أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - اكتئاب العصافير














المزيد.....

اكتئاب العصافير


شيرين يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 07:15
المحور: الادب والفن
    


أصبحت أكره حساء الجزر الأصفر فكلما أراه ممددا ً أمامي في الصحون باصفرار الحزن أتذكر المشهد الذي غاب عني منذ عام تقريبا ً حين كنت اطعم "فارس" و يسيل الحساء من طرف فمه المرتعش ليلوث ثيابه و ينتهي المشهد بصفعة من أبيه فوق خدوده الوردية المنتفخة و مسبات حقيره على شاكلة " مجنون ... متخلف ... أخرق "
حين كان يهم بالسير بطريقته المهتزة كان يشير إليه هازئا ً فيسقط "فارس" من الارتباك و حين كنت أشرع في معاونتة على النهوض كان يدفعني بعنف صارخا ً بوجهي "دعيه يعتمد على نفسه"
كان لفارس صوت مميز مضطرب تعلو وتيرته بشكل مفاجيء مما كان يثير غضب أبيه، و بمجرد خروجه من البيت كان"فارس" يغني لي و أشجعه ..اصفق له .. و حين ينتهي أقبله بين عينيه، كانت العصافير تحط على كتفيه كلما أجلسته في الحديقة تحت الشمس، كانت تزقزق و ربما كان يفهم منطقها كانت تأكل من يديه تقلم وحدته ..تآخيه..تصنع له جنة وارفة الأحلام..كان يناديها بتلعثمه البريء بسجيته الخضراء، كان ارتعاش يديه يسبب له أكثر المشكلات مع أبيه لا أنسى حين غافلنا و دخل إلى الحجرة الكبيرة ..مشط شعره بمشط أبيه و ارتدى ربطة عنقه المفضلة و حين شرع في إتمام المشهد بوضع العطر سقطت الزجاجة على الأرض محدثة فضيحة لمغامرته الصامتة،جرى أبوه إلى الغرفة عنفه على فعلته ركله بقدمه و لطم وجهه حتى سال الدم من أنفه، جري إلى حديقة المنزل و اختبأ داخل الكوخ المخصص لكلب الجيران باكيا ً .. متمتما ً بكلماته المشوشة ، بات ليلته وحيدا ً بالكوخ بينما منعني أبوه من مجرد مغادرة الغرفة مهددا ً إياي ببندقية الصيد خاصته، سجنني بالغرفة حتى استفاق النهار على بكائي.. فتح الباب و ببرود المقامر اعترض فراري و بنبره لم أميز مغزاها قال "لا تحزني .. هكذا أراد الله مات فارس" أسقطتني المفاجأة أرضا ًو حين استفقت من غيبوبتي اخبرني بأنه قتل "فارس" برصاصة طائشة من بندقيته حين كان ينظفها لم أصدقه بالطبع إلا أنني لم ارى جدوى من تكذيبه ...
مضت الأيام ثقيلة بين اكتئابي و بكائي المزمن و هلاوسي و كوابيسي و صوت"فارس" الذي لا يفارقني ، بدأت العصافير تذبل فوق أغصان الشجرة التي كان يجلس تحتها حتى هجرت الحديقة تماما ً .
لم أنم تلك الليلة و لم أستطع تجاوز الذكريات التي كانت تحوم حولي بينما هو كان يغط في نوم عميق ، حين استيقظ كنت قد أعددت الإفطار، ألقى تحيه الصباح ببرودة المعهود وجلس قبالتي يتناول إفطاره ، اقتربت حمامتان من حبل الغسيل المشنوق بين شجرتين بحديقة المنزل نظر فجأة عبر النافذة ثم توقف صائحا ً: القذرتان ستلوثا الثياب...
نظرت إلى ذلك المشهد المستأنس جدا ً في تلك الساعة من النهار تحت أشعة الشمس الخفيفة، وحبل الغسيل يهتز برقة و ترفرف فوقه القمصان ذات الأكمام الطويلة و السراويل الغامقة، سقطت إحدى الحمامتين على الأرض و الأخرى إلى جوارها، هو لم يعد على المقعد أمامي ها هو عائد من الحديقة شاهرا ً بندقيته، التي برصاصة واحدة منها قتل (فارس) طفلي الوحيد منذ عام، ببساطة شديدة تمكن من تغيير ملامح هذا الصباح بل تمكن من تلويث يومي بالكامل بقطرات الدماء التي تناثرت فوق أكمام القمصان المبتلة و السراويل، أعدت تهذيب الحبال و فككت المشابك و بدأت في لملمة الثياب المبتلة، بينما بدأت الدماء تسير عبر الحشائش الخضراء التي تكسو الحديقة، لو شربها الطين لأنبت شجرة تليق بتمجيد الموت المدهش.
في حوض الماء كانت الملابس تطفو بين رغوة الصابون و بقايا الدم و بعض من الريش الأبيض، كانت أصابعي تموت ببطء داخل هذا التابوت المائي، حقدت كثيرا ً على تلك القمصان و السراويل لأنها تتخلص ببساطة من ذكرياتها السيئة ببضع من الماء و الصابون....
يخيل إلى ّ في كل لحظة كف (فارس) تداعب الدقيق و تعصر البرتقال، بحافة السكين تأكدت من أن الكعكة نضجت تماما ً، حملتها إلى منضدة المطبخ الخشبية و بدأت في تزيينها بحلوى الفانيليا التي أحبها و الكاكاو التي يحبها هو، كعكة مشطورة إلى نصفين من اللون و المذاق، فهذا هو الاحتفال الأول بيوم ميلاد(فارس) بعد أن رحل احتفال بيوم ميلاد ميت، بدأت في رش الشيكولاته المبشورة على وجه الكعكة و هي تستحيل أمامي إلى قطرات من الدم _ دم (فارس) _ و دموعي الساخنة.
بدأت جموع الأطفال تطير إلى حديقة المنزل في أسراب ملونة بعلب الهدايا و الأحلام و الحلوى، بينما بدأت الفرقة الصغيرة في عزف أغنية عيد الميلاد و قد ارتدى احد الأطفال قناع لوجه مهرج باعثا ً نوعا ً من المرح و البهجة إلا أنه تعرقل في حبل الغسيل المقطوع و سقط أرضا ً باكيا ً من تحت القناع_مهرج يبكي_في يوم ميلاد (فارس) مهرج يبكي و موسيقى الخلفية بكاء......
بعدت قليلا عن المشهد الحي لاقترب من الكوخ الخشبي، حاولت فتح الباب الصغير ..ناديت (فارس) لم يجبني سوى صدى صوتى و صرير الباب، كانت الشمس نصف موجودة و لذلك تمكنت من رؤية ما بداخل الكوخ بنصف وضوح، كانت هناك ساق بلاستيكية لدمية صغيرة و كرة بيضاء مفرغة الهواء كانت هناك رائحة_ رائحة (فارس).
في المساء عاد و حول رقبته عقد من العصافير التي اصطادها و بدأ يصرخ بوجه الصغار المحتشدين بالحديقة حتى تفرقوا تماما ً و بت ليلتي في الكوخ الصغير و قد زارني(فارس) ثلاثة مرات في أحلام متقطعة خلال نومي المتوتر تلك الليلة التي أيقظني فيها عند الفجر شعاع ضوء مريض و صوت طلقة اخترق صمت تلك الساعة المسروقة ما بين الليل و النهار، دخلت بعدها إلى البيت لأجده قد أنهى الأمر برصاصة أخرى و جسده ممدد إلى جوار المدفأة، و بدأت العصافير تحلق فوق البيت من جديد حائمة حول الشجرة التي بدأت تلقي بظلالها الخضراء على البيت



#شيرين_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترنحات نونية(1)
- اتخنقت
- قصص قصيره جدا
- تعاقبان لليل واحد
- أسطورة هندوسية حديثة جداً!
- أسطورة الوادي الناعس
- نوبل للآداب 2006 بتوقيع -أورهان باموق-
- أهازيج في حضرة الموت
- العندليب المفقود.....
- تنويعات امرأة آذار
- لا مكان للبارود بيننا....
- أميركا من الداخل تحتاج إلى إصلاح
- حماقة أفكاري
- عام على تواري الطائر عقيل علي
- أفتخر كثيرا ً بما فعلت
- قصيدة صهيونية تدعى -بياليك-
- مسافر إلى السماء
- ماريونيت
- كل عام و أنتم عرب
- جون لينون و 25 عاما ً من الحيرة


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - اكتئاب العصافير