أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - طيب وساذج ومابينهما















المزيد.....

طيب وساذج ومابينهما


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2547 - 2009 / 2 / 4 - 03:38
المحور: الادب والفن
    


حتى هوايتي التي أجد فيها متنفسا لحماقاتي تركتها ، منذ اشهر وانا لم اطّلع على مواقع الادب والفكر على صفحات الانترنيت ، ولم اكتب شيئا ذلك لانني هذه المرة منشغل حتى النخاع بالتفكير في بناء بيت لي ولعائلتي التي تحملت ، ومازالت ، الكثير من تلك الحماقات والقرارات المتسرعة الرعناء . يعتصر قلبي الالم والخذلان حين تقول لي زوجتي :- بعمرك هذا تركتنا وما الفائدة ؟! عائدات مالية أقل ، سفر ومخاطر طريق ، ومكانة أقل ! هل انت معاقَب ام عاقبت نفسك ؟ .
وفي هذه الحالة فقط اتصرف بذكاء واقنعها انني الان افضل حالا . وفي هذه الحالة ، من حالات نادرة أخرى ، اكذب لانني لا اريد لها ان تتألم بسبب نزواتي وميلي الغريزي وحبى البدوى للترحال والتغيير . فتتجسد امام عيني صورة ابني ( علي ) حين كان يتلهف الى اية لعبة جديدة ليفرط في اللعب بها وما يلبث طويلا أن يتحول اللعب الشغوف الى عبث صاخب ينتهي بتحطيم اللعبة التى لا تدوم بين يديه نهارا واحدا او ظلَّ مساء . يحطمها بعصبيه لكانما ينتفض على عبوديته لها ، ليتحرر منها ، غير شاعر بالندم بل ثمة ارتياح همجي عابث يتجسد في عينية فتعم السكينة ارجاء جسدة . ولكنني الان لا اشعر بذلك الارتياح انما بالخزي والمهانة حتى انني اسعى لاقناع نفسي قبل الاخرين بانني لم ارتكب حماقة :- انا الان مرتاح اكثر ، بل اشعر بالحرية . وحين ينظر الاخرين في صدق ما اقول وما ارسم في كلماتي من رضا وقناعة ، تنظر زوجتي الى الارقام ، وتقول لا لقد خسرت . ولعلها حين تفكر بالارقام لاتدرك كما لايدرك الآخرون أن خسارتي المعنوية اكبر ، لايهم فانا لم اعشق يوما مواقع الشهرة بقدر عشقي للملاذات الدافئة .
ولو انني كنت من المؤمنين المصدقين للقوى الغيبية الراعية للصالحين لفهمت ماجرى خلال النصف الثاني من العام الماضي . كنت انظر الى السماء في دواخلي ، واقول ملء نفسي :- فقط مئتا مليون . ليست دولارات بل دنانير عراقية تنقذني من بؤس سكني وحاجتي . ورغم اعتراض زوجتي ، الذي ادى بي الى ضرب الارض بجهاز الموبايل وتحطيمه ، بعت المشتمل الصغير ملاذنا الوحيد الذي ينتظر عودتنا الى بغداد وهنا حصلت امور لم تكن في الحسبان تحول المشتمل الى قطعة ارض جيده في بغداد ارتفع سعرها فوق التوقعات ، ولا ستحالة بنائه بامكاناتي مالبثت قطعة الارض ، بعد تردد وقلق لصعوبة القرار ، ان تحولت الى سبعين مليونا من الدنانير وقطعة ارض لاباس بها ، ان لم تكن جيدة ، في الناصرية ، التي هرعت اليها فارا بعائلتي قبل ثلاث سنوات ، وهنا رقص الحلم وصرت لاول مرة خلال عمري الهارب نحو الستين مالكا للارض والمال. فتوسعت آفاق مخيلتي لارسم خارطة مترفة لبيت الاحلام السرمدية .
تقدمت بهمة الفرسان ، متخذا من خبرة جيراني الذين سبقوني ، هديا للعمل ، الا أنني في اول الطريق اكتشفت خداع ومكر المدعو ابو ضياء ولم اعتق رقبتي من حباله الا بدفع نصف مليون دينار لاعمال حفر سيئة ، وهنا تقدم الي صاحب الخبرة الذي يجول المنطقة الناشطة باعمال البناء ليقول لي :- عمو أنت فقير وطيب ، ويقصد بفقير ، في الواقع ، غبي ، لولا اني اخذت الجانب الحسن في لهجة العراقيين وهو انني من الطيبة ، وحسن الطوية ، ما يدفع المخادعين لاستغلالي . واردف رضا بالقول :- اوصاني بك جارك سيد خلف وكذلك ابو شيرين الذي قال اهتم به فهو ( يشور ) اكثر من سيد خلف . ومن ثم قال رضا :- عمو احسبني مثل ابنك علاوي .
باشرت باكمال اعمال الحفر والتعديلات ما امكن بالاستعانة باحد العمال القرويين و قد اصطحبتة خلال فترة العمل للغداء في بيتي وهو كرفان قديم يعود الى الدائرة وعند الساعة الثانية سألته عن الاجرة فأجابني بحياء :- خمسة عشر الفا ، نظرت في وجهه المتعب الشاحب وتذكرت وجه ابي ضياء المكتنز فاعطيت العامل الفي دينار اضافية ، وفي اليوم التالي ولغرض اكمال اعمال الحقر استدعيت معه عاملا اخر وطلبت منهما ان يتأخرا بعد الثانية ظهرا مع اجر اضافي وايصالهم الى محل سكناهم ، وحيث ان فترة العمل ستكون اطول فمن الواجب ان لا اكون من اصحاب الكروش المقيتة واستغل جهد هذين المسكينين لذا امددت في وقت استراحتهما بعد وجبة الغداء والضيافة الحميمة ، وحين انتهيا من العمل قبل الخامسة عصرا وجدت نفسي خاضعا لحسابات وعقلية المقاولين فحسبت ان الساعتين الاضافيتين ، نعم ساعتين فقط ، أو أقل ، لماذا لقد جاءوا للعمل بعد السابعة في حين يبدا عمل العمال في السادسة صباحا ، ناهيك عن فترة غداء طويلة ، اذن أقل من نصف يوم عمل اضافي ، وسيكون اكثر من الجيد لو اضفت لكل واحد منهما اجرة اكثر من نصف يوم عمل ، كنت اقلهما بسيارتي القديمة الى خارج المدينة حين رسمت في مخيلتي شكرانهم وعرفانهم بالجميل حين انقد كلا منهما بخمسة وعشرين الف دينار ، الا انني فوجئت بعدم الرضا على وجهيهما فشعرت بالخجل مما بدر مني لعلي اخطأت بحقهما وتصرفت باستغلال بشع لجهديهما :- اراكما غير راضيين . فصمتا ، هذه خمسة آلاف اضافية لكما الاثنين ، فصمتا ، قليل ؟ وهذه خمسة أخرى . فصمتا الستما راضيين ؟ - لا راضيين نبرئك الذمة . وحين عدت الى البيت مستذكرا ما جرى ، استولى علي شك مناكد ، فلعلي اخطأت في المبلغ واعطيتهما مبلغا زهيدا لذا لم يكونا راضيين وكم انتظرت بقلق محموم مجيء اليوم النالي ورحت ابحث عنهما وحين رأيت احدهما سألته ، كم اعطيت كلا منكما امس ؟ قال :- ثلاثون – اذن لم اخطي ؟ - لا والله فقط ثلاثون لكل واحد ؟ - أسف وهل هذا قليل – لا الحمد لله .
ومع ان صديقا لي لامني على مثل هذا التبذير ، كما يرى ، حين سألته رأيه ، فانني قد بررت ذلك بكونهم فقراء ويستحقون المساعدة . لا اعرف أهي طيبة ، أم غباء ، أم انني في الواقع افعل ما يجب في حين يستغل البعض جهد العمال . وهنا صار القرار صعبا حتى اذا تقدم رضا مني ووجدني حائرا قال : ها عمو ؟ اراك دائخا ؟ قلت اريد حداد وبعد ذلك خباطة . – لا تتعب نفسك ساقوم انا بترتيب الامر احسبني مثل ابنك علاوي .
اشتريت الحديد وابلغني رضا ان المبلغ الذي يطلبه الحداد مئتين و ستين الفا . وانتهت اعمال الحدادة ولم يبق الا القليل منها وحسبت المبلغ للحداد ، مئتان وستون الف دينار ، اخذ منها رضا خمسة الاف اجرة المقص . وعند المساء اتصل بي رضا – تعال عمو ابو فرح ،انا في الباب ، حصل اشكال مع الحداد . فهرعت خارجا :- خير ان شاء الله ؟ .- وجد في المبلغ زيادة خمسة واربعين الفا . – زيادة ؟ - نعم زيادة ، وهو زعلان جدا يقول هل يريد صاحبك اختبار نزاهتي ؟! . – اعطني رقم الموبايل الخاص به. – لا لا عمو هو زعلان جدا . – هل هو متأكد من الزيادة ؟ - نعم .

كنت قد حسبت المبلغ بين يديه وكان رضا واقفا فكيف حصلت الزيادة ؟ غدا ساعرف . ولكن لماذا خمسة واربعون الفا . وكيف لم يكتشف ذلك الا مساءا . خمسة واربعون ؟ ومالبثت ان فترت حماستي لمعرفة السر ، خمسة واربعون وخمسة اجرة المقص يصبح المبلغ خمسون ، اذن اجرة الحداد وعماله مئتان وعشرة آلاف. لم يتوقع رضا ان اسلم المبلغ بيد الحداد وحين طالبه بالمبلغ الفائض ربما اختلفا او لعل ضمير الحداد الذي اثر فية خسن ضيافتي له ولعماله ، لم يسمح له بسرقتي ، على عكس ابي ضياء الحفار، لذا ارغمه ذلك الضمير الحي ، على اعادة المبلغ الزائد . ليس لما جرى ، من تفسير منطقي ، غير هذا ، لذا رفض رضا اعطائي رقم هاتف الحداد . في اليوم التالي كان العمل المتبقي قليلا انجزوه عند العاشرة صباحا ورفضت ان يغادروا دون غداء وخلال الغداء قال لي الحداد بعد ان حيره تجاهلي للامر :- هل اخطأت أمس في المبلغ ؟ قلت :- ارى انني لم اخطئ ، ولا يهمني سوى ان تكون متأكدا من انك انت لم تخطئ في حقك ؟ اندفع رضا ليفسر سبب الزيادة وكان تبريرا غير منطقي حتى انني لم أهتم بتفاصيله . عندها ايقنت ان للحداد خلق كريم دفع به الى عدم فضح رضا أو لعل الاخير قد توسل اليه ليفعل ذلك . انتهت في اليوم التالي اعمال صب الحفر و كنت قد تعاملت مباشرة مع الاسطه الذي اتى بالخباطة ونقدت عماله بالاكراميات.. وكان رضا الذي ما انفك يمتدح حسن ضيافتي للعمال وكرمي ، مساعدا لي لهذا اليوم بالاضافة لجهودة بجلب الحداد ومرافقته فدفعت اليه بثلاثين الف دينار ومن ثم خمسة وخمسة اخرى قال عنها اجرة المقص . لا اعرف بالضبط . مالذي يدفعني لذلك . الأنه يتيم فعلا ويعيل اخاه ؟، ام لانني فقير كما يقول هو ناقلا رأي الحداد وآخرين بي . ام انني خجول الى الحد الذي اخشى فيه من أن تمس سمعتي بسوء ؟ لا أعرف بالضبط غير ان مبرري الظاهري هو الانسانية . تلك الانسانية التي لم تكن كافيه لحملي على التخلي عن قراري بابعاد رضا عن اي عمل آخر أقوم به . لذا قمت هذه المرة باستدعاء حيدر الذي خبره سيد خلف جيدا فوجدته شابا طيبا خجولا وذي سماحة فاوكلت اليه اعمالا لاحقة . قال حيدر بادب جم :- يعرفني سيد خلف وقد اوصاني بك قال لي انك طيب .. انك طيب .. جدا انك .. انك ،، وراح يفتش في قاموسه عن الكلمة التي تعبر عن مدى طيبتي .. انك جدا .. انك ... ساذج . ونظر في عيني متلمسا شكري له عن مديحه لي . وربما وجد في سكوتي مدى غبائي لعدم معرفتي بما تعنيه الكلمة البليغة التي امتدحني بها .
في المساء ، وبعد ان خبرت الاسعار التقريبية للمواد واجور العمل ، وقمت بتدونها في الدفتر ، قلت لزوجتي :- لكي اكمل بناء الهيكل ، فقط ، بالكامل فانا بجاجة الى تسعين مليون دينار . فقالت زوجتي محتجة :- ولكن الهيكل الذي بناه سيد خلف مع كونه اكبر وباسعار مواد كانت اعلى قد بلغ ثمانين مليون . المفروض انك تنفق اقل من ذلك .
- لن انفق اقل من تسعين .
- لماذا ؟!
- لانني ساذج .



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبدالجبار حفيد المبروك
- الهدوء الذي يلي العاصفة
- وهم الموت والحياة ، إنكم خالدون من بعدي .
- شيخوخة بحناء الدم
- فلسفة الحاج سالم
- حسد أم حقد
- حسد أم حقد
- اسقاطات
- هل حقا أهل مكة أدرى بشعابها؟؟
- قصيدة الليل
- الأنا الحاضرة
- الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه
- صناعة الخرافة ... خرافة العلم ، وخرافة الجهل
- الامريكا يحتفل ....... أحداث في ذاكرة طفلة ، في الرابعة من ع ...
- راعية السلام والحرية
- مقدمة لسمفونية الحياة
- إنّا رجال الوطن الآتون من النار
- الغرباء
- الخيانة ... خيانة الذات
- القصيدة تتشظى في فضاء الروح


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - طيب وساذج ومابينهما