أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا الشوك - مقارنة بين العلم والفن














المزيد.....

مقارنة بين العلم والفن


رضا الشوك

الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 09:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


العالِم والفَنان شخصيتان لهما رصيد في كل مجتمع بشري . وبديهي فإن هاتين الشخصيتين يعبران عن عطائهما من خلال الفكرة والشخصية التي يحملانها . وعليه نرتأي توضيح هاتين الصفتين قبل الولوج في موضوع إختصاصهما ، فالفكرة والشخصية شيئان متناقضان لكنهما من جانب آخر يتشابهان تماما . فالأنسان يعيش وهو يراقب عن كثب العالم الذي هو فيه ويتفاعل بإستمرار مع كافة الظواهر التي تحيط به ، وهذا بالضبط الطريق نحو ظهور الفكرة . أما الشخصية فهي في الحقيقة مزيج عجيب قد يختلط فيها لمعات العبقرية بوساوس الجنون وقد تتصارع دوافع الخير والشر فيها . ومن هنا يتيسر لنا المقارنة بين شخصتي الفنان والعالِم . فالفنان يبقى حتى في أعماله كما هو في الواقع ، ونتاجه يبقى حيا ومعاصرا . لأن الفن يعني إنتقاء ما هو جوهري وأساسي في الحياة وصياغة هذا الأنتقاء في عمل فني تتبلور فيه العملية الإبداعية من خلال ذات الفنان ، بينما يَنزَع العالِم شخصيته أثناء ممارسته العلمية ، وعلى هذا قد يترائ للمرء أن الأفضلية الى جانب العالم ، غير أن الأمر ليس على هذه الشاكلة ، فإن إحدى أعظم مآثر الفن تكمن بالضبط في تثبيت القيم الدائمة لكل ما هو زائل ، وهنا تلعب النوعيات التي يتمتع بها الفنانون والعلماء أدوارا متباينة في نشاطاتهم وذلك لأن العلم في تطور مستمر ، فالفيزياء الحالية أرفع من حيث المستوى من الفيزياء السابقة لها ، ولكي يتوصل العالم الى هدفه فإنه يتجرد عن علاقاته الحياتية وينسى إهتماماته وعواطفه وإرتباطاته ، وبكلمة أخرى يخرج عن إطار حياته الخاصة ويُضفي على تجربته العلمية طابعا شخصيا ، بينما الشخصية الفنية تُبنى بطريقة أخرى ، فهي دائما تمثل عنصرا لا ينفصل عن عمله الفني لأنه في نفس الوقت اعتبر عملية تربوية ذاتية .
من ذلك يتبين أن العلم والفن هما وسيلتان لمعرفة عالم واحد ، وهاتان الوسيلتان متناقضتان في وحدتهما ، وموحدتان في تناقضهما . فحقيقة الفن تكمن في حدود التجربة الحسية ، بينما تكمن حقيقة العِلم في الطبيعة فوق الحسية ، وهذا لا يعني أن إحدى الحقيقتين أفضل أو أسوء من الأخرى ، فالحقائق التي يكتشفها الفن سهلة المنال بالنسبة للجميع ، بينما تختلف تماما بالنسبة للحقائق العلمية . إن شكسبير وتولستوي وغيرهما من العظام الذين خلدهم التاريخ يمكن أن يفهمهما أي إنسان في حدود مستوى تطوره العام ، أما آينشتاين أو نيوتن ، فإن الإختصاصيين وحدهم يتفرغون لدراسة أعمالهم . ومن يستوعب - النظرية النسبية – لآينشتاين ، أو – قانون الجاذبية – لإسحاق نيوتن مرة واحدة ، فإنه مهما رجع إليهما في المستقبل لا يمكنه إستنباط أي شئ جديد لنفسه من هذه النظريات . وهذا ليس ما يحصل بالنسبة للشخص الذي يقرأ ويعيد قراءة مؤلفات الكُتّاب العظام ، لأن أحدا لا يمكنه أبداً إستنفاذ عملهم . فالفنان لا يعني بحل المسائل بقدر ما يعني بطرحها ، وإن حرية إختيار الحل متروكة للناس . لأن الفن يعكس تفاصيل الحياة ، ولأن موضوع الفن هو الواقع المحيط بالإنسان ، ومن ذلك يمكننا القول أن العالِم والفنان يقوداننا الى الحقيقة ، ولكن بطرق مختلفة . فالعالِم ينطلق من آخر كلمة للعِلم ، أما الفنان الذي لا يعرف الحلول الأخيرة ، فإنه يقف دائما أمام مهمة الإختيار ، والعِلمُ أكثر دقة من الفن لكنه يكتفي بإدراك الواقع فقط ، أما الفن فإنه يخلق إضافة للعالَم القائم عالمه الخاص ، والعالِم يُبرهن بينما الفنان يُقنع ، ولا يمكن الإقناع ما لم يكن المرء نفسه مُقتنعا ، لكن لا أحد يُطالب العالِم الفيزياوي بالإخلاص لفكرته التي تبقى موجودة بالرغم منه ، بينما يتوقف الفنان الذي لا يؤمن بفكرة نتاجه فورا عن كونه فنانا ، أما العالِم فهو يقوم بتفسير العالَم ليُصبحَ تفسيره هذا أساساً لتغيير هذا العالَم .
إن حقيقة العلم لا رابطة لها بشخصية العالِم وهي بهذا المعنى مُطلقة ، أما الحقيقة في الفن فهي دائما حقيقة قيلت على لسان هذا الفنان أو ذاك ، ولهذا فإن الحقيقة الفنية بالمقارنة مع الحقيقة العلمية تكون أكثر نسبية ولكنها في نفس الوقت أكثر ثباتاً ، وإن نسبية الحقائق العلمية المعاصرة لا تتوقف رغم ذلك على أصالة شخصية العالِم بل على الموقف الذي ينطلق منه في بحث ودراسة الموضوع ، وإن الحقيقة الفنية هي دائما حقيقة كبرى تمر عبر شخصية الفنان وهي لهذا السبب وحيدة دائما ولا يمكن تعويضها أبداً .
يُصرح العلماء ومنهم الفزياويون ، أن الحقيقة في العلم ترتبط بوجهة نظر الباحث أيضا ، وان عددا من العلماء يَدرسون نفس المُشكلة ويمكنهم أن يفترضوا عددا معينا من الإفتراضات يمكنها أن تصبح جميعها حقائق ، لكن نستطيع القول إن نسبية الحقائق الفيزياوية لا يربطها أي رابط بنسبية الحقائق الفنية ، لأن إحدى الحقائق تستطيع عند نفس الفنان ( وحتى في نفس العمل الفني ) أن تجاور حقيقة أخرى أو حقائق مرة واحدة ، وذلك لأن الحقيقة في العمل الفني لها دائما من يحملها ، بينما الحقيقة العلمية ما هي إلا إكتشاف لقانون حتمي .
إن نسبية الحقيقة العلمية لا تتوقف على أصالة شخصية العالِم بل على الموقف الذي ينطلق منه في بحث ودراسة الموضوع ، وبالعكس فإن نسبية الحقيقة الفنية تتحدد بطبيعة الفن نفسه ، الحقيقة التي تطالب الفنان أن يطور بإستمرار نظرته المُميزة له وحده نحو العالَم ، وفي النتيجة لا تُصبح سلطة الفنان على المحتوى الروحي للنموذج الذي يخلقه ، سلطة مطلقة ، وإنما نسبية . ومن الضروري في كل مرة أن يُؤخذ بالحسبان هذه النسبية وأصالتها ، ومهما يكن الهدف الذي يُكرس من أجله العمل الفني فإنه يبقى بالنسبة لأناس ينتمون لمختلف العصور والأفكار دليلا على تطور الحياة الأزلي وعلى البحث الدائم للروح الإنسانية ، أي كلما تُشَبّع بروح عصره بعمق أكثر إزدادت أهمية مكانته في تاريخ التطور الأنساني الروحي ، وبإختصار : إذا كان العلم يبحث دائما عن شئ ما ، فإن الفن بحد ذاته هو دائما شئ ما .



#رضا_الشوك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخ الفكر البشري
- حول انتخابات مجالس المحافظات
- نهاية العالم
- مع قهوة الصباح لعام ٢٠٠٩
- مع قهوة الصباح
- العزل السياسي إجرء تعسفي معادي للديمقراطيه
- الديمقراطية في العالم العربي ورياح التغير .
- نشأة الكتابة العربية
- التصحر الســــياسـي
- العنف والاعنف


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا الشوك - مقارنة بين العلم والفن