أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد المنتفجي - أيام البنفسج















المزيد.....

أيام البنفسج


جواد المنتفجي

الحوار المتمدن-العدد: 2550 - 2009 / 2 / 7 - 04:03
المحور: الادب والفن
    



- 1-
على ناصية الجسر العتيق ، جلس متطلعا بما جاء بعناوين أخر إنباء الصحف:
بعد صمت طويل ،
سيجهر غدا على الملأ ..
- هناك صبح جديد،
سيولد من فجر وليد
ومن سيحني سبابته في ذات الصباح..
سيبصر في الأعالي ،
هلال ينشق من بطون السماء !
حدث هذا بينما كان منبهرا بخفوت شمس العصاري وهي تذوب بين نسائم الغروب ، يقف هنيئة ويولي وجه صوب المدينة معبئا أنفاسه بعطر أرضها الندية التي أمست تنكث مسكها الموعود في خلو الفضاءات الرحبة ، ومما زاد في رونق معالم هذا المساء أيضا والذي اختلف عن سابقاته هو تملكه شعورا بأن الدنيا صارت أكثر بهاء.. بل وأصبح كل شيء فيها ملفتة للنظر وهذا لم يكن بحسبانه ، فالجميع عمل على أن يلبس ما يملكه من أثواب زاهية بصورة عفوية ، أما من ارتاد كورنيش المدينة فقد تعطر بالياسمين الذي كانت تشعه وروده التي ملئت كل ركن من ضفتي النهر ، وهناك ثمة زغاريد لنسوة راحت تمطر الدروب بالزغاريد والهلاهيل ، وبضع من صور لوجوه آلفها كانت تحبون بمخيلته منذ الصغر، شغفت تتحرك على شكل كراديس تحمل أواني أوقدت فيها الحنة والشموع ، وهاهي تدعوه ألان إلى مشاركة جموعها التي تتقدمها لافتات كتبت عليها جحافل المحبة والسلام وهي تتغلغل بعزيمة في عمق الأزقة والشوارع مقررة غرس أشواكها بأعين أشباح تلك الثلة الضالة والمضطربة والتي ولت هاربة وهي تذوق طعم الذل وهوان هزيمتها بعدان خسرت رهانها على امتهان الفرقة ما بين ألأهل والأصدقاء والذين لم ترعبهم زمجرة عبواتهم المفخخة التي كانت تقتل من يصادفها بدون تمييز ، وبسرور غامر راح يتطلع محدقا بالأفق على أمل طلوع فجر ذلك اليوم الجديد والذي لطالما حلم بانتظاره ، وبين الفينة والأخرى كان يلفيه وهج من بريق ذلك الأمل المشع والذي ظل يعصف بمخيلته لعله ينتشله في اللحظات الأخيرة من سقم أنين اليأس الذي عاشه .. من أسى ابتساماته الشاحبة التي قتلتها الجناة فربما تماثلت جروح عوزه وفقره للشفاء ، وما بين الشك واليقين من أن هناك نصرا مؤزرا أتيا لا محال منه أضحت همهمة من هواجسه تندلق مقتحمة عزلته لينحى على باله عزم لا بد من تحقيقه:
- غدا يومي الموعود وعلي النهوض مبكرا لاحني سبابتي كما سيفعله الجميع .
-2-
في الليل:
يتسع الق حلمه عندما يستدرجه النعاس فجأة.. فتحدوه الرغبة للتهيؤ والاستحضار لذلك السفر ، رغم انه كان لا يملك غير بوصلة وخارطة رسمت عليها تجليات مدينته.. مدينته المغيبة والتي لم تحني رأسها يوما لعاتيات الزمن بالرغم لكل ما تعرضت له طيلة السنين الغابرة، مدينة طيبة كطيبة أهلها ظلت تمنح عشقها للتاريخ.. للريح.. للمطر، وعلى بعد ساعة تقريبا من الآن لصلاة الفجر.. كانت هناك أصوات أخرى تنهل في خر إسماعه فكأنها تلفيه من بين ثنايا البساتين الغافية.. البساتين التي عانت من ظمأ عطشها أخذت تضج بفنائها من جديد زقزقة العصافير التي هجرتها على غفلة يصاحبها صرير حركة النواعير وسقسقة خرير الجداول وهي تروي رياضها العطشى ، فيتتوج كل ما هو حيا على سطحها بأكاليل البهجة والسرور، وبين لحظة وأخرى كانت تناغيه بعض أصوات بهدير نداءاتها :
- هيا تعال معنا لنرجح كفة الميزان،
هيا تعال لنعقد عزمنا بعهد الفرقان الذي أبتدئ..
هيا تعال نتحرر
هيا تعال لنعتق لما تبقى من العمر!!
-3-
في هداة منتصف الليل:
تغزوه ثانية لمعة الأرق عندما يغلبه اثر القلق خوفا من أن يغط بنومه العميق والذي تعوده بسبب عطله عن العمل حيث قرر النهوض مبكرا ليكون هو أول من يستقبل تباريح اليوم الجديد ، نهض بلهفة من سريره البارد واخذ يبحث بانتشاء بين حنايا أوراق مذكراته القديمة التي كان يخفيها عن الأنظار لتهيئة كلمات معبرة حيث وجد الكثير منها فلملمها بصّم كفيه وعزم على أن يرشها على كل أحبته الذين سيلاقيهم غدا في شوارع المدينة التي اعتمرت ساحاتها وشناشيلها بأشرطة وأوراق الزينة وهي تجمل واجهاتها ، إذ ذاك .. وعلى حين غرة بدأت تقرع نواقيس ذلك السفر، فاستجمع كل قواه وخرج بهمة إلى الشارع مخترقا بقايا الحواجز التي أزالت الكثير منها النفوس الأمينة ، معلنا عن بدء مشوار رحاله ، مستعينا ببنفسجية الفجر الشفافة التي كانت تشبه إلى حد بعيد عيون السيدة ( نعم ) العراقية حيث تراء ت له هيأتها على شكل أميرة سومرية ، قادمة من صوب أقاصي مدينتها السرمدية ، لصق هودجها عربة أثرية فاخرة منقوشة بالذهب الخالص ، يقودها حصان جامح ، كانت تحمل بين يديها قوارير فخارية ، مملوءة بأوراق بيضاء راحت تنثرها على هامات الذين جاؤوا لاستقبالها، والعجيب في ذلك أنها كانت تعطي والناس تأخذ بدون انتباه للمقادير، وسبابتهم المبرقعة بالحناء البنفسجية تؤمي أليه إيذانا لبدء مشوار السفر.
-4-
المهم:
قرر وبإصرار أن يطلق عنانه بالإبحار مع أول خيط من الفجر، فاقترحت عليه السيدة ( نعم) العراقية أن يكون بدء سفره من سرادق عينيها.
والاهم:
وعلى نبضات قلبه المتسارعة ولج إلى داخل تلك السرادق التي كانت متناثرة بإرجاء المدينة ليكون هو أول من تضيّفه حدقتي السيدة ( نعم ) العراقية .
-5-
المهم:
تجول مطمئن البال والخاطر، رائق النية ، مطلا على سحر رموشها العسلية ، فتراءت له عوالمها الرحبة الآخذة بالاتساع فكأنها تريد أن تحضن ممن تزاحم قبله ومنذ الصباح الباكر بدون كلل للولوج بين لحاض تلك العيون ، بينما كانت شرائط البنات والصبية الملونة والتي انزوت لتحلي ضفائرهن المتراقصة على أكتافهن تهفهف بريح باردة لترطب مظلات رموشها الأثيرة.. رموش غطت بين أجفانها حلم كبير كان يكفي لجميع الناس ، ففكر بالأمر جيدا ، وهو متسمرا ما بين نظرات المارة التي حفت من حوله، فوجد انه الوحيد الذي كان يحمل جواز مرور ليكون في منتهى التصرف الحر في بهاء عيون السيدة ( نعم ) العراقية، والتي باغتته بحوارها بعد أن رحبة به هامسة له بلطف وحنان:
- ماذا يعني الوطن لديك ؟
- كل شيء .
- وهل تحبه ؟
- نعم وبعمق لا محدود .
- ومتى شعرت به ؟
- منذ الولادة ، منذ أن كانت تقص علينا جدتي بأن آبائي وقبلهم أجدادي هم الذين رسموا خارطة هذا الوطن بدم الشهادة .
- وهل تجرأت يوما بإعلان حبك هذا على الملأ مثلما تريد أن تفعله ألان ؟
- نعم وهذا ما أعلنته قبل مجيء إليك في الحدائق والمروج ، كتبته على أغصان الورود ، وحتى أني بصمّته على ابتسامة أطفال بلادي الوضاءة الذين صادفوني على طول الطريق قبل ألتقي بك.
- ومتى أمنت به؟
- منذ الرضاعة، لكي أعلنه وعلى أذهان الجميع العالم أننا ومنذ هذه اللحظة أننا قد تعدينا مرحلة الجمود.
- وهل يا ترى سيتحقق حلمك المنشود ؟
- نعم .. عندما أكتبك على واجهات الشوارع والبيوت ، ليعزفها ناي الهور وترددها طيور الشمال الصداحة

-6-
والاهم:
ابتسمت له السيدة ( نعم ) العراقية ، ثم حضنتنه بقوة لتتأبطه بين ذراعيها وهو يكتب أبجديتها بكل شجاعة ، وعندما انتهى معلنا انتصاره بحرارة بسمل ثم استسمحها بأن تبلغ أهله وجميع أبناء مدينته بأنه غفي داخل محراب عينيها لأنه وجد وطنه هناك على الخارطة



#جواد_المنتفجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابراهيم سبتي في امسيته القصصية : القصة القصيرة جدا عراقية ال ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد المنتفجي - أيام البنفسج