أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - شمعة العسل















المزيد.....

شمعة العسل


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 2539 - 2009 / 1 / 27 - 05:32
المحور: الادب والفن
    


بعض الرجال بلا طعم بلا ملامح بلا موقف يذكر .. مجرد هياكل خشبية مسندة مطلية لحما ، تحمل روبوتاتا مبرمجة على شيء بعينه تكرر نفسها كلعنة حتى تسقط الأقنعة الشمعية قبل أو بعد فوات الأوان .. أما النساء فهن في نظرها مجرد أزاهير ملونة بانتظار أن يقطفن ليزين عراوي البدلات الأنيقة ، وهي لا تغبط الأزهار على أية حال ، فكل ما تفعله هو أنها تذوي وتموت في صمت .
أين الابتسامة الحلوة ؟ قالها متصنعا اللطف .. أومأت برأسها محاولة رسم إبتسامة مقتضبة ، فيما كانت تبلل شفتيها بقطرات من العصير البرتقالي الحلو علها تزيل شيئا من مرارة ما مرت به ناهيك عن عذاب الانتظار وفوضى الزحام عند نقاط التفتيش ، فيما عواصف الأرتال الترابية الهجينة تعلن عن نفسها بفجاجة مستفزة عبر مصابيحها المتوهجة حتى في وضح النهار وهي تسير ( رونغ سايد ) ضاربة عرض الحائط بكل ما عداها ناهيك عن العوارض الكونكريتية الجاثمة على صدور الطرقات التي أحالت واسعها ضيقا وغايتها وسيلة للتعذيب وبهجتها جحيما لا يطاق .
وشاء سوء الطالع أن تتعثر قدمها الخجلى عند أول سلمة مفضية الى القاعة المخصصة للحفلات ، وبدلا من أن يأخذ بيدها ليقيها عثرتها جز على أســـــنانه وقال :
عمى
أطلقت زفرة حرى فيما عيناها تتابعان الفاتنات يعلن عن أنفسهن كفراشات بين الموائد يسبقهن أريج عطورهن ورنين حليهن الغالية ، فيما الرجال لفرط أناقتهم تبدوا لها كبطاريق تعد مناقيرها لحفلة صيد !
أجالت النظر في أرجاء القاعة الفخمة بعينين أثقلهما الحزن ، ها هي الكعكة المتعددة الطبقات تتوسط القاعة كجبل جليد وعلى بعد خطوات منها سمقت شمعة العسل ، أكبر شمعة في الشورجة إنتقتها والدتها بفخر لتخطف الأبصار بوميض لهيبها المتراقص .
تذكر يوم صارحها بحبه بعد عدة لقاءات عمل ، نظر بعينيها وقال بلا مقدمات :
أحبك
في تلك اللحظة غمرتها فرحة عارمة ، وسألت وهي تكتم إبتسامتها :
أنا .. لماذا !؟
لأنك مختلفة
وكيف ذلك ؟
قال بلهجة العارف فيما عيناه تعكسان رجاء من نوع ما :
كلهن متشابهات لدرجة الملل ، تصنعهن الدلال في البداية ، تصديقهن لأي شيء ، ثم تهافتهن وغيرتهن العمياء فيما بعد .
تعني أن كل النساء صنف واحد ؟
رد بغرور : في الواقع هناك صنفان .. صنف يأتي بالكلمة الحلوة ، وهذا مفتاحه في أذنه ، والآخر مفتاحه المال ، وفي الحالين النتيجة واحدة .
أ لا يوجد صنف ثالث ؟
بلى أنت .
وضحكا.. يومها تمنت من كل قلبها أن يكون هو ، فارس أحلامها . . كل ما حولها يدعوها الى الحياة ، الثريات الباهرة الموزعة بأناقة في سقف القاعة ، البرودة المنعشة ، الموسيقى الممتزجة بخرير الماء ، وهي تحاول رسم إبتسامة للكاميرات التي كانت تحوم حولها لتسجل ليلة العمر . . لكنها تشعر بيد الحنين الى شيء مجهول تهزها ، بالدموع تحفر أخاديد في حنايا صدرها دون أن يكون لها أثر في عينيها . كلامه عن المال والمشاريع لاينقطع وهي تحرك رأسها بين الفينة والأخرى تجاوبا ، فيما عيناها تتابعان حمائم بيضاء أطلقت في فضاء القاعة بعد ربط سيقانها بأشرطة حريرية طويلة بما يكفي لسحبها عند اللزوم لأعادتها الى أقفاصها.
همست في سرها :
من منا لم يغبط الطيور ؟ .. حتى لهذه اخترعوا الخيوط والأقفاص ، وهي يوم وضعوا الأصفاد في يديها علت الزغاريد .. يومها سألته كأنما لتصل ما أنقطع بينهما من ذلك الحوار .
وماذا عنكم ؟ . . رفع حاجبيه تعجبا وسأل :
ماذا عنا ؟
كم صنفا أنتم ؟ أجابها بزهو :
كل رجل صنف بذاته
ردت عليه ببرود :
لا أظن
كانت نظرات والدتها تشويها ، وبعد خروجهم من لقاء الخطوبة ، وبختها إذ لا يليق بفتاة أن تناقش أو تبدي رأيا صريحا وإلا وصمت بالجرأة و الاسترجال .
ها هي تطل إطلالتها الأخيرة بفستانها الأبيض المشغول باللؤلؤ كسحابة صيف تائهة ككذبة بيضاء .. كملاك إحترق جناحاه فهوى مرغما على الأرض ، لتجد نفسها ككل مرة أمام خيار( هوبسن ) ، إما أن تأخذ الشيء المعروض عليك أو لاشيء . إستحضرت لحظة رمت الكلمات في وجه والدتها قائلة :
لا أريده
الأم تلطم صدرها إمعانا في إستثارة الوالد كيما ينحاز الى صفها ويحسم النقاش كالعادة لصالحها
تقولين هذا قبل أسبوع من العرس ؟ الأب بنفاد صبر :
أعطني سببا
هناك أكثر سبب .. لا توجد بيننا لغة مشتركة ، أنه لا يفهمني
وهل أنت النظرية النسبية
أبي من فضلك .. أحيانا كثيرة أجده متذبذبا غامضا كذوبا
كل الرجال .. يعمدون أحيانا .. لمثل هذا بحكم الخبرة والتمرس بدهاليز الحياة
اكتشفت أنه غير مخلص .
الأم وهي تطبطب على كتفها ..
البركة بك .. الزوجة الحكيمة هي التي تعين الرجل على نفسه بعد الزواج .
أمي أنه متسلط أناني ثم أني لا أحبه
ما هذا الكلام الفارغ ؟ .. حب ستحبينه بعد الزواج .. أنه عريس تتمناه أي بنت ، أم تريدين أن تعنسي ؟
تنهدت وهي تتساءل في سرها :
لم يخيفوننا بالعنوسة حتى لكأنها أفضع ما يمكن أن يحدث لأنثى .. آه الخوف هو ما يجدر بنا أن نخشاه .. الخوف هو ما يدفعنا للإرتماء في أحضان أسوأ كوابيسنا .
تتأمل الشمعة وهي تحترق بنارها ، وهجها يتشظى يتناثر نتفا من لهيب تلفح وجهها ، والفتاة الموكلة بقص فتيلها منشغلة بمتابعة الراقصين الفتيل يستطيل يهوي ، يلتصق بخاصرة الشمعة ، يبدأ بإلتهامها بشراهة ، الشمعة الهائلة تميل تدريجيا بنصفها العلوي لتهوي فوق الموكيت مشكلة بحيرة من شمع ذائب ملتهب ، الذهول بات سيد الموقف ، الدهشة عقدت الألسن ، الضحكات تجمدت ، إيماءات البهجة ذبلت على حين غرة في الأكف التي تحجرت .. ألنار تمسك بالدواغ والأذرع تحاول إنتزاعه لتدوسه بالأقدام .
في لحظة بعينيها بدأت ترتسم أمامها خارطة خلاصها ، لحظة قد تشكل الإنعطاف في حياتنا وكل ما بعدها يأتي مكملا ونتيجة .. لحظة تحمل في أعطافها سحر ومضة متفجرة شجاعة رافضة مفاجئة .
صوت يشق طريقه وسط الجلبة : - العروس
الأجساد تقترب منها تلتحم ترتطم تقلب المناضد والكراسي .. وكلحن يعزف على كمان وجدت نفسها تنسل من بين الصفوف بخطوات واثقة كأيقاع منتش متعاقب متسارع .. إلتفتت برأسها ناحية الجمع لتلمح بطرف عينها الدواغ يداس بالأقدام يتعفر برماده وهو يلفظ آخر أنفاس الدخان ..
اللحن يعود بتناسقات سماوية ، كلمة واحدة تخفق في رأسها مع دقات القلب المتسارعة .. الحرية .. كلمة زغردت في حنايا صدرها .. كشهقة خلاص .. كصرخة ميلاد .. الحرية ، ليست حرية من جدران ما إنفكت تطاردها ، ولا من صحبة متكلفة ، ولا من مشاعر متحولة كبلت روحها وغمت عينيها عن حقائق مرة ، لكنها الحرية المنبعثة من روح تجردت من الأقنعة لتتوج بجسارة غير آبهة بمزاجية النظرات والآراء و إزدواجيتها ولا بأي نتائج ستأتي بها الأيام .
كانت تجري كفرس برية يسبقها لهاثها المحموم متجاوزة كل العقبات .. لم يكن في مقدورها التكهن بما تخبؤه لها الأيام لكنها استشعرت داخلها قوة تتقبل كل ما سوف يحل بها بروح حرة طلقة تعوم فوق الخوف .



#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصدع
- شعاع الشمس في بحيرة باردة
- في ذكرى رحيل الشاعرة الرائدة نازك الملائكة
- قنطرة الشوك
- لازوردي
- ألق الثريات جمر تحت الرماد
- دوريس لسنغ مناضلة بلا شعار
- وجها القمر
- الليلة الاولى بعد الالف
- غثيان
- مقابلة صحفية اجريت من قبل احدى المجلات العربية
- فجر منقوش على لوح الروح
- مناديل العنبر
- كاردينيا
- النمرة
- الابرة والتشظي
- في الردهة
- عواء ذئب
- - النمرة - قصة قصيرة
- حوار مع القاصة ايناس البدران


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - شمعة العسل