائم على الحياة هو مكسب كبير لا يجوز التغاضي عنه ويعود له بشكل خاص فضل كبير لا يجوز إهماله. وأهم ما في الأمر أنه اقتنع بموقف السفارة والإدارة الأمريكية بضرورة إعادة التوازن النسبي المفقود في التعامل والعمل مع سكان العراق العرب من اتباع المذهب السني وتأييده لقوى الصحوة التي كسبها الأمريكيون لصالح العملية السياسية السلمية ومكافحة قوى القاعدة المجرمة. وكان النتيجة مكسباً للجميع.
2. لقد تبنى السيد رئيس الوزراء خطاباً عراقياً وطنياً في أحاديثه وخطبه السياسية في الحملة الانتخابية بخلاف تكوين حزبه المذهبي الذي نشأ على أساس طائفي ولا يزال كذلك كمؤسسة حزبية. وقد كان لهذا التوجه أهمية بالغة في خلق أجواء أكثر إيجابية لأغراض المصالحة بين السكان العرب. وركز في دعوته على المواطنة والكفاءة , بغض النظر عن واقع التمييز المتعدد الجوانب الراهن , وهو أمر مهم جداً أضفى أجواء جديدة في الخطاب السياسي الرسمي العراقي.
3. لقد تبنى شعار إقامة عراق قوى. ومثل هذا الشعار وجد (ويجد) صوى طيباً لدى الجماهير الواسعة التي ذاقت الأمرين خلال السنوات الست المنصرمة بسبب ضعف الحكومات وترددها وعدم قدرتها على إنجاز ما كانت تلتزم به كالتخلص من المليشيات والفوضى والإرهاب والدم. وقد فسر هذا لدى بعض القوى بأنه يريد عراقاً قوياً بمعنى المركزية المشددة. ويمكن أن تتضمن دعوته ذلك , ولكن مثل هذه الدعوة لن تقود عندها إلى نتائج إيجابية بل تتسبب في عواقب وخيمة , ولكنها في البداية تجد التأييد لدى الكثير من الناس بسبب الذاكرة القصيرة ادى الناس عموماً في الشئون السياسية وفي الحكم الفردي والاستبداد. وارجو أن لا يقصد السيد رئيس الوزراء ذلك. نحن بحاجة إلى عراق دستوري ديمقراطي برلماني قوي , أي بحاجة إلى دولة القانون الديمقراطية القوية التي تحترم الإنسان والمصالح وحقوق الإنسان وحقوق القوميات , ولسنا بحاجة إلى حكم فردي غير دستوري وغير ديمقراطي وغير برلماني في العراق , نحن بحاجة إلى دولة وطنية وديمقراطية فيدرالية , ولسنا بحاجة إلى دولة دينية أو طائفية , نحن بحاجة إلى دولة مدنية علمانية تؤمن بأن "الدين لله والوطن للجميع". ومثل هذا الاتجاه يكرس وجود رئيس الوزراء ويحقق له نتائج إيجابية في الانتخابات العامة القادمة.
4. لقد اتخذ السيد رئيس الوزراء موقفاً معارضا لبعض مواقف قيادة وحكومة إقليم كُردستان في بعض المسائل. وقد وجد تأييداً واسعاً له لدى الكثير من الناس العراقيين العرب , كما وجد ذلك بين كثرة من المثقفين الديمقراطيين العراقيين لا بسبب عداء أو كراهية أو شوفينية إزاء الشعب الكُردي , بل لسبب أساسي , كما أرى , هو أن بعض سياسات وتصريحات قادة الإقليم أو الناطقين باسم حكومة الإقليم لم تكن مدروسة جيداً وكانت مليئة في بعض الأحيان بالتشنج والتهديد والرفض القاطع التي لا يُفترض استخدامها في العمل السياسي السلمي المنشود في العراق والتي وجدت ردود فعل مماثلة من جانب رئيس الحكومة الاتحادية في بغداد. كم هو ضروري أن نقول ذلك وبكل صراحة وودٍ لأخوتنا في القيادة الكُردستانية , لكي تتجنب التشديد , بل تسعى إلى توضيح الحقوق والواجبات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ومعالجة هادئة للمشكلات المعلقة. فالعراق فيدرالي وليس كوننفدرالي , وهو فارق كبير في الحقوق الداخلية وفي المسئوليات الداخلية والخارجية والعلاقات الدولية. وقد كتبت عن ذلك , كما شارك التجمع العربي لنصرة القضية الكردية , سواء عبر الكتابة في الصحف والمواقع الإلكترونية أم عبر الرسائل الخاصة غير المنشورة أو الرسائل المفتوحة , بهدف التنبيه إلى أهمية أخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار والاهتمام بتأثيرات ذلك على الوضع النفسي للناس في المنطقة العربية من العراق والحكومة الاتحادية. وهذا لا يعني التنازل عن الحقوق , بل قنونة الحقوق والصلاحيات وفق الدستور. كما كان الموقف متشدداً إزاء مقترح التعديلات الدستورية , إذ كانت هناك مطالب كثيرة في تعديل الدستور , ولكن لا يعني التعديل باتجاه سلبي أو تقريم أو تقليص حقوق وصلاحيات حكومة إقليم كردستان , بل منح العلاقة أطراً ومضامين دستورية.
5. لقد حققت قائمة السيد رئيس الوزراء نجاحاً في أغلب محافظات الجنوب والوسط , ولكنها حققت وبشكل خاص نتائج كبيرة في كل من بغداد والبصرة. ففي بغداد كانت مظاهر الفوضى والإرهاب والموت على أوسع نطاق , وفي البصرة كان الإيرانيون هم المؤثرون مباشرة بل أحياناً هم الحاكمون , وكانت فيدرالية الجنوب هي الدعوة والدعاية الرئيسية للمجلس الإسلامي الأعلى وتوابعه مثل السيد وائل عبد اللطيف , وكانت المليشيات الطائفية المسلحة هي المهيمنة والمتجبرة في البصرة وعموم الجنوب. فجاء الرفض من جانب الغالبية الشعبية لتلك القوى التي دعت إلى كل ذلك , وساندت القوى التي رفضت كل ذلك لصالح القرار العراقي ووحدة الجزء العربي من العراق , غضافة على وحدة العراق الفيدرالي ككل.
6. لقد توفق السيد رئيس الوزراء , وبدعم من قوى غير قليلة , في الوصول إلى حل عملي للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق والتي وجدت تعبيرها في اتفاقية ما كان بالإمكان أن تكون أفضل , رغم رغبة الطرف العراقي في تحسينها. فموازين القوى فرضت ذلك , وكان الصواب بجانبه وبجانب من أيده في هذا الصدد. وها نحن نتابع تطور هذه العلاقة في أعقاب وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. إذ يمكن تسريع الكثير من الأمور , وخاصة انسحاب القوات الأجنبية دون التفريط بالأمن والاستقرار والسلام , وكذلك بالبناء الاقتصادي والتخلص من الفساد المالي والإداري والطائفية السياسية ..الخ.
7. لقد جاء انتصار قائمة السيد المالكي على حساب القوى الطائفية المغرقة بالتزمت الديني والمذهبي والمتشبثة بمواقف لم تعد مقبولة من الكثير من الناس , فحولت تأييدها لصالح قائمة "إئتلاف دولة القانون بدلاً من المجلس الأعلى الإسلامي أو الصدريين الذين اختفوا وراء قائمة تيار الأحرار أو الجعفري. وهو أمر مهم وخطوة أولى على طريق طويل للتخلص من الطائفية. لقد شعر الناس ببعض الحرية الضرورية في مأكلهم وملبسهم ومظهرهم , حريتهم في فنهم وفي التعبير عنه اجتماعياً. إن الظلم والظلام إن داما دمرا. وقد أدرك السيد رئيس الوزراء ذلك , وأرجو أن يكون بالعمق الضروري كله في ما يخص حرية الإنسان وحقوقه كاملة غير منقوصة للرجل والمرأة ولكل المواطنين.
8. أشعر بحاجة ملحة وبروحية مخلصة أن أقول للسيد رئيس الوزراء وبصوت مرتفع وليس همساً بإن هذا التصويت الجيد لصالح قائمته لم يكن لحزبه الإسلامي السياسي القائم على المذهبية , التي لا تعني في السياسة سوى الطائفية , والتي لم يكن حزبه يتمتع بها قبل ذاك , أولاً , ويفترض عليه أن لا يخيب آمال الناخبين بالتحول صوب الهوية العراقية والمواطنة العراقية ونبذ الطائفية وبناء حزب يستند إلى قاعدة الشعب وليس الطائفة كما ورد في قائمته الانتخابية , وأن يسعى إلى تكريس الدولة والمجتمع المدنيين والديمقراطية , وأن يجد علاقات أفضل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم لصالح المصير المشترك الواحد والدولة الواحدة والتقدم والسلام وفي ضوء قوانين تستند إلى الدستور وحل المشكلات القائمة بالطرق التفاوضية والسلمية وأن ينهي كلية شعار فيدرالية الجنوب التي تقسم الشعب العربي في العراق إلى قسمين وتخلق الكثير من المشكلات بدلاً من حل أي مشكلة في العراق ثانياً , وأن يتعامل وفق قاعدة "الدين لله والوطن للجميع" ثالثاً , وأن يحشد حوله المخلصين من العراقيات والعراقيين , وليس من حزبه أو من أتباع المذهب الشيعي فقط , إذ أن هذا يكرس لدى مكتب ومستشاري رئيس الحكومة مضمون الطائفية بعينها. إن القول الذي طرحه أحد أعضاء حزب الدعوة بقوله أن كوندليزا رايس نصحت السيد رئيس الوزراء ودعته إلى جمع المخلصين له حوله , هذه القاعدة لا تعني جمع أعضاء حزبه , فالمستقلون وأعضاء أحزاب أخرى وطنية يفترض أن يتمسكوا في التعامل مع موقع رئيس الوزراء على أسس دستورية وواجب وطني وليس ولاءً شخصياً فقط. فالولاء الشخصي ينجم عن مصالح شخصية , إذ أن هناك باستمرار من يمكن أن يوفر المصالح الذاتية لهؤلاء الأشخاص أكثر من غيرهم. الولاء الأول والأخير يفترض أن يكون للوطن ولقضية الشعب ومصالحه وللحياة الدستورية والبرلمانية الديمقراطية والدولة الاتحادية ولكفاءة العالية وللمرأة والرجل في آن. وعلى هذا الأساس يفترض اختيار المستشارين والمسئولين في الدولة العراقية الجديدة.

********************************************
كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات في غرب وجنوب العراق؟ /الحلقة الثانية/ نتائج المجلس الإسلامي الأعلى وأهميتها في المرحلة الراهنة
كاظم حبيب
2009 / 2 / 10
لا أعتقد أن الناس في العراق قد نسوا بسرعة "الخطبة العصماء" للسيد عبد العزيز الحيكم وهو يهنئ الشعب العراقي بانتصار قائمة المجلس الأعلى "الساحق" لبقية القوائم العراقية , فهل يا ترى قد حصد الآن وفي هذه الانتخابات اندحاراً ماحقاً ؟ في حينها استفسرت منه بمقالة نشرتها بعد هذا التصريح : من سحقت أيها السيد , هل سحقت العراقي الآخر الذي لم يصوت لكم وصوت لغيركم ؟ لم يستطع السيد أن يجد كلمة أفضل منها غير السحق لمواجهة عبيد الله , وهو ما حصل فعلاً من جانب بعض قوى الإسلام السياسي في الفترة السابقة حيث عاثت المليشيات الإسلامية السياسية في العراق فساداً وسحقت إرادة الشعب. ويأمل الإنسان في العراق أن يأتي الوقت الذي ينتهي معه وجود ودور مثل هذه المليشيات كلية وتلك الأحزاب ايضاً , سواء أكانت ترتدي ملابس المليشيات شبه العسكرية , أم الملابس المدنية بعقلية وسلوكية ودور مليشياوي التي عاشها الشعب العراقي بكل مرارات تلك الفترة التي لم تنته تماماً حتى الآن. فالموت لا يزال يلاحق العشرات من الناس كل أسبوع بعد أن كان كل يوم!
كلنا يعرف المثل العربي القائل "من يزرع الريح يحصد العاصفة" , أو "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"! لقد زرع السيد عبد العزيز الحكيم وابنه وحزبه على مدى ست سنوات , وقبل ذاك في فترة المعارضة السياسية وقبل سقوط النظام , الأجواء والممارسات الطائفية السياسية المقيتة , ثم بشر بجمهورية شيعية إقليمية في جنوب العراق ورفض أي حديث عقلاني بشأن هذا الموضوع. لقد ركب هذا الحزب رأسه , وحين وجهت للسيد عبد العزيز الحكيم , باعتباره رئيساً أعلى للحزب , رسالة مفتوحة حول خطأ وخطر إقامة فيدرالية الجنوب في العراق على وحدة العرب في العراق من منطلق ديني وطائفي , لم يكلف نفسه الجواب على رسالتي , بل طلب من الصديق الفاضل ووزير نهج المصالحة الوطنية السيد الدكتور أكرم الحكيم الإجابة على رسالتي ومناقشتي بشأن فكرة وموضوع الرسالة , وأنا شاكراً له , رغم اختلافي معه.
لدي القناعة بأن الجواب على الموقف من فيدرالية الجنوب جاء الآن من الناس في الوسط والجنوب أنفسهم وهو رد قاطع على جهود النائب وائل عبد اللطيف , دع عنك الموقف المعروف والسليم من أهلنا في غرب بغداد وفي محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى , إضافة إلى الموصل.
مشكلة المجلس الإسلامي الأعلى , الذي سيتلقى المزيد من الخسائر لاحقاً , تكمن في أربعة نقاط جوهرية:
1 . المذهبية المتشددة والطائفية السياسية المقيتة التي تبلورت في سياسات وتصرفات قادة المجلس الإسلامي الأعلى وجمهرة من كوادره السياسية والتي انعكست في الموقف من الدعوة إلى وممارسة ما هو مرفوض دينياً مثل تلك الشعائر اللادينية التي تمارس في كرلاء والنجف في ايام عشرة عاشوراء والأربعينية وما إلى ذلك والتي رفضها أبرز شيوخ الدين الشيعة. بل أن المجلس الأعلى دعا أتباعه في الخارج إلى ممارستها وفي شوارع لندن وواشنطن أو في غرها من العواصم الغربية أيضاً , مما أساء للدين الإسلامي وللمذهب الشيعي بالذات. فهذه الشعائر والطقوس غير الدينية تجسد القسوة السادية بعينها. كتب الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم بهذا الصدد ما يلي: "إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أر أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى, ان قضية التطبير هي غصة في حلقومنا".
2 . الارتباط الشديد بالمرجعية الدينية الشيعية في إيران , وخاصة مرجعية السيد علي الخامنئي , وهي مرجعية متطرفة تجد تعبيرها في السياسات التي تمارسها إيران على صعيد إيران والعراق والمنطقة وعلى الصعيد الدولي , رغم الادعاء بالعودة إلى مرجعية السيد علي السيستاني. فمرجعية الخامنئي تدعو إلى تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العراق وإلى بقية أنحاء العالم الإسلامي وتركز على الفوارق المتشددة بين الشيعة والسنة والدعوة للمذهب الشيعي في أوساط أهل السنة , كما أنها تؤثر سلباً على الوضع في العراق. وهو الأمر الذي رفضته أكثرية أتباع المذهب الشيعي في العراق نفسه. وكان في مقدور كل إنسان حيادي أن يتابع هذا التوجه الإيراني والمجلس الأعلى في البصرة وعموم الجنوب حيث كانت للمجلس قوة يحكم بها في تلك المحافظاعت أو يؤثر على قرارات المحافظة , أي حين كان أتباع السيد عمار الحكيم وهادي العامري لهم الكلمة الطولى وحيث انتعش فيلق بدر وجيش المهدي وحزب الله وثار الله وما إلى ذلك.
3 . لقد تسلط الغرور ونشوة الانتصار والتحكم لدى قوى المجلس الأعلى على أهل العراق في الوسط والجنوب وبدأت القصص , الحقيقية وغير الحقيقة , تُنسج خيوطها حول قادة هذا الحزب , وخاصة عمار الحكيم وهادي العامري , مما أساء إلى هذا الحزب أكثر مما نفعه. وكانت الحصيلة سيئة. لقد ابتعد أتباع المجلس عن العراقيات والعراقيين الذين كانوا يلتقون بهم في الخارج قبل سقوط النظام وامتلأوا أموالاً. فحين زار عمار الحكيم برلين سأل جماعة المجلس الذين يمتلكون مقراً كبيراً باذخاً , هل تحتاجون نقوداً , فقال رئيسهم :نعم. فتساقطت عليهم النقود من كل حدب وصوب بحيث أعمت البصيرة والبصر , واصبحوا يتعاملون من علٍ , وهو ما حصل في العراق , حين نشر الكثير من الأخبار عن سيطرتهم على مساحات واسعة من الأراضي وعلى حي بالكامل في بغداد لا يمكن الولوج إليه إنه مقر السيد عبد العزيز الحكيم , وحين كنت في بغداد كان يشار لي أن هذا الموقع الكبير والواسع في مساحته يعود للحكيم وليس لغيره!
4 . ولا أدعي امتلاكي الوقائع الموثقة , ولكن أرجو من المسئولين متابعة ما ينشر عن تورط قوى , وليس كل , من قادة المجلس في الكثير من المعاملات المالية غير المشروعة. وأهمية هذا التحقيق هو إما التثبت من صحة ما يقال أو تفنيد تلك الإشاعات , إما تبرئة المجلس أو بعض قادته وإما توجيه الاتهام لهم لكي نضع حداً للإشاعات , وهو أمر مهم للجميع.
لقد خسر المجلس الأعلى لصالح قائمة ائتلاف دولة القانون. وهذا لا يعني بأي حال أنه تصويت لقوى الإسلام السياسي , بل لدولة القانون التي لم تحترمها العديد من قوى الإسلام السياسي , وهي ليست تأييداً لحزب الدعوة الإسلامية , رغم وجود فوارق بين الدعوة والمجلس لصالح الدعوة , وخاصة في الموقف من إيران ومن جملة من الشعائر غير الدينية التي تمارس في كربلاء والنجف مثلاً , ودعوة رئيس الوزراء إلى التخلي عن استخدام المرجعيات الدينية في الانتخابات , في حين اصر المجلس الأعلى على التمسك بالمرجعية شكلياً للدعاية له في الانتخابات , تماماً كما استمعنا إلى ما جاء في خطبة عمار الحكيم في ذي قار , وتمسكه بما رفضه قانون الانتخابات ورفضته المرجعية والناس وتمسك به المجلس , وأعني الاستنجاد بالحسين والحديث عن المرجعية في هذه الخطب والتي لم تسعفه طبعاً لأن المجلس كان على خطأ كبير.
يصعب تغيير نهج المجلس الذي تأسس في طهران بعد الانشقاق على حزب الدعوة والخروج منه , رغم تسليم حزب الدعوة رئاسته في حينها للشهيد الراحل السيد محمد باقر الحكيم. وقد تأسس على النمط الشيعي الإيراني ونشأ فيلق بدر تماماً كما تأسسس حزب الله وجناحه العسكري في لبنان , ولا يختلف الحزبان في المرجعية وفي النهج والممارسة السياسية والدينية الطائفية. حين أتحدث عن هذا المجلس , فلا يعني أن كل أعضائه يمارسون ذات السياسة والمواقف والأخطاء. فهناك من يختلف عن النهج الرسمي لهذا المجلس , ولكنه مقموع أو لا يمكنه الحديث خشية اتهامه بشيء آخر.
لقد افتقد هذا الحزب التواضع والعقلانية والموضوعية , وفقد الكثير من علاقته بأرض الواقع ومعاناة الناس ولم يسعفه التشبث بالمراجع العظام , وأتمنى أن يدرك رئيس قائمة ائتلاف دولة القانون أهمية استمرار تطهير وجود ما تبقى من الميلشيات في أجهزة الدولة , وخاصة فيلق بدر وبقايا جيش المهدي أو غيرها , وأن يكون التحالف في المحافظات على غير ما كان عليه في الفترة السابقة للانتخابات , إذ أن ممارسة ذات السياسة في المحافظات ستقود إلى خسارة من ربح هذه الانتخابات ايضاً.
إن العقوبة التي ألحقهتها جماهير المذهب الشيعي بالمجلس الأعلى ربما لم تكتمل بعد , بل ستلحقها عقوبة جديدة وخسارة فادحة في الانتخابات العامة القادمة , ويفترض العمل عليها ما دام المجلس الأعلى متشبثاً بنفس أساليب العمل والدعاية الطائفية السياسية البشعة الجارية حتى الآن.
انتهت الحلقة الثانية وستليها الحلقة الثالثة والأخيرة.







#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موضوعات حول انقلاب شباط الفاشي 1963, عواقبه على المجتمع العر ...
- نقاشاً فكرياً وسياسياً مع أراء المهندس المعماري عبد الصاحب ا ...
- هل إيران وقطر وخالد مشعل وحسن نصر الله يعملون لتمزيق وحدة ال ...
- ميسون المثقفة , الكفاءة , الديمقراطية والأنثى..
- لا تنتخبوا الأحزاب الإسلامية السياسية لأنها طائفية تمزق وحدة ...
- رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الداخلية في العراق
- الأحزاب الإسلامية السياسية وانتخابات مجالس المحافظات والتجاو ...
- الانتخابات والطائفية السياسية في العراق !
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (6) ...
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (5)
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (4)
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (3)
- حول المحاضرات التي ألقيتها في دورة تثقيفية لأجهزة الأمن العر ...
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (2)
- جولة جديدة من النقاش الفكري والسياسي مع السيد سلامة كيله (1)
- رئيس الوزراء العراقي وانتخابات مجالس المحافظات وقوى الأمن ال ...
- هل العراق معادلة سياسية صعبة ومعقدة في الفترة القادمة؟
- أين نلتقي وأن نختلف بشأن الوضع في غزة والعدوان الإسرائيلي؟
- مناقشة مع الكاتب الفلسطيني الأستاذ سلامة كيلة حول قضايا فلسط ...
- العام الجديد والشوفينية القاتلة وحقوق الشعب الكردي في كردستا ...


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....



المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - كاظم حبيب - كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات في غرب وجنوب العراق؟ الحلقة الأولى / الثانية - المؤشرات الأساسية للإنتخابات وعوامل انتصار قائمة ائتلاف دولة القانون