أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الجانب المعتم - رغبة الفوتوغرافيا وفوتوغرافيا الرغبة















المزيد.....

الجانب المعتم - رغبة الفوتوغرافيا وفوتوغرافيا الرغبة


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 05:55
المحور: الادب والفن
    


بين عدسة الكاميرا والعري رغبة تتجدد في أشكال وصور لا نهائية. هذا الإغراء أو الغواية أو المؤامرة، بين آلة التصوير والجسم العاري، تكاد تكون شهوة منفصلة قائمة بذاتها، غير أنها شهوة فنية في المقام الأول، وإن كانت أطرافها الأخطبوطية تتمدد لتلامس شفاه الشهوة التي من لحم وأعصاب؛ كما لا ينتفي عنها، غالبا، حسٌ يتلحس حلمات المجتمع الاستهلاكي المبرقش بكل ألوان المتع اللحظية السريعة العابرة التي لن تشبع أبدا. أيا كان فالعلاقة تبدو تواطئية بامتياز في كلا النموذجين السابقين: في علاقة الكاميرا بالجسد، هناك رغبة الجسد في استعراض نفسه، ورغبة الصندوق الأسود في التلصص والإمساك بجمالية لحظة خاطفة معبرة. التواطؤ ذاته نجده في العلاقة بين الفنان والمجتمع: الأول يتشرب الواقع ويعكسه، والأخير يستهلك الخيالات التي ينتجها هو نفسه في هذا الواقع من دون القدرة على رصدها لاستغراقه فيها. هل يكون الشيء الأزلي الغامض في الجنس هو سيجارة ذلك التواطؤ وعود ثقابها؟

على مسافة ثلاثين كيلو مترا من مدينة زيوريخ تنعس مدينة صناعية صغيرة اسمها فينترتور. يقام، وحتى 16 نوفمبر - تشرين الثاني، في متحف الفوتوغرافيا فيها معرض بعنوان "الجانب المعتم - رغبة الفوتوغرافيا وفوتوغرافيا الجنس"، يحوي أعمالا لحشد من فنانين ذوي أسماء شهيرة في عالم الفوتوغرافيا من بدايات القرن الفائت حتى اليوم. المعرض تم تقسيمه بذكاء في مستويين متوازيين: الأول تصنيفي، وفيه نرى أشكال الجنس المختلفة كـ: الجسم النموذجي والساقط عن المقاييس (الجروتيسك)، الجنس والوجود، الجنس والممارسة، المدينة الليل والجنس، الرغبة والخيال، السريالية والجنس، الأدوات، الفيتيشية، التلصص، حب الاستعراض, النسوية، التحول، الجنس والسلطة، الجنس والمال. المستوى الثاني بصري: وفيه دهنت كل غرفة أو ردهة تحوي صنفا جنسيا بلون صريح: أحمر اخضر ازرق أصفر برتقالي رمادي أسود..الخ. هذا التقسيم الأخير يؤكد على البعد البصري لمحتوى المعرض نفسه, فكأننا في معرض داخل معرض، ناهيك عن الوعي بدلالة لون كل غرفة قياسا على التصنيف النوعي لما تحتويه من جنس, الأمر الذي نفتقد الوعي به في عالمنا التشكيلي العربي، حيث إننا في النهاية أمام (جمالية بصرية تتناول موضوعا ما) ولسنا أمام (موضوع ما) والفرق بين الاثنين كبير, لو كانوا يعلمون. فثلاث نقرات على بوابة أمنا جوجل كافية لمشاهدة آلاف الصور الجنسية بكل أنواعها وأصنافها، فما الفرق إذن إن لم تكن الروح الفنية هي ما يعتمد عليها المنظر وليس المنظر نفسه. في النهاية فإن نية العين التي تلتقط المنظر هي ما يعول عليها إذ تذهب بالمنظر أبعد من حدود التسجيل أو الإثارة الضيقة لتلامس أو تقول شيئا آخر: جماليا، وجوديا، سياسيا، انتقاديا... إلى ما لا يحصى من معان.

حين كان الأمريكي جويل بيتر فيتكين في السادسة، وفي أحد أيام الأحد, حين كان خارجا من البيت مع أخيه التوأم وأمه للنزهة، هرول مع الجميع إلى الخارج إثر سماع صوت اصطدام مروع: ثلاث سيارات تحمل ثلاث عائلات تداخلت أحشاؤها المعدنية واللحمية بعضها في البعض، رأي الولد في وقفته رأس فتاة صغيرة انفصلت عن الجسد وتدحرجت إلى قدميه. يقول: "شعرت بالرغبة في لمس الرأس والكلام معها، لكن أحدهم سحبني وسط الهلع الذي انفصلت فيه عن أمي وأخي التوأم". أصبح هذا المنظر هو المحرك الأساسي وراء هذا الحس الخرافي العبثي في كل أعمال هذا الفنان الذي يمتزج الموت بكل ما يفرزه خياله الجريح من مفردات وعناصر وكائنات محرّفة ومشوهة ومبالغ في نِسبها وأعضائها والتي لا يمكن أن تجتمع أو تُرى إلا في كابوس: أجساد أقزام، جماجم, أعضاء تناسلية، نساء بأعضاء ذكورية أو العكس، نرى هذه الأخيرة, في كمال, في صورته الشهيرة التي استبدل فيها فينوس بوتتشيللي برجلٍ متحول جنسيا خارجا من قوقعة الخلق, مستخدما كل التقنيات الممكنة وتلك التي ابتكرها، إنْ في كشط نيجاتيف الصورة والرسم عليه أو في اللصق والرسم على الصورة نفسها حتى لتبدو الصورة كرنفالا من أحشاء تندلق من إطار المستحيل.
الألمانية روزفيتا هيكا بمنظر علوي لشارع مرصوف بالحجارة ومصباح وبرد، الشارع خاو إلا من مومس تبدو عائدة تترنح أو واقفة تنتظر. الصورة تذكر بالكادرات المهيبة للمخرج الإيطالي العظيم لوتشينو فاسكونتي. هذه الفنانة التي تتصيد لقطاتها في بِرَك المحترفات حيث الحياة لا تنتظر سوى لحظة اليأس الحميمية، المشطورة بصريا، غالبا، بحائل ما.
صورة شاعرية كبيرة الحجم "جيلاتين فضي" بعدسة البريطانية هانا كولينز لمجموعة من قواقع حيوانات البحر يندلق سائلها اللزج من حوافها التي تبدو, أو بالأحرى التي تحيل إلى شفاه الرحم الخارجية، في حال ربطها بفكرة المعرض، لكن الصورة مفتوحة على دلالات أوسع من أن تحصر في هذا المنظار الضيق.
صورة أخرى لا تعليق لكاتب السطور عليها - أي أنها تقول ذاتها، للألمانية أنيتا فريك، ملأت فيها كوندوما (أو ما يسمى بالعازل) متدليا من يد ما داكنة اللون، ملأته لبنا - أي حليبا, فصار أشبه بضرع ممطوط لمعزة. كذلك لا تعليق على صورة للبولندية نتاليا ل ل, جمعت فيها ست لقطات مختلفة التوقيت للحظة ذاتها لوجه شقراء منتشية بالسائل الأبيض النازل من فمها الشهواني.
والياباني نوبويوشي آراكي قلب صورة الفم هذه المرة إلى وضع رأسي، بعد أن فعل بالعين الشيء نفسه سابقا، فاستحالت شفاه الفم إلى شفاه منطقة أخرى؛ هذا إلى جانب عدد من صورِه المازوخية التي طالما لاحقتها الرقابة وقرارات المنع من سلطات بلده.
الياباني الآخر كوهاي يوشيوكي تتغذى جمالية صوره من عوالم الحدائق والخرائب الليلية حيث يتحسس المثليون والاستعراضيون رغباتهم، وتكاد لا تخلو صورة من فتاة تحب أن تلاحَق فتكالب عليها رهط من الحاضرين. هذه الأجواء أتاحت للفنان فرصة اللعب بعناصر جمالية تكاد تكون وحشية بقدر وحشية الحدث المعالَج نفسه, حيث سواد الليل وضوء الآلة على أوراق الشجر والجذوع والمقاعد التي تشهد في غموضها رغباتٍ غريبة لا يمكن أن تُشبع إلا بهذه الطريقة وفي تلك الأماكن وبروح المخاطرة تلك.

صورة بعرض مترين وارتفاع أكثر من متر تكاد، لولا التكرار، أن تكون أيقونة عصر، للأمريكي المعروف جيف كوونز، صور فيها نفسَه في ركن الصورة لحظة القذف، يترامى، أمام عضوه الذي أدى المهمة بجدارة يحسد عليها، جسد نجمة البورنو الجميلة وعضو البرلمان الإيطالي تشيتشيولينا على بطنها, في منظر يتحدى الخجل وفي كامل النشوة. هذه المرأة التي جاءت كفتاة من المجر لتعمل أولا كموديل وعارضة أزياء ثم تحولت إلى صناعة البورنو ودخلت تخوم السياسة الإيطالية وتريد أو أرادت أن تغير العالم بصدرها الرهيب. وأنا أمر أمام الصورة سألتني،على غير توقع، امرأة لم تكمل الخمسين رسمت الوحدة خطوط عصابٍ خفية في وجهها، كانت تتأمل العمل بملامح جادة للغاية، وبوجلِ مؤمنٍ يتلفظ باسم نبي: "هذا كوونز؟". "نعم". "وهذه زوجته تشيتشيولينا؟"، "كانت زوجته، الآن بينهما طفلة وقضايا نفقة، حسبما سمعت". "آآآه، شكرا"، "العفو".

صُور الأمريكي بيتر هوجار تطفح بالوحدة. لا صورة واحدة فيها أكثر من فرد، ولا وجه واحدا عليه ابتسامة: الشاب جالس على الكرسي وحيوانه الكبير معصور في يده، وجهه ينظر إلى شيئه المنتصب وكأنه دخيل على جسده. مرفوض. ولكن لا سبيل إلى التخلص منه، أو أن التخلص منه لن ينهي أزمته! المعني نفسه تقوله الهولندية هيلين فان مينا لكن بالصورة الملونة وليس بالأبيض والأسود كهوجار، وإن كانت نماذج الأخير من الذكور فنماذج الهولندية من الإناث. حتى إن جمعت في بعض صورها بين جسدين فالنظرة الجانحة عن الأخرى إلى البعيد لا تدع مجالا للقاء.
في حين يقترب الأمريكي والتر شابيل بعدسته من الأماكن الحساسة حتى لنكاد نرى منبت أدق شعيرة أو شريان حول الورم الذي يكاد ينفجر والمادة الآيلة للعطب.
ويلتقي عالم الأمريكية سيندي شيرمان مع الفرنسي هانز بيلمار، وإنْ سبق عملُ الأخير عملَها بنصف قرن، في تصوير تركيبات الدمى البلاستيك وأوضاعها الشبقية التي تعكس عالما بشريا تحول إلى دمى متحركة حتى في أكثر أفعال الإنسان حميمية.

هنالك أيضا الأمريكية فرنشيسكا وودمان بجسدها الملتبس الذي استعملته بوتقةً لكيميائها التصويرية المحمومة وحقلا انتحاريا لهلوسات رؤاها: ترشق بين الفخذين المفتوحين لوحا زجاجيا على أحد زواياه فيبدو شعر رأسها الأسود الغزير المنسدل وتفاصيل بطنها خلف الزجاج متداخلة مع انعكاسات الضوء وأشكال الغرفة وكأن بعدا سماويا مسجونا خلف هذا الطين المشدود إلى الأسفل بمغناطيس الأرض. هذه الفتاة التي سيبقى انتحارها من بناية عالية في نيويورك وهي بعد في الثالثة والعشرين سرا ثقيل الوطء على من أدرك جمالية صورها كلما فكر فيها وألمِها.

هذه بعض معاني التقى فيها معظم العارضين، كلٌ على جماليته، بين العنف والرقة، الضياع والوحشة، الرفض والمتعة، التلذذ بالإيلام واستعذاب الألم، الخوف والاستمرار، الإدمان والعبودية، والموت, الحاضر دوما وأبدا.
بنظرة فوقية على عالم الصورة الفنية الفوتوغرافية، تحديدا تلك التي تتعامل مع الجنس كموضوع جمالي، يمكن ملاحظة أو تلخيص عدد من المظاهر أو القيم المشتركة التي تعتمد عليها مزاجية الصورة: غرابة المكان، غرابة الحدث أو الفعل، بعثرة مفردات المنظر (تكوينيا) ومن ثم غرابة الجو العام اعتبارا لغرابة الضوء ومصادره الذي تستدعيه سراديب الجنس وعلبه الليلية. تمثل هذه الغرابات – إن جاز الجمع – معادلا موضوعيا للجانب الغامض في الجنس, الجانب المعتم عتامة الوجود وسببه!



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيماء عزيز .. بالأسود ترسم أجسادها وبه تخفيها
- حجر قايين
- فينيسيا.. من كاناليتّو إلى مونيه
- صبحي جرجس .. حين طية المعدن تقول المكان وتختصر الزمن
& ...
- مائة عام على الفنون الجميلة في مصر!
- أتجرد من ماذا لحساب ماذا
- الرحيل عن بيروت
- في رحيل ريك رايت أسطورة بينك فلويد وبينك فلويد الأسطورة
- في رحيل المصور حسن سليمان .. وقفة بين المرئي واللامرئي
- فرنان ليجيه في معرض استعادي .. أيقونة الحديث والمعاصر
- من يوسف ليوسف .. تلويحة غياب متأخرة
- سوق الفن السنوي في بازل وسؤال الوعي
- فن معاصر لثمانية مصريين في العاصمة السويسرية بيرن
- لوحة الأكشن في معرض بمتحف بايلار .. بازل - سويسرا
- نهر .. أتعبره أم يعبرك
- الوصول إلى الأبيض في معرض إستعادي ضخم لآدم حنين بالقاهرة
- نتاج ورشة عمل نيو ميديا على هامش بينالي الإسكندرية
- القيامة في فوتوغرافيا أندرياس جورسكي ومعرضه من جناح طائرة
- حوار مع منظّم معرض الفنانين المسلمين بمتحف الفن بنيو أوليانز ...
- ثنائية


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الجانب المعتم - رغبة الفوتوغرافيا وفوتوغرافيا الرغبة