أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - ماهية النظام العالمي الجديد















المزيد.....



ماهية النظام العالمي الجديد


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2547 - 2009 / 2 / 4 - 02:43
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


خلال العقد الأخير من القرن العشرين، راحت تتردد عبر وسائل الإعلام جملة جديدة تشير إلى ولادة مبدأ عالمي جديد بعث في النفوس آمالاً لطيفة أطلق عليه اسم (النظام العالمي الجديد)، إلا أنه ومن خلال ما شوهد من كيفية تطبيق بعض مبادئه ووسائلها، وجدنا اختلافًا كبيراً بينه وبين ما يدعو له هذا المقال، بل بدت وكأنها مجرد محاولات سياسية متذبذبة غير ناضجة لم تتبلور بشكلها الصحيح، سمتها الواضحة المصالح الفردية والدولية والقوة الغاشمة، مما أدى إلى تشويه الفكرة واتخاذ بعض الشعوب جانب الحذر منها، إذ بدا معناها للوهلة الأولى سيطرة دولة على أخرى أو سيطرة مجموعة دول على غيرها أو تسلط الدول الغنية على الفقيرة.
اذن، كان لابد من توضيح مفهوم هذه الفكرة الجديدة قدر المستطاع، حيث يتوقع لها احتلال مكان الصدارة بين الفلسفات العالمية والدساتير والنظم الدولية في المستقبل القريب، وان قدر لها التطبيق بشكل سليم، فستقود البشرية الى مرحلة عالمية جديدة قد تكون أسمى ما توصل إليه العقل البشري على مر عصوره.
أولا، يجب ان لا يفهم من عبارة (النظام العالمي الجديد) سيطرة دولة على أخرى أو الاعتداء على حقوقها أو احتلالها أو تغيير نظامها، ولا سيطرة قارة على قارة ولا مجموعة من الدول على غيرها، ولا سيطرة الدول الغنية على الفقيرة، ولا الشمالية على الجنوبية، لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا فكريا، ناهيك عنه عسكريا. فهذه المفاهيم مرفوضة رفضاً باتاً، ولم يكن ولن يكون مفهوم النظام العالمي الجديد لهذا المقال أو من ضمن مقترحاته. فما ندعو له هو نظام اجتماعي سلمي عالمي كامل لحقوق الإنسان ونظام تام للقانون الدولي، يرتكز على تنظيم القوانين المحلية والوطنية وأنظمة الشعوب والحكومات وغيرها من الأنظمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دقة وحرفية، فهو يعتني ويكفل بالدرجة الأولى حرية المواطنين في كل قطر من أقطار العالم ويضع هذه الحرية المنظمة المدروسة فوق كل اعتبار في حدود القانون المحلي والدولي. ولأجل ان لا يغلو ولا يَسْتَغِلَ المواطن هذه الحرية الفردية ولا يتعسف في استعمال حقه الشخصي ويتخذهما سلاحاً يحارب بهما مجتمعه ونظام دولته والنظام العالمي الجديد، وحتى يبقى تحت سلطة النظام والقانون وتصان حقوقه ويمتثل لواجباته، عليه وقبل كل شيء الخضوع والمشاركة شخصياً في تكوين وتأسيس هذا النظام العالمي من خلال المشاركة المباشرة في التصويت واختيار مواد قانونه، ليكون ملزماً بالتقيد والانقياد إليه باعتباره أحد المشاركين في وضع دستوره، وحتى يعرف المواطنين حقهم الطبيعي في مجتمعاتهم ليذودوا عنها إذا ما تعرضت لنوع من أنواع الغبن أو التهاون، وليخلقوا مجتمعات متفتحة الأذهان ويشاركوا في تقرير أمورهم المصيرية بشكل مباشر، فالدستور يكفل لهم الحق في التعبير عن رأيهم بكل صراحة ووضوح.
بل ان هذا النظام العالمي يلزم بقية شعوب العالم على تقديم آرائها واقتراحاتها ومساعداتها للشعوب الأخرى وتوضيح حقوقها وواجباتها بعيداً عن مبدأ السيادة الوطنية الذي تتحصن خلفه مجموعة كبيرة من الحكومات، باعتبارهم أعضاء جسد الإنسانية الواحد، حتى تتعاضد شعوب العالم بأجمعها وتسهم في النهوض والتقدم كمجتمع بشري متجانس يسكن هذه الكرة الأرضية الصغيرة. ومن خلال هذه المشاركة في النصيحة والمشورة وإبداء الرأي والمساعدة بين شعوب العالم يصعب على الذئاب البشرية الكاسرة المتعطشة للظلم والدماء والحروب، التفرّد بمجتمع دون غيره والتهام وطنه وثرواته وشعبه، إذ لا مجال للتخفي والتحصّن وراء مبادئ استغلت أسوأ استغلال في السيطرة على الشعوب لقرون عديدة على مر التاريخ مثل "سيادة سلطة الدولة" أو "سيادة الحكومة" دون رقابة حكومة محلية أو سلطة دولية، فكم من شعب عانى من الظلم والبلايا والويلات من جراء تطبيق هذه الشعارات بشكل خاطئ، ومنعت عنه المساعدات بسبب درع السيادة الوطنية الزائف، وحاجز الحق الوطني، والاستقلال الوطني، ووطنية الحكومة، والثورة الحرة، بينما وقفت بقية دول العالم تنظر إليه من خلال نافذة المصالح، وتمتنع عن إبداء رأيها أو تقديم المساعدة لتصحيح ما يجري داخل حدوده.
ان سرعة تطور الفكر الإنساني كفيل بتغيير الكثير من القوانين القديمة نحو الأفضل، ويوضح بشكل لا لبس فيه، التغير التدريجي الحازم في الأفكار الإنسانية وخروجها من حدود الأوطان ومحاور القومية نحو العالمية، بدليل زيادة انتشار فكرة حقوق الإنسان، وحرية المجتمعات، وحرية الفكر، وحرية الصحافة، وحرية المرأة، وضرورة رعاية الطفل، والحفاظ على البيئة، وحسن الجوار، والسلام العالمي، ونبذ العنف والحروب والإرهاب، والمساعدات الدولية، والاقتصاد العالمي، وشركات متعددة الجنسية والمنظمات الإنسانية العالمية وغير ذلك من الأفكار والمؤسسات التي ظهرت على البشرية بمنظار عالمي جديد لتؤكد هذا التقدم في أحوال المجتمعات.
وعندما يتمكن المواطن - أي مواطن في أي دولة من دول العالم - من إمساك زمام أموره بيده ويدرك إمكانية مشاركته في تقرير مصيره من خلال حرية الفكر والتعبير والانتخاب التي يتمتع بها وينفذها القانون ويضمنها له الدستور، عندها فقط يحصل التغيير والتطور نحو الأفضل في أفكار الناس، ومن خلال هذه التربية الصحيحة يبتعد المواطن عن الجهل والعمى والظلام ويدخل آفاق العلم والرؤية والنور.
ان النظام العالمي الجديد، لا يتعلق بمصير فرد أو أسرة أو قرية أو شعب من الشعوب، انه بحق مصير كل الإنسانية، انه نتاج تفكير وتجارب فلاسفة جميع شعوب الأرض وخلاصة معاناتهم، بعدما أدركت جميع حكومات العالم ان مشاكل مواطنيها لا تحل وطنياً وداخل حدود بلدانهم وعبر بعض الوطنيين وقليل من الشعارات. فبعدما امتزج العالم اليوم حكومات وأوطان وشعوباً وأفراد، أصبحنا نعيش في قرية صغيرة واحدة، ووجد الفلاسفة والعلماء والسياسيين أنفسهم مجبرين على التوجه الى حل مشكلات دول العالم بشكل مترابط، وأيقنوا ان الحل لابد وان يكون جماعيا.
من هذا المنطلق ظهرت فكرة (النظام العالمي الجديد). لذا نود الدخول في تفصيل بسيط يلقي بعض من (قبسات) النور على آراء واقتراحات بنود واتفاقات وقوانين هذا النظام، وهي ليست ملزمة في شكلها المعروض، بل تخضع لتفصيلات وتقنينات وتبويبات دقيقة حساسة يتناولها في وقتها رجال الاختصاص والخبراء وعلماء العالم كلٌ حسب اختصاصه.
ولتحقيق هذا النظام العالمي وإيجاده على ارض الواقع، وجب التفكير بطريقة جديدة مختلفة تماما عما ألفيناها وتعودنا عليه سابقاً، فإن لم نوجده اليوم ونتحرك لتحقيقه، فلابد ان يتقدم أحفادنا لتحقيقه غداً، فالضرورة التاريخية وحتمية التطور الإنساني تقضي بذلك. ولتسهيل الأمر عليهم ورحمة بهم وبمستقبلهم، علينا المبادرة والتفكير بشكل سليم وتقديم الأفكار والاقتراحات التي تساعد على تحقيق رفاهية جميع البشر على الأرض، والمحاولة الجادة في تحدي الصعاب. فكم من فكرة أو اختراع اعتبر ضرباً من الخيال أو الجنون قبل اختراعه وتحقيقه، لكنه تحقق وأصبح حقيقة مشهودة بفضل جهود وعطاء أولئك الجبابرة الأفذاذ الذين ضحوا بسني أعمارهم بل وحتى بحياتهم في سبيل تحقيق ما نتمتع به اليوم من علم ومعرفة واختراعات وأدوية ووسائل راحة وخدمات.
أما إذا رفع علينا البعض اصبعه واتهمنا بالمثالية أو الجنون، فحسبنا ان هذه الألقاب والصفات قد وصم بها رسل الله وأنبياؤه من قبل مع كل رفعة شأنهم ومقاماتهم العالية.
من المتوقع - إن ترجمت هذه الأفكار والمقترحات العالمية الى نظم وقوانين - فستؤدي الى تغيرات إيجابية جذرية في حياة الشعوب وحكوماتهم، وستختفي جملة ممارسات خاطئة وخطيرة أو تنحسر الى أدنى أشكالها، منها على سبيل المثال لا الحصر:- هذا الكم الهائل من السجون العامة والخاصة ومعسكرات الاعتقال، وأعداد الجيوش وترساناتها النووية والتقليدية، والشرطة والأمن والمخابرات والاستخبارات، وكذلك تهم الخيانة والتآمر على كل مخالف لآراء وأفكار الحكومات (الوطنية)، ولصق أقذر التهم بأشرف العوائل وأعرقها نسباً، وعمليات التنصت على المكالمات الهاتفية ومراقبة صناديق البريد والرسائل، وتمثيل المسؤولين دور المرشد الشريف والراعي الصالح للمواطنين، وتوريط المواطنين في عمليات التجسس، وممارسات التعذيب والقتل على الهوية والمذهب والدين والفكر، وهتك أعراض الناس وناموسهم، والكف عن مطاردتهم وتهديدهم وابتزازهم وتصفيتهم، ومظاهر الخوف والرهبة والعقد النفسية تجاه المسؤولين وأفراد السلطة والحكومة، وغير ذلك من الأمور التي تحد من حرية الأفراد والمواطنين والشعب بصورة عامة.
ان كل هذه التصرفات والممارسات، وما خفي كان أعظم، يمكن إزالتها والاستعاضة عنها بالقوانين العالمية العادلة الجديدة. لأن التقدم والتمدن قادم لا محالة وسيوصل البشرية الى أعلى وأفضل المستويات الاجتماعية قريباً.
كما سيساعد انتشار هذه المبادئ على:- نشر الطمأنينة بين الناس، وتسهيل معاملات سفرهم وإعطاءهم حرية التنقل وتغيير محل سكناهم، والتمتع بحرية التعبير والكتابة والخطابة، وممارسة دور النشر والمطابع أعمالها بحرية في نشر المؤلفات والكتب والمجلات والصحف والدراسات دون رقيب أو حسيب، وترك المواطن وشأنه في اختيار ثقافته وقراءاته، وإبداء رأيه والرأي المضاد، والشعور بالحرية والأمان، وحرية التجمع وتشكيل الجمعيات والأحزاب والمنظمات، واستقبال قنوات البث الفضائية والإذاعات المختلفة، ومساهمة الأحزاب في تشكيل الحكومات العادلة، وفتح أبواب السجون للتحقيقات الحرة لمفتشي حقوق الإنسان الدولية ومندوبي الأمم المتحدة والحكومة العالمية، وبالتالي توفير فرص العمل الشريف وتوفير مقاعد الدراسة للاطفال وتعميم الصحة للجميع.
فلندخل معاً في موضوع النظام العالمي الجديد ونناقشه، ومن يجد في نفسه القدرة على تحسينه بإنقاص أو زيادة أو تحوير بعض نقاطه أو بنوده، فهذا أمر تترك مناقشته لجميع ذوي الاختصاص. ولنعمل مثل هيكل واحد وعصبة واحدة لتخليص الإنسانية من مصائبها العالمية والكوارث المستقبلية التي يرى كل عاقل شريف إنها تركض إليها ركضاً.
من الجدير بالذكر التنبيه على نقطة مهمة أساسية في هذا النظام العالمي الجديد، حيث تعتبر حجر الأساس بين بنوده، ألا وهي: أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على تحلي الإنسان بالصفات الإلهية الرحمانية والإنسانية التي طالما نادى بها رسل الله وأنبياءه، مثل: مخافة الله والرحمة والمحبة والعطف والتسامح والصدق وصفاء النية ونكران الذات والعدل والإنصاف والأمانة وحب الخير لجميع البشر بمختلف أجناسهم وشعوبهم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إبعاد هذه المبادئ الأساسية عن مطلبنا الرئيسي. فبدونها لا يمكن تطبيق هذا النظام وإيجاده على أرض الواقع، فالمحبة بين الناس والتعاون وحب الخير هي أساس هذا النظام وجزء لا يتجزأ منه، فإن لم توضع هذه الفضائل الإنسانية كأول حجر في زاوية بناءه، وتفرض كمناهج دراسية في صفوف التلاميذ منذ نعومة أظفارهم، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تشييد هذا النظام، وستلقى أي محاولة لإيجاده، نفس النتائج الفاشلة التي أصابت بقية النظم السابقة، وستأتي الأجيال القادمة لتحققه بالمحبة والاحترام لا محالة.
بعض مقترحات أسس النظام العالمي الجديد وفقراته:-
(1) إيجاد لغة عالمية مشتركة وخط واحد للكتابة
ان هذه الفكرة، وان يرى بعض القراء صعوبة تحقيقها، الا انها ممكنة إذا نوقشت طرق تنفيذها وعرفت الغاية المرجوة منها ومقدار فائدتها لكل الناس. أما الوسائل اللازمة لتنفيذها فلا تحتاج الى جنود وجيوش وحروب وقتال. ان الإنسانية بحاجة ماسة الى إيجاد لغة تفاهم واحدة سهلة بين مختلف شعوب الأرض بمختلف لغاتهم ولهجاتهم، لتمكينهم من الاطلاع على علوم وثقافات وتاريخ بعضهم البعض، فإذا تحقق هذا الأمل، سيحصل ارتقاء عالمي للبشرية من جراء الاستفادة من قراءة مختلف ثقافات شعوب العالم والاطلاع على كل فكرة ونظرية واختراع جديد.
ومن فوائدها أيضا، ان الإنسان سوف لا يشعر بغربة في أي بلد يحل فيه ويتمكن من تدبير أموره بغاية البساطة ويشعر انه في وطنه أينما ذهب، ويتمكن من قضاء كل التزاماته واحتياجاته دون تأخير أو حاجة الى مساعدة ان كانت دراسية أو ثقافية أو علمية أو تجارية أو رياضية أو غيرها.
كذلك ومن خلال تبني لغة عالمية واحدة وخط واحد، لن تضيع أعمار الناس الغالية سدى في تحصيل لغات بقية الشعوب وتعلم لهجاتها التي تعد بالمئات. فلو كانت هناك إحصائية بعدد السنين المهدورة التي أضاعها ويضيعها الناس في تعلم لغات بعضهم البعض، لوجد انها تزيد على آلاف السنين، كلها ضاعت بسبب التعصب الوطني والقومي والمذهبي وقلة التفاهم بين الشعوب وعدم نضوج الفكر الإنساني لإدراك هذه الحاجة سابقاً.
ان الكرة الأرضية مثل بستان جميل كبير، أو حديقة عظيمة مزهرة، أو سلّة ورد كبيرة عطرة، يزداد تألق جمالها وحسنها باختلاف ألوان أزهارها وتنوع أشكال شتلاتها وتباين أحجام أشجارها وتدرج أغصانها وتطاول أفنانها وتعدد روائح أورادها واختلاف عبير زهورها وتنوع أشكال طيورها وألوان بلابلها، فالتعدد والتنوع والاختلاف في هذه الحالة مطلوب ومرغوب وهو سر جمال ذلك البستان وتلك الحديقة وهذه الزهرية. وفي المقابل تزداد الكرة الأرضية جمالا باختلاف أراضيها وتنوع مناطقها وتباين مناخها، وتزهو وتتألق وتزداد جمالا وبهاء بتعدد ألوان وأشكال شعوبها.
لذا كانت الحاجة ضرورية في هذا الوقت الى (الوحدة العالمية في التعدد)، فجمال العالم الإنساني يكمن في تعدد شعوبه وتراثه وأقوامه وثقافاته. أما فكرة دمج شعوب العالم في بوتقة واحدة وشعب واحد بمقاييس محددة متساوية، فكرة خاطئة غير مجدية، حاول بعض المفكرين والسياسيين تحقيقها كما شاهدنا ذلك في القرن العشرين، الا انهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعا، هذا بالإضافة الى ما حصل من دمار هائل ومعاناة رهيبة للبشرية جمعاء جراء تطبيق تلك الأفكار، تمثلت في حربين عالميتين راح ضحيتها عشرات الملايين من الشباب اليافع والرجال الشجعان، إضافة الى الحروب الإقليمية والأهلية والمشاكل المحلية التي ما زالت مشتعلة في مختلف أنحاء العالم حتى هذا اليوم.
لذلك كان من الضروري ان يجتمع ممثلو حكومات العالم والمفكرين والعلماء لاختيار لغة عالمية واحدة من بين لغات العالم أو إيجاد لغة عالمية جديدة للتفاهم بين الشعوب إضافة الى تقوية اللغات المحلية الخاصة بكل قوم وشعب وملة وقبيلة، لأن كل إنسان يحب لغته الأم ويتعصب لها، لذلك لابد من بقاء اللغات الأم الى جانب تعلم اللغة العالمية. وبهذا تتمكن جميع شعوب العالم من التفاهم والتجانس فيما بينها، وتحافظ في نفس الوقت على لغاتها الأصلية وتراثها وحضاراتها وتاريخها وفنونها، ويتمكن الجميع من اكتساب ثقافات غيرهم وزيادة كمية معارفهم وعلومهم بطريقة أسهل وأسرع.
ان هذا الاقتراح ليس بالجديد تماماً، فلقد دعا إليه كثير من الفلاسفة والعلماء، وهو مطبّق بشكل متباين وعفوي في بعض أنحاء العالم، فغالبية مثقفي العالم اليوم، يتكلمون أكثر من لغة ويتفاخرون بذلك، وهذا الاكتساب اللغوي لم يولد من فراغ، بل كان دافعه ظهور الحاجة الى الاندماج بين الشعوب والاطلاع على أحوالهم وثقافاتهم والتعلم منهم والتفاهم معهم وكسب خبراتهم. فاذا اتفقت حكومات العالم على لغة عالمية واحدة وخط واحد، ازدادت أواصر التفاهم بين الناس وزادت نسبة التعاون والمحبة بينها، وقلّت احتمالات الاختلاف والتنازع بين البشر.
أفليس هذا أفضل من الشعور بالغربة والوحشة التي يشعر بها كل إنسان يطأ أرضاً غريبة لا يعرف لغة أهلها وعاداتهم؟ وأليس هذا أفضل من اقتصار ثقافات الناس على تراثهم وما توفره لهم قوميتهم؟ وكم كان الجهل بلغة قوم سبباً في إشعال نيران الفتن والحروب والمنازعات بين الناس.
(2) توحيد المقاييس والأوزان عالمياً
غالبا ما تصادفنا كأفراد مشاكل من هذا النوع، فتارة لا نفهم وزناً ما لأنه مسجل بالأونصة ومرة لأنه مكتوب بالغرام، وآخر يقيس المسافات بالميل وغيره بالكيلومتر والعقدة والمتر أو الياردة والقدم والإنج والسنتيمتر، ناهيك عن المقاييس القديمة مثل الفرسخ والمحطة وغيرها.
اذن، أليس من الأفضل توحيد هذه المشكلة البسيطة التي تسببت في خسارة الكثير من أموال الحكومات والتجار والأفراد، لا لسبب سوى لعدم إيجاد صيغة للتفاهم بين بشر وصلوا الى أقصى متاهات الأفلاك السماوية؟ ان تحقيق هذا الهدف يساهم كثيرا في تقارب وجهات النظر بين الناس ويزيد سبل التفاهم بينهم، ويحافظ على أموالهم ومكتسباتهم ويزيد من ترويج تجارتهم وصناعتهم.
(3) توحيد العملات النقدية عالمياً
من المؤكد ان هذا الاقتراح صعب المنال، فهو يحتاج الى دراسات اقتصادية كبيرة واجتماعات مكثفة وسنين طويلة من الاتصالات والاجتماعات والوفود وغير ذلك. لكن، كم من هدف أصعب منه حققه الإنسان بفضل مثابرته وجهده؟ ان المواطن العادي يرى كل يوم ارتفاع وانخفاض أسعار العملة التي تؤثر على لقمة عيشه، لكن القليل منهم يعلم كم تؤدي ذبذبة العملات الى خراب بيوت وأوطان وتدمير اقتصاد دول، وكم من شركة قوية أفلست وتدهورت وخربت بيوت أصحابها وموظفيها وعمالها بسبب هذا المؤشر المتذبذب! ان هذا الاقتراح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الدولي والوطني والمحلي، ومن المؤكد ان تنظيمه يعود بالفائدة على الجميع. وها نحن نرى بوادر إحساس بعض أمم العالم بالحاجة الى مثل هذا المقترح، وكيف اتفقوا واتخذوا الدولار أو اليورو – في الوقت الراهن – عملة عالمية لهم، وها هي الدول الأوروبية قد بدأت بهذا المشروع ووحدت عملتها، ولابد ان تحذو حذوها بقية دول العالم لما فيه خير البشرية جمعاء، خاصة الدول التي تربطها عوامل مشتركة مثل وحدة اللغة والدين والمواقع الجغرافية، ومن الواضح ان العرب أكثر الأمم حاجة لمثل هذا التوحيد.
(4) إلزامية التربية والتعليم لكل شعوب العالم
ولو ان هذا الاقتراح مطبق محلياً في بعض دول العالم اليوم، إلا ان العمل به عالمياً يعتبر أسّ أساس تنظيم شعوب العالم والأخذ بيدها، ولابد من الاهتمام به دولياً ووضع القوانين المحلية الملزمة للآباء والأمهات بتعليم أولادهم، فإذا لم يستطيعا تربية وتعليم أولادهما، فمن واجب الحكومات تنفيذه حتى ولو استخدمت القوة في ذلك. ان ثمرة هذا المشروع ستشمل فائدته جميع الشعوب، وفي خلال بضع سنوات ستحصل طفرة ثقافية في أجيال العالم برمتها ويعم الخير جميع البشر دون استثناء.
(5) الاهتمام بتربية وتعليم المرأة
ان هذا المطلب من المطالب المهمة في الوقت الحاضر، فليس هناك عاقل ينكر دور المرأة في تربية الأجيال، فهي الأم وهي المدرسة الأولى للطفل وهي نصف المجتمع، وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وطالما انها كذلك، فلابد ان تكون واعية متعلمة مثقفة لتتمكن من تخريج أجيال متعلمة. ان العائلة التي تتكون من أب متعلم وأم جاهلة، معرضة للإصابة بالخلل بلا شك، فالأب غالبا ما يكون مهتماً بعمله ومبتعداً عن بيته وأطفاله طوال يومه تاركاً تربية أبنائه إلى الأم، فهي المدرسة الأولى التي يدخلها الطفل، فإن كانت جاهلة لا تقرأ ولا تكتب، فمن المؤكد ان أساس الأطفال سيكون ضعيفاً ركيكاً مهتزاً، وعندها سيتأثر المجتمع بأكمله بهذه النتيجة السيئة.
قد يعترض أحدهم بالقول ان مجتمعاتنا القديمة كانت ناجحة رغم وجود الأم غير المتعلمة وغير المثقفة. وهذا أمر ينطوي على شيء من الحقيقة، لكننا لم نجرب حتى الآن شعباً كامل التثقيف بكل رجاله ونساءه، فان تم هذا الهدف، عندها سوف نرى الفرق بين النجاحين، نجاح الماضي ونجاح المستقبل، كما ان مقتضيات التطور تجبرنا على تحديث حياتنا ومواكبة تطور بقية الشعوب وتفعيل النصف الآخر العزيز على قلوب الجميع.
أما الإدعاء أن تعليم المرأة سوف يفسدها، فهذا قول ثبت بطلانه، لأن قوة الإنسان في عقله، فإذا تعلمت المرأة وتثـقفت، تحصنت وتمكنت من حماية نفسها. كما أنه اتهام للرجل قبل المرأة، وبمعنى آخر إنه يقول، ان إرادة الرجل أضعف من إرادة المرأة، لأنه وبمجرد ان يراها تقف بجانبه خارجة من عزلتها البيتية، تضعف حصانته ويستهوي السقوط في الرذيلة. كما أنه حكم مسبق على حدث لم يثبت بعد، واتهام للرجل بالضعف واتهام للمرأة بالإغواء.
من هذا يمكن الخروج برأي آخر، وهو ان التربية هي المسؤول الأول عن هذا الوضع، فمتى تحسنت تربية المجتمع وتم تثقيفه، اختفت كل هذه السلبيات. ثم ان المرأة تشكل نصف تعداد مجتمعات العالم، ولقد بقي دورها مهمشاً مهملاً على مر التاريخ، فإلى متى يبقى طائر البشرية يطير متذبذباً بجناح واحد فقط، بينما يبقى الجناح الثاني- المرأة - ضعيفاً لا يقوى على مد يد المساعدة ليصحح طيران الإنسانية. ان المرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة والعمة والخالة وغيرهن، فلماذا يبقين متخلفات جاهلات وهن يحطن بالرجل من كل ناحية؟ ألا يؤثر هذا على عقليته وقوة فاعليته عندما تحيط به كل هذه المؤثرات السلبية؟ أليس من الأفضل بناء شخصية الإنسان منذ طفولته بشكل صحيح وتربية سليمة تحت إشراف أفضل معلم له؟
هناك من يقول ان المرأة مخلوق ناقص العقل، بل وهناك من يتجاوز ويقول إنهن بدون روح. ان الله خلق البشر من ذكر وأنثى (وخلقناكم أزواجا) فلماذا هذه التفرقة العنصرية بين أعز خلق الله. لقد شاهدنا دور الرجل في تاريخ الإنسانية وكيف ملأه بالدماء والحروب والقتال والدمار والخراب، وكانت المرأة أولى ضحاياه، فمنهن الأرملة واليتيمة والثكلى والأسيرة والمسبية والعبدة والجاهلة والفقيرة والجائعة والعارية والمسكينة والذليلة والأمية وغيرها.. فلماذا لا نعطيهن دورهن الآن ليتخلصن من هذا المصير المفروض البائس؟ من المؤكد إنهن سيغيرن وجه التاريخ بشكل أفضل إذا تبوأن مكانتهن بشكل صحيح داخل المجتمع، فهن مخلوقات رقيقات ضعيفات لا يملن الى العنف ولا يقوين على القتال، ويصعب عليهن خراب الديار ويمقتن رؤية الجراح والدماء، ويعلم الجميع دورهن التاريخي في تضميد الجراح وتسلية المرضى والاعتناء بهم، وهن خير من عمل في مجالات التعليم والتمريض والتدريس والتطبيب والتربية، بل وَفُقْنَ زملائهن في كثير من العلوم والفنون، فمنهن العالمات والشاعرات والمؤلفات والكاتبات، وأكثر من ذلك رأيناهن سياسيات بارزات في أعلى مراكز السلطة.
لو افترضنا ان المرأة أخذت دورها الحقيقي بشكل كامل منذ قرون وتساوت مع الرجل في كل الواجبات والحقوق! أفلا يمكن ان يكون العالم اليوم أفضل حالاً مما هو عليه؟ ألا تكون الإنسانية أكثر تقدماً؟ من المؤكد ان تعاضد قوتين للبناء وسلوك طريق الصلاح والفلاح، أفضل من قوة واحدة.
ان البنت المتعلمة المتربية، خير من ألف بنت جاهلة، كما هو الحال عند الذكور (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(1) وما يحصل اليوم من عدم الثقة بين البنت وولي أمرها في المجتمعات المتخلفة، يعود في أساسه الى نوعية مجتمعاتنا وما يسودها من أفكار رجولية عقيمة، وليس في ضعف عقلية البنت. اذن فتعليم المرأة أمر ضروري لابد منه، بل هو أولى وأفرض من تعليم الولد. فلو افترضنا ان عائلة تملك ولداً واحداً وبنتاً واحدة، وليس بإمكانها الصرف على تعليم الاثنين معاً في وقت واحد، وكان بمقدورها تعليم أحدهما فقط، فمن الأفضل للعائلة والمجتمع تعليم البنت دون الولد، وذلك لدورها الرئيسي والأساسي في بناء الأجيال التالية، فهي أول مدرسة يدخلها الرجل.
(6) تأسيس حكومة عالمية
بعدما رأينا أنواع وأشكال الحكومات في كل بلدان العالم من ديمقراطية ودكتاتورية ووطنية وثيوقراطية وغيرها، وشاهدنا ممارساتها غير المسؤولة وظلمها في كثير من الأحيان وعجزها عن توفير متطلبات غالبية الشعوب، اصبح من الضروري التفكير بإنشاء حكومة عالمية تمتلك سلطات قوية أعلى من سلطات الحكومات الوطنية، لتراقب تصرفاتها وطرق تنفيذها لقوانينها المحلية، وتفرض سيطرتها وقانونها عليها وتحد من تسلطها وممارساتها على مواطنيها إذا ما انحرفت عن مسارها السليم. لذلك فان الاقتراح بإنشاء حكومة عالمية تمثل جميع شعوب الأرض، وتتمثل قوتها التنفيذية بجيش عالمي موحد، يعتبر مرحلة ضرورية ملحة لما سيصل إليه العالم من تطور وتقدم بعد أن صغر حجمه حتى أصبح مثل قرية. ان انتخاب أعضاء هذه الحكومة العالمية من بين شخصيات معروفة بالحكمة والعلم ومشهود لها بالثقافة السليمة العالية وانتخابها عالمياً من بين جميع شعوب الأرض دون استثناء بطريقة يتفق عليها جميع الحكماء والمفكرين، أمر ضروري يساعد كثيرا في نشر السعادة والحرية في مختلف أقطار العالم وينشر الطمأنينة والسلام بين الناس.
(7) إنشاء محكمة عدل دولية
من الحاجات الملحة للإنسانية ولحكوماتها في هذا اليوم، إنشاء محكمة عدل دولية قوية ذات سلطات تنفيذية تحكم بين منازعات واختلافات دول العالم وتلزمها بتنفيذ قراراتها، فمثل هذا المشروع المفيد يساهم كثيرا في توطيد أواصر العدل والسلام بين الشعوب. ورغم ان هذه المحكمة موجودة الآن بشكل مبسط، إلا أنها ما زالت بعيدة عن أداء دورها المطلوب بشكل صحيح، إذ تنقصها القوة التنفيذية والحكومة العالمية. ان إنشاء مثل هذه المحكمة يجب ان يكون باتفاق ومشاركة جميع حكومات دول العالم دون استثناء، فإن ادعت حكومة ما عدم حاجتها لمثل هذه المحكمة، أو امتنعت عن الاشتراك في تأسيسها، فيجب إقناعها أو إلزامها بالمشاركة من خلال تنفيذ بعض أنواع العقوبات الاقتصادية أو الثقافية عليها، وإلا فعلى بقية دول العالم بتمامها السعي لإقناعها على الاشتراك بكل الطرق السلمية، حتى لا يتاح لها مجال الجنوح بعيدا عن مصالح مجتمعات العالم التي تشابكت اليوم وستستمر في التشابك بشكل مطرد حتى يصبح العالم وطنا واحداً. كما ان قرارات هذه المحكمة الدولية يجب ان تكون ملزمة لجميع دول العالم بدون استثناء، كبيرها وصغيرها قويها وضعيفها غنيها وفقيرها، فلا تجرؤ حكومة أو دولة أو عدة دول الاعتداء على غيرها خوفا من قرارات هذه المحكمة القابلة للتنفيذ الفوري من قبل جيشها العالمي الذي يأتمر بأمرها. وبهذه القوة الدولية يمكن لجميع دول العالم العيش بأمان تحت ظل القانون الدولي، وتأمن حقها من الاعتداء والاغتصاب، ويكون حكمها ملزماً لكل دول العالم.
ان وجود محكمة عدل دولية قوية متمكنة، سيساعد كثيراً في بسط مبادئ العدل والاطمئنان ليس فقط بين الحكومات، بل حتى بين أفراد الشعوب، ويشعر جميع البشر ان حقوقهم مصانة، وان هناك من يلجأون إليه، حتى وان مس الظلم مواطناً واحداً في بلد ما، وسيخلق بين البشرية الأمل في تحقيق السلام العالمي، وسوف لا يجد الأشرار، ان كانوا مواطنين أو مسؤولين، مكانة لهم بين الشعوب إلا بتغيير طباعهم وسلوكهم، وبالتالي يزداد تمسك شعوب الأرض بهذه المحكمة وقوتها، مما يلزم الحكومات المحلية سلوك المسلك السليم في التعامل مع مواطنيهم.
فهل ستتمكن البشرية من النضوج بما فيه الكفاية للدخول في زمن العدل هذا؟ بالطبع.. نعم. والدليل هو الزيادة المطردة في نسبة ذكاء الناس وثقافاتهم وبوادر المطالبة العالمية بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ونبذ الحروب والقتال والإرهاب.
(8) تأسيس جيش عالمي موحد
يرتبط تنفيذ الفكرة السابقة (تأسيس محكمة عدل دولية) ارتباطاً وثيقاً بفكرة إنشاء قوة تنفيذية عالمية (جيش عالمي)، ومن الضروري اشتراك جميع دول العالم في تأسيسه وتمويله، كل حسب نسبة عدد سكانها، ولابد أن يكون انتشار قواعد هذا الجيش في كل أنحاء العالم، ليتمكن من الوصول بسرعة ويسر الى مواقع الاختلاف والتمرد والعصيان، وتكون قوته أقوى من قوة أكبر جيش لأية دولة في العالم، بل على دول العالم الاتفاق على تخفيض عدد قواتها العسكرية بعد تأسيس هذا الجيش العالمي، ويتم الإنفاق عليه من قبل جميع دول العالم بنسب تتساوى مع مقدار ميزانيتها ومدخولاتها، بل على دول العالم التنافس لتقوية وإسناد هذا الجيش العالمي، لأن أمنهم وقوتهم مرتبط بوجوده وقوته.
ان هذا الاقتراح لا يتم ولا ينفذ الا إذا أدركت جميع دول العالم شعوباً وحكومات حاجتها لمثل هذا المفهوم المؤثر في تحقيق وحماية السلام العالمي، حتى يشارك الجميع برغبة ذاتية في تشكيله للمحافظة على القانون الدولي العام. ان الأوضاع العالمية والمشاكل الدولية في المستقبل ستزداد وتتفاقم وستجبر أقوى دول العالم يوما بعد يوم الى سلوك سبيل التعاون والتفاهم والعمل الجماعي، ولابد من مجيء ذلك اليوم الذي ستدرك فيه حكومات العالم عجزها عن الوقوف في وجه كل شعوب الأرض وحكوماتهم واتباع سياسة التفوق أو الانعزال عن بقية دول العالم والعيش بعيدا عن الاتصال والتعاون العالمي. هذا بالإضافة الى ضغط ورغبة شعوب تلك الحكومات القوي للانضواء تحت لواء النظام العالمي، وعندما تتحد غالبية حكومات العالم وشعوبها على تنفيذ هذا المشروع، لا يبقى أمام الممتنع أو المتردد منها سوى الإذعان للمشاركة أسوة بغيرها، لتنامي المفاهيم الإنسانية في جميع أنحاء العالم. لذلك لابد وان يأتي اليوم الذي يكون فيه تأثير الرأي العام العالمي على الحكومات وخصوصا النساء بغاية القوة والمتانة إذا ما تذكرنا دورهن الفاعل داخل الأسر والبيوت، بحيث ترضخ جميع الحكومات للقبول بالمشاريع العالمية، وإلا فإنها ستواجه خطر السقوط والاندثار، وهذا أبعد أهداف السياسيين الذين يحاولون إرضاء شعوبهم بكل الوسائل التي تضمن بقاءهم في السلطة.
اذن، من الضروري التفكير في إنشاء جيش عالمي موحد تشترك فيه جميع شعوب الأرض وجيوشها بنسب معقولة يحددها المتخصصون في هذا المجال، فلا ينحاز الى دولة معينة، ويخضع مباشرة لسلطة الحكومة العالمية ويأتمر بأمرها، ويكون أقوى من كل جيوش دول العالم مجتمعة، ويدرك منتسبوه من ضباط ومراتب وأفراد، انهم بانتمائهم إليه يناصرون ويذودون عن جميع البشر دون تمييز، وان هدفهم الأساس هو السلام العالمي، وانهم لا يخضعون لأوامر حكومات دولهم الوطنية أو المحلية مهما كانت قوية أو متسلطة، بل يأتمرون بأوامر الحكومة العالمية. فإن تشكَّل مثل هذا الجيش وتسلَّح بالعقيدة العالمية ووضع مبدأ الحفاظ على السلام العالمي نصب عينيه، عندها لن تتجرأ دولة ما بالاعتداء على دولة أخرى خوفا من قوة هذا الجيش العالمي العظيم.
(9) إنشاء مؤسسة أمنية عالمية (شرطة عالمية)
عندما نفكر في مثل هذه القوانين والاقتراحات، يجب أن لا ننسى أننا نصوغها ونحن نسلط نظرنا على ما يجري بين الناس من مشاكل واضطرابات في هذه الأيام. ان إنشاء هذه المؤسسة يجب ان يخضع مباشرة للحكومة العالمية ويأتمر بأمرها، ويكون أفرادها ومنتسبيها مسؤولين عن الوصول الى كل مجرم يخالف القانون الوطني أو الدولي في أي مكان من العالم واعتقاله وتقديمه للعدالة الدولية ورفض أية أعذار تقدمها الدولة المستضيفة للمجرم. ان هذه الفكرة موجودة ومطبقة الآن على نطاق محدود في بعض الدول المتقدمة، لكننا نقترح تعميمها على دول العالم بأجمعها دون استثناء وبقوة وفاعلية أكثر وتحت لواء الحكومة العالمية وقوتها التنفيذية.
(10) إلزامية حكم المحاكم القضائية الأولية
من الأمور المضيّعة للوقت والمهدرة للأموال والجهود والمضرة بالصالح العام، وجود المحاكم الاستثنائية والثانوية ومحاكم الاستئناف، فوجود مثل هذه المحاكم القضائية يفتح المجال لكل الأطراف المتنازعة للجدال والنقاش والمنازعات وحتى الحروب والمعارك بين الناس، فكل من خسر دعوى معينة، تراه يعتمد على أمل الاستئناف وتكرار رفع قضيته أمام العدالة للفوز بها، يدفعه الى ذلك سوء استعمال مواد القانون والبحث في ثغراته ومصالح وقدرات المحامين ودرجة ذكائهم ومحاباة بعض القضاة وإمكانية قلب الحقائق وتزويرها والنزعة الظالمة لدى بعض الناس والمصلحة الشخصية والاستفادة من طول الوقت وعدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والكثير من الأسباب التي تشجع الفرد على مثل هذه السلوكيات. فان فاز الخصم ونجح في مسعاه، سارع غريمه إلى نفس الأسلوب والهدف والتشبث بذات الأسباب والسبل، وهكذا تضيع الأموال والمجهودات والأتعاب وتزداد المشاحنات والمنازعات، مما يسبب إعاقة كثير من الأعمال وتخلف المجتمعات وإبعاد الناس عن الالتفات الى شؤونهم وأعمالهم وحاجاتهم والاحتجاب عن عملية بناء مجتمعاتهم. هذا بالإضافة الى أن فكرة الاستئناف تزيد من غرس مفاهيم ومبادئ الحقد والتحدي وحياكة المؤامرات والالتفاف على القانون وغير ذلك من الأمور.
ومن هذه المفاهيم الخاطئة الظالمة ظهر المبدأ القائل (القانون لا يحمي المغفلين) لكن الحقيقة هي ان القانون وضع أصلاً ليحمي المغفلين وبسطاء الناس الأبرياء، بينما يتمكن الخصم القوي من أخذ حقه بالقانون أو بقوة اليد أو بمختلف السبل الملتوية، أما الضعيف فليس أمامه سوى اللجوء إلى الله ثم الى القانون. اذن كان لابد لهذا القانون ان يحمي ضعاف الناس والمغفلين من المجرمين والنصابين والأشقياء، وإلا فلمن سيلتجأون إذا خذلهم القانون؟
لذلك.. فإن أدرك المدعي أو المدعى عليه ان الحكم في قضيتهما هو أولي ونهائي، وليس هناك حكم ثانوي آخر يلتجئ إليه، وان هذه هي فرصتهما الوحيدة، فسيحاولان بشتى الوسائل ومنذ البداية الاهتمام بتقديم كافة المستندات والدلائل والاثباتات على صحة دعواهما، إذ لا سبيل أمامهما غير هذه المرة، وإلا فسيضيع الحق من صاحب الحق. فإن حكم لأحدهما، أجبر الآخر على الرضى والقبول بالحكم. وقد يكون هناك بعض الأحكام الخاطئة في هذه الطريقة، فيظلم صاحب حق، لكنها ستكون نادرة وقليلة ولا تقاس نسبتها بما يتكرر من مظالم باتباع القوانين القضائية الحالية.
ان هذه الطريقة ستساعد أفراد المجتمع والمحامين والقضاة والحكومات على العودة للاهتمام بأمورهم الطبيعية الأخرى والانتهاء من تكرار المثول أمام المحاكم للاستئناف وإضاعة المجهودات، وبهذا يقل عدد القضايا المعروضة بشكل كبير ويزداد الوقت عند الحكّام والقضاة لإعطاء الوقت الكافي لبقية الأمور وقضايا المجتمع المفيدة.
(11) تغيير طريقة الانتخابات
ان ما يصاحب عمليات الانتخاب المحلية أو الوطنية في غالبية دول العالم من تزوير وخداع وغش ووعود كاذبة، يشوه ويؤثر كثيرا في تقدم الصالح العام وفكرة الديمقراطية. ولقد حان الوقت لتطوير العمليات الانتخابية الى شكل أفضل مما هي عليه لمصلحة المجتمعات، طالما ان البشرية في حالة حركة وتقدم. فما ينظمه المرشحون حالياً من حملات إعلامية وغيرها، تفسد بشكل كبير المضمون الحقيقي والغاية المرجوة من عمليات الانتخاب، وتسمح لهم باستعمال المال والدعاية والوعود البراقة وخصوصاً من هم على رأس السلطة للتأثير على المواطنين لنيل أصواتهم بمختلف الوسائل، مما يؤدي بالنتيجة الى فوز من يحسن استغلال عمليات الدعاية، مؤهلاً كان أم فاشلاً. هذه التصرفات الدعائية، وهذه الأموال المصروفة لكسب ثقة المواطن وصوته، ليست من الحرص على مصلحة الناس بشيء، فالكل يعلم ان المرشحين يستعملون في بعض الأحيان الكذب والخداع والوعود المثيرة أملاً بكسب أصوات الناس والوصول الى السلطة واسترجاع أضعاف ما صرفوه من أموال بشتى الوسائل، ومن يقول بغير ذلك عليه الإنصاف قليلا. لذلك لو أجريت التحسينات التالية على طريقة الانتخاب ومضمونها، لخرجنا بنتائج أفضل وتقربنا من مفهوم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. فعلى سبيل المثال:ـ
لابد ان تتم عمليات الانتخابات المحلية أو الوطنية بوجود ومراقبة لجان فاعلة من ممثلي الحكومة العالمية والوطنية واللجان والمنظمات الدولية، ويعتبر قرارها النهائي الفيصل في نزاهة الانتخابات ونجاحها. تهيأ قوائم واضحة بأسماء جميع الراشدين ذكوراً كانوا أم أناثاً بكميات كافية للجميع. إجراء عملية الانتخابات بشكل سريّ مطلق، لدرجة أن يجهل الزوج رأي زوجته. إلغاء عمليات تزكية الأفراد أو ترشيحهم، فجميع أفراد المجتمع الراشدين، قابلين للانتخاب. تقسم المدن حسب المناطق السكنية الى دوائر انتخابية صغيرة حتى يتمكن المواطنون من معرفة مرشحيهم المحليين وانتخابهم بسرية تامة كل حسب معرفته الشخصية. تكرر العملية السابقة بعد توسيع ساحة الدوائر الانتخابية ويتم الانتخاب مرة أخرى بين الفائزين فقط تحت إشراف لجان يختارهم أهل المنطقة بأنفسهم. يكتب كل فرد مُنتَخِب العدد المطلوب من المرشحين بأقلام وأوراق متشابهة غير مميزة وبدون تكرار الأسماء، وإلا فالتكرار يبطل رأي صاحب الورقة. يمنع اطلاع المنتخبين على آراء بعضهم البعض. تحدد فترة الانتخاب الدورية بمدة سنة أو سنتين على الأكثر. تشمل الانتخابات كل أفراد المجتمع البالغين الراشدين رجالاً كانوا أم نساء بدون استثناء. يلتزم المُنتخَب الفائز بمصلحة وراحة ورفاهية كامل المجتمع دون استثناء، وليس بشريحة معينة من الناس أو من قاموا على انتخابه أو محاباة شريحة أو طائفة دون أخرى. يدرك المنتخبون استحالة التأثير على الفائزين أو توقع بعض المكتسبات منهم باعتبارهم قد قاموا على انتخابهم، ولا يلتزم الفائز أمام المنتخبين بأية مسؤوليات ويضع نصب عينيه المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة.
بهذه الطريقة يحتل أفراد الشعب مكانتهم الحقيقية، كل حسب ما يتمتع به من قدرات وامتيازات، ويمارسون الديمقراطية بشكل أفضل. وبذلك يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتصبح السياسة في خدمة المواطن وليس العكس.
(12) تقليل كميات الأسلحة والجيوش
من الضروري التفكير والعمل بجدية تامة على تقليل وتقنين وتحديد أعداد ونوعية وكميات السلاح وعدد الفرق العسكرية لكل دولة من دول العالم كبداية للوصول الى السلام العالمي، خاصة بعدما أدرك العالم ان السلام العالمي هو مطلب الإنسانية جمعاء، وان البشرية لم تجنِ من الحروب على مر التاريخ إلا الموت والدمار والخراب، وانه من الضروري بل ومن الواجب على كل دولة وكل جيش بل وكل فرد من شعوب هذه الأرض ان يسعى ويعمل ما في وسعه للحفاظ على السلام العالمي، فطالما ان النظام والعدل والقانون هو الهدف الأساسي على الأرض، فلا حاجة بعد ذلك الى تشكيل كل هذه الجيوش الجبارة وإعداد الرجال وتعليمهم أساليب القتال والحرب وإضاعة سني أعمارهم وشبابهم في أفعال سلبية يمكن تسخيرها لفائدة المجموع، ويوقف نشر فكرة القتال في سبيل الدفاع عن المبادئ والحرية وحدود الأوطان، طالما ان جميع شعوب الأرض تبتغي السلام والسعادة فيما بينها ولا تفكر بشن الحروب والاعتداء على غيرها من الأمم من خلال ربطها بمواثيق وأعراف دولية صارمة دقيقة تشرف على تنفيذها حكومة عالمية قوية لها جيشها العالمي وشرطتها العالمية الخاصة.
ومن الضروري إيجاد السبل الكفيلة لوقف التلاعب والتحايل من قبل بعض الحكومات الشريرة لزيادة أعداد جيوشها بالسر أو العلن لأي سبب كان، لانتفاء الحاجة لهذه الجيوش بعد تطبيق النظام العالمي الجديد، ولوجود حكومة عالمية ومحكمة دولية يلتجئ اليها كل من يشعر بالظلم والمظلومية. ومن خلال هذه السبل يفسح المجال لترسيخ المفاهيم السلمية العالمية في أذهان الأجيال القادمة لتصبح تقاليد وأعراف وسلوك وأنظمة ثابتة في حياتهم.
يلاحظ تسابق حكومات العالم لامتلاك السلاح التقليدي والنووي وإنشاء الجيوش وتدريب الرجال وتخزين العتاد، ويحاولون تبرير ذلك بشتى الوسائل والذرائع، من خلال نشر فكرة الحرب والقتال وضرورة توازن القوى، ونشر مشاعر الخوف من خطر الاعتداءات الداخلية والخارجية وتوقع هجوم الأعداء الغزاة ان كانوا حقيقيين أو وهميين وغير ذلك الكثير من المبررات الواهية، فيستغلون وسائل الإعلام والكتب المدرسية وأناشيد الأطفال وغيرها. فإذا أنشئ جيش عالمي واحد وحافظ على أمن العالم وشعوبه، انتفت الحاجة الى نشر مثل هذه الأفكار العدائية السلبية بين أفراد المجتمع ويدرك المواطن ان شراء الأسلحة وتكديسها وتدريب الرجال وتعليمهم فنون الحرب والقتال وتخصيص الميزانيات الكبيرة لهم، ليس في مصلحته ويشكل عبئا ثقيلا على كاهله، وبذلك يتخلص من جزء كبير من الضرائب التي تزداد سنويا، ويعلم انه المتضرر الأول والوحيد من نشر أفكار الخوف والعداء وزيادة أعداد حماة السلطة ورجال الأمن والجيش، فالحكومات تصرف جلّ دخلها القومي على إنشاء الجيوش وشراء السلاح بدلا من صرفها على راحة المواطن.
ان الأموال الهائلة التي تقدر بمئات البلايين من العملات الصعبة التي تصرف على اختراع أسلحة الدمار الشامل وشراء السلاح وتدريب الجيوش وشراء مستلزماتهم في جميع أنحاء العالم، يمكن بقليل من التعقل والاتزان صرفها على راحة ورخاء وخدمة شعوب الأرض بأجمعها، وبالعمل الجاد والهمة السليمة يمكن تغيير وجه الأرض بأكمله وتحويله الى جنة رائعة، إذا تغيّر اتجاه تفكير الإنسان وصرف اهتمامه نحو نشر العلم والثقافة والعناية بالصحة والخدمات والسلام وسبل الاهتمام به. وما كل هذه المصروفات الهائلة من قوت الشعوب، الا بسبب ترسخ فكرة وجود الشر في الأرض، فإن تغيّر هذا المفهوم الساذج وأدرك الجميع ان الشر هو وهم وخيال لا وجود له الا في عقول بعض الناس حسب ما أثبتناه سابقاً، استطاعت البشرية التوجه نحو السلام العالمي بخطى أكثر وثوقاً.
وفي المقابل ستتجه الدول المنتجة للسلاح ومستلزماته الى صرف طاقاتها وإمكانيتها للإنتاج السلمي وما يسبب راحة الإنسان ورخائه، وتبعد أفكار الحروب والدمار والقتال والتعصب عن عقول العمال والمستخدمين والموظفين وتجنبهم المشاركة في جريمة قتل الإنسان لأخيه الإنسان وإنتاج وسائل وأسلحة الدمار والخراب.
(13) خضوع الحكومات الوطنية للمحاسبة الدولية
من الضروري وضع رقابة صارمة على مصروفات الحكومات المحلية والوطنية وأفرادها ومنتسبيها، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب كل حسب جهده وعمله وشهادته ودوره في خدمة المجتمع، والكف عن استعمال شريعة "وهب ما لا يملك لمن لا يستحق". فما نراه من توزيع ظالم غير عادل لثروات الشعوب من سيارات وأموال وقصور وأراض للمتملقين وقليلي الذمم وعوائل أقرباء السلطة وحراسهم، هو من قبيل تبذير ثروات الشعوب. فكم من عائلة تطلب الخبز الحاف لأولادها ولا تجده، وغيرها ينعم بخيرات ليس لها نهاية ويبذرها كيفما يشاء بدون وجه حق. ان الله قد أنعم على بعض الشعوب بثروات كبيرة لا حد لها، لكن المتسلطين أو القائمين عليها يبذرونها ليس فقط على مصالحهم الشخصية، بل على اختراع السبل الشيطانية لإهلاك شعوبهم وشعوب جيرانهم. لذلك كان من الضروري وضع قانون دولي عام تتبناه حكومة عالمية واحدة بمساندة حكومات العالم، لمحاسبة الحكومات المحلية والوطنية على مصروفاتها، وضرورة عدم التبذير باعتبار ان الإنسانية جمعاء هي أسرة عالمية واحدة، يتأثر بعضها ببعض بعد ان أصبحت مصالح الشعوب متشابكة ومؤثرة ومتأثرة، فيخصص للدولة ما تحتاجه من مصاريف لتمشية أمورها الداخلية حسب ميزانية مدروسة، ويقدم الباقي الى الحكومة العالمية لصرفه على بقية شعوب الأرض المحتاجة.
(14) تقليص أحجام السفارات والقنصليات في دول العالم
تعتبر السفارات والقنصليات من سبل الاتصال المهمة بين حكومات العالم، وتلعب دورا هاما في تحسين العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها من العلاقات الإنسانية بين الدول. إلا ان مصاريفها باتت تزداد كل يوم بشكل كبير مما شكلت عبئاً ثقيلا على بعض الحكومات الفقيرة بشكل واضح، هذا بالإضافة الى ان أعداد موظفي ودبلوماسيي السفارات ورجال مخابراتها راح يزداد كل يوم بشكل مطرد مما زاد الأعباء المالية على الحكومات وبالتالي على المواطن، فدفع ببعض الدول الى تقليص تمثيلها الخارجي الى قناصل فخرية يقوم بتصريف شؤونها موظف أو أكثر في مكتب مناسب أو سفارة غير سفارتها. وما هذا الإجراء إلا تجنباً لكثرة المصاريف وتدارك العجز المالي المتفاقم، خاصة وان الجميع يدرك ضخامة رواتب موظفيها وجسامة كميات مخصصاتهم إذا ما قيست بكميات انتاجهم.
لذلك كان من الممكن إقامة بناية كبيرة أو إنشاء مؤسسة ضخمة واحدة في كل دولة من دول العالم، لتضم جميع موظفي وقناصل وسفراء دول العالم الأجانب داخلها، مثلما هو الحال في هيكل الأمم المتحدة الحالي. كما ويمكن تخصيص مجمع سكني حكومي واحد لجميع الدبلوماسيين الأجانب، وبذلك تسهل مهمة الاتصالات بينهم وتزداد أواصر الصداقة والمحبة بين الشعوب وتقل أعداد الدبلوماسيين وبالتالي كمية الضرائب على أفراد المجتمع. كما ان هذا الإجراء سيقلل من كمية العرض والطلب على المساكن والأبنية داخل بلدان إقامتهم مما يساعد على تخفيض أسعار الأبنية والأراضي والإيجار على المواطن، خاصة وان الدبلوماسيين يقيمون في أفضل الأبنية والمساكن دون خوف من ارتفاع أسعار إيجاراتها.
أما إذا ارتقت أفكار الناس وحكوماتها وتحسنت نواياهم واستعانوا بأجهزة الاتصال الحديثة مثل الانترنيت وغير ذلك مما سيظهر مستقبلا من سبل الاتصال الجيدة السريعة، فلن يكون هناك حاجة حتى الى التمثيل الدبلوماسي وسفر وإقامة الموظفين في بلدان غير بلدانهم، وستجري الاتصالات والاتفاقيات وسبل التفاهم والكل مقيم في وطنه وفي بلده. وبذلك يقل أو يختفي تماما جانب مهم من جوانب المصاريف الحكومية.
(15) حرية السفر والتنقل لكل مواطني العالم
هذا مطلب انساني بحت، فمن الضروري تسهيل قوانين الإقامة وتأشيرات الدخول والتجديد والخروج ومنح أوراق ووثائق وجوازات السفر لجميع المواطنين دون استثناء، وتقليل رسومها لجعلها بالحدود المعقولة بمختلف الوسائل الممكنة، وفسح المجال لكل فرد من شعوب العالم للسفر الى المكان الذي يرغب الاستقرار فيه بالطرق القانونية، وبهذا لن يبقى سبب للجوء وهجرة وتهجير وتشريد الملايين من البشر، فالأرض ملك الإنسانية، وما هذه الحدود السياسية الا حدود وضعها الإنسان منذ زمن ليس ببعيد، ولقد حان الوقت لإزالتها وفتح الطريق لكل البشر للتنقل في ارض الله أينما شاءوا دون قيد أو شرط، فلقد ظلمت وسحقت ودفنت ملايين العوائل في مختلف القارات لا لسبب سوى لأنهم خلقوا في أوطان تحكمها زمر ظالمة، فلم يتمكنوا من اجتياز حدود دولهم، أو فشلوا في دخول حدود دولة أخرى. فبعض الدول تفرض رسوما باهضة لدخول أراضيها أو الخروج منها، وذلك لزيادة وارداتها أو للمساهمة في حجز وحجر المواطنين والسيطرة عليهم والاحتفاظ بهم كرهائن داخل حدود أسوار وطنهم. فان خصصت للدولة واردات دولية حسب حاجتها التي تقدمها في تقارير ميزانيتها السنوية للحكومة العالمية، ستجد نفسها مضطرة لتخفيض غالبية الضرائب والرسوم المفروضة على مواطنيها اجتناباً لمحاسبة الحكومة الدولية لها.
ان طبقت هذه الاقتراحات بمجملها بشكل صحيح وتحت اشراف خبراء عالميين، سوف لن يجد المرء مكانا أوسع ولا أجمل ولا أكثر حرية من بلده ووطنه وقريته، ولن يفكر بترك مسقط رأسه للاستقرار في أي مكان غريب عنه، وستختفي مظاهر نزوح الأفراد والهجرة من الأرياف الى المدن، ويحصل التوازن بين الريف والمدينة، وبذلك يحصل استقرار اجتماعي واقتصادي كبير في كثير من بلدان العالم، وستختفي أزمات السكن والماء والكهرباء والازدحام والنقل والبطالة وغلاء المعيشة وتقل نسبة الجنح والجرائم وتقل مصروفات الأمن وغيرها من المشاكل الاجتماعية العويصة.
(16) السلام العالمي
ان هذا المطلب هو من الأهمية القصوى بحيث تؤلف له الكتب والدراسات ويفرض تدريسه في المدارس والجامعات حتى يترسخ مفهومه في أذهان جميع الأجيال وفي نفوسهم من مختلف الشعوب ويصبح جزءاً من كيان المجتمعات وضرورة حياتية لا غنى عنها، ويدرك الجميع ان الإنسان خلق للحب والسلام، لا للحرب والاعتداء، وتنتهي فكرة الحروب والقتال ويسود السلام على الأرض. وبهذا يتبوء كراسي السلطة، قادة جدد بأفكار جديدة ويتبنوا مفاهيم السلام ومبادئه العالمية بضمائرهم وأفكارهم وسواعدهم ويذودون عنها بكل غال وثمين، يساعدهم في ذلك كل فرد من شعوب العالم.
ان إحدى الغايات الحقيقية من هذا المقال، هو هذا المبدأ السامي المهم (استقرار السلام العالمي بين البشر)، فبنشر هذه الفكرة وترسيخها في عقول ومفاهيم الأجيال، تختفي كثير من مفاهيم التعصبات الوطنية والدينية والسياسية ويدرك الإنسان تفاهة وعدم جدوى الحروب والمنازعات المنتشرة في كل أنحاء العالم اليوم، وعندها ستختفي صور الظلم والمآسي والاعتداءات والقتال، وتنبذ الى الأبد كل أشكال النزاع الطائفي والحزبي والوطني أو اللجوء الى حل المشاكل الوطنية بالسلاح والجهاد، كما ستختفي صور المجاعات والمعدمين من كتاب العالم وصوره.
(17) تقاسم الموارد الطبيعية بين بني البشر
يبدو لأول وهلة ان هذا الاقتراح من أكثر الاقتراحات مسّاً بحقوق المواطن الشخصية والوطنية، وإجحافا لحقه في موارد بلده الطبيعية، وانه يسلب مواطني البلدان الغنية حقاً من حقوقهم الوطنية وأموالهم وخيراتهم الطبيعية التي اختصت بهم وبأوطانهم فقط.
لكنه الحقيقة غير ذلك على الإطلاق. فكل ما سبق طرحه من اقتراحات، كان القارئ يرى فيها مصلحته الشخصية والوطنية بشكل واضح ومباشر، لكنه مع هذا الاقتراح سوف يقف متردداً ويبدأ بالتفكير والتساؤل: كيف يكون هذا، وما هي الغاية منه، وكيف يمكن تنفيذه، ومن يرتضي سلب خيرات بلده ليعطيها بمحض إرادته الى إنسان آخر؟
ان الغاية الحقيقية من هذه الاقتراحات، هي مصلحة الإنسان أي إنسان في أي شعب وأي أرض، دون الالتفات الى قوميته أو عقيدته أو جنسيته، فالكرة الأرضية ملك الإنسانية جمعاء ولا فرق بين سكانها من مختلف الأجناس، وهي حديقة واسعة والبشر أزهارها وأورادها، فليس هناك تحيز أو محاباة أو بغض نحو شعب دون غيره أو ملة أو فئة دون سواها، وبما ان الهدف من كل هذه الاقتراحات هو مصلحة الإنسان الصرفة المنزهة عن كل غرض أينما كان. اذن كان لابد من التمهل وإعطاء الفرصة لشرح هذا الاقتراح. ورب قائل يقول، صحيح ان فكرة المساعدة والتعاون مطلوبة بين جميع البشر، وان كل ما اقترح مقبول مع بعض التحفظ، الا ان هذا الاقتراح مرفوض جملة وتفصيلا، هذا بالإضافة الى ان بعض الدول الغنية قائمة بالفعل على مساعدة الدول الفقيرة في كثير من الأحيان، فما حاجة البشرية لهذا الاقتراح؟
ان فكرة توزيع الثروات بين شعوب الأرض، ليست فكرة شيوعية ولا مذهبية ولم تأتِ من مبدأ طمع شعب فقير بأموال شعب أغنى منه، كما حدث خلال القرون الماضية من تسلط بعض الحكومات أو الشعوب على غيرها واستغلال شعبها وأرضها ومواردها. بل على العكس انها فكرة خالصة منزهة عن الرغبات السيئة بمختلف أشكالها، ودليل ذلك مجمل أفكار هذا الكتاب.
ان هذا الاقتراح هو للمدى البعيد، والغاية منه هي سعادة الناس وراحتهم وأجيالهم عموماً، وضمانا مستقبليا لجميع شعوب الأرض، فكم من شعب كان غنياً قبل الآن ثم أصبح فقيرا، وكم من شعب كان فقيرا فاغتنى مع مرور الوقت. ان الله سبحانه وتعالى خلق الأرض كلها بدون حدود، وخلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون ونتساعد، وخلق نعماً وبركات تكفي جميع الناس وكل المخلوقات إذا أحسن توزيعها. والإنسان، أي إنسان لا يريد أكثر من حاجته إذا ما خضع للضوابط والقوانين وأدرك ضرورة تناسب قدراته مع مكتسباته، ولم يسمع أو يشاهد من توفي من الناس وأخذ ماله معه، اللهم الا بعض الشعوب القديمة التي كانت تعتقد باعتقادات باطلة خرافية. فإن تربّت شعوب العالم وأدركت معنى الأخوة الإنسانية ونتائجها وأيقنت بوجود خالق راع لكل شعوب الأرض وشاهدت العدالة الاجتماعية منتشرة بين الناس، والإنسان يولد ويعيش ويموت وهو مكتف ومرتاح، قلَّ تكالبها وتنافسها على جمع المادة، بعد أن تأمن قوت يومها وتضمن رزق غدها. وفكرة هذا المقال، تهدف الى سعادة بني البشر عموماً، فالصفات الإنسانية، كالمحبة والأخلاق والرحمة والعطف والإنسانية وحب الخير للجميع وتفضيل الغير على النفس أو على الأقل (حبَّّ لأخيك ما تحب لنفسك) هي صفات ضرورية لتنفيذ هذه الاقتراحات وترجمتها على أرض الواقع، وذلك لخلق عالم يسوده الرخاء والسعادة والإنصاف، وبهذه الصفات فقط يختلف عالم الإنسان عن عالم الحيوان.
هناك من يقول ان هذه الاقتراحات صعبة التنفيذ، والنفس الأمارة بالسوء تمنع تطبيقها، ولابد ان تقف حجر عثرة في سبيل تطبيقها. فمن خلال التربية والتعليم تتغير النفوس وتتبدل الأخلاق ويمسي الإنسان ملاكاً يمشي على الأرض وبالتالي يتغير وجه العالم.
ان هذه الفكرة، لا تقول بتقاسم ثروات الشعوب بينها وبين غيرها بالتساوي، فهذا منطق غير معقول وغير قانوني ولا عادل، إذ لابد من وجود اختلافات وفروق في مستويات أفراد المجتمع الواحد، فهناك الغني والفقير والذكي والبليد والنشط والخامل وغير ذلك من الفروقات الكثيرة بين بني الإنسان مما لا يمكن تشابه شخصان على سطح الأرض، فما بالك بالتباينات الموجودة بين المجتمعات.
من المؤكد ان التباين الشاسع بين ثروات الناس، وبين ثروات الشعوب، ليس من الأهداف الإلهية، فالله هو العادل وهو المنصف والرحيم والعاقل، ولابد ان تكون له حكمة عظيمة لم ندركها بتوفيرها لشعب من الشعوب دون سواها، بينما تنوء شعوب أخرى تحت أثقال الفقر والفاقة. اذن كان لابد من إيجاد قانون جديد يتناسب مع الحكمة الإلهية ليقلل من هذه الفروقات والتباينات بين الشعوب ولا يساوي بينها، بعد ان وصلت البشرية الى هذا المستوى الرفيع من التقدم العلمي، لتتعاون وتتعاضد وتتخلص نهائياً من الديون والفقر والعوز والحاجة والجوع والمرض والهلاك، فهذا من أكبر المظالم الواقعة على بني البشر ولابد لكل المجتمعات من التعاون على إزالة مظاهرها الظالمة.
ان فكرة تقسيم بعض الثروات بين البشر، تحتاج الى طريقة مثلى وحكيمة وقلوب تملؤها الرحمة والإنصاف والثقة بمصير الإنسانية لتطبيقها، ليتمكن الجميع من العيش براحة ولو جزئية، فليس من العدل ان ينام إنسان بدون فراش ولا غطاء ويفترش الأرض وبطنه خاوية وأولاده يتضورون جوعاً، بينما ينام آخر وهو يعاني من التخمة ولديه من الأموال المكنوزة التي لا يعرف كيف يبددها.
لقد اتفق المفكرون وعلماء الاجتماع في هذا العصر على ان الغنى الفاحش والفقر المدقع رذيلتان اجتماعيتان لابد من تقليل الهوة بينهما، ولا تنهض أمة حديثة وفيها هاتان العورتان. فإذا وضع قانون محكم متين للضرائب على فائض الأموال، أي على ما يجنى من أرباح سنوية فائضة، وتستغل هذه الأموال في تحسين مستوى الفقراء، فيكون حداً أدنى لمستوى معيشتهم، ويكون للأغنياء سقفا محددا لمستوى ثرواتهم، بحيث يجد الفقير بيتا مناسبا يأويه وطعاما يكفيه ودواء رخيصا يشفيه ومدرسة مجانية تعلمه وعملا مناسبا يعتاش منه، أمكن في هذه الحالة تحسين الوضع الاقتصادي العالم للبشرية، فلا يفترش الفقير تراب الأرض ويتوسد حذائه، ولا ينام الغني في قصر فخم وبقية قصوره خاوية.
(18) حل المشكلة الاقتصادية العالمية
لترتيب ضمان نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بين بني البشر يجب الابتداء بتنظيم أمور طبقة الفلاحين قبل غيرها لأنها أولى طبقات المجتمع. فلا تعتبر المشاكل الاقتصادية الوطنية والعالمية محلولة تماما إلا إذا عولجت مشكلة الزارع والفلاح أولا.
والفلاح في الحقيقة هو أول عامل في الهيئة الاجتماعية، ويزيد عدد الفلاحين على عدد أي طبقة من طبقات المجتمع في غالبية دول العالم وخصوصا في العالم الثالث، ولهذا فمن اللياقة والإنصاف والعدل، البدء بحل مشكلة هذه الطبقة الكثيرة العدد المجهولة القيمة والقدر، لأن سر حل المشاكل الاقتصادية في العالم يكمن في حل مشكلة الفلاحين وترتيب أوضاعهم وحياتهم.
وعلى هذا الأساس يقترح تأسيس لجنة محلية في كل قرية من القرى، ينتخب أعضاؤها من بين أفرادها المعروفين برجاحة العقل وحسن التدبير، فتوضع شؤون القرية تحت إدارتهم، ويؤسس لها مخزن عمومي، ويعين لها محاسبين وإداريين. فاذا جاء وقت الحصاد جبيت الضرائب والواردات لذلك المخزن بمعرفة اللجنة وإدارتها، بنسبة معينة محددة معقولة عادلة يتفق عليها علماء الاقتصاد، تؤخذ من جميع محاصيل أصحاب الأراضي التابعين للقرية كل حسب قدرته وحاجته، هذا بالإضافة الى وجود واردات أخرى عديدة للقرية، مثل: ضريبة الحيوانات والمال الذي لا وارث له والثروات الأرضية والتبرعات. ولقد أيّد بعض علماء الاجتماع والاقتصاد هذا الرأي، بقولهم:
[تحاول الحكومات الحديثة ان تكثر بين رعاياها نسبة المرفهين الذين يقفون وسطاً بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. والأمة الراقية يقاس رقيّها اليوم بنسبة ما فيها من هؤلاء المرفهين المتوسطين. ان الحكومات الحديثة تفرض الضرائب المتصاعدة على الأغنياء. وقد يندهش القارئ حين يرى النسبة الهائلة التي تفرضها بعض الأمم الحديثة على مكاسب الأغنياء وعلى مواريثهم وأرباحهم المفرطة، تأخذ الحكومات هذه الضرائب لتنفقها على الطبقة الفقيرة، ترفع من مستواها وتشبع حاجاتها وتسد عنها منافذ الكفر والزندقة. ان أهم وظيفة من وظائف الحكومة الحديثة هي رفع مستوى الطبقة الفقيرة. فهي تأخذ فضول أموال الأغنياء لتنفقها على الفقراء](2).
وفي مقابل هذه الواردات والضرائب، هناك مصاريف تتكفل بها إدارة القرية لرفع شأنها الاجتماعي والاقتصادي، لذلك يجب تخصيص مبالغ من واردات المخزن لانفاقها على تربية الأيتام وإعانة العجزة والمقعدين وادارة المعارف وتحسين الصحة ومدارس القرية والخدمات العامة، واكمال المعيشة الضرورية لفقراء القرية، وأداء العشر ورسوم الحيوانات للحكومة. ويرسل ما يتبقى في صندوق المخزن التابع للقرية الى الخزينة العامة في المحافظة. أما إذا عجزت القرية عن تلبية احتياجاتها الضرورية، فعلى صندوق المدينة أو المحافظة المسؤولة عن شؤونها تسديد النقص المطلوب.
هذه الطريقة تشمل تنظيم حياة الفلاح في جميع قرى الدولة، فالقرى تقدم لمركز المحافظة التابعة لها ما يتوجب عليها من حقوق وأموال فائضة عن حاجتها، واذا عجزت عن الوفاء باحتياجاتها الضرورية لظروف قاهرة خارجة عن قدراتها مثل الفيضانات أو الحرائق، فلابد للمدينة أو المحافظة مساعدتها في تسديد النقص. وبدورها، فالمحافظة أو (المدينة) تجمع ما يصلها من جميع القرى التابعة لها بالإضافة الى وافر إنتاجها الزراعي والصناعي والتجاري، فتقدم الى القرى التابعة لها ما تحتاجه للصرف على مشاريعها الداخلية المحلية حسب ميزانية مدروسة، ثم ترسل الفائض الى العاصمة. وبهذا يمكن وقف نزوح القرويين الى المدن، بعد حصول التناسب الطوبوغرافي في الدولة، وتجد هذه المشكلة العويصة (نزوح سكان الأرياف الى المدن) التي حيرت الحكومات خلال هذا القرن حلاً لها بعد ان أعيت الكثير منها.
أما الحكومة المركزية، فتكون مسؤوليتها النظر في حاجات الشعب والمحافظات عموماً، فتنشئ المطارات والموانئ وتشق الطرق وتعبدها وتبني المساكن والمدارس والمستشفيات ودور العجزة والأيتام وتنشئ المصانع والمعامل والشركات والمؤسسات وكل ما تحتاجه لمدد معينة حسب خطة وميزانية توافق عليها الحكومة العالمية. ومن خلال ما يرسل من فائض أموال الحكومات الوطنية في جميع أنحاء العالم الى الحكومة العالمية، تقوم الأخيرة بإنفاق ما يصلها على شعوب البلدان الفقيرة في مختلف أنحاء العالم، لتساعدهم حسب خطط عالمية مدروسة على تعمير بلدانهم وتطويرها للّحاق بركب الدول المتقدمة والنهوض بمستواها في جميع النواحي.
وهكذا يعم التقدم والخير والرخاء جميع سكان الأرض قاطبة، وتتبدل الأرض غير الأرض ويحيا الإنسان في سعادة وخير، وبذلك لن يبقى فقير لا يملك الخبز، ولا غني يحار بأمواله كيف ينفقها، ولا دول غنية جداً ولا دول فقيرة جداً. فتتقلص الفجوة بين الطبقتين وتزول مظاهر الفقر المدقع والغنى الفاحش ليس بين أبناء المجتمع الواحد بل بين جميع شعوب الأرض.
(19) حل مشكلة العمال عالمياً
أما بالنسبة لتنظيم حياة طبقة العمال التي شغلت كثير من العلماء لقرون عديدة، فان تنظيم أمور هذه الطبقة، لا يمكن إيجاده من خلال دفع أجورهم المحددة المتفق عليها فقط، فغالباً ما تكون هذه الأجور محدودة وغير كافية لأسباب عديدة، أو لا تعد تكفي متطلباتهم المعيشية نتيجة التضخم المستمر. لذلك كان من الضروري ان يصبح العمال شركاء في واردات العمل، ان كانت خاصة بالأفراد أم بالحكومة، أي لابد أن يتقاضى العامل علاوة على أجره المعتاد ربحاً اضافياً معينا يدفع له من مجموع أرباح المعمل او المصنع او المؤسسة او الشركة التي يعمل بها كما لو كان شريكاً فيها، بنسب يتفق عليها العمال وأصحاب رأس المال بإشراف الحكومة المحلية أو الوطنية أو الحكومة العالمية، حتى لا يدخر العمال جهدا في العمل للمصلحة الجماعية والصالح العام، وتزول أسباب المنازعات وتختفي ظاهرة الإضراب الضارة بمصالح الطرفين والمجتمع. فاذا اعتمدت هذه الطريقة بشكل صحيح، سيبذل العمال قصارى جهدهم في تطوير العمل واسراعه وتحسين الإنتاج وتوفير الوقت والحرص عليه والانتباه لما قد يؤخر الإنتاج ويسيء اليه. وسيكون حاصل كل هذا في النهاية مصلحة الأمة ككل ومصلحة ورخاء وسعادة البشرية جمعاء.
وهكذا فمن خلال ما يؤخذ ويجبى من الضرائب والأرباح النسبية من أصحاب العمل ورأس المال، ومن موارد العمال في المصانع والمؤسسات، ومن القرى والمدن والدول في كل أنحاء العالم، وإنفاقه بإشراف الحكومة العالمية في مساعدة بقية شعوب العالم الفقيرة، يعم الخير والسلام كل الأرض.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب النظر بعين الاحترام والتقدير لموظفي الحكومات ومستخدميها وتعديل معيشتهم ورواتبهم بما يتناسب مع ارتفاع أو انخفاض مستوى المعيشة، والتفكير بأحوالهم الاقتصادية وتخصيص الرواتب والعلاوات التي تضمن لهم ولأولادهم حياة كريمة وشريفة تحت إشراف رجال متخصصين في الاقتصاد والمال للابتعاد عن صرف أوقاتهم الثمينة في العمل الاضافي بعد أوقات الدوام الرسمي او إضاعتها فيما لا يتناسب مع مصالح عوائلهم.
ان جميع هذه الاقتراحات - وكما قلنا - خاضعة للأخذ والعطاء والتحسين والتطوير والزيادة والنقصان، وإلا فلا يمكن أخذها بعين الاعتبار، الا بعد تمحيصها والتفكير والتدقيق بها وتفصيلها وتبويبها من قبل علماء الاجتماع والاقتصاد والمال والقانون الوطني والدولي وغيرهم من ذوي الحكمة والاختصاص.
هذا بالاضافة الى وجود العديد من الاقتراحات الوطنية والأفكار العالمية الأخرى يمكن طرحها في مرحلة لاحقة. فليس كلما يعرف يقال، وليس كلما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.
وأخيراً يجب ان لا ننسى ان كل هذه الاقتراحات لا تتم ولا تجنى منها أثمار ناضجة وفوائد كاملة ولا يمكن تطبيقها على ارض الواقع بشكل صحيح، إلا باتصاف البشر بالصفات الروحانية والكمالات الإنسانية السامية الرفيعة. وكل هذا يعتمد تماماً على تربية وتعليم البشر تربية صحيحة سليمة.



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أسباب تخلف العالم العربي وسبل الخروج منها
- يا أهل الشرق والغرب هلموا لنزع السلاح وكفانا حروب وعنف وأهلا ...
- السلام هو الأساس في حياة الإنسان
- العولمة والمجتمع البهائي في العالم الإسلامي
- السلام العالمي وعد حق من الله للبشرية
- جناحا الإنسانية
- الطبيعيين ومقولة-(أن الطبيعة خالقة للإنسان)
- محو التعصّبات بجميع أنواعها
- الدين الإلهي هو النور المبين والحصن المتين
- هشاشة النهج السياسي
- المنظورات الروحانية
- العلاقة بين الإنسان والطبيعة
- تحريف الكتب
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-6-الأئمّة الأطهار -الأخي ...
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-5- ما هو الإسلام ؟
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-4 -القرآن الكريم
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-3 - وَإِنَّكَ لَعَلَى خُ ...
- أيامٌ لم تر عين الابداع شبهها
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-2
- دروس فى الإسلام-محمد (الرسول النبي)-1


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - ماهية النظام العالمي الجديد