أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي















المزيد.....

رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي


عبد جاسم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2547 - 2009 / 2 / 4 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


صدرت للكاتب العراقي المغترب نجم والي رواية بعنوان (مكان أسمه كميت)، عن دار (شرقيات) في القاهرة بعد روايته (الحرب في حي الطرب) ومجموعته القصصية ليلة ماري الأخيرة (عن الدار نفسها) يحدد القصصي في الرواية (المكان) وعلاماته ويرسم ملامحه.
ابتداءً من عنوان الرواية (مكان أسمه كميت) في جنوب العراق إحدى نواحي محافظة (العمارة).
فتظهر علاقات حميمية وشديدة الارتباط بالمكان تنزع إلى استدراج أجزائه واستدعاء التفاصيل القديمة، فيتدفق السرد في دوائره الطبيعية من دون تكلف وتنحو الرواية إلى خلق أجوائها الشعبية الغائرة في عمق المكان ومحيطة الاجتماعي بالرغم من أن محورها الرئيسي والعناصر المهمة في حافز الكتابة، تتصل بفئات اجتماعية من الطبقة الوسطى في المجتمع، ذات انتماءات سياسية وحزبية وهموم مختلفة تندرج في أطار العلاقات بالمدينة و(الدولة) وخطوط المد والجزر مع (السلطة) الحاكمة في العراق فيتداخل صوت (الراوي) بضمير الغائب وصوت شخصها المحوري (صالح سلطان) العائد إلى (كميت) مدرساً لمادة التاريخ في مدرستها الوحيدة ويؤسس السرد بنيته الاجتماعية في ناحية (كميت) بوصفها مدخل الحياة ومركزها المهم في الحركة على، ما فيها من تناقض وصراعات تفضي إلى (حوارات) متنوعة تتشكل من المكان نفسه، الذي تنبثق منه أمكنة أخرى، وشخوص قصصية محورية وقانونية، يحيي السرد القصصي وجودها ويمنحها الحياة التي تنشيط الوعي بحال الاستبداد الذي يقع في الضفة الأخرى الممثلة بالنظام في شخص (عصام ماهود) وزمرته في منظمة الحزب ومدير الناحية ومدير الأمن والشرطة ومدير المدرسة في (نادي الموظفين) تقابلها أصوات وفضاءات أخرى، حاولت الرواية أن تمنحها حريتها في مستويات سرد مختلفة، مع الإبقاء على قدر معين من المسافات الفنية بينها وبين رؤية (صالح) ومواقفه السياسية والايديولوجية. يمكن ملاحظة وجود (الجدة) في الرواية وعودة (صالح) ألأيها عند وصوله (كميت) كما كانت ملجأ للاحتماء بها عندما قرر وماجدة الهروب من الناحية بعد أن اشتعلت النيران في البساتين والأملاك التي استحوذ عليها (عصام ماهود). يتحول (صالون حلاقة قاسم) الذي يقصده صالح قبيل ذهابه إلى نادي الموظفين بطلب من عصام ماهود مسؤول منظمة الحزب الحاكم في الناحية، إلى نافذة اجتماعية للحكي في الرواية، تتوارد خواطر قاسم ‘وتسرح في الماضي، فهو الذي ختن عصام ويصف الراوي المتاعب التي لحقت بقاسم وحلاقته في الشارع من جراء مطاردات الشرطة ومراقبي البلدية، قبل أن يستقر في دكانه، ويعلق قطعة كتب عليها (الحديث بالسياسة ممنوع) ويبدو الاضطراب والقلق على صالح من مرمى دعوة عصام ماهود إلى نادي الموظفين.
ـ كيف تريد قص شعرك؟
فأجابه صالح
ـ اللحية فقط
وهي كناية عن مدى الألم والشعور بالإذلال الذي يؤرقه، لا من جراء توقيعه استمارة (التعهد) بعدم ممارسة السياسة في غير دوائر الحزب الحاكم فحسب، بل استمرار الملاحقات غير الإنسانية التي تحاصره في مكان عمله في (كميت).
وتعمق الرواية صلتها بالمجتمع من خلال الأسواق الشعبية والمقاهي ودار السينما المتوقفة عن العمل منذ عامين، لمطالبة عصام ماهود بها والاستحواذ عليها من صاحبها
‘كما فعل عند تسفير (عبد الحسين الدلال) إلى إيران بدعوى ان نسبه إيراني للسيطرة على (علوة الخضرة) التي يملكها وتخلق شخصيات قصصية غير نمطية او تقليدية، كأنها تنبت في وسط السرد بتلقائية فتغير (الحكي) وتعبر عن صدقها وسجيتها الطبيعية فيحذر خليل المدرس صالح من إطلاق الثقة بالمكان في (كميت)
ـ أستاذ صالح ليش جيت لكميت
ـ أقدم نفسي خليل المخبل
ـ احذر أرجوك لأنك مرشح للموت.
ويظهر شخص مسن اسمه (ديبس) في (دوشة الطيور) التي بحوزة عصام ماهود يحذر أيضاً "ماجدة" من مغبة الانسياق وراء عصام بعد خطبتها منه.
ـ ابتعدي عن الورطة ابنتي.
ألقى حملته بحذر وهمس فيها عندما سلمها أحد الطيور التي اقتنصها عصام في حفلة صيد، ومن المدرسة يبدأ الحوار الداخلي وتظهر آفاق الرؤية والصراع والامتدادات المتنوعة والتناقضات التي تصل إلى ذروتها بعد حفلة نادي الموظفين فوجود صالح مدرساً لمادة التاريخ، تعني اقتحام مؤسسة النظام التعليمية واختراقها، فجرى التأكيد على الالتزام والاكتفاء بتدريس التاريخ بموضوعية كما هو موجود في الكتب ولا يزيف على طريقة الشيوعيين غير مسموح في الشك في تاريخ امتنا المجيدة التي حكمت من اسبانيا حتى الصين. أبناؤنا الطلبة عطشى لمعرفة تاريخهم القومي كما قال مدير المدرسة تنمو علاقة أخرى مضادة من داخل المدرسة، تسري ملامحها تتحرك في الصف الذي يدخله.
ـ أنا مدرسكم الجديد صالح
ينتابه قلق وشعور داخلي، يحمل على الانكسار والإحباط ويحاول أي يداري ذلك، أن ينفيه في داخله، لكنه يؤنب نفسه على توقعيه (التعهد) وترديده عنوان قصيدة للشاعر سعدي يوسف (ماذا صنعت بنفسك) حتى تصبح لازمة، يعود إليها لتعذيب نفسه.
تنهض طالبة جميلة مميزة في لباسها وأناقتها
ـ اسمي ماجدة عبد الحميد
كأنها تعادل الانكسار وتوقف الهبوط المعنوي الذي يجري في داخله كما تعيد للسرد القصصي توازنه، وتأخذ مداها في حركات ومواقف لا تصل برؤية حزبية أو ايديولوجية، بقدر ما يتنامى داخلها (تمرد) إنساني ينبث من الواقع ومعطياته الممثلة في حدة التناقض والصراع، الذي يصل ذروته في ملاحظاتها لتصرفات عصام ماهود وغطرسته وثقتها بأخيها المختفي رعد انه يمثل الوجه الآخر في الرواية، ويمنحها إمكان الحياة والتجدد، بالعناصر المتوافرة في حضوره المعنوي والعوامل الايجابية التي تتحرك في داخله فهو الغائب ـ الحاضر في السرد والبناء القصصي، الذي يدخره الراوي ـ المؤلف لانتشال الرواية في طابعها السلبي في طغيان الاستبداد وظهوره على السطح ويمكن اعتباره شخصية رمزية ومتخيلة، تظهر وتختفي، تحمل بذرة التمرد على الواقع يراقب المشهد السياسي في علاقات حميمة مع أخته (ماجدة) التي حافظت على أسراره وسرية حركته مذ كانا صغيرين على الطريقة الشعبية التقليدية في الالتزام وعدم نكث العهد (كما يفعل الأطفال الآخرون) عندما يتعاهدون على شيء. أخذا ذات مساء قصبة صغيرة وكسراها عند باب دارهما مرددين (نكسر سيف العباس) كما يحتفظ أيضاً بعلاقات ودية قديمة مع (صالح) ويأخذ نادي الموظفين في (كميت) دلالاته السردية، في الرواية كمكان مغلق يحمل في داخلة نزعة الجور والاضطهاد والتلذذ بتعذيب الآخر وسحق معنوياته، يمثل امتداد السلطة في العراق في أي بقعة أو زاوية انه الواجهة العملية اليومية لدوامة التعذيب وإفرازات القهر والتخلف والاستبداد فليس مصادفة ان يجتمع به على مائدة خمرة وقمار واحدة مدير الناحية ومدير الشرطة ومدير الأمن ومسؤول منظمة الحزب عصام ماهود ومدير الشرطة. يجر مدرس التاريخ، صالح خطاه بتثاقل نحو النادي كأنه سلم نفسه إلى لجنة تحقيق، يعرف نتائجها مسبقاً فلم تعد كافية كان عليه أن يثبت ولاءه وحسن سلوكه إلى عصام ماهود أولاً.
يتناوب الحاضرون، كل حسب وظيفته في تعذيب صالح ومحاصرته، سواء في تذكيره بالتعهد أو في احتفاظ المدرسة بـ (ملفه) ومطالبته التزام تدريس التاريخ القومي وانتظار طلب انتسابه إلى الحزب (القائد)!
يحاول صالح في حوارات (قمعية) لا تتوافر على أدنى مستوى من الفكر، أن يضبط توازنه، من دون إظهاره توتره النفسي وغضبه الداخلي، في تناول الخمرة من جهة وفي استيعاب صدمات الاجتماع في ردود هادئة،
ـ ألم تقرر الابتداء من كميت فلماذا لا تبقى هادئاً وتنهي هذه الليلة بسلام
ـ أرجو أن أكون عند حسن ظن الجميع
تتناغم أصوات التعبير عن الاضطهاد الذي أصاب صالح بين الراوي بضمير الغائب والشخصية المحورية، حتى يمكن القول، ان المسافة الفنية بينهما لم تعد موجودة وان الراوي اندمج صوته بصوت الرواية كلها، لحجم الشعور بطغيان الجور والإذلال وبلغ الأمر كما يبدو إلى حد التعبير عن صوت (القارئ) المتلقي أيضاً فلم تترك له فسحة كافية للتأمل، فسار الراوي باتجاه تفسير الظاهرة وإضاءتها في الوقت نفسه كان منها ظهور مشهد ختان صالح حينما كلت صغيراً كمقدمة انثالت عليه وبسطت ثقتها في الشعور بالخوف والفزع، قبـيل ذهابه إلى نادي الموظفين لم يكن ختاناً، بل كانت تجربته الأولى مع التعذيب لقد صرخ حينها ولكن عبثاً.
ويلحظ القارئ المتابع للأعمال القصصية والروائية العراقية، التي ظهرت في الخارج ان معظمها، يأتي من خلال تجربة سياسية/ حزبية قديمة، ثقيلة الوطأة بالإحباط والإرهاب وانعدام أبسط المقدمات الإنسانية.
فتستعيد الذاكرة المشهد الذاتي، الذي يتحول إلى مشهد "جماعي" حقيقي، معبأ بإذلال الإنسان السياسي "المعترض" أو "المختلف" الذي وصل ذروته في ظل النظام السابق في العراق وانفراط عقد "جبهة" التحالف في أواخر السبعينيات، في إجراءات توقيع "التعهد" الذي يعني التنكيل بالإنسان وعزله وتحجيم فعاليته في المجتمع، والحكم على نفسه بالموت إن انتمى لغير حزب السلطة.
فالرواية ذات بعد زمني واضح، ومعروف بمدى الاضطراب والقلق وهشاشة الرؤية السياسية التي اكتنفها إعدام (31) مواطناً بتهمة العمل في تنظيمات عسكرية تابعة للحزب الشيوعي العراقي، وحملات الاعتقال والتعذيب التي شملت "اليساريين" وغير المؤيدين للنظام.
فيصير توقيع "التعهد" في الرواية، عاملاً مهماً من عوامل الكتابة والعودة إلى زمن الأحداث والإحاطة بها, مثلما فرضت "البراءة" في رواية "الوشم" لعبد الرحمن الربيعي إيقاعاتها النفسية الممتلئة بالإحباط على شخصيتها المحورية "كريم الناصري" التي كانت تئن من الشعور بـ "الذنب" الذي اقترفته في مجتمع أو وسط اجتماعي/ سياسي لا يرحم الذين يتخلون عن "إنتماءاتهم".
وبطريقة مماثلة، تنتاب "صالح في رواية "مكان اسمه كميت" حالات اضطراب وانكسار داخلي وتصدع، تحيله إلى إنسان "مهشم" يميل إلى العزلة ونسيان ماضيه.
ولم يوقع عام 78 التعهد فقط، إنما تعهد مع نفسه ألا يكتب بعدها حرفاً واحداً، أراد أن ينتهي من هذا الـ "صالح" الشاعر، كمن يبحث عن شخصية جديدة. ممثل يبحث عن دور جديد. لما يثير فيه ماضياً كان يعتقد أنه انتهى من دفنه؟ ".
يحمل هذا الوضع الرواية إلى "التخندق" بين ضفتين متقابلتين لا يجمع بينهما جامع من لغة الحوار.
فتثب الذاكرة وينشط الإحساس الداخلي في صوغ شخصيات/ سلطوية، تجتمع فيها العناصر "الدونية" في المجتمع وتأخذ شخصية عصام ماهود بعدها السياسي والاجتماعي طوال مسارات السرد.
ويحمل الراوي رؤية متكاملة عنه، يوزع بعضها في النص، في الوظيفة والعودة إلى ماضيه الاجتماعي والأسري والى طفولته ليصل إلى حاضره السلطوي، بوصفه جلاداً يغتصب " المرأة " مثلما يغتصب أملاك وحقوق الناس ويستولي عليها.
فشخصيته ليست طارئة أو مؤقتة إنها ذات امتدادات تتصل بأبيه "عقيد الشرطة" ماهود، الذي حصل على رتبته من "الانكليز" لتعاونه معهم والانضمام إلى قواتهم فمنحوه صلاحيات حاكم غير مباشره، خولته الاستيلاء على أملاك وأراضي زراعية.
وأطلقت السلطات التي يتمتع بها "عصام ماهود" من انضمامه المبكر للحزب الحاكم، يده في الاستحواذ على بساتين وعقارات وأملاك، بخلق ذرائع وهمية واتهامات "عرقية" عنصرية على أصحابها.
تنزع البنية السردية في الرواية إلى خلق وضع درامي يؤكد أفعال الاغتصاب والتسلط في حركات، تخرج النص من نمطية السرد فيه، وكأنها تنتقل إلى خشبة مسرحية، تتنامى الأدوار فيها وتتبلور في ظهور شخصيتها المحورية "صالح" والطالبة "ماجدة" التي أحبته وتوطدت علاقتهما مذ استلمت منه كتاب "الليالي البيضاء" لدوستوفيسكي.
ومنحت لعبة التحصيل والإعداد على الورق نهايات الرواية، الإحساس المتوتر، بتراكمات الغضب على "عصام ماهود"/ السلطة في معاني الجور والإذلال والاستبداد، وكأن المشاهد تقع على خشبة مسرح، يمارس المؤلف/ الراوي في نسج خطوطها وفضاءات الحركة والتمويه.
فتتحول ماجدة, إلى بطلة قصصية على إيقاع "المناضلات" الجزائريات ابان حرب التحرير في التوغل مع الضباط الفرنسيين، بإقامة علاقات، تأتي نتائجها على المدى الطويل في التعبير عن "الغضب" بأعمال تمهد لحركات عسكرية أو "فردية" انتقامية من المحتلين.
تضع "ماجدة" حداً لأساليب "عصام ماهود" في الضغط عليها واغتصابها وقهر والدها عبد الحميد، لإرغامه على الإدلاء بمعلومات عن ابنه "المختفي" رعد، الذي طالما سكت عنه ولم يصرح عن وضعه.
فتوافق، ماجدة على طلب خطبتها من عصام، وكأنها المؤلف، يضمر شيئاً لنهايات الرواية.
وتتحول "دوشة الطيور" التي يملكها عصام ماهود إلى ساحة للصيد من جهة وتوثيق علاقة وهمية تخطط لها "ماجدة" يرافقها والدها الموظف عبد الحميد الذي هدأت روحه واستقرت في كسب رضا "السلطة" في شخص عصام والاقتراب منه أو التستر على ابنه المختفي "رعد".
تعود إلى بيت جدة صالح "ماتنراد" في "كميت" ليستقلا سيارة ويهربا من الناحية.
اشتغلت الرواية على الدخول بمرارة وتوتر، في مرحلة سياسية مضطربة، أنهكت الشيوعيين العراقيين جميعاً, وامتدت إلى أسرهم وأصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي، من جراء "الجبهة الوطنية" التي انحل رباطها، كما أراد "النظام" نفسه في أواخر السبعينيات. فصاروا عرضة للاعتقال والإذلال والاغتصاب في تأكيد الهمجية/ السلطوية.
يلفقون تهم "الإعدام" والتعذيب ويقتحمون البيوت.
تحولت مواثيق الجبهة إلى استباحة "الإغارة" على حلفاء الأمس وتفكيك تنظيماتهم "العارية".
تحركت في الرواية شخصيات تكاد تكون حقيقية، ذات تجربة تقترب من تجربة "صالح" الشخص المحوري فيها.
فكاظم فندي، الذي طرد من وظيفته، يستشرف الأمل في التغيير، ويكون أحد العناصر الايجابية في مستوى الوعي، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على جيل واحد، بل تنبثق أجيال أخرى، تواكب الحدث، بخلاف الواقع المنظور فيه، مثل "عوف" و"رعد" و"خليل" الذين لم يظهروا في الرؤى إلا قليلاً، وخاصة بعد انتحار "سامية" المفاجئ، الذي كثر القول عن علاقتها الغامضة بأخيها، عصام ماهود، نكاية به، بوصفه "جلاداً" لا يتورع عن ممارسة "الفاحشة"، كما درجت الرواية على التقاط حالات السلوك الاجتماعي المتدني للصقها به.
وتستدرج لحظة الكتابة الصور والمشاهد على اختلافها وتناقضاتها لتقريب الرؤية، والنزوع الإنساني عند الأزمة، وما يكتشف ذلك من اضطراب أو انسحاب إلى الذات.
وتنغمر الهواجس في التداعي واشتغال الذاكرة على زمن الأحداث وتواليها، غير خالية من الغضب والأشياء الصغيرة، لكنها صادقة وواقعية.
فلابد للمحيط الثقافي ان تظهر علاقاته في خضم الانتماء الحزبي، وتطفو على سطحه الأزمة، لأنه الواجهة في الحركة.
فيأخذ السرد القصصي في هذا المجال دائرته في العلاقة بين صالح وحامدة الذي كان الزواج منها طارئاً، تعرف عليها في تظاهرة لتأييد قرارات "التأميم" التي لم تسلم من هجوم الشرطة عليها. وكأنه يوحي أن الانتماء نفسه، كان سريعاً وطارئاً بفعل الموجة لا بفعل الاقتناع.
فتحل "حامدة" أزمتها بالتعاون "مع منظمة الحزب في الإذاعة".
" من "طريق الشعب" إلى مقدمة برامج تلفزيونية..."
"حتى سامي الذي كان يشتغل في جريدتهم الأسبوعية، جاء ذات مساء إلى بار سرجون ليقول له بصراحة، بأن من الأفضل أن يكون المرء واقعياً، فقد انتهى شهر عسل الجبهة...
قرر مغادرة الحزب والانتماء إلى حزب السلطة، وأن عليه تدبير حاله "دبر حالك" جملة شاعت على لسان الشيوعيين.
فامتلكت الرواية من الصدق في الإحاطة بالوقائع السياسة ونتائجها النفسية والاجتماعية قدراً كبيراً، كأنها تعني المعنيين بالأحداث والمشمولين بها جميعاً يجدون فيها جوانب من حياتهم ومعاناتهم، وتثير الغامض وتكشف الأساليب الهجينة.
ولاشك، أن الكاتب، استطاع بجدارة فنية أن يضبط إيقاعات الحركة في شخوصها على تناقضاتها واختلافاتها من دون أن يفقد " بوصلة " المتابعة والرؤية في حواراتها الداخلية ومواقفها مع الآخر. فمنح الأشخاص حرية التعبير، بما ينسجم مع انتماءاتهم الاجتماعية.
إلا أن القارئ يلاحظ ضيق دائرة الحوارات الفكرية والثقافية، في محاولة لتفسير الأزمة وتقديم أجوبة تعبر عن "الانتماءات ـ اليسارية" بوصفها إحدى الفئات المعنية بذلك.
فعكست الرواية هموم "الضحايا" والاستلاب والإذلال السياسي، ولم تضف على الأشخاص الآخرين "رعد"، "عوف " اللذين منحته الرواية الحياة والوجود والتحدي، وهي سمة ضرورية في عمل لأسباب اجتماعية وفنية، ملامح رؤية أو تصورات فكرية ثقافية يمكن أن نجد صداها عند غيرهم.
ما يؤكد أن "ماجدة" نفسها، لا تحمل غير "الانتقام" لأبيها "عبد الحميد العطار"، الذي أراد "عصام" ماهود إذلاله, ولأخيها "رعد" المختفي، لأنهما اتفقا على الوفاء لبعضهما بعضاً.
فهل أن الرواية العراقية السياسية لا تحمل بعداً فكرياً وثقافياً يؤهلها لمحاورة الأزمات والدخول في تفاصيلها من موقع تحليلها برؤية صافية وواقعية
ألا يمكن القول أن الوعي يأتي مدعوماً برؤية فكرية وألا يبقى الأمر في التعامل على وجود "خيمتين" اثنتين هما خيمة "الجلاد" وخيمة "الضحية"، فتكون الأعمال الإبداعية إحدى وسائل "التصفيات" مع الآخر والانقضاض عليه، رغم ما يستحقه من الأوصاف لجوره وهمجيته وبطشه.
وماذا بقي للإبداع والمخيلة الشعرية في الخروج من أعباء الأزمة وضغوطها؟
ولابد من القول أن الرواية، كانت بحاجة إلى إعادة قراءة.



#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم في العراق: الواقع والآفاق
- في قاعة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين!
- حملة لتفعيل الحوار وثقافة المجتمع المدني
- المؤلف/ الراوي/ البطل في القصة العراقية القصيرة في المنفى*
- كتاب (الحركة الوطنية في العراق وإضراب عمال الزيوت النباتية)
- العراق بين ثقافتين...ثقافة المجتمع المدني وثقافة العنف
- منصور حكمت: قراءة جديدة للماركسية الشيوعية فقدت معناها وارتب ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي