|
تقديس القائد من الخصائص السلبية التي يتصف بها الشرق الاوسط
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2543 - 2009 / 1 / 31 - 08:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ ولادتنا على هذه البقعة و ترعرعنا فيه، و نسمع عن هذا القائد و ذاك الرئيس، و لا يمر يوم الا و تقييم و وصف قائد ما يرن في اذاننا من الوسط الذي نعيش فيه، و من دون ارادتنا يجب ان نذعن لمن يمدح لكي نحافظ على ما يمكننا ان نعيش بعزة و كرامة ، و خاصة في العراق زمن الدكتاتورية ، و ان كنا بعيدين عن السياسة و ما في المجتمع من الاحوال ، وما فيه من الاوضاع التي تجبرك ان تتدخل في السياسة و تقييم الاوضاع مهما ابتعدت عنها . و عندما تُمدح و تعلى الشخصيات و تقيٌم ، نرى في التقييم ما يؤمن المتكلم فقط و من زاوية مواقفه و ارائه و افكاره عن ما موجود على الارض، و قناعاته باعمال من يصفهم و ما يُبدر منهم . و ربما نرى نحن انفسنا من القيادات التي يُرفع من شانه و يُقدس كاريزميته من دون وجه حق، و بمجرد ان مصالح المتكلم و نظرته تتوافق مع ما في عقلية و تفكير وعمل الشخصية فيرفعها الى القمة و بمبالغة مفرطة ، و هذا ما ينطبق على الشخصيات الاقل شانا و موقعا ايضا . و كل ما نحس به ان القيادات و الشخصيات العامة تدخل في الخانة العليا ، و كانهم كائنات غريبة و متميزة و منزلون من السماء ، و خُلقوا ليكونوا على رؤوس الناس ، و هكذا يلتصق بهم ما لا يُعقل ، و في اكثر الاحيان تدخل الاوصاف من باب الاسطورة و الخيال و افكار ما وراء الطبيعة ، و على الرغم من عدم امتلاك بعض منهم لابسط مواصفات القيادة ، و يتسنموا قلادة الشخص الكاريزمي المنقذ للشعب . و المعلوم ان المستوى الثقافي و الوعي العام لدى الفرد هو الذي يصور القيادة على انهم فوق المواصفات الانسانية و ليسوا كما تعيش الناس ، و ليس لديهم مستحيل في العمل و الفعل. انها العاطفة و ترسبات التاريخ المعلومة من الخوف و الضعف امام خوارق الحياة ، و انخفاض مستوى العلمي لتفسير و تحليل ما موجود في الطبيعة كما هو ، مما يؤدي الى تقديس الفرد و اللجوء اليه في حالات الضعف النفسي، و عدم معرفة غياهب و ثنايا الحياة المعقدة و اللجوء الى الخيال باعتباره المنقذ لتحليل الحوادث و الظواهر ، و كما حدث و نتج تاريخيا من الافكار الغيبية ، و تعلق بها الناس نتيجة الضعف و الفقر و العوز و الدخول الى الخيال لاشباع الاحتياجات الضرورية ، و انخفاض المستوى الثقافي و انعدام الوعي المطلوب ، والابتعاد عن العلمانية و العقلانية في التفكير و الفلسفة . هكذا يفكر الفرد بالنسبة الى ما يواجهه و يتوجه الى القائد المنقذ ، و الشخصية العامة سياسية كانت ام اجتماعية او دينية . و يتبع تصرفات حياتية و يتمسك بما لا يليق مع الفلسفة العلمانية و امتلاك المعرفة لما هو عليه الحياة بمضامينها العميقة . و ان تعجبنا بما هو موجود ، اي القائد ، فنحاول تقليده و نتنازل الى حد تقديسه و التضحية من اجل اوامره و ابتعاد او سلخ خصوصياتنا عن انفسنا من اجله، بالاضافة الى تعليق صوره كاله نعود اليه في حالات الصعاب و نكتب و نصف اقواله و ان كانت بسيطة وخاوية الجوهر و غير عميقة المعنى ، و لكن نكرره و نعتبره حكمة للحياة و على الجميع الاعتبار منه. هذه هي مشكلة الانسان ، و مستوى ثقافته و عقليته و تفكيره و نظرته الى الحياة و تعمقه فيها ، والا فما القيادات والشخصيات العامة الا انسان ترعرع في المناخ الذي عشنا فيه ، وربما لذكائه في تسيير الامور او لكثرة حيله و خاصة في الشرق ، او لتوريثه موقع معين ، اعتلى منصة القيادة و الشخصية المعبودة . و هذا الوسط و هذه العقلية و هذا المستوى من الثقافة و الوعي هو الاسباب و العوامل الجذرية الرئيسية لغرور القادة و لتصرفهم و سلوكهم و اتباع اسلوب حياتهم خارج اطر معيشة المجتمع بشكل عام . و هذا ما يدفعهم الى اصدار القرارات و تنفيذها من جانب واحد دون الاخذ براي الاخر او المجموع ، و بالتالي هذا هو الجو الملائم لصنع الدكتاتور و باشكال متنوعة، وهم يعتبرون انفسهم فوق الجميع ، و هم مركز القوة و السلطة دون رقيب ، و ان كانت قراراتهم خارج اطر القوانين و الدساتير ، و هم يسمون عن القوانين و المجتمع ، و يتدخلون في كافة ثنايا حياة الفرد والمجتمع بشكل عام . المشكلة الاساسية في هذا المجال ، ان القائد الاوحد الاسطوري من صنع نفسه ، و لذلك يقر ما يشاء دون تفكير بالحقوق العامة و ما للمجتمع من الحقوق عليه ، وهو يقرر ما فوق صلاحياته . المهم هنا ان نعلم ان مثل هذه القيادات الكاريزمية المقدسة لازالت تحكم في العديد من هذه البقعة من العالم ، و بالاخص في الشرق الاوسط ، وليس على الرعية الا الاطاعة و تنفيذ الاوامر من دون سماع كلمة لا امام القائد و الشخصية الاسطورية العظمى، و هذا ما يخلق الماساة في اكثر الاحيان ، نتيجة عدم وجود مساحة معينة لصلاحيات القائد ، و هو يقرر استنادا على عقليته الفريدة! من دون نقاش ، او دون اية مؤسسة لطرح القرار و بيان ايجابياته وسلبياته او اسبابه الموجبة . وكما شاهدنا في العهود الماضية من القرارات والافعال الصادرة من القيادات الكاريزمية التسلطية الدكتاتورية ، و ما افرزت اثار افعالهم من السلبيات لاجيال عديدة ، هذه هي الماساة بعينها ، ان يفكر و يقرر القائد دون اي مقياس موضوعي او قانوني. و من هذا المنطلق يمكننا ان نصف المجتمع الشرقي عاطفي اكثر مما هو عقلاني في التفكير والتصرف ، و مستوى ثقافته يسمح له ان يسمح للقائد و الشخصية الكاريزمية ان يقرر عوضا عنه ،و ان خلق الماسي و الويلات بافعاله ليس بمشكلة لديه ، و هذا من سلبيات المجتمع قبل ان يكون للقائد نفسه ، و هو يخلق الماسي للاجيال المقبلة قبل الاخرين . الطريق الوحيد لقلع و اجتثاث هذه الافكار و الافعال البالية هو اتباع الديموقراطية في جو من الحرية ، و العمل على رفع مستوى الثقافي و الوعي العام الفرد و المجتمع بشكل عام ، و اتباع المؤسساتية كالية تقدمية في ادارة البلاد من اجل ضمان الحرية والمساواة للجميع دون استثناء ، و به يبتعد المواطن عن الخيال و ما وراء الطبيعة و الافكار الخرافية .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديموقراطية الحقيقية لا تحتاج الى رموز لترسيخها
-
صراع الاحزاب بحرية و سلام تنافس مقبول لقطف ثمار الديموقراطية
...
-
صورية تركيب ومهام برلمان اقليم كوردستان
-
الوعود الخيالية في خطابات وبرامج مرشحي مجالس المحافظات
-
سبل استنهاض الشعب العراقي من الاحباط الذي اصابه
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقيم كردستان (3)
-
عدم تاثير مواقف الاحزاب الصغيرة على سياسة اقليم كوردستان
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (1)
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (2)
-
ماذا يحدث للمواطنين العراقين في السعودية
-
سيطرة عقلية الثورة وليست عقلية السلطة على القادة الكورد منذ
...
-
اية نظرية فكرية تتوافق مع الواقع في الشرق الاوسط
-
ازدواجية قادة الشرق الاوسط في التعامل مع الاحداث
-
المخاطر التي تواجه علاقة الحكومة العراقية المركزية مع اقليم
...
-
توفير عوامل قوة شخصية المراة في المجتمع
-
ضرورة الحوارات السياسية من عدة ابواب في العراق اليوم
-
وضوح عناصر تعبئة المواطنين مفتاح لاختيار الاصلح في الانتخابا
...
-
كيف و متى تترسخ الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد
-
عدم ادانة ايران رغم قصفها المستمر لقرى اقليم كوردستان !!
-
المرحلة التاريخية الراهنة تتطلب منا الافكار و الحوار
المزيد.....
-
الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس
...
-
تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
-
القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة
...
-
بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات
...
-
هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
-
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص
...
-
شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة
...
-
مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في
...
-
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
-
شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|